أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - فالح عبد الجبار - الدين والدولة في الصراع على دستور العراق















المزيد.....

الدين والدولة في الصراع على دستور العراق


فالح عبد الجبار

الحوار المتمدن-العدد: 1280 - 2005 / 8 / 8 - 11:35
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


يتشاغل العالم العربي بالمفرقعات، وينشغل العراقيون بالدستور، وسط محيط لا دستوري. وهذه المشاغل ليست سارة تماماً، وان كانت مهمة. ويدقق العراقيون على مواقع الانترنت وفي الصحافة المطبوعة أو الاعلام المرئي، في كل كلمة وفاصلة، بل يمحصون الاسماء أهي نكرة أم معرفة مشفوعة بـ (أل) التعريف. لم يبلغ الصراع على المعاني هذا القدر من الاتساع والتعقيد. وهو اصطراع المفاهيم الجديدة مع ثفالات (الثفالة تعني ما يترسخ في اسفل الكأس أو القنينة من بقايا) الفكر القديم.
استقبل العراقيون بعد جدب فكري حُظر اولى كلمات مثل العولمة، أو دراسة النظريات الاجتماعية، من المفاهيم الجديدة: الفيدرالية، التوافقية، اللامركزية، مثلما استقبلوا مسميات اثنيات واديان ومذاهب لم يألفوا تداولها منذ العهد الملكي (الايزيدية والصابئة والشبك، الخ).
ويتمحور الاستقطاب الفكري على ازواج عديدة من المتضادات: الاسلامية مقابل العلمانية، والمركزية مقابل اللامركزية، أو المركزية مقابل الفيدرالية، وهلمجرا.
وتتركز السجالات اكثر ما تتركز على العلاقة بين الدين والدولة، أو بتحديد أدق هل يكون الاسلام المصدر الوحيد للتشريع، أم مصدراً واحداً من مصادره؟
باتت هذه القضية واحدة من المشكلات الكبرى التي تواجه دول المنطقة، في الفكر والسياسة معاً، منذ صعود الاسلام السياسي في سبعينات القرن المنصرم. فالدساتير في البلدان العربية والمسلمة تورد بند «الاسلام دين الدولة» كتحصيل حاصل رغم ان جل دول العالم (140 دولة مثلاً) لا تورد ذكراً لدينها. ولم تحمل الدساتير العراقية منذ 1925 أي اشارة الى مصادر التشريع. لعل الاستثناء الوحيد هو دستور الجمهورية الثانية (عبدالسلام عارف 1964)، الذي تنص مادته الثالثة على ان «الاسلام دين الدولة والقاعدة الاساسية لدستورها». وكما نعلم ان هذه الجمهورية عرفت العراق بأنه دولة ديموقراطية (بلا انتخابات) واشتراكية (يحكمها العسكر)، وكانت اكثر الجمهوريات تعصباً بالمعنى الطائفي للكلمة، رغم اسرافها في الحديث عن الاسلام.
ويبدو لي ان اصرار ممثلي الاسلام السياسي المحافظين، على ادراج الاسلام (او الشريعة) مصدراً وحيداً للتشريع على قاعدة «ان التشريع لله وحده»، يشبه اصرار العسكر على تسمية جمهورياتهم الاسرية بـ»الاشتراكية» و»الشعبية». فهو ادعاء ايديولوجي بامتياز، نظراً لان تحريم حق البشر الفانين في التشريع ينطبق على القائلين به مثلما ينطبق على غيرهم، وأي استثناء يعني ادعاء نوع من الالوهية غريب.
يخاف الاسلاميون المحافظون العلمانية باعتبارها انكاراً للاديان، وهذا خلط بالالحاد الفلسفي. فهذا الاخير انكار للدين جملة وتفصيلاً. اما العلمانية فليست مذهباً سياسياً بل موقف ودعوة الى تنظيم العلاقة بين الدولة والدين، أو بالاحرى المؤسسات الدينية، تنظيم يرمي الى حماية الدين من غول الدولة، وتمييز المجال السياسي عن المجال الديني، أي الفصل على مبدأ الاختصاص.
ويميل قطاع من العلمانيين لأسباب وجيهة الى استخدام لفظ «الوضعية» أو «المدنية» بديلاً عن العلمانية، لما شاب هذه الاخيرة من ادران بسبب الجهل وسوء النية وتحاملات العوام.
ويضرب موقف العلمانيين أو الوضعيين (وأنا منهم) جــــــــذوره في منطق الدولة الحديثة، الذي يختلف عن النظام السياسي والاجتماعي مما ساد في الامبراطوريات المقدسة، حيث يقوم المركز (المخزن عند المغاربة) بجمع الخراج، وحمايـــة الثغور، وترك الجماعات المعزولة تعيش وفق شرائعها المتعددة، حيث تزدهر المذاهب والمدارس حتى داخل الدين الواحد نفسه.
الدولة الحديثة تقوم على مبدأ المواطنة المجرد، وعلى دستور موحد، شامل، لكل الاجزاء، لا لجزء منفرد، وعلى تقديم الرعاية والخدمات الاجتماعية دون تمييز، واحترام حرية المعتقد، والعبادة، دون مساس بحرية الآخرين. معلوم ان ثمة فوارق كبيرة بين الاسلام كدين، والشريعة، أو بين الاسلام والفقه، ويخلط بعض الاسلاميين خلط عشواء بين هذه المفاهيم.
فالدين منظومة فكرية مركبة، وهو ايضاً مؤسسات تتولى انتاج المعرفة الدينية، كما ان مدارسه الفقهية بالغة التنوع، وتحديدها لمصادر الشريعة غاية في الاختلاف. ويمكن الحديث عن مكونات الدين الفكرية (أي دين) باعتبارها مؤلفة من علم الكلام (المختص بالذات الالهية وخلق الكون) والفقه السياسي (نظرية الامامة أو الخلافة)، فقه العبادات (الفرائض)، وفقه المعاملات (التجارية وعقود النكاح)، لم يعد لعلم الكلام من وجود، على رغم ثرائه الفلسفي. اما الفقه السياسي فان الحضارة الاسلامية عموماً ما عادت تنادي بالامامة في قريش، بينما تميل المدرسة الاصولية الشيعية الى نبذ اساسها القديم عن ان الامامة حكر على الامام الغائب، وان كل دولة في عهد الغيبة باطلة.
اما فقه العبادات فهو شأن لم تعمد دولة معاصرة الى المساس به، رغم ما ينطوي عليه هو الآخر من تباينات بتباين المدارس والمذاهب (من الآذان، الى الصلاة بسبل اليد أم كتفها، الى الزكاة وسبل دفعها، وما شاكل).
حقاً ان فهم معنى الاسلام كمصدر للتشريع يتعدد بتعدد فهمنا لمعنى الشريعة ومصادرها، كما يتعدد بتعدد الاجتهادات داخل مكونات الفقه (الفقه السياسي، فقه العبادات، فقه المعاملات). وهذا التعدد الذي نما عبر تاريخ الحضارة العربية الاسلامية، مفيد لجهة اغناء وتطور الفكر، ان قام على قاعدة احترام التعدد والاعتراف به، ومدمر تماماً ان مشي على ارضية احتكار جهة واحدة للحقيقة، وسيادة هذا الاحتكار حقيقة تفقأ العين.
ان الدعوة لفرض الاسلام (او الشريعة) كمصدر وحيد للتشريع ينطوي ضمناً أو صراحة على حكم رجال الدين لتفسير معنى الاسلام، ووضع فئة واحدة لا تزيد عن بضعة آلاف موضع القيّم على تفكير الملايين، واحلال الاكليروس محل الأمة. وهذا جانب مهم بل اساس عند معالجة مسألة الدين والدولة. فالدين ليس محض منظومة اعتقاد وشرائع، بل هو ايضاً مؤسسات يديرها بشر فانون، لهم من المطامح والمصالح ما لغيرهم، ونظرة على طبقة رجال الدين، او المشتغلين بأمور الفقه، تفيدنا انها، شأن مجتمعها، مبرقشة من حيث منحدرها القبلي، والجهوي، والاثني، وانها تتوزع على المكونات الاجتماعية بين ريفيين محافظين، وحضريين متنورين، وان انتماءاتها الاجتماعية تتداخل بانتسابها الفقهي، والايديولوجي، وهي ليست منزهة عن الغرض البشري والمصالح الاجتماعية وان حصل انسلاخ عن هذا الغرض، فذلك يشكل الاستثناء لا القاعدة.
ونلاحظ ان مساعي «أسلمة» الدستور تترافق مع عمل قاعدي لـ«اسلمة» المجتمع، بفرض الحجاب (المرأة هي الهدف الاول دوماً)، وفصل الجنسين، بل تحريم المصافحة، وغلق دور السينما، ومنع الموسيقى (جرى تحطيم محلات بيع الاشرطة)، وغلق محلات حلاقة النساء، علاوة على تحديد نمط معين من حلاقة الرجال (اغتيل عشرات الحلاقين في بغداد وجوارها).
وبهذا تُختزل الأسلمة سياسياً الى احتكار الفقهاء و/أو الاسلاميين لحق الحكم تنفيذاً وتشريعاً، كما تُختزل اجتماعياً الى اختراق المجال الخاص للفرد، وفرض منظومة قيمية محددة (محافظة في الاغلب) للملبس والمأكل والمشرب وغير ذلك. عدا هذا لا يملك الاسلاميون برنامجاً. وتجد هذه النزعة المحافظة في خدمتها ريفيين مخلوعين يتلذذون برمي بنات الحواضر السافرات بالحجارة، أو فئات هامشية عدوانية، محطمة روحياً بحكم العوز والاهمال، وهي مستعدة لأن تنزل بالهراوات على طالبات الجامعة او تطلق النار على الحلاقين.
وباختصار تتشكل النزعة المحافظة من تحالف عريض لا يقتصر على الفقهاء أو الزعامات التقليدية، اذ ينجذب الى هذه الحركة، في طور صعودها عدد من الراغبين في الافادة من فرص الصعود الاجتماعي.
وحين يجري ذلك في دولة متعددة المذاهب والاديان ومتنوعة في تنظيمها الاجتماعي والقيمي (بين ريف وحضر وبلدات طرفية)، فانه يكون وصفة للخراب.



#فالح_عبد_الجبار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في استشراء العنف الأصولي
- المؤسسات الاجتماعية والمجتمع المدني في العراق
- علي الوردي وعلم الاجتماع
- برلماناتنا وبرلماناتهم
- تجاوز الخوف من الماضي
- العراق: دولة دينية، دولة مدنية...؟
- الأضحية والضحية - أقانيم في ثقافة التعارض
- المشروطة أم المستبدة؟
- الأفندية والملائية بين قرنين
- كرنفال الديموقراطية: حقيقة الأشياء أم مظاهرها
- العراق: مصادر العنف ومآله
- نحن والغرب من إدوارد سعيد إلى محمد عبده
- تأملات في العنف, لا سيما عنف أولئك الذين يفجّرون العراق
- في انتظار البرابرة... في وداع البرابرة
- تأملات في الماركسية
- العراق حيال مسألة الفصام بين الأمة والدولة
- عراق غامض المآلات مُقلق, لكن البعث... لن يعود
- التوتاليتارية، الكلمة الغائبة الحاضرة
- من يقف وراء الهجمات على الأمريكيين في العراق؟
- القتال، التمرد او التلاشي


المزيد.....




- السعودية.. أحدث صور -الأمير النائم- بعد غيبوبة 20 عاما
- الإمارات.. فيديو أسلوب استماع محمد بن زايد لفتاة تونسية خلال ...
- السعودية.. فيديو لشخصين يعتديان على سائق سيارة.. والداخلية ت ...
- سليل عائلة نابليون يحذر من خطر الانزلاق إلى نزاع مع روسيا
- عملية احتيال أوروبية
- الولايات المتحدة تنفي شن ضربات على قاعدة عسكرية في العراق
- -بلومبرغ-: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائ ...
- مسؤولون أمريكيون: الولايات المتحدة وافقت على سحب قواتها من ا ...
- عدد من الضحايا بقصف على قاعدة عسكرية في العراق
- إسرائيل- إيران.. المواجهة المباشرة علقت، فهل تستعر حرب الوكا ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - فالح عبد الجبار - الدين والدولة في الصراع على دستور العراق