أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - محمد عثمان الخليل - عندما شاهدت الجماهير أول مرة














المزيد.....

عندما شاهدت الجماهير أول مرة


محمد عثمان الخليل

الحوار المتمدن-العدد: 4529 - 2014 / 7 / 31 - 19:57
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


كان المشهد مريعاً، وأكثر ما راعني وأنا أشاهده طفلا في العاشرة من عمري هو خروجه من ذلك التلفاز الجميل. تلفزيون "سوني" الملون الذي اشتراه أبي في نهاية السبعينات في لحظة حماسة نادرة بعدما أكلت أمي وجهه عن عدد الجارات اللواتي صار عندهن تلفزيون ملوّن. كان جميلا حتى دون تشغيل ببيته الخشبي الأنيق وبابه الجرار ذي الدرفتين والقفل والمفتاح. كان عالماً سحرياً لخيالي الطفولي يقطنه أمثال السندباد وعلي بابا وتوم وجيري.

كان المشهد مريعاً لأني لم أشاهد قتل إنسان بالألوان من قبل. الحقيقة لم أشاهد قتل إنسان قط من قبل. كنتُ شاهدت محمد علي كلاي يطيح بجو فريزر وسط فرحة عارمة من أهلي، لكن لم يكن ذلك موتاً بالتأكيد. فقد قام جو ومشى مهزوما كسيرا. أما الآن فقد تسمرتُ أشاهد الموت وسط بكاء وشهيق أمي وأختي من حولي.

بنغازي التي عرفتها لسنين قبل ذلك اليوم كانت مدينة بحرية وادعة. لم أرى في سواها حتى الآن كروم تين تتلاطم على جذوعها أمواج البحر الزرقاء. كنت أسمع بعض الهمسات هنا وهناك عن العنف الذي يضرب وطننا في سوريا، سمعتُ أن بعض أهلنا ذهبوا يعتصمون أمام القنصلية السورية. أما بنغازي فكانت في أمان. كل شيء كان طبيعياً في مدرستي. الأساتذة، التلاميذ، صف الصباح ونشيد "الله أكبر فوق كيد المعتدي". حتى اسم جون ترافولتا بين التلاميذ كان طبيعياً تلك الأيام.

ثم بدأنا نسمع عن "الكلاب الضالة". فبدأ الطفل فيّ يتهيّبُ كلاباً شاردة تجول في المدينة. كلاباً مسعورة تعض.

ذلك المساء وعلى الشاشة الملوّنة الجميلة تبددت صورة الكلاب الضالة المرعبة تلك بعدما رأيت أحدها يعترف بأنه كان كلباً ضالاً ويطلب العفو والرحمة.
كان العقيد القذافي قد بدأ زحفه الأخضر الذي أتى على كل مؤسسات الدولة بما فيها القضاء. وهكذا أرسل العقيد "الكلاب الضالة" ليُحاكَموا أمام "المؤتمرات الشعبية" في أحيائهم من قبل أهليهم وجيرانهم وأصدقائهم.

اجتمع هؤلاء في الصالة الرياضية في حيّ ذاك الشاب عاثر الحظ، حي "البركة" وسط المدينة، في ما بدا لي كملعب كرة سلة. ملأ الأهل والأقرباء والجيران والأصدقاء مدرجات الملعب المغلق وجلس هو، شاب طيّار، مصفداً أمام المحكمة الثورية.
المحكمة: ثلة من الشباب والبنات في لباس عسكري زيتوني وسط حشد يهدر: بالروح بالدم نفديك يا عقيد. سألوه أسئلة كثيرة وكان يجيبهم بإسهاب، كما لو أن أحداً طمأنه أنه إن تكلم وتعاون فسيخفف ذلك من العقوبة. فنحن هنا جميعا أهل وإخوة وأنت لم تشارك في شيء كما تقول.

لا أذكر من الحوار سوى أنه قال إن صديقاً كان في الخارج – في الغرب – ظهر فجأة على باب بيته في منتصف الليل يلتجئ إليه وأنه أمّنه وخبّأه. لعله قال لهم ألم تربّونا على إغاثة الملهوف وحماية المستجير؟ سألوه أسئلة كثيرة عن أناس وزيارات واتصالات وأجاب وتحدث ولا أذكر من ذلك شيئاً.

لكني أذكر لحظة زاد فيها هدير الجماهير، من أبناء حيّه، وهم يطالبون بالقصاص ويهتفون للعقيد... لحظة حكموا عليه بالإعدام. أعتقد أنه بكى لكن لم يكن بالإمكان سماع صوته. مشهد مريع سريع حصل في ثوان. لا أعرف من أين جاءت المشنقة. انقضوا عليه بسرعة، بعضهم كان من اللجان الثورية، لكن الجماهير الغاضبة من أبناء حيّه بدأت تهبط إلى الملعب من المدرجات. أخذوه بسرعة إلى المشنقة. إنسان واحد كان يحاول أن يحول بينه وبين هذا المصير. بدت أمه التي كانت تبكي وتتوسل إلى الأيدي والأقدام المتراكضة كآخر ورقة متبقية من الخريف تعصف بها رياح شتاء عاتية. علقوه في المشنقة وتحلقت حوله الحشود... ولا أدري إن هو مات شنقاً أم من الضربات التي كانت تتهاوى من أهله ومحبيه على جسده المتدلي.

يقول بينيتو موسوليني، وهو رجل أحبته الجماهير وهتفت له: "سواء أكانت حشداً أو جيشاً، الجماهير دائما حقيرة."



#محمد_عثمان_الخليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- العدد 553 من جريدة النهج الديمقراطي بالأكشاك
- التيتي الحبيب: قراءة في رد إيران يوم 13 ابريل 2024
- أردوغان: نبذل جهودا لتبادل الرهائن بين إسرائيل والفصائل الفل ...
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 551
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 552
- النظام يواصل خنق التضامن مع فلسطين.. ندين اعتقال الناشطات وا ...
- الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا ...
- بيان مركز حقوق الأنسان في أمريكا الشمالية بشأن تدهور حقوق ال ...
- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - محمد عثمان الخليل - عندما شاهدت الجماهير أول مرة