أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماعيل موسى حميدي - صمت مدوي في قعر الصحراء














المزيد.....

صمت مدوي في قعر الصحراء


اسماعيل موسى حميدي

الحوار المتمدن-العدد: 4528 - 2014 / 7 / 30 - 08:17
المحور: الادب والفن
    


صمت مدوي في قعر الصحراء
....................................
اسماعيل موسى حميدي.....الحوار المتمدن

وأنت تتجهه صوب مدينة الموتى( المقبرة) أحرص ان تحسب وبمهل خطواتك على الارض وان لا تمشي إلا رويدا ولاتتكلم الا بهمس واقطع تساؤلاتك مع نفسك واقبض قبضة المصارع على حسيس روحك وحنين مشاعرك واكتم دموعك في محراب مقلتيك وقلل من حركة أطرافك، واملأ خاطرك تسبيحا وحوقلة وتحميدا ..فضيوف السماء يتوجسون حسيسك،ويستشعرون نشيج همساتك.. فحذاري من ان تفزعهم وهم رقود..أما مشاعرك الدافقة فليس لها من بد في هذا المكان المقفر.. فالاموات في عالم قد الغيت فيه او تبدلت كل الاعتبارات الحياتية.. واااااحسرتاه .. قد فاتتهم فرصة الاستغفار.. وأما انت فبالخسارة اجدر.. لانك من الغافلين ......
وأنت توغل في اقاصي هذه المدينة الطالعة بالرعب في بطن الصحراء والشمس تتربع المكان وتبسط خيوطها الذهبية على حافاتها.. تغدو بين اسراب اشجار الكالبتوز المنحنية والفنارات القديمة والاطلال المخيفة التي هي بقايا رموس بالية نسخت باخرى حديثة ..كأنك تمضي الى عالم البرزخ ،تنغمر في كثبان المكان وغبار الصحراء.. يستقبلك دفانتها بوجوه ذابلة واجفان متربة وجباه مكسرة وشفاه مشققة وهم يخرجون من اكواخهم التي تغمرها الرمال ويحيقها اليأس .. يعتاشون على أنينك ويستبشرون بفراق محبيك ويفرحون لبكائك ويطمئنون لقدومك .. بئس الرزق رزقهم... اطفال متهرئون يستجمعون المال لا تعرف مصدر حياتهم.. وجوه أناس مطرقة مريعة من الموت تزور المدينة ..وأخرى مكفهرة مضخمة بالحزن تغادرها.. ...... بكاء ..عويل .. صراخ ..دعاء..ترتيل ..خشوع.. ..رائحة اسفلت الشارع الحادة المنبعثة بفعل قسوة الشمس تذكرك بتاريخ الموتى بالمعاصي..

المدينة هائلة باهلها وبعيدة بحكمتها واناسها لايتكلمون وليس لهم فوق الارض من حسيس.. صمت مريب يعم المكان وكأن الاموات بصمتهم هذا يقطعون عليك مسافات وحقبا من تساؤلات كثر جالت بسريرتك في يوم ما.. وانك لا تسمع غير خربشات روحك ووساوسها وتقهقرها أمام ما تعهده من حزن يتورع المكان.....تتأمل في تفاصيل المكان تسأل نفسك.. بل تسأل روحك في اي زاوية من هذا المربع ساقبع يا ترى، باي مكان ستلوكني فتات هذه الارض الصلدة في غد توارى خلف ستائر أجل مجهول ،هنا ،أم هناك ،في هذه الزاوية أم بتلك...؟ رباااااااااااه ..كم انت عظيم فلا تجعلني من الخاسرين..

تتسلل بين اسراب آلاف من الناس المنقطعين عن الحياة باقنية متشابهة الانحناءات والمسافات والديكورات سوى اختلافها باسمائها وعناوينها وألقابها وتواريخ موت اصحابها، يقبع العالم بقرب الجاهل والقاضي بجنب المظلوم والحقير بجنب العزيز والمترف بجنب المعوز، والمقهور بجنب المستبد بدهاليز متصارعة وبممرات متوازية ومتصافة الغيت فيها كل الاعتبارات الحياتية وخنعت لارادة واحدة هي ارادة الفناء....فالذي كان بالامس يملأ الدنيا أملا وضجيجا ونفورا واشمئزازا في طلب المال والجاه والعز والخلود والشهوات يقبع اليوم في فنار الدار الاخرى وقد ألم به صمت الارض المطبق ..
ياترى بماذا سيتكلم الموتى لو اذن لهم ذلك ، ماذا سيقولون هل ما زالوا يعرفوننا هل ما زالوا يستغفرون لانفسهم،هل يسمعون انين ارواحنا ..وكيف ينظرون لغفلتنا..ماذا تعني لهم مشاعرنا التي تفيض بها ارواحنا لهم وهم في هذا المحال.. تتبادر الى ذهنك صور الموت المفزعة العظيمة الى هول حكمة أعظم من الموت..تتسربل الى روحك عبارة لا اله الا الله ...تقشعر لها أطرافك ..تصرخ بعمق ...رباااااه من لنا سواك يغفر لامواتنا الذنوب..

تقف ببسالة أمام احد القبور..تضعف..تستقوى .. تفيض بالحنان.. تغدق بالدموع ..تتسلق ذاكرتك أحداث كثر لمن تحب وتحدق امام عينيك ذكريات سالفة.. تتكلم ..تسأل ..تصارع نفسك.. فلا من مجيب ..تنكب مغشيا بالحنان تتمسك بحافات الجدران..تستقيم الشمس القاسية على زاوية رأسك..تأخذك العزة بالدنيا..تقف مهضوما ..تتشدق بلا حول ولا قوة الا بالله..
تنظر الى السماء بحزن شفيق ..تلوح لناظرك بين فروج السحب صورة الشمس الواجمة في كبد السماء....ياترى كم حجم المسافات بيننا وبين السماء ..بيننا وبين رضا الله .. بين من يعيش على اديم الارض ومن يقبع في باطنها.. تطرق ببصرك الى الارض تبدو امام عينيك صورة ممتدة طويلة لاسراب قبور منتظمة تلتقي مع افق الصحراء بنهايات تتشابك مع رؤوس اشجار عطاشى تحف المدينة، أشجار مهيبة كإنها حراس الموتى..اشجار تتفق مع الموت في صمتها ،ما اعجب هيبتها، تدفن في الارض عندما تكون بذورا كي تحيا ،ويدفن الانسان في الارض عندما يموت .. يموت الانسان وهو مطروح على الارض، وهي تموت واقفة قائمة وهذا سر شموخها وكبريائها..
تتجلى امامك صورة عنيدة تأبى ان تنقشع بيسر من عينيك .وكأن الاموات يسمعون نشيج روحك.. فليس لك من بد سوى حزن مهول امام حقيقة تأبى النفس ان تتجرع مرارة صورتها ..تشبك عشرك على رأسك ....رباااااه اني كنت ممن عصاك فكن لي من الغافرين.. رباااااه هل ساكون حقا من الخاسرين ... رباااااه ..انت بعبادك العاصين ألطف ..كأنك تسمع صوتا مدويا في قعر الصحراء ..إنها أرواح الموتى تردد بخفية....آآآآآآآآمين.
..

















#اسماعيل_موسى_حميدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لانك كذبة نيسان
- الدكتور عباس ابو التمن مسيرة عطاء لن تمضي
- بمناسبة عيد الام
- حيوا معي بطلة البادية --فاطمة الشمري-
- إحتفالات المسلمين برأس السنة الميلادية
- يا ناس اليوم مات كلاشنكوف
- في ذكرى رحيلها ..بهيجة الحكيم في الذاكرة الجمعية
- بيروقراطية منحة الطلبة
- الاستقالة الرابعة
- لمسة ابداع
- كلية الرافدين بحاجة الى تعديل
- الوجه الآخر
- للمنصب قضية
- موت على طريقة -البو عزيزي-
- رسالة بلون الدم
- الزوج يريد تغيير المدام
- شهداء حلبجه يتظاهرون
- المعنى في لغة الطفل، تكونه، وقياسه
- دراسة في المذكر والمؤنث
- أزمة ذوق


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماعيل موسى حميدي - صمت مدوي في قعر الصحراء