مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 4528 - 2014 / 7 / 30 - 08:15
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
الإضراب العام
تحتل فكرة الإضراب العام الاجتماعي الثوري مكانا مركزيا في الفكر الأناركي النقابي . و هي تمثل نقطة القطع بين الاشتراكيين الذين يريدون الاستيلاء على السلطة - سواء بالوسائل الديمقراطية أو الثورية - و بين الذين يريدون تدمير الدولة قبل إقامة الشيوعية التحررية . إنه , بالنسبة للأناركيين النقابيين , إعلان استقلال الحركة العمالية , استقلال يمكن إنجازه فقط بجهود الطبقة العاملة نفسها . و فكرة الإضراب العام كطريقة لتغيير المجتمع جذريا أقدم من السينديكالية ( النقابية ) نفسها بكثير . كانت بريطانيا أول بلد تحول إلى الصناعة لذلك تطورت الطبقة العاملة هنا أولا و سبق تطور النقابات في بريطانيا كلا من الأناركية و الماركسية . في عامي 1799 و 1825 أصدرت الحكومة البريطانية قانونا سمي بقانون التجمعات , في محاولة منها لمنع نمو منظمات الطبقة العاملة ( اسمه قانون منع التجمعات غير القانونية للعمال , و الذي حظر النقابات و التفاوض الجماعي من قبل العمال - المترجم ) . تشكلت أول نقابة أعلنت أن هدفها هو إسقاط الرأسمالية في بريطانيا عام 1834 . كانت النقابة الوطنية الكبرى الموحدة اتحادا نقابيا ثوريا يهدف إلى تشكيل كومونولث تعاوني من العمال يستولي على وسائل الإنتاج و التوزيع . و هذه الأهداف تتوافق بكل وضوح مع فكر نقابيي القرن العشرين . في ذروتها وصلت عضوية تلك النقابة إلى خمسمائة ألف عضو , يعملون في عدد من الصناعات , مثل عمال المناجم , الخياطين , الخبازين , و عمال الغاز . كما طورت تلك النقابة الموحدة الكبرى أول تجسيد لفكرة الإضراب العام الاجتماعي , أو "العطلة الوطنية العامة أو الكبرى" , التي كان ويليام بنبو أول من اقترحها في انكلترا عام 1832 . فحوى الفكرة أن يتوقف كل العمال عن العمل في يوم متفق عليه مسبقا . و أن هذا سيوقف عجلة النظام الرأسمالي و يسمح للطبقة العاملة بأن تتولى الأمور . رأى بنبو أن إضرابا عاما لمدة شهر سيؤدي إلى انتفاضة مسلحة و إلى تغيير النظام السياسي . و استخدم كلمة "عطلة" ( أي يوم مقدس بالانكليزية ) لأنه اعتبرها الفترة الأكثر قداسة لأنها ستكرس السعادة و الحرية" . و رأى بنبو أنه خلال شهر العطلة هذا ستمتلك الطبقة العاملة الفرصة "لتشرع لكل الإنسانية , و تضع دستورا .. سيضع كل البشر على قدم المساواة . حقوق متساوية , متع متساوية , كدح متساوي , احترام متساوي , و نصيب متساوي من الإنتاج" . أقنع بنبو المؤتمر الوطني للتشارتيين ( التشارتيون أو الميثاقيون : حركة عمالية نشطت في بريطانيا من ثلاثينيات إلى خمسينيات القرن التاسع عشر - المترجم ) للدعوة إلى عطلة وطنية عامة في الثاني عشر من أغسطس آب 1839 ثم جال في البلاد محاولا إقناع العمال بالمشاركة في الإضراب . عندما ألقي القبض عليه و على جورج هارني بتهمة إلقاء خطب تحريضية تم إلغاء الإضراب العام . في عام 1842 جرى إضراب عام و شارك فيه , في ذروته , نصف مليون عامل . تعطلت المصانع و المناجم في منطقة امتدت من دندي , إلى لانكاشير و ستافوردشاير , التي أصبحت معاقل الصراع , حتى جنوبي ويلز و كورنوال . رغم أن المؤرخون يشيرون إلى تلك الأحداث استخفافا على أنها "اضطرابات مؤامرة فك البراغي" ( سميت لذلك لأن العمال قاموا بفك بعض البراغي من آلاتهم ليوقفوها عن العمل - المترجم ) , لكن ما حدث كان في الواقع أكثر أهمية بكثير . كانت تلك هي الحركة الصناعية الأضخم في بريطانيا - و ربما في كل مكان - في القرن التاسع عشر و أول إضراب عام في التاريخ . ثم جرى تجاوز فكرة بنبو في بريطانيا بعد ذلك مع تحول النقابات إلى الإصلاحية - تلك الإصلاحية التي انتهت بتشكيل حزب العمال . لكن الأناركيون أخذوا فكرة الإضراب العام . قام نجار أناركي اسمه تورتيليه بتعريف الحركة العمالية الفرنسية على الفكرة و جرى تبنيها من الأناركيين النقابيين في الكونفيدرالية العامة للشغل . كان الاناركيون النقابيون هم من طور تلك الفكرة الى نظرية أكثر وضوحا . أولا جرى الإقرار بأن الدولة لن تجلس متفرجة و تستسلم بسلام . إذا لم يجر تجويع العمال ليتم إخضاعهم فإن الدولة ستتدخل و تستخدم القوة المسلحة لتكسر الإضراب . ثانيا وجدت فكرة التخطيط المسبق للإضراب ليبدأ في يوم محدد على أنها غير عملية لأن الدولة ستتخذ إجراءات وقائية بلا شك . رأى الأناركيون النقابيون أن الإضراب العام سيقع بعد فترة ستقع فيها سلسلة من الإضرابات و الاضطرابات العامة . سيتصاعد التوتر أثناء هذه الفترة و تتزايد حدة الإضرابات و شدتها . سترد الدولة بقمع أقوى و سيرد العمال بتصعيد مطالبهم و مقاومتهم . سيتطور وضع ثوري و سيضيق الصراع إلى صراع بين الدولة و بين الطبقة العاملة . عندها سيقوم العمال بالهجوم , و ستتحول الإضرابات المنفصلة إلى إضراب عام , سيتم الاستيلاء على المعامل و مراكز الاتصالات و النقل و ستوضع بخدمة الطبقة العاملة . سينظم المجتمع توزيع المواد الضرورية و ستشكل الميليشيات للدفاع عن الثورة . هذا يعني أن الطبقة العاملة ستبادر بالهجوم و لن تكتفي بانتظار انهيار الرأسمالية و الدولة . لهذا يرى الأناركيون النقابيون ضرورة التنظم في نقابات ثورية . رغم أن الإضراب العام سيكون عملا عفويا لدرجة كبيرة مثل انهيار سد هائل , لكن يجب على العمال أن يستعدوا له . بكلمات أخرى سيكون مستحيلا تنظيم الإضراب لكن يجب أن نتنظم لأجله . ستكون النقابة الثورية هي المنظمة التي سيستخدمها العمال لمحاربة الدولة أثناء الإضرابات و عندما سيأتي الوقت ستشكل إطارا للتنظيم سيتطور من خلاله المجتمع الجديد . و هذا ضروري أيضا لمنع حدوث فراغ في السلطة يمكن للنخب السلطوية أن تستفيد منه لتفرض سيطرتها . أظهرت التجارب المريرة أن الدولة ستسجيب للإضراب العام بتدخل قوي ( مسلح عند الضرورة ) . كيف يمكن للإضراب العام أن يتجنب معركة مفتوحة بين العمال و الدولة ؟ لن تستسلم الرأسمالية دون قتال . و ستواجه الطبقة العاملة بإعلانها الحرب . سيحتاج العمال هنا إلى خبرة التنظيم الذاتي لمواجهة كل ذلك . الحاجة إلى العفوية لا تتناقض مع الحاجة إلى التنظيم . سيكون التنسيق ضروريا لتأكيد التوقف المتزامن و الشامل عن العمل عندما تحين اللحظة الحاسمة و أيضا لتلبية حاجات المجتمع . فقط الأناركية النقابية يمكنها تقديم ذلك . لماذا فشل الإضراب العام لعام 1926 في بريطانيا ؟ ليس لأن العمال لم يضربوا . كان عدد من لم يلتزم بالإضراب قليل جدا . و كانت محاولة الطبقات الوسطى التعويض عن المضربين تافهة , و سرعان ما كانوا يحطمون الالات التي كانوا يشغلونها . كان واحد بالمائة فقط من القطارات تسير , لقد تسببت أيام الإضراب التسعة بفوضى في السكك الحديدية لشهور قادمة . و كان الانهيار أكبر من ذلك الذي سببته الغارات الجوية لعامي 1940 - 1941 على لندن و احتاجت إلى وقت أطول لإصلاحها . لم يستطع الطلاب و لا تافهو الطبقات الوسطى تعويض عمال النقل , و بالتأكيد لم يكونوا ينوون الحلول مكان عمال المناجم . لم يفشل الإضراب بسبب تراجع معنويات العمال . كان عدد العمال المضربين أكبر بكثير في اليوم الأخير للإضراب منه في يومه الأول و كانت روح التصميم أقوى . فشل الإضراب فقط لأن قادة النقابات قاموا بإلغائه و لم يتعلم العمال ألا يثقوا بهؤلاء القادة . أسوأ من ذلك , كانت الأقسام الأكثر أهمية من المضربين منظمة في نقابات و كان هؤلاء متعودين على تلقي التعليمات من موظفي تلك النقابات . لقد خانت القيادة الإضراب .
نقلا عن موقع فيدرالية التضامن , الأناركية النقابية , البريطانية ..فيدرالية التضامن , فيدرالية أناركية نقابية في بريطانيا , تشكلت عام 1994 , بهدف بناء حركة تضامن غير هرمية لاسلطوية .
http://www.solfed.org.uk/the-social-general-strike
عن تجارب و خبرات تحول الإضرابات العامة إلى أشكال تنظيم ذاتي للمجتمع , من خلال تحول لجان الإضراب إلى مجالس عمالية لإدارة الإنتاج و التوزيع مباشرة , يمكن الاطلاع على
https://libcom.org/library/mass-strike-new-society-jeremy-brecher
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟