أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ماجد المذحجي - التفكير في فكرة الرقيب الاخلاقي














المزيد.....

التفكير في فكرة الرقيب الاخلاقي


ماجد المذحجي

الحوار المتمدن-العدد: 1279 - 2005 / 8 / 7 - 12:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تنهل فكرة الرقيب الأخلاقي امتيازها الأساسي من موقع تمييزي للإفراد في أي مكان.. فهو مختص بفرز الناس إلى صالح وطالح وفق المعايير السائدة بالمعنى الاجتماعي ( وهي المعايير التي يجب إقرارها دون تفكير وضمن منطق تسليمي تماماً ).. ويقوم بتوقيع فعل الإدانة تجاه أي تعبير أو سلوك أو موقف متناقض مع هذه المعايير الجمعية عبر التشهير أو التعتيم ( التشهير يتم بالتعريض بسمعة الشخص المضاد للأخلاق العامة، والتعتيم عبر إقصاء مقولاته ومنعه من التواجد على المشهد العام باتجاه إلغاءه باعتباره يمثل بذرة خراب ).
الرقيب الأخلاقي يلعب دور حامي القيم المكرسة.. ويأخذ سلطته من تعاقدات أخلاقيه اجتماعيه مكرسه استقرت على مجموعة من التوصيفات لما هو صحيح وما هو خاطئ.. وهو لا يقبل المساومة في هذا الاستقرار ويرفض أي فعل أو تعبير يمكن أن يهدد هذا الاستقرار أو يخدش أمانه وركوده.
يأخذ هذا الرقيب أيضاُ امتياز العقاب.. فأي فعل لا أخلاقي هو ليس فعل غير مستساغ فقط، بل فعل يجب تقويمه عبر أداة عقابيه تختلف ملموسيتها بمدى السلطة الممنوحة له، والقوة المتوفرة تحت يديه. فالرقيب الأخلاقي الديني يتوفر على سلطة الجلد والرجم والنفي.. والرقيب الأخلاقي الاجتماعي يتوفر على سلطة التشهير الاجتماعي والمقاطعة والعزل على المستوى النفسي .. والرقيب الأخلاقي الإعلامي يتوفر على سلطة الحذف والمصادرة والمنع من النشر. وهذه التعبيرات كلها تعتمد على قدرتها الرمزية بالإدانة. فلا يمكن استخدام أي تعبير سلطوي أو أي شكل من أشكال القوة المتوفرة إلا بعد يتم إقرار فعل الإدانة الأخلاقية للطرف المُعاقب وهو ما يوفر لإجراءاته الشرعية اللازمة. أي بعد أن يتم فرزه عن المجموع الصالح وجعلها عرضه للتساؤل. أي أن الرقيب الأخلاقي هو قاضي وجلاد في نفس الوقت ويتحصل على سلطه هائلة تحدد مصير الفرد الذي بين يديه على المستوى الاجتماعي وحتى على المستوى المادي في الأشكال المتطرفة من هذا الرقيب.
أن فكرة الرقيب هي فكرة متعالية عن حق البشر بالاختلاف عن السائد، وهي ترفض حق الإنسان في تجريب الأخطاء، وتعتمد على مبدأ أن الإنسان خاطئ بالضرورة، ويجب مراقبته وتقويم سلوكه، وهي لا تقر أبداً الحقوق الفردية، وتعتمد دوماً على فكرة أن السلوك الأخلاقي هو حق عام وليس حق شخصي مرهون بكل شخص على حده. وهي في بنيتها تريد توحيد القطيع في خط واحد دون أي انحرافات.
الفرد بالنسبة له فكره غير مكتملة الشروط والحقوق.. إنها فكرة صبيانية لا تمتلك أدنى حق بتشكيل سلوك خاص باعتبار أن أي سلوك خاص هو سلوك نافر عن الخط العام.. الفرد شخص شاذ عن الرؤية الجماعية المنمطة والمتشابهة تماماً.. إنه يثير القلق دون داعي ولا يقدم شيء هام للجماعة لأن هذا يتعارض مع فكرة الاستقلالية الأساسية بالنسبة له ( بالنسبة للفرد طبعاً ) ولهذا يجب حصره وإدانته.
لا يحب هذا الرقيب أن تتم مُسألته، فهو يعتمد على التعميم في الأحكام وفي التقييمات التي يكرسها.. وأي موقف مضاد لما يريد أن يكرسه يجب أن يُتجاهل لأنه يهدد سلطته الرمزية، وإذا استدعى الأمر فيجب إلغاء هذا الصوت المضاد من خلال موقعه المتعالي وسلطته التي تتيح له الحسم والتقرير النهائي للنتائج، و هي السلطة الضمنية التي تتيح له تقييم ماهو مهم وغير مهم.
إن الرقيب الأخلاقي يعادي التفكير الفردي، فهو متناسل من منطق شمولي وحين يبرر فهو يلجئ إلى الجماعة.. لا يطرح وجهة نظره بل يتحدث عن الأضرار العامة والمفاسد التي ستترتب على الجميع. انه يتحدث دوماً بصوت جماعي ولا يمكن تمييز صوته الخاص.. ويستند باستمرار إلى الثقل الرمزي للجماعة التي يمثلها حين يريد تقرير المسائل بشكل نهائي إذا وجد هناك اختلاف. إن الصالح العام هو شعاره الأساسي وأي تعارض فردي مع هذا الصالح العام يجب إلغاءه لصالح هذا العام مهما كانت النتائج. وفكرة الصالح العام فكرة تعميميه، وهو يلجئ إليها لأنها لا تتيح للأخر القدرة على تفكيكها باعتبارها غير منضبطة وغير واضحة المعالم والحدود. إنها تتيح له التصرف بمسالة تفسيرها وتحديد ما يترتب على هذا التفسير.
الرقيب الأخلاقي ابن الأكثرية.. لا يتواجد ضمن منطق التوازنات ( ذات التفسيرات المتناقضة فيما بينها، والتي تتعايش مضطرة ضمن عقد متعالي على تفسير طرف واحد للأشياء ) .. إنه ابن التفكير الجماعي الأكثر عدداً.. يستثمر الصوت الأكثر غلبه ويتبناه ولا يريد لنفسه أو للآخرين معارضته.
إنه راسخ.. لأنه ابن تقاليد عريقة تم إقرارها منذ آماد زمنيه طويلة.. إنه عالي القيمة لأنه يحافظ على الجماعة من التعدي.. انه يحافظ على الاطمئنان ويكرس حق الكل في إلغاء أي شيء منفر وغير متعارف عليه أو غير مستقر عليه بالمعنى الاجتماعي. إنه مميز لأنه يمثل الضمير الأخلاقي النقي الذي يحق له إدانة الآخرين باعتباره غير ملوث أو يمثل الضمير الغير ملوث. إنه ذكي يجيد نقل الإحالة إلى الجماعة حين تتعارض معه على المستوى الشخصي. لا يمنح الفرصة للمختلف، ويجيد إدارة لعبة الإلغاء استناداً لاستثماراته الجماعية بالمعني الأخلاقي. انه جماعي حين يريد لأنه يمثل الغيرة على حق الجميع.. إنه فردي لأنه يمثل رفضه الشخصي لخدش أمانه وحقه الشخصي ( طبعاً هذا الأمان والحق الشخصي يتطابق مع الأمان والحق العام!! ).

إن الرقيب الأخلاقي هو احد أدوات التفكير الشمولي الذي يوزع المراقبين على كافة أنواع العمل والتعبير والسلوك الإنساني كي يتم ضبطه ضمن منطق واحد يستقر فيه هذا الفكر الشمولي ويزدهر، وأي خروج عن سلطة هؤلاء المراقبين فيه تهديد لهذا الاستقرار الذي يريد هذا التفكير الشمولي تثبيته.



#ماجد_المذحجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ستولد من أحبها من ضوء قمري أو من قدح
- الحزب الاشتراكي اليمني وتشكيل تراث الخيبة
- المشاهد التي يُمكن أن أنتبه لها للحظة
- بطاقة تخصني وتتعلق بما أنا علية
- الرواية في فخ التجريب والحنين..واسيني الأعرج يأكل مصير أبطال ...
- مطلع أغنية جاز يغنيها رجل أسود.. وحزين
- محاوله في تلقي لغة لم تُجهز من خارجها..عن نص ( أكاذيب نونزاي ...
- بنية مغلقه.. و تحيزات جاهزة... عن المشهد الثقافي السوري
- الخفة كحاصل ضرب الشاعر برسائل الفتاة المراهقة
- هوامش ثلاثه عن انطفاء الرجل الذي غادر
- التفاصيل باعتبارها ملاحظات يكتبها الرجل الضجر
- عن التهديد بالقتل للصحفيين اليمنيين.. الإقصاء والعنف مفردات ...
- فن السينما... النشاط البصري كصناعة ثقافية
- طروادة فولفجانج بيترسن وإعادة كتابة الأسطورة بصرياً
- الحوثي وعلي عبدالله صالح... لصالح من تنهش اليمن؟؟؟
- أفكار في السماعية والنص الشعري
- الرئيس اليمني يهيج القوات المسلحة والأمن على المعارضة والصحف ...
- أغمض قلبك عن وشاية الريح
- مكسوراً كما تريد الملامة
- عن الوقت الذي يمضي فاخراَ ودون انتباه


المزيد.....




- هل كان بحوزة الرجل الذي دخل إلى قنصلية إيران في فرنسا متفجرا ...
- إسرائيل تعلن دخول 276 شاحنة مساعدات إلى غزة الجمعة
- شاهد اللحظات الأولى بعد دخول رجل يحمل قنبلة الى قنصلية إيران ...
- قراصنة -أنونيموس- يعلنون اختراقهم قاعدة بيانات للجيش الإسرائ ...
- كيف أدّت حادثة طعن أسقف في كنيسة أشورية في سيدني إلى تصاعد ا ...
- هل يزعم الغرب أن الصين تنتج فائضا عن حاجتها بينما يشكو عماله ...
- الأزمة الإيرانية لا يجب أن تنسينا كارثة غزة – الغارديان
- مقتل 8 أشخاص وإصابة آخرين إثر هجوم صاروخي على منطقة دنيبرو ب ...
- مشاهد رائعة لثوران بركان في إيسلندا على خلفية ظاهرة الشفق ال ...
- روسيا تتوعد بالرد في حال مصادرة الغرب لأصولها المجمدة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ماجد المذحجي - التفكير في فكرة الرقيب الاخلاقي