أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي ياسين عبيدات - قصي اللّبدي في دائرة الموت المُستّطيلة حفرٌ في قصيدته (مُقايّضة)..















المزيد.....

قصي اللّبدي في دائرة الموت المُستّطيلة حفرٌ في قصيدته (مُقايّضة)..


علي ياسين عبيدات

الحوار المتمدن-العدد: 4525 - 2014 / 7 / 27 - 14:08
المحور: الادب والفن
    


قصي اللّبدي في دائرة الموت المُستّطيلة

حفرٌ في قصيدته (مُقايّضة)..


مًقايضة، قصيدة من ديوان قصي اللبّدي الذي صدر مؤخراً، والموسوم بـ "فرد في العائلة" والصادر عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في هذا العام، والمقايضة هنا بمثابة مونولوج داخلي يقود أطراف حواره وينطق به الشاعر نفسه، لتكون المقايضة بين دهشة المُرّحل عن الدُنيا والذي يا حبّذا لو بقي فيها، ويتكلل هذا المونولوج بثنائيات متعددة، الأنا والآخر، البقاء والرحيل، الوجود والعدم، الإستسلام والتمرد،، وتدوم هذا التناقضات دوام القصيدة ومع تسربل مفردات بوح صاحبها الخافت، ففي بوابة قصيدته يبدأ بين الرافض والموافق على الموت، واضعاً "إذا" بين رغبته في الموت أو عدم وصوله:

(1)
تعال، إذا شئت، في أي يوم،
سوى الثلاثاء،
يصادف ُ يوم الإجازة.

الأربعاء، أو السبت،
لا فرق.

ولعل الإحتمالية بين (أن يأتي الموت أو أن لا يأتي) لا تخدم عدم خوفه من الموت واستعداده له بقدرما تخدم أمنيته الخفيّة في أن لا يأتي الموت أبداً، فقد رحب بالموت عبر تخييره له، لكنه عاد ليحدد له يوماً محدداً يستقبله فيه، فهو لا يتمنى ملاقاته إلا يوم الثلاثاء (يوم الإجازة) وما الموت إلا انقطاع عن العمل وسكون مُطلق، فهو لا يحبذ الموت مرتين، مرة في يومه الذي يعمل فيه، ومرة أخرى في موته الدائم والذي لن يعمل فيه أبداً، لذا فهو يختار يوم الإجازة ليتوقف عن عمل واحد على الأقل.



ويستمر حوار الفريسة مع موتها المُحبب والمُسرع، ليقدم لموته العروض المُقنعة، فهو يختار الوقت ويُزكي ما قبل الظهيرة أو ما بعدها كأنسب الأوقات للنهاية:

(2)
أترك لك الوقت:
بعد الظهيرة،
أو قبلها.

والظهيرة هنا غواية الحياة ورمز امتلاء الشمس واليوم بالطاقة، فهو لا يُحبذ أن يموت قوياً ساطعاً. وعبر الوشاح "الفرويدي" الذي بدأ يكلل معزوفته الوجدانية هنا، سنرى الشاعر متمنياً الموت ومحبذاً أن يموت دون أن يدري..! فإما الموت في صباح النيام (قبل الظهيرة)، أو في ليل السِتر الساترِ على من يموت ومن يعيش (بعد الظهيرة)، ليموت بسلام وهدوء، وقد بدأ هنا اللاشعور يفعل فعلته بكل ما فيه من غرائز لحب الحياة والتعلق بها، وبكل ما يتبعه من شعور يحاول أن يظهر صاحبه متوازناً لأن لا يكون انعكاساً لضعفه، فقد حافظت الأنا الأعلى على هيبة أناها الوسطى في اختيار الوقت الذي يتواءم مع التواري عن عيون الأحياء والموت بسلام -دون شماتة على الأقل- فذروة الضعف أن يموت المرء وحوله الأحياء. وتتجلى حالة التكهف مع الموت أكثر في اندلاق سبل الموت التي يتمناها وستستر عليه:

(3)
ولتكن خاطفاً، مثل حادث سيارة،
أو
بطيئاً
كغسل الكلى
آه،
لا تعتبرها مقايضّة.



قدم طريقة الموت بحادث السيارة (كنايةً عن السرعة) على طريقة الموت عبر غسل الكلى (كناية عن البطء)، وهذا التناص "حادث السيارة" جاء في قول لدرويش: "وخسرنا فلسطين بحادث سير"، كناية عن السرعة التي ضاعت بها، فحادث السيارة لا يتجاوز الثانية أو الثانيتين، وباب السرعات رحبٌ وكبير كأن يقول المُتنبي: "فافترقنا حولاً فلما التقينا .. كان تسليمه علي وداعا" فهو يحبذ الموت السريع أكثر والدليل تقديمه (العرب إذا أحبت شيئاً قدمته)، فبمعية الموت السريع ستبقى أناه المثالية في كامل مهابتها وسيمر الموت كطيف حلمٍ يقض.

أما الموت على طريقة غسل الكلى فجاء في المرتبة الثانية، ودائما ما تكون الخاتمة على خلاف ما يطمح المرء إليه، خصوصاً إن كان الطامح شاعراً، فكانت أسوء الإحتملات أصعبها وأقساها وآخرها، سيما أنها لم تعد مقايضة مشروعة، فبين المُقايِضِ والمُقّايضْ ألفُ بون...!

بدأ الإستسلام التدريجي بعد أن فقدت المقايضة طرفها الأضعف، عبر بنية المضارعة التي بدأت في المستقبل البعيد (سوف) ثم في المضارع الأقرب (أطلق) لتنتهي بالآنية والملموس (الآن)، وكان صخب الشاعر الوجداني يهادن أولاً بأول، وهذا التدرج بمثابة المشي صوب القدر الذي لا فكاك منه، فهو الآن يتدرج في المواجهة التي أرغِم عليها دون مقايضة:

(4)
سوف أمضي إلى مرتقى ما
وأطلق أغنيتي
في الهواء:
"من الآن كوني حياة حقيقة"

وأسرّح رفّ طيور، عليه ثلاثة أسماء:
بورخيس، ريستوسُ، والمتنبي.

لنا أن نرى في هذه الأغنية، المشي إلى الخلاص (المصير) والعلو والأماني التي تطال أبعد ما في النفس وأسمى ما يمكن تحقيقه في "الحياة الحقيقة" والتي أُلزِم الشاعر على الإيمان الصرف بحقيقتها المُطلقة منذ بواكير انهزامه وبعد شرخ مقايضته التي ادعاها متحايلاً على الآخر المُحدق به (المرآة والتحديق).

وبعد هذا الغناء، بدأ يمارس طقوس استجلابه لمن يتقاطع معهم (من وجهة نظره) فالطيور السابحة في علو ما للنفس وما عليها، محصورة في "بورخيس" ذاك الشاعر الأرجنتيني الذي مات على أثر اصابته بالسرطان وحيداً وفقيراً بعد مجدٍ شعريٍ ترف، والآخر ليس بأفضل منه "ريتسوسُ" اليوناني وهو الشاعر المناضل والميت بالسرطان في عزلة قسرية، والأخير كان المُتنبي أول شهيد للشعر ومن قضى بين أبيات شعره. وقد اختارهم الشاعر قاصداً وبعد حفرٍ في الذاكرة، باحثاً عمن يناسب مرحلته الشعرية وحالته الصحية وانطلاقة روحه الصارخة بوشاح أخرس.

طيران الطيور هنا يعبر عن بوابة المبهم المُطلق الذي هو في صدد المضي صوبه، فقد صار يتحدث عن المتروك والمُخّلف. فمنه ما لا قيمة له (ليس من اللائق الآن تعدادها)، ومنه زوادة الشاعر وما لا يفارقه (المرأة والكتاب) والمرأة لم تكن واحدة بل جاءت مثنى، ولو فتحنا باب التأويل لوجدنا غير احتمال: المرأة الأم والأخرى الشريكة، المرأة الزوجة والمرأة العشيقة، المرأة التي تركت له أثار مكوثها السالف والأخرى التي مرت برسم العبور..! وكذلك العذاب الخاص بإحداهن والمرهون أيضاً بهويتها المدرجة ضمن الإحتمالات:

(5)

وأترك ممتلكاتي القليلة (ليس من اللائق الآن تعدادها)..
وكتابين
وامرأتين،
(تعودت تعذيب إحداهما).

لتظل الثلاثاء خالصة لي،
مثل صلاة.

إن الحديث عن المتروك قبل أن تقع واقعة الترك، ليس إلا يقيناً بأن الترك قادم لا محالة وأن الغياب حقٌ لا جمجمة فيه ولا مندوحة من التباكي على موعد وصله المؤكد (بين تأخره واستعجاله) فثلاثاء الموت هو اليقين الذي تتشح فيها القصيدة من أولها لآخرها باعتبارها فرض على بطلها الذي سيموت كفرض إحدى الخمس:

(6)
سأترك مفتاح سيارتي
(سيكون على أحد ما، تفقد مساحتيها وزيت المحرك).
أترك أدويتي.
أيها الكورتيزون: سأنزل
عن ظهرك الآن.

يعم السكون في إهليجية الغياب هذه، كأنه رثاء للنفس وحيواتها. ومن معالم السكون: تركه لمفتاح سيارته (موت الحركة)، ورعاية مساحات السيارة عينها، وتفقد زيت المحرك. فمفتاح السيارة المتروك هو الحركة التي ستُشل، ومساحتا السيارة تربطهما علاقة بالماء ( الماء الديمومة والحياة) لن تعملا لاحقاً، والزيت المسؤول عن تحريك المركبة ككل (الحركة المطلقة لهذا المُقبل على الموت) سيكون بحاجة لمن يتفقده، وهنا شللٌ تام وسكتةُ قصوى.

كان للشاعر ما يسد رمق خوفه من الموت (الدواء) وها هو يعلن عن تركه والتخلي عنه، فما فائدته بعد أن صار الداء بلوة غياب، كما أن الملكان المرتبطان بحياته ورقابته السرمدية قد تقاعدا بأمر منه، وقد انتهت المهمة بعد أن توقفت مناوبة الظل والنور (جمود الزمن)، فقد أمضى عمراً كاملاً في البحث عن خلوده في الشعر وما نفعه الوقت الذي أمضاه في البحث عن خلوده، فقد سرح بعض القصائد للطيران ولم تفلح في ذلك، وكما قال ماركيز "لا يمكن للأدب أن يحل مشكلة الموت":
(7)
أوقف وردية الضوء والظل:
يا حارسي القديمين
شكراً،
تقاعدتما.
وأسرح بضع قصائد
علمتها الطيران
فلم تتعلمه.
تلتئم أوصال رثاء الذات عبر هذه النهاية التي تصادق على الوداع وعلى نهاية البداية، ليرى يوم الثلاثاء (الذي اختاره) على صورة النهاية الأكيدة والحتميّة، آملاً أن لا يرتكب أي خطأ فيه لينام نوماً هانئاً كأنه حصى، وأن لا يخطأ في يوم الثلاثاء فهذا يعني أنه أخطأ في الإثنين –مثلاً- ..! وأن يصل إلى مرحلة الخطأ والصواب (الثواب والعقاب) فهذا يعني أن معزوفة رثاء ذاته اكتملت وأن المُقدر ومن حاول التحايل عليه قد قضي أمره "لينام كأنه حصاة"، والحصاة أجمل من الطين، فالطين بداية ونهاية المخلوق إلا أنه اختار هيئة الحصى لنفسه ليكون موته موتا جميلاً، فالحصى أجمل والجمال مُراد الشاعر الذي بحث ويبحث عنه حتى إن كان قيد الغياب.

عش أبداً يا قصي اللّبدي فمن المحزن أن تغادر الزهور...!


علي عبيدات
(كاتب ومترجم عن الفارسية)
[email protected]



#علي_ياسين_عبيدات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدة -إلى أدونيس-... هتافُ المثل الأعلى
- الحشيش في عالمنا العربي -مجتمع يفقد الوعي-
- * سميحة التميمي تبحث عن الهدأة * دراسة وتحليل لنصها سنة النو ...
- ترجمة قصيدة الشتاء للإيراني مهدي أخوان ثالث


المزيد.....




- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي ياسين عبيدات - قصي اللّبدي في دائرة الموت المُستّطيلة حفرٌ في قصيدته (مُقايّضة)..