أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كلكامش نبيل - جنازة السلام - قصّة قصيرة















المزيد.....

جنازة السلام - قصّة قصيرة


كلكامش نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 4525 - 2014 / 7 / 27 - 10:28
المحور: الادب والفن
    


في جنازة رتيبة تجمّع القتلة لتشييع الضحيّة، كلّهم ساهموا في قتل المسكين، كانت السماء ملبّدة بالغيوم و منظرها المهيب و الحزين يوحي بأنّها على وشك البكاء قريبا، و ربّما كانت الوحيدة التي ستبكي حقّا في ذلك اليوم، فكلّ ذلك الجمع الغفير الذي تجمهر أمام المعبد كان كاذبا، كلّهم تدثّروا بالسواد و غابت الألوان و البهرجة، لم تضع النساء المكياج إظهارا للحزن و غابت المجوهرات الذهبيّة و أكتفين بالمجوهرات الماسيّة أو اللؤلؤ و الذي لم يرين فيه تناقضا مع أثوابهنّ السوداء، لقد إعتقد ذلك الجمع بأنّ السواد وحده هو ما يعبّر عن الحزن و لكنّ الضحيّة كان يعرف بأنّ ذلك الجمع بأكمله ساهم بطريقة أو بأخرى في قتله، و كان يعلم بأنّهم سيحزنون حقّا على موته يوما ما و سيندمون على فعلتهم النكراء تلك، كان يعلم بأنّ هنالك أناس حزانى عليه حقّا و يذرفون الدموع بغزارة في بيوتهم البائسة و التي أضحت كالقبور بعد فقدانه، و يعلم بمدى الحزن الذي يشقّ قلب أطفال فقدوا ذويهم و عانوا اليتم بعد أن فارق هو أرضهم، أو أناس يبكون أطلال مدنهم التي كانت يوما ما تضجّ بالحياة أو يندبون حظّ شوارعهم التي فارقتها الأفراح و المسرّات مذ أن قرّر ذلك الجمع الكاذب إغتيال تلك الضحيّة. كان يعلم بأنّ من يبكي الآن بدموع حقيقيّة لا يبكي عليه شخصيّا و إنّما يبكي على نفسه أو مشاكله الخاصّة و التي كان غيابه هو سببا في حصولها، كان يتألّم و يسعد في الوقت نفسه بتلك الدموع الحقيقيّة و الغير مباشرة أكثر من شعوره بمواساة ذلك الجمع الكاذب الذي أصدر قرار قتله من هذا المعبد و بإمضاء من يديره على قرار الإغتيال و موافقة الأتباع المخلصين و تمويلهم و تسخيرهم كل ما يملكون من أجل تحقيق غايتهم الشرّيرة و ها هم الآن يحملون تابوته على أكتافهم خارج البوّابة الضخمة، كان الصمت يخيّم على الشارع و لم ينبس الجمع ببنت شفة، كانوا يسيرون في صمت حاملين النعش الفارغ، كانت بعض السيّدات يمسحن عيونهنّ بين الفينة و الأخرى بمناديل ليشعرن الناس بأنّهن يمسحن دموعهنّ الغير الموجودة أصلا أو إنّها من تأثير ذكريات خاصّة حرصن على إسترجاعها بتركيز شديد في الماضي ليثرن مشاعرهنّ المتجمّدة، و كذلك فعل بعض الرجال مع إنّهم كانوا سيبكون بصدق و غزارة لو فكّروا في جريمتهم النكراء التي دفع العالم كلّه ثمنها، لو كانت لديهم قلوب تشعر أو ضمير يفكّر. أمّا غالبيّة الرجال فلم يكلّفوا أنفسهم عناء البكاء، بل أصرّوا على التجهّم الذي إعتادوا رسمه على وجوههم و الذي إعتاد الناس رؤيتهم عليه، بل إنّهم على العكس من ذلك، كانوا يبذلون جهدا كبيرا و لا طائل منه في منع إبتساماتهم الصفراء من الإرتسام على وجوههم الباردة، لقد كانوا في منتهى السعادة و لكنّهم يخجلون من أن يعلنوا حقيقتهم للعالم، لا يزالون يصرّون على إنّهم يحبّون الضحيّة و لهذا السبب تجمهروا في ذلك اليوم.

لم تعد هنالك حمائم في العالم فقد قطّعت أجنتها البيضاء بوحشيّة و تركت لتموت نازفا بعد عذابات و آلام، و لم تعد قادرة على الطيران و جلب أغصان الزيتون و نثرها في العالم، ليس لأنّهنّ لم يعدن يمتلكن الأجنحة فحسب بل لأنّ أشجار الزيتون نفسها قد تمّ إقتلاعها أو منعت المياه عنها، فماتت كلّها و لم يعد لها وجود. كانت السماء داكنة و حزينة تشتاق إلى أن ترى تلك الطيور التي إعتادت الطيران كلّ صباح لتسلّيها و تبعد عنها شعورها بالوحدة، على الرغم من أنّها لا تزال تمتلك الخفافيش في المساء فلم يقم هذا الجمع بإستهدافها لإتّخاذهم منها رمزا لهم و إن لم تقم أبدا بما قاموا به من أعمال بربريّة، لكنّ ما تقوم به مجموعة صغيرة منها في البرازيل منحتها تلك السمعة السيّئة و كره العالم، فالعمل الشرير هو ما يرسخ في الأذهان، لم يعد الناس يسمعون زقزقة العصافير و لا تغريد البلابل و لا هديل الحمام، فقد تمّ قتلها جميعا، و لم تعد هنالك زهور و لا ألوان و غاب كلّ شيء جميل عن عالمنا و ها نحن نرى من كان السبب في ذلك يتجمهر ليشيّع الضحيّة. لم تعد هنالك أصوات للموسيقى بعد أن علت أصوات السلاح و غطّى ضجيجها و قعقعتها ذلك التناسق و الجمال. لم تعد هنالك أقلام فقد سخّرت كل أخشاب العالم لصنع فؤوس للتخريب لا البناء، لقد غاب صوت العقل و لم يعد أحد ينصت إليه بسبب تلك الضجّة المحيطة بنا في كلّ مكان فهل سيموت العقل أو يضمر نتيجة عدم إستعماله كما تقول القاعدة الطبيّة، لكنّ الأمل موجود دائما فلم يمت كلّ شيء جميل في هذا العالم بل إنّ الغالبيّة العظمى تبكي الضحيّة الآن دما، لا يزالون موجودين و لكنّ المجانين من حولهم هم من إنتصروا بوحشيّتهم، فلن تقوى الزهرة على تحمّل ثقل حجر يسقط عليها بقوّة، ستذبل و تموت و يحتضر جمالها و لكنّ هذا لن يمنعها من نثر بذورها التي ستحملها الرياح لتزرعها من جديد و لو بعد حين، لكنّ الحجر لن يتمكّن من إخفاء الزهور جميعا من على وجه الأرض، ستصرّ الشمس على إرسال أشعتها من خلال السحب و لا تزال هنالك طيور مختبأة في إنتظار الربيع القادم لتغرّد من جديد على أغصان تفتّحت براعمها حديثا بعد إنقضاء الشتاء، ستغرّد من جديد لتوقظ الناس من جديد ليعاودوا الحياة التي أوقفوها فجأة ليعيشوا كابوسا مرعبا يعمّ أرجاء العالم أجمع، سيستيقظ الكتّاب الذين حرصوا على أن يخبّأوا أقلامهم في بيوتهم خوفا من أن يتمّ كسرها، سيخرجونها و يقفلون فوّهات البنادق بها أو بزهور حمراء علّ لونها الأحمر هذا يغنيها عن رؤية دماء الناس تسيل على الأرض إن كانت تلك الآلات الجامدة الكئيبة من عشّاق هذا اللون، أو لربّما يرتدي كلّ سكّان الأرض ملابس حمراء علّها تريح أولئك القتلة و تلبّي حاجاتهم النفسيّة المريضة في رؤية ذلك اللون المثير إن كانوا يبحثون عن اللون لا السائل الأحمر، لون غريب حقّا أنت أيّها الأحمر؟ لون الحبّ و القتل معا. و سيستيقظ الموسيقيّون و ينظّموا إحتفلات في كلّ مكان لتحلّ أنغامهم العذبة محل صرخات الأطفال و عويل النساء الذي يعقب كلّ إنفجار متوحّش، كما سينهض الفنّانون مع علب ألوانهم و فرشهم ليلوّنوا الحياة من جديد و يمنحونها الحيويّة التي فقدتها، سيعود ربيع الحياة من جديد و إن هزمه الشر يوما و أزاحه جانبا، و عندها لن يكون لهذه الجنازة المنافقة أيّ لزوم فلم يمت السلام بعد و لا يزال حيّا في بذور الحب التي تنمو ببطء في قلوب الناس و التي تبذرها نساء رقيقات في قلوب أبناءهنّ، إنّهنّ في سباق بذر مع أولئك الذين يبذرون الشر في كل مكان، سباق الزمان و المكان، لا تزال حقول السلام صغيرة و تنمو ببطء و لكنّها ستعمّ العالم بأسره يوما ما إذا ما تمكّنت هذه النسوة من الفوز في السباق أو نجح علماء و عالمات طيّبون في تسخير قواهم لخدمة الخير و إختراع وسيلة تجعل بذور المحبّة تنمو بطريقة أسرع من تلك البذور الشريرة.

لم يحضر محبّي السلام تلك الجنازة التي أدمى سماعهم بها قلوبهم، فهم مؤمنون بأنّهم كثر و بأنّ ما يؤمنون به حيّ في قلوبهم و قويّ أيضا و إن بدا ضعيفا و هشّا أمام عنف الأشرار و أسلحتهم و لكنّه أكثر رسوخا و خلودا فهو الطبيعي و لا يستدعي الحصول عليه بذل المزيد فيما يكلّف شنّ الحروب الملايين للصرف على الأسلحة و التدريب في سبيل التخريب بالإضافة إلى الدمار الشامل الذي سيلمّ بالإنسانيّة على كافّة الأصعدة، الإجتماعيّة و الإقتصاديّة و يخلق أجيالا ضائعة، مهمّشة و لا تحمل من إنسانيّتها سوى شظايا متناثرة، و لا يوجد صمغ يجمع شتات هذه الشظايا ليعيد خلق صورة إنسانيّة جميلة بعد أن شوّهها ذلك الحقد، و حتّى إن وجد مثل هذا الصمغ الخارق فإنّ حطام تمثال الإنسانيّة التي هشّمتها القنابل و القذائف لن يعود كما كان أبدا، و عوضا عن البحث عن شيء للإصلاح المنقوص و البشع لماذا لا نتجنّب التحطيم منذ البداية و نحافظ على ذلك الجمال؟ لم يحضر أنصار السلام تلك الجنازة التي نظّمها القتلة ليضحكوا على الناس بمراسيم كاذبة و واهية تنطلق من المكان الذي خطّطوا فيه لتدمير العالم و إشاعة الفوضى و العنف، و كانوا واثقين بأنّهم سينتصرون عليهم يوما ما بطرق سلميّة تفضح زيفهم و ما يقومون به في سبيل مصالحهم. و عندما ينتصرون سيضعون خطّة طويلة الأمد لخلق أجيال تنبذ العنف و الكراهيّة تماما و سيقفلون كلّ مصانع الأسلحة في كلّ مكان فلا داعي لهذا بعدئذ، و لكن متى سيتحقّق ذلك؟ هذا يعتمد على مدى سعي محبّي العالم و السلام و صدق أهدافهم و جدّهم في تحقيقها. حتّى هذه اللحظة لا يزال الكاذبون يحملون النعش الخالي في شارع جانبيّ كئيب ليشاركوا في جنازة رمزيّة للسلام.



#كلكامش_نبيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سِفر الأحزان - قصيدة
- النقاشات البيزنطيّة تعود بحلّة إسلاميّة
- عندما أضعنا البوصلة - قصيدة
- ثورات منسيّة – قراءة في رواية -البشموري- للكاتبة المصرية سلو ...
- بناء وطن للجميع - قراءة في كتاب العقد الإجتماعي للفيلسوف جان ...
- قوس قزح
- إنه العراق يا قوم – لا تحرقوه لأجل الآخرين
- مستقبل الوطن رهن ورقة إنتخاب – لننقذ العراق
- لمحات إنسانيّة – قراءة في المجموعة القصصيّة -في خضمّ المصائب ...
- ما بين سراب الماضي الجميل ودخّان فوضى الحاضر – قراءة في رواي ...
- بقايا صبي سيبيري عمرها 24 ألف عام تلقي المزيد من الضوء على أ ...
- وحدة الشعب العراقي وفقا للدراسات الجينيّة – ترجمة وتقديم
- الإنسان المنتصب؟ العثور على عظمة شبيهة بعظام يد الإنسان عمره ...
- دراسة حديثة لبقايا بشريّة تخلُص إلى أنّ إنسان النياندرتال كا ...
- إطلالة على الأدب الإيطالي - قراءة في المجموعة القصصيّة -حرز ...
- إطلالة على الأدب الإيطالي - قراءة في المجموعة القصصيّة -حرز ...
- إطلالة على الأدب الإيطالي - قراءة في المجموعة القصصيّة -حرز ...
- التاريخ يعيد نفسه دائما وأبدا - قصيدة سومريّة مترجمة
- العثور على لغة قديمة مجهولة مدوّنة على رقيم طيني - موضوع متر ...
- مناقشة شجاعة وموضوعيّة للصراع الإسلامي-العلماني – قراءة في ر ...


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كلكامش نبيل - جنازة السلام - قصّة قصيرة