أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - صندوق الدنيا














المزيد.....

صندوق الدنيا


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 4521 - 2014 / 7 / 23 - 15:08
المحور: الادب والفن
    


صندوق الدنيا


استطاع صندوق الدنيا أن يلعب دوراًًً كبيراً في حياة الأطفال، إلى وقت طويل، يقدم لهم المتعة والفائدة-في آن- حيث كان بديلاً عن جهاز التلفزيون الذي يحتل مكانه في بيوتنا جميعاً، ويشدنا إليه، صغاراً وكباراً، يسرق منا أعمارنا، مقايضاً بها على يمنحنا إياه لقاء مسلاة أو معرفة، تقدمان بالصورة والصوت، بيد أن صندوق الدنيا الذي بات شبه منقرض، الآن، وهو يسحب أذياله، مهزوماً أمام الأجهزة المتطورة التي تربطنا بالعالم، وتقدم لأطفالنا ما يتجاوز حدود الخرافة في الألعاب، كان يعد وسيلة فرجتهم الوحيدة إلى وقت طويل، ينتظرون مقدم صاحبه، كي يلتفوا حوله، في حلقات ودوائر، بعد أن يدفعوا ثمن مشاهدتهم لعروضه من نقود بسيطة في جيوبهم، ولعلنا وجدنا أن فن السينما الذي كان أول من أجهزعلى صندوق الدنيا، عندما انتشرعمودياً وأفقياً، وبات يستقطب العوام كما النخب، هو من وثق دور هذا الصندوق العجائبي، كما استعان به المسرح، أو المسلسل التلفزيوني، ضمن حدود الاستعادة-فحسب- لاسيما عندما يتناول حياة الأجيال السابقة علينا، لأنه كان عالماً خاصاً استطاع أن يؤثر على مخيال وثقافة وسايكلوجيا الكثيرين جيلاً بعد جيل.

وبعيداً عن الاستغراق في توصيف هذا الجهاز الساحر، الذي نستقرئه- الآن- ونحن ننظر أطفالنا يتابعون الألعاب الإلكترونية، في لحظتها مابعد الحداثية، إما عن طريق كمبيوتراتهم المحمولة، أوالثابتة، أوعبرأجهزة الهاتف الذكية، أوعبرالأتاري والبلاي ستيشن إلخ، يهدرون ساعاتهم في الانكباب عليها والانقطاع عماحولهم، فقد كان هذا الجهازالغرائبي عبارة عن صندوق خشبي يحتوي أحد أطرافه على فتحات صغيرة، لايتجاوز كل منها الخمس سنتمترات، وله في الطرف المقابل ذراع تحرك أسطوانة فيها صور يستهلكها السواد،عن الحكايات والقصص والملاحم القديمة مثل الزيرسالم وعنترة وسيف بن ذي يزن وأبو زيد الهلالي والأميرة ذات الهمة وشمشون ودليلة وغيرهم، فيستمتع بها الأطفال، وهم يقتعدون الأرض حول هذا الجهازالعجيب، يتابعون حركات شخوصه وعالمه، وقد وصف إبراهيم المازني" 1889- 1949 " صندوق الدنيا في كتاب خاص له بالاسم نفسه، يرسم من خلاله لهفة الأطفال ما إن يقبل صاحب الصندوق إلى قريتهم، أوحيهم، حيث يرمون كل مافي أيديهم، ويتوجهون نحوه، كما أنه يرسم شخصية صاحب الصندوق بلغته التي تتقطرعذوبة وكاريكاتيرية، ورب قائل:" المازني يكتب بالصور" وهوأمريمكن أن يفيد دارس شعره وسرده.

ولعل صندوق الدنيا الآن، قد تبدل ثيمة لونه الظلي الأسود المعتمد وهويطعن البياض، محفوفاً به، حيث أن الفتحات التي تحيط به، باتت تنزّ دماء، بل إن محتوياته باتت أكثرغرائبية، لاسيما أن شخوصه باتوا يستبدلون بأقزام تخرج من جحورالتاريخ، وهي تحاول محوالعالم، واستعادته إلى وحشيته، أوجاهليته، ومن هنا، فإننا لواجدون حمم النارالتي تنزل على أطفال الموصل وغزة من قبل قاتليهم، وهومايتكرربصورة مماثلة في حلب أوالرقة أو كوباني إلخ وفي أماكن أخرى من خريطة العالم الذي بات يديره ظهره إلى هذا الصندوق، تاركاً الأبرياء ينقادون إلى مصائرهم المحتمة.

أجل، ثمة صندوق ممتلىء بمفاجآته المرعبة، يفرغ محتوياته أينما كنا، كي تصفع نواظرنا الصورالغارقة في لا إنسانيتها واستفزازيتها، تحضنا على أن نخرج من هدآتنا، من صمتنا، من مراثينا، وبكائياتنا، بعد أن انداحت سمة افتقاد الحساسية، في الجهات كلها، ماخلاأصوات قليلة، هنا وهناك، لاتستطيع أن تصل إلى مستوى أن تقدح غضبها، كما هومطلوب منها، في الجهة اللازمة، لإيقاف هذه الدراكولا القاتلة التي تسيرباطمئنان في مواعدها، وأمكنتها، بأشكالها المتعددة، تاركة وراءها رائحة الموت والخراب التي نتلقاها في بيوتنا، خلال أفطارنا وأسحارنا، بعدأن بلغ القاتل لحظته مابعد الوحشية.

إبراهيم اليوسف
[email protected]



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من يقرؤنا؟
- تنبأ ب-الثورة- وبشربها ووقف محايداً حين بدأت أدهم الملا سرقه ...
- أمكنة الشعر
- برقية في ذكرى استشهاد المفكرالكردي د. عبدالرحمن قاسملو
- مابعد العبث:
- فوضى العماء:
- تحت جناحي عامودا.....!
- مارس دوره التنويري على أكمل وجه المفكرالكويتي خلدون النقيب أ ...
- ارجومنكم نشرهذه بدلا عن المنشورة وشكرا
- داعش ترحب بكم.....!:
- أستعيدُ أبي......!
- وحدة الخير وحدة الشر
- طفرة داعش: الواقع والآفاق
- بعد أن طرق بوابات الكرد بيده الملطخة بالعار والدم هل تكون كر ...
- ميشيل فوكو ثلاثون عاماً على الرحيل
- بعدأن طرق بوابات الكردبيده الملطخة بالعاروالدم: هل تكون كردس ...
- ماقبل الجاهلية:
- استبصارالعماء:
- تهويمات المثقف الزائف
- من قتل الكواكبي؟:


المزيد.....




- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - صندوق الدنيا