عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4519 - 2014 / 7 / 21 - 08:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هذه الأعذار الثلاث والمبررات المعلنة لم تكن تستند لنص ديني ولكنها تتماهى مع الضرورات الإنسانية في أي مجتمع إنساني ديني أو خلافة ولا تنتقص من دور الدين الذي يؤمن بالحفاظ على العلاقات الإنسانية المنتظمة لأنها بالأساس أحد أهم أهداف وعلل وجود الإنسان على الأرض .
تشكلت دولة الإسلام وبنيت على ذات الأسس التي تبنى عليها كل التنظيمات المتشابهة دون أن تبتكر نتيجة النص لميزة محددة تجعلها تفرق أو تفترق عن باقي الهياكل التنظيمية للدول الأخرى عدى التسمية , كانت نظاما أقرب للجمهورية منها للملكية بتفاصيل قد لا تكون بذات الأهمية حيث أنها تقوم على مبدأ التداولية بدل الوراثة ,وهذه التجربة الإنسانية قد سبقتها تجارب تأريخية أقدم وبالتالي فهي أرث إنساني عام .
في الحقيقية جمهورية الخلافة الراشدة خالفت المنهج الرباني الذي يعتمد الملكية والوصائية الخيارية التي مثلها من قبل داود وسليمان عليهم السلام وملوك بني إسرائيل الذين ذكرهم الله بالنص وجعل الخلافة بذات المستوى (يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فأحكم بين الناس) هذا الخليفة لم يكن ملكا بما فيه بل ملكا بما عليه من واجب , كانت الملكية أصطفاء له وللملوك الآخرين من بني إسرائيل يتوارثون الملك ليس بالنسب وحده بل بعلة الأصطفاء ذاتها وهي على الخيار خيار الله للإنسان وأختياره لمن يهب له الملك ومن ينزع منه الملك لأن كل الملوك كانوا أنبياء ورسل وهم أداة التنفيذ وليس لهم حق التشريع كما في الملكيات التي عاصرت والتي أستمرت لهذا العصر حيث يكون الملك مالكا ومشرعا في ذات الوقت , حكم الملوك هنا حكم الإنابة عن الله في تنفيذ إرادته وبشكل مباشر .
هذه الجمهورية فوق أنها كانت خلاف العرف الرباني ومسميات الشكل الحاكم تاريخيا قد خالفت القرآن في تبني منهج متقلب لم يقم على قاعدة دستورية واحدة حيث أن حكم الله واحد لا تجد فيه أختلافا كثيرا ,كانت الأولى كتجربة كما يزعم المؤرخون والسياسيون المسلمين أنتخاب من أهل الحل والربط في سقيفة بني ساعده وهذا أمر طبيعي لأن الأصل التي قامت عليه دولة الخليفة أصل مدني وليس أتباعا للنص ,في حين تحولت التجربة الثانية للوصاية والإدلاء للخلف وعاد في التجربة الثالثة إلى حصر الولاية بالنخبة التي تختار نيابة عن الشعب وأخيرا جاءت بالأختيار المباشر .
هذا التناقض يؤكد لحقيقتين الأولى غياب حقيقي لكل نص أو منهج جاد وكامل في تكوين الدولة الإسلامية بالشكل الذي جرى وأرى فيه واحدا من البدع التي لا تغتفر للمسلمين الذين أحدثوا في أمر الله ما لم ينزل به من سلطان معتمدين على فكرة تجردهم أصلا من إدعائهم إسلامية الدولة (وأمرهم شورى بينهم) إذا أمرهم وليس أمر وحكم الله , والنقطة الثانية هو عدم نجاح المسلمين مع تعدد التجارب المتنوعة أن يصلوا لتأسيس ملامح ورؤية دولة بناء على أمرهم شورى , فلا هم أتبعوا النص ولا هم أتبعوا الشورى وفشلا في الخيارين فشلا ذريعا يدفع ثمنه عامة المسلمين لليوم .
كل الأنظمة التي جاءت بعد جمهورية الخلافة من مبايعة معاوية وأنتهاءً بأخر دولة أعلنت الخلافة كانت كلها ملكية فردية شعارها الإسلام ولم تبني حكما واحدا على قاعدة إسلامية لا في التوصيف ولا بالتنصيب , الملكية التي كانت في بني إسرائيل والتي قلنا عنها كانت خيار الله لا يمكن ان تقرن بهذه الملكيات التي انشأت تحت شعار الطاعة للبر والتقي وليس على شعار ضرورة الأنتظام الأجتماعي برأس بر أو فاجر , هذه الملكية طغيانية لا علاقة لها بالدين ولا بالقيم الديني التي من أهمها العدل والمساواة والتقوى والمصلحة الشمولية ,كانت هذه الممالك مجرد أحتيال على النص وتبريرا به للطغيان النفسي الأناوي المتمدد والمتضخم ليس إلا .
فهي لم تبني وجودها على نص أو حكم فهمي ولا على ما دار من تداول للسلطة في جمهورية الخلفاء ولا بررت وجودها بمهم إسلامية تبيح لها الحكم باسم الله كما حدث في حياة الرسول صل الله عليه وأله وسلم كان مبرر القيادة معتبر وحقيقي ولازم وحتمي إنه يعمل للتبليغ والهداية وبسط الرسالة حتى تكتمل وينتهي الدور بأكتمال المهمة , الممالك اللاحقة لم يناط بها مثل هذه المهمة وإنما نشأت كباقي الممالك التي لها أما جذور جنسية كمملكة كسرى والروم أو جذور من فهم خاطئ ومشابه لما فعل المسلمون بعد جمهورية الخلفاء .
في التجارب اللاحقة لمملكة الخلفاء المسلمين أعلنت دول إسلامية بين جمهوريات وملكيات وكلها لم تطرح نموذجا مميزا في شكل وإدارة الدولة يجعلها في وضع مميز بالكونية والتكيف فيما يخص علاقة الحاكم والمحكوم بالدين , لا اللملكة السعودية التي أعلنت عن إسلامية حكما قد حققت ولو جزئية من أحكام الإسلام ولا جمهورية الولي الفقيه قدمت نموذج جديد وأصيل , المسألة لا تتعدى تطبيق رؤية شخصية أجتهادية في قراءة النص دون أن تحتكم لروح الرسالة ومقاصد الرب من قيامها , فلا فرق بين مملكة ال سعود الأصولية ومملكة المغرب الليبرالية كلاهما يسيران وفق رؤية بشرية الملك فيها هو الحاكم بدل الله وهو صاحب التقرير والتشريع كما لا فرق بين جمهورية الفقيه الأصولية وجمهورية مصر العلمانية في مسائل النظام والتنظيم والحقوق والواجبات.
دولة الإسلام هي دولة الإنسان المجرد من عنوانه الديني والتي تؤمن أن هدف كل أجتماع ومجتمع هو صيانة خيارات الإنسان الحرة حتى يتمكن من الوصول للإيمان بعقل منفتح وحرية ترسم لخ صدق الإيمان , دولة الإسلام هي التي تمنح المسلم كما تمنح غيره مقدمة إنسانية هي أن الله خالق الجميع وأن وظيفة الملك أو الحاكم الإسلامي حماية الإنسان لأنه ينوب عن قوة السماء في تولي هذه المهمة على الأرض لأنها تعتمد على قاعدة كلكم من آدم وأدم من تراب فلا يصح التفريق على أساس هو في الأصل خفي غير معلن إلا ما يتراءى للناس وقد يكون مخالفا تماما لما في الداخل , لذا كان الحكم الرباني البناء على الظاهر وترك الباطن لله لأنه هو الأعلم .
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟