أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - الدراما، آمرةٌ أمّارةٌ، أم مرآة؟














المزيد.....

الدراما، آمرةٌ أمّارةٌ، أم مرآة؟


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4518 - 2014 / 7 / 20 - 09:24
المحور: الادب والفن
    


فتاةٌ محجبة من أسرة بسيطة تعمل بائعة في محل ملابس. تُنهي عملها وتعود إلى بيتها بقروشها القليلة لتُطعم بها أمها الطيبة الأرملَ، وشقيقتيها الصغيرتين. وعند المساء، تخرج الفتاة مع رفيقاتها الخليعات إلى أحد الملاهي الليلية. تدخل دورة المياه وتخلع الحجاب، وتضع باروكة مغرية وماكياجًا صارخًا وترتدي فستان سهرة مكشوفًا مثيرًا، ثم تذهب لتجالس رواد الملهى من رجال متعطشين للشهوات المحرمة. تمازحهم وتشاطرهم كؤوس الخمر وتشاركهم القفشات الماجنة. وبعد انتهاء السهرة، تنسحب إلى دورة المياه، لتعيد ارتداء ملابسها المحتشمة وتضع من جديد حجابَها، بعدما تزيل الماكياج الكثيف، فيعود وجهها نظيفًا نقيًّا، ثم تعود إلى بيتها عذراءَ لم يمسسها الرجال، بريئة الملامح، طفولية النظرات، وفي حقيبتها بضعةٌ جنيهات تشتري بها أحلامها الصغيرة من موبيل وسلسة ذهبية خفيفة وزجاجة عطر، وغيرها مما تحب البنات.
تأملتُ هذا المشهد الذي لعبته بحِرفية الفنانة "دُرّة" في مسلسل "سجن النساء" المأخوذ عن مسرحية أستاذتي الجميلة الكاتبة "فتحية العسّال" وإخراج "كاملة أبو ذكري" وبطولة باليرينا الشاشة الساحرة "نيللي كريم". وهممتُ بهاتفي أطلب الأستاذة فتحية العسال لأسألها: “كيف ألهمها خيالُها لنسج مشهد عجائبي مثل هذا؟" قبل أن أتذكر أن الهاتف لا يجيب لأن الأستاذة الغالية لم تعد موجودة بيننا. يبدو أنني لم أتخلص من طبعي السيئ في اعتبار كل ما أكره حدوثه، لم يحدث! فأرفض تصديق أن أستاذتي قد مضت قبل شهر إلى حيث تمضي اليمامات الجميلة، مثلما طارت أمي قبل سنوات، ومازلتُ أهاتفها بين الحين والحين، رغم أنها لا ترد.
وإذن سؤالي سيظل بلا إجابة، وبوسعي تصديق دماغي الذي أكد لي أن المشهد هذا محضُ خيال في خيال. لأن مَن تريد أن تسهر وتشرب الخمر وتجالس الغرباء، لا تحتاج أن تتخفى وراء حجاب وملابس محتشمة. فاللهُ ذاته الأعلى قد سمح للإنسان أن يختار الطريق الذي يريد دون خوف من بشر (وهديناه النجدين)؛ لأن حسابه، وحساب مَن يخشاه، عند الله وحده الذي عنده يجتمع الخصوم.
وكان لقاؤنا الأسبوع الماضي على مائدة الإفطار في نادي الديبلوماسيين بدعوة من "المجلس القومي للمرأة" على شرف السفيرة ميرفت التلاوي، ونخبة من الفنانين ونقاد الدراما والكتّاب لمناقشة صورة المرأة في الدراما الرمضانية، وتقديم بيان حول هذا باسم اللجنة. وكانت السفيرة غاضبة لأن الصورة التي تقدمها الدراما للمرأة المصرية أمام عشرات الملايين من مصر وخارجها، سيئةٌ وغير كريمة وتسهم في تكريس الانحلال وانعدام القيم بالشارع المصري.
وفي كلمتي انتقدتُ النموذج "الخيالي" الذي تقدمه الفنانة دُرة في "سجن النساء" لفتاة تريد أن تنحرف وتنال، رغم هذا، من الناس لقب: "فتاة صالحة تقية". فهالني أن أخبرني الزملاءُ أن هذا النموذج موجود، وبغزارة، وليس خيالا من نسج أستاذتي، كما كنت أحسب!
وهنا سألتُ المشاركين في الندوة: “إذن، مَن ألهمَ مَن؟ الواقعُ ألهمَ الدراما، أم ألهمتِ الدراما الواقعَ؟"
هل الدراما؛ من مسرح ومسلسلات وأفلام سينمائية، تُعدُّ مُلهِمًا للمُشاهِد؟ أم هي انعكاسٌ لما يصنعه المُشاهِدُ في الواقع؟ هل هذا المشهد أو ذاك في فيلم ما أو مسلسل، قد حدث بالفعل على أرض الواقع، فشاهده مؤلفٌ ما بعينيه، وسجّله في ذاكرته، ثم كتبه على ورق، ليأتي مخرجٌ ما، يخرجه دراميًا فيمثله ممثلٌ أمام الكاميرا، لنشاهده نحن المشاهدون على الشاشة، ونقول: نعم، هذا بالفعل يحدث كل يوم ونراه بأعيننا؟ أم العكس هو الذي حدث: أن يتصوّر مؤلفٌ ما موقفًا وهميًّا لم يحدث أبدًا مثيله على أرض الواقع، فيكتب خياله هذا على الورق ليأتي مخرجٌ يخرجه ليمثّله ممثلون؟ ثم نأتي نحن المشاهدون، فنشاهد هذا الخيال على الشاشة، ونخرج من فورنًا إلى أرض الواقع لنحاكي ما شاهدنا وننفذه في الحياة؟
واحدة مثلي، منعزلةٌ عن الواقع في صومعة الكتب وعالم المُثل الطوباوي الوهمي، كيف لي، وقد بلغتُ هذا العمر، أن أعرف ما يجري على أرض الواقع بعيدًا عني، ما لم أشاهده في الدراما؟! أيهما أفضل: أن أعلم ما أجهل لكي أحاول أن أعالجه في مقالاتي وكتبي، أم أظل على جهلي الممتع؛ متصورة أن العالم نقيٌ نظيف، فأكتب خيالا لا يفيد؟
وهنا وصلتُ إلى السؤال الإشكالي: “مَن هو المُدان والمخطئ؟ الواقع المنحط؟ أم الدراما التي تشير إلى الواقع المنحط؟ مَن علينا أن نُربّي؟ هل نربي الدراما ونهذّبها ونجبرها على تقديم خيال نظيف (غير موجود)؟ أم نهذّب المجتمعَ نفسه حتى ينضبط سلوكُه وترتقي أخلاقه، فلا تجد الدرامًا حينئذ بُدًّا من تقديمه على الشاشة نظيفًا منضبطًا (كما هو بالفعل)؟
هل الدراما آمرةٌ أمّارةٌ بالسوء، علينا تأديبُها؟ أم هي مرآةٌ عاكسة للسوء والقبح، علينا تهذيب الواقع الذي يقف أمامها قبل أن تعكس صورته؟ تلك هي المسألة.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميرفت التلاوي، جبلُ الكريستال
- أستاذية العالم الداعشية
- لما كنا صغيرين
- سرقوا التلاجة يا محمد
- دريّة شرف الدين.. شكرًا
- -الشاعر- هاني عازر
- هل يعرف الداعشيون جبران؟
- العنف ضد المرأة
- الكاتب الداهية
- المجد للنباتيين يا آكلي اللحوم
- الفئران أول من يشعر بالخطر فتغادر السفينة قفزاً في الماء، يل ...
- متى ينام إبراهيم محلب؟
- ثاني رمضان، بلا إخوان
- المايسترو
- المتحرشون لم يفسدوا فرحتنا
- وجدي الحكيم، وحلم لم يكتمل
- الروث في مياه الشرب!
- أحمر باهت
- العذراء، وشمس الدين التبريزي
- المحاكمة داخل الكهف


المزيد.....




- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - الدراما، آمرةٌ أمّارةٌ، أم مرآة؟