أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - طوني سماحة - اضرب يا عباس














المزيد.....

اضرب يا عباس


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 4518 - 2014 / 7 / 20 - 09:20
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    


"اضرب يا عباس" عنوان فيديو تداولته صفحات التواصل الاجتماعي و محطات التلفزة اللبنانية. يعرض الفيديو طفلا ربما لم يتجاوز أعوامه الخمسة و هو يحمل عصا و يقوم بضرب طفل آخر أكبر منه بتشجيع من رجل يقف على القرب منه، يقال أنه والده. كان الرجل ينتهر الطفل الضحية و يحثه على البقاء أرضا كيما يتمكن منه الطفل الأصغر، كما كان يقوم بتهديده فيما لو لم يذعن له. تناقلت المعلومات أن الطفل الكبير سوري الجنسية فيما الطفل الأصغر لبناني الجنسية.

بغض النظر عن جنسية الطفلين، فالجريمة جريمة لا تعرف جنسية أو دينا أو ثقافة. و كلا الطفلان ضحية. هما ضحية ثقافة العنف و رفض الآخر التي تمتد من جنوب شرق آسيا و خاصة أفغانستان و باكستان مرورا بدول الشرق الأوسط كافة و صولا الى شمال و بعض دول الوسط الأفريقي.

عباس ضحية لأنه يضرب دون أن يعرف ماذا يفعل. هو أولا ضحية تربية بيتية شجعته على حمل العصا و الضرب. هو ضحية مجتمع يؤمن أن القوة ضرورة للبقاء و الاستمرار. هو ضحية ثقافة تؤمن أن العنف هو الحل الأمثل للمشاكل. هو فكر يؤمن بالفوقية و بدونية الآخر. هو ضحية مجتمع ممزق شرذمته الطوائف و الأديان و العصبيات و الاثنيات و الخلفيات. هو ضحية سادية فكرية تتلذذ بسحق الآخر و الدوس عليه. لكن و للأسف، سوف يكبر عباس و سوف يحمل في صدره إرث المجتمع و الثقافة و التربية الذين علموه أن العنف هو السبيل الوحيد لتحقيق الذات.

أخشى على عباس متى كبر. أخشى عليه من الوحش الذي تسلل الى قلبه و عقله الصغير دون أن يكون له أي خيار في قبوله أو رفضه. أخشى عليه أن يصبح مسخا لأنه لم ير و يسمع و ينظر و يعرف في حياته سوى المسوخ. أخشى على عباس الذي لم يتعلم كيفية حل المشاكل بأسلوب راق و حضاري أن يتجه نحو العنف كيما يحل مشاكله بالطريقة الوحيدة التي عرفها و اختبرها. أخشى عليه متى كبر ألا يختار سوى مهنة المصارعة في حلبة الحياة حيث لا خيار للمرإ إلا أن يكون ضاربا أو مضروبا، منتصرا أو مهزوما. أخشى عليه ألا يتعلم لغة غير لغة التهديد و العنف. أخشى أن تتحول العصا في يده متى كبر بندقية أو سكينا. أخشى عليه أن يتخذ من الدين مطية لإخراج العنف الرابض على قلبه. أخشى عليه ألا يعود قلبه الصغير يستمتع بزقزقة العصافير إنما يصبح أزيز الرصاص متعته في الحياة. أخشى عليه أن يستبدل ثقافة الحياة بثقافة الموت. و في النهاية لا أستطيع أن أقول سوى أني أخشى على عباس أن يفقد إنسانيته في مجتمع لم يعد يؤمن بالإنسان إلا في إطار الانتماء الديني أو الثقافي أو الاثني أو الحزبي.

أما للطفل السوري، ماذا تراني أقول؟ أولا، ليتني عرفت ما هو اسمك كيما أخاطبك به بدل أن أكتب عنك بصفتك " طفلا سوريا". فأنت طفل و إنسان قبل أن تكون سوريا أو لاجئا أو مسلما أو مسيحيا أو يهوديا أو صبيا أو... أو... أو... يا صديقي، لو كان الاعتذار ينفع، لاعتذرت لك نيابة عن عباس. لكنني و بقلب متألم أكتب هذه الكلمات علّها تقع تحت عيني عباس آخر شرب سم العنف و تعلم رفض الآخر و آمن أنه أفضل من كل خلق الله و بالتالي حمل العصا أو البندقية كيما يسحق غيره. أكتب كيما تصله هذه الكلمات، ربما يستيقظ الإنسان فيه و يتحرر من الوحش الذي في داخله و الذي يدفعه ليحارب أخاه و جاره. أكتب و أصلي أن يكون الظلم الذي وقع عليك، أيها الطفل الصغير، قد أيقظ ضمير عباس آخر، لعله يرمي القضيب من يده و يتعلم كيف يصافح أخاه بدل أن يصفعه أو حتى يقتله.

يا صديقي الصغير،
أريدك أن تعرف أن ما حصل معك اليوم هو وصمة عار على جبيننا جميعا. فأنا اليوم أخجل من أن أكون إنسانا بعد ما رأيت ما رأيت من وحشية الانسان للإنسان. فالإنسان هو الذي شردك و حطمك و أذلك. الإنسان هو الذي أرهبك و أطلق النار عليك و هو الذي مدّ المسلحين بالعتاد كيما يغتالوا طفولتك، أكان هذا الانسان سوريا أو لبنانيا، إيرانيا أو عربيا، غربيا أم روسيا. و بصفتي لبنانيا، أعتبر هذا اليوم يوم عار عليّ، لأن اليد التي امتدت إليك كانت لبنانية، و لو أني أعرف أن الغالبية العظمى من اللبنانيين تدين ما حصل معك.



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إسمحي لي بقتلك لأنني بلا خطيئة
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء الثالث
- امرأة بنصف عقل و رجل بعقل كامل
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء الثاني
- بين كندا و لبنان
- سيدي فخامة الرئيس ساركوزي
- أهلا سادتي الدواعش
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء الأول
- ديانا الترك ضحية جريمة الشرف
- التحرش الجنسي بين الثقافة و القيم المعاصرة
- الموت لمريم
- رسالة الى سعادة القاضي الذي حكم على مريم بالشنق
- سامحينا يا مريم
- مات القمر
- أنقذوا الطفولة
- لارا و أحمد
- وزير تعتذر من طاه
- العنف التربوي و اساليب معالجته
- ورقة اللوتو
- زمن أبي اللهب


المزيد.....




- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب
- لماذا يقامر الأميركيون بكل ما لديهم في اللعبة الجيوسياسية في ...
- وسائل الإعلام: الصين تحقق تقدما كبيرا في تطوير محركات الليزر ...
- هل يساعد تقييد السعرات الحرارية على العيش عمرا مديدا؟
- Xiaomi تعلن عن تلفاز ذكي بمواصفات مميزة
- ألعاب أميركية صينية حول أوكرانيا
- الشيوخ الأميركي يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان ...
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...


المزيد.....

- العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية / هاشم نعمة
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - طوني سماحة - اضرب يا عباس