أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر الكعبي - أم غاوية 2














المزيد.....

أم غاوية 2


حيدر الكعبي

الحوار المتمدن-العدد: 4514 - 2014 / 7 / 16 - 08:36
المحور: الادب والفن
    




لقد بعد الزمن الآن بأم غاوية منذ أن جاءت الى البصرة أول مرة إبّانَ الحرب العظمى. كان الإنكليز يتقدمون نحو بغداد بعد أن شجعهم سقوط البصرة السريع. وقد تسربت أنباء عن هزيمةٍ لهم في الكوت. وكان الأتراك يقاتلون الإنكليز بالعرب، والإنكليز يقاتلون الأتراك بـ (الگِرْگِة). وهنا في البصرة تعرفتْ أم غاوية على مسز باربرا، الأرملة البريطانية التي تضع ريشة في قبعتها، ويصحبها كلبها الرمادي چِن، الذي هو من فصيلة الراعي الألماني (جرمان شفرد). كان چن— الشكّاك الحذر لكن الوقور الواثق بنفسه— يتقدم مسز باربرا حيثما ذهبتْ، مربوطاً الى يدها بسلسلة معدنية. وحين مات، قالت مسز باربرا، التي كانت تعتقد أن الصِبْية العرب "أولاد الهرام" هم من قتله رجماً بالحجر وبعلم آبائهم وبتحريض منهم: "أم گاويا، چن مات، آنا يموت." وقد ماتت فعلاً بعد موت چن بقليل.
كانت أمي هي الناجية الوحيدة من أولاد أم غاوية الأربعة، وهما صبيّان وابنتان. الصبي البكر، صلبوخ، مات بالتهاب الكلية وهو في عامه الحادي عشر. كان سيصبح زير نساء لو عاش، فمنذ صغره كان يقول في البنات شِعراً فاحشاً. كان يتغنى بإحدى الصبايا قائلاً: "يَا فْجِيْرِتْها مثلِ النار." وأم غاوية تفخر بإنه كان عاشقاً. وحين مرض أدخلتْه المستشفى فقرر الأطباء منع اللحوم والدهون والملح عنه. كانت نفسه تعاف أكل المستشفى، فراح يشكو لها الجوع في زياراتها له. وتوسلت إلى العاملين في المستشفى أن يسمحوا لها بالمبيت معه فوافقوا. فجلبت له كَرْشة غنم (محموسة) أخفتْها جيداً تحت عباءتها في سفرطاس وأطعمتْه إياها ليلاً. "الچلاب امّوتينك من الجوع، يمه؟ إكل يا بعد امك واهلها." فتدهورت صحته ومات. (هذه رواية أمي، التي لم تكن تحب أمها، لأنها— كما تقول— أجبرتْها على الزواج من أبي، لذا ينبغي أخذ الرواية بحذر). وتضيف أم غاوية أن الصبي الآخر ذبحتْه (الچينكوة)، وهي قطعة من الصفيح المضلّع الثقيل طولها متران وعرضها متر، أطارتها عاصفة فحزّتْ عنقه. أما غاوية فقد عمّرت أطول، لكنها لم تكن قد تعدَّتْ مرحلة الصبا حين ماتت هي الأخرى مع من مات في وباء الهيضة. تقول أم غاوية إنها حين جاءت الى البصرة كانت حبلى بأمي، وإن غاوية ماتت قبل أن أولد أنا بشهر واحد. وكنت أسأل جدتي: "بيبي، أمي أحلى لو غاوية؟" فتتجهم سحنتها وترد: "ياء! تجيب أمك لغاوية؟ أمك غَبْره، يمه. خشمها أفطس، براطمها كبار، عيونها چنهن زروف مس . . " فأقاطعها: "وغاوية؟" فتجيب مستفزة: "ياء! غاوية مثل الغَنِد، يمه، شايف الغَنِد؟ العين ساعة، والوجه طرگاعة، والخشم طايح بالحلگ، والضروس ليلو."
وكانت أم غاوية تنسى غضبها كلما ألمَّتْ نائبة بالعائلة الكبيرة، فتتجشم مشقة السفر لتشارك في الهم، ثم تعود الى البصرة لتستأنف غضبها. فحين بلغها نبأ اعتقال زغيّر ابن أخيها ضُمَد في سجن الحلة، حزمت أمرها حالاً وذهبت الى هناك، مستدلة بالسابلة في ذهابها وإيابها، هي التي لم تر الحلة من قبل. وحين سألها حراس السجن عن علاقتها بالسجين، قالت: "إبني، يمة." وحين سألوها: "إبنچ شيوعي لو قومي؟" ردت: "عيب اعَرِف، يمه." ولدى مواجهتها إياه في باحة السجن لم يفُتْها أن تسأله: "يمه انتَ شوعي لو غومي؟" فانفجر ضاحكاً وقال: "ياهو علّمچِ ها الحچي، يمه؟" قالتْ: "يمه غير نشدوني بالباب؟" قال لها: "المرّة الجاية صيحي بعالي حسِّچ شيوعي، شيوعي، شيوعي." في زيارتها التالية، سألها الحرس: "إبنچ شيوعي لو قومي؟" فلوحت بعباءتها، وردست في باحة السجن وصاحت: "شوعي، شوعي، شوعي."



#حيدر_الكعبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أم غاوية 1
- توطِئة - أوكتافيو باث
- بصرة عام 11 (الحلقة الرابعة)
- بصرة عام 11 (الحلقة الثالثة)
- بصرة عام 11 (الحلقة الثانية)
- بصرة عام 11 (الفصل الأول)
- المتنبي شهيداً
- كتابة على حيطان الطفولة
- المثقف محمود عبد الوهاب
- قصف
- مَرْثاة
- أحلام أدوية الملاريا (2) / براين ترنر
- في الحشائش العالية / براين ترنر
- الى النسور: يوتوبيا مضادة / براين ترنر
- أحلام أدوية الملاريا 1 / براين ترنر
- تأبين / براين ترنر
- ما أشدَّ هذا البريق! / براين ترنر
- خدَّة وخَدَر / براين ترنر
- تشريح / براين ترنر
- النجف عامَ 1820 / براين ترنر


المزيد.....




- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...
- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر الكعبي - أم غاوية 2