أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نائل خالد العدوان - رد لي عمري















المزيد.....

رد لي عمري


نائل خالد العدوان

الحوار المتمدن-العدد: 4513 - 2014 / 7 / 15 - 21:36
المحور: الادب والفن
    



هذا العمر اغنية سينتهي لحنها عما قريب.
آنية يسهل كسرها بعد ذبول زهور الروح فيها، تتشقق ببطء مهيب ويضعف طينها ثم تغيب غريبة في التراب.
امام ناظرك يذبل الجسد بغباء مدبر، يرهقك التفكير يوما بعد يوم بأنك ستعود من حيث اتيت، موهنا لا تقوى على شيء، فلا انت قادر على الرجوع بسنوات عمرك للوراء ولا يسعفك الجسد بالمضي للامام، تلك نقطه تعيها جيدا وتعرف ان المنتهى سيكون مثل الولادة من جديد ، حيث ينسلخ الوليد الى الحياة ستنسلخ انت من الحياة. وجع في الخاصرة ، صداع مزمن ، حمى، تقرح في اليدين والرجلين، فقدان للحواس تباعا، ذاكرة تقفز الذكريات فيها كجنادب موسمية، كلها شاهدة على ذلك.
حدث الدرويش نفسه كمن فقد وجهته، هش بيده الذباب الذي انتشر فوق رأسه وقام من مجلسه، امتطى دابته على عجل ليقنع نفسه بانه ما يزال قادرا على الحياة، كانت هي الاخرى تشكو من الهزال، نظرات العيون التقت لحظة امتطائه لها، أحس بأنها ستحدثه بسر كان قد خفي عنه، قرب اذنه من راسها، لكنها أشاحت بوجهها عنه دون أن تنبس ببنت شفه.
سدت الطريق من امامه غمامه من موت حزين، هل سيقضي أخر ايامه وحيدا، واذا تلقفه الموت في هذه الساعة، من سيدفن جسده الهزيل؟.
نكز دابته العجوز برجله فارتعشت وخفت خطاها دون أي تذمر، كانت رجلاه تتدلى لتحف بالارض فيرفعهما كلما تخطت الدابة أجمة او صخرة .
تنهد بصوت عالي، ورفع بصره الى السماء فتوقفت الدابة كأنها أيقنت ما الذي سيقوله.
- يا رب، عشر سنوات أخرى من هذا العمر الرديء وسأكتفي من هذه الحياة، عشر اخريات، لعل العمر يزهو وتتبدل الايام، أعطني ، هبني ، أنا عبدك الوحيد، ، امنحني عمرا اخرا في وادي اليبس وسأكون من الشاكرين.
اصغت الدابة لدعائه ولم تنتظر اوامره بالمضي، صعدت به بسرعة غير معهودة الى قمة الجبل.
افترشت القرية راس الجبل بعناد واضح، وبدت البيوت منتثرة كحبات مرض معدي، عندما دخل باب القرية الحجري، تسمرت العيون بجسده الواهن، رمقه أهل القرية بذهول كأنه شبح خرج من تابوته .
نادى بصوت ذابل وببحة متقطعة، عرف الجميع انها صوت الموت :
- تفيج. فلم يجبه أحد .
الاطفال والشيوخ وحتى النساء رانو بصمت مطبق، هل ينتظرون خروج الشيخ توفيق من منزله؟، ولماذا الوجوم في حضرة الدرويش ،
رفع صوته مجدداً فنهقت دابته: يا شيخ القبيلة ، اطلبك عشر سنين من عمرك المديد.
حينها سمع الجميع جلبة في داخل بيت الشيخ ثم أطل برأسه الذي غطاه بكوفية بيضاء ، امتدت جثته لتطاول الباب ، وابتسم عندما راى الجميع ينتظر خروجه.
اقترب الدرويش بدابته الى حيث يقف الشيخ ومد يده باتجاهه.
- يا شيخ، اقرضني عشر من عمرك، لقد دعوت الله بسمائه وكانت البشارة أن تأتي الدابة لبيتك، أيامي نفذت ولم يتبقى لدي الكثير، اقرضني الان وسيبدلك الله بغيرها.
ضحك الشيخ هذه المرة بصوت عالي مختلطا بثقة عالية.
- وكيف سأعطيك عشر سنوات من عمري ، هذا العمر مرهون بخالق العم ، هل فقدت عقلك يا درويش الوادي. قال الشيخ متهكماً.
- لا عليك انت، فهذا حساب بيني وبينه، قل لي فقط أني (أعطيتك عشر من فيض عمري) جهارا امام وجه السماء وعلى مسمع من اهل القرية وسأهتم انا بالباقي.
أدار الشيخ وجهه لاهل القرية الذين اصاخوا السمع، فعرف أن رفض طلب الدرويش سيعتبر نقيصة لا يود أن تقال عنه، تفقد هندامه واصلح ربط عقاله ثم نظر الى اولاده وزوجته من خلفه و مد اصبعه عاليا قائلاً:
- يا درويش الوادي، لك ما جئت به، أفلح بطلبك واني قد وهبتك امام ربي وشهادة أهل القرية عشر سنوات، فاكرمت بها لوجه الله ، أمض من حيث أتيت والله المعين.
لم ينتظر الدرويش الشيخ لينهي كلامه ولم يشكره حتى، أدار رسن دابته للوراء بقوة رآها الجميع وغادر سفح الجبل قاصدا وادي اليبس وابتسامة عريضه ترتسم فوق شفتيه.
كان الشيخ معتداً بما فعل، خروجه امام العامة، كلماته المختصرة التي صدمت الجميع، كرمه الذي تجاوز الحدود، عطائه للدرويش دون تردد، هكذا يكون الشيخ والا فلا.
عندما توسد فراشه ليلا أحس بوخزات في صدره ، سعل بحرقة ادمعت عينيه، ما الذي حل بي؟ فكر ملياً ثم تذكر حادثة الدرويش، انتشر نمل صغير تحت جلده فهرش صدره بشده ، ألم يعصر قلبه ويحيله الى فأر يتالم ، نادى بصوت متهدج على اولاده فلم يسمعه أحد ، حاول القيام من مجلسه فأحست به زوجته.
اقتربت منه فبدا وجهه مصفرا ، ايقظته ، لكنه لم يستجب لها ، كان يهذي ودمع يذرف فوق خديه، تناوب اولاده في تبريد جسده الذي تحول الى مرجل يغلي، كانوا يلعنون الدرويش كلما تأوه الشيخ.
- أحضروا لي عمري من الدرويش ، تمتم الشيخ كمن يحتضر.
حملوه فوق اكتافهم، ودفعوه فوق ظهر بغل و نزلوا السفح نحو الوادي.
كانت خيمة الدرويش مضاءة بفنار زيت، بدا من ظله من خلف ستارها كمارد ظهر للتو، تحرشت به اصوات من خارج الخيمة لكنه تجاهلها، من يود زيارته في هذا الوقت من الليل.
- ايها الدرويش، اغثني ورد لي عمري، قال الشيخ من فوق بغلته.
تملل الدرويش داخل خيمته وأحس بأن فرحته لن تكتمل البته.
- لقد وهبتني العشر طائعا ، فما طلبك في هذه الساعة ، قال الدرويش من خلف ستارة الخيمة
- أود عشري ايها الدرويش ، فكما تسمع صوتي، لقد خبا عمري وحفني الموت بعد مغادرتك.
تردد الدرويش في رفض طلب الشيخ، فان هو قبل سينتقص من حياته عشر سنين وان رفض فسيقوم اولاده بانتزاع الاعتراف منه عنوه.
- يا شيخ، انت اكرمتني بشهادة الجميع وامام باب السماء، وبيتك عامر وسيرتك عبقه دوما، خذ خمسا واترك لي خمسا. فلدي بعض امور اود تصفيتها . والكريم لا يرجع بعطيته.
- انا رجعت ، اعطني عشري ايها الدرويش ولا اقبل بغيرها ولا بيوم ناقص، وقل عني ما شئت بعدها ، اعطني اياها الان .
اخرج الدرويش رأسه من الخيمة بانكسار ، بدت عيناه ذابلتان وقلبه معطل من الحياة.
- ارجعت لك عشرك يا شيخ ، ترحموا علي ايها القوم.
كان الاولاد يسندون الشيخ من فوق بغلته عندما التقط انفاسه، فيما الحياة تعود اليه كلما اوغلوا عائدين نحو قمة الجبل، فيما صوت حمار مسن ينهق بصوت عالي خارقا صمت فرحهم وحزينا على موت صاحبه.



#نائل_خالد_العدوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نائل خالد العدوان - رد لي عمري