أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سلامة كيلة - الثورة واليسار الميكانيكي















المزيد.....

الثورة واليسار الميكانيكي


سلامة كيلة

الحوار المتمدن-العدد: 4508 - 2014 / 7 / 10 - 21:28
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



لا أعرف فيما إذا كان مقال الرفيق باسم شيت "اليسار الميكانيكي والثورة" المنشور على موقع المنتدى الاشتراكي (http://al-manshour.org/node/5545) هو رد على مقالي "أزمة تحليل اليسار للحدث العراقي" المنشور على موقع الحوار المتمدن (http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=422772)، كما يقول الرفيق غياث نعيسة، الذي يشير في تعليق له "أعيد نشر، لمن يريد أن يقرأ، المقالة الماركسية للرفيق باسم شيت التي تنتقد التشوش المعرفي والسياسي لليسار المذكور باختصار ووضوح كاملين، وبدون ثرثرة". ولا أعرف إذا كان الرفيق باسم قد قرأ مقالي أصلاً، حيث أن مقالينا نشرا في اليوم ذاته. في كل الأحوال بات عليّ أن أوضح رأيي فيما كتب الرفيق باسم ما دام وُضع مقاله كرد على ما كتبت، وإن من قبل شخص آخر هو في التيار ذاته، وحيث كنت في مقالي قد تناولت هذا التيار في النقد حول موقفه من الحدث العراقي. لعل نقاشاً جاداً يتحقق من أجل أن تتبلور رؤى واضحة تخرجنا من "التشوش" الذي نعيش فيه.
أوافق على ما يقول باسم بأن " هناك فرق شاسع ما بين حراك ينطلق من مساحة "العمل الجماهيري" وحركة الجماهير الفعلية في المظاهرات والاضرابات والاعتصامات - كما حصل في كل من سوريا والعراق ومصر والبحرين وغيرها من قبل - التي هي بطبيعتها المباشرة مساحة جامعة للعمل السياسي من جهة، وما بين حراك لمجموعات سياسية وايديولوجية منظمة، إن لم نقل شديدة التنظيم، ومسلّحة، تتحرّك في مسار عسكري وقمعي بحت، وتدفع بحركتها اليومية العمل الجماهيري الى الهامش، بل تقلّصه وتكبّل قدرته على التنظيم والعمل السياسي" من جهة أخرى. وهذا ما جعلني أميّز بين الحراك الشعبي في سورية، والذي صنع الثورة، وبين المعارضة السياسية التي لم تكن تمثّل هذا الحراك، على العكس فقد لعبت دوراً مضراً به. بالتالي هناك فعل شعبي، تقوم به طبقات اجتماعية وهناك قوى سياسية تحاول أن تعبّر عنه، أو أن تركبه مستغلة إياه لتحقيق مصالحها. وهذا التمييز بين الطبقي والسياسي مهم وضروري دائماً، لكنه يطرح عدداً من الأسئلة رغم ذلك، ويفرض البحث في عدد من الزوايا. وهو ملتبس إلى حدٍّ ما لدى باسم، حيث يبدو أنه بإشارته إلى حراك "مجموعات سياسية وأيديولوجية منظمة" يقصد داعش بالتحديد. ففي نقده لليسار الميكانيكي ينقد ترويجه لـ "أن داعش استفادت من التناقضات والغضب القائم للسير في مسارها السلطوي والمتطرف والطائفي، وهذا يفترض ضمناً وجود ثورة تحملها". لينتقد "التهليل لكل فعل معادٍ للنظام، بغض النظر عن سياسة هذا الفعل؟ أو توزيع الشرعية الثورية على كل حركة ضد النظام بغض النظر عن موقعها الطبقي والفكري والأيديولوجي؟"، ليبدو أنه لنفي داعش ينفي الثورة كذلك. فليس كل حركة ضد النظام هي حركة ثورية، حتى وإنْ كانت ضد الإمبريالية، وضد الاحتلال، لأن الواقع ينتج حركات رجعية بالضرورة، وتكون ضد النظام من منظور رجعي، ومن مصالح رجعية. لكن داعش خارج هذا النقاش، لسبب بسيط هو أنها ليست ضد النظام، لا في سورية ولا في العراق. وهي عنصر تخريب بالأساس، تجمع "مهووسين أيديولوجياً" وعناصر مخابرات يوظفونهم لتخريب كل حراك ثوري، كما حدث إبان المقاومة ضد الاحتلال الأميركي، وكما يحدث في سورية، وفي العراق الآن. وهذا ما أشرت إليه في مقالي. وبالتالي توضع في "صفّ النظام" وليس في صفّ الثورة.
لكن هل داعش هي التي تقوم بما يحدث في العراق؟ رأيي لا، وهذا ما شرحته في مقالين نشرا في جريدة الأهرام المصرية. وما تناولته في القسم الأول من مقالي حين مناقشة التيار الماركسي الأممي. أما إذا كان الرفيق باسم يقول بأن ما يحدث في العراق هو من فعل داعش كما أوضح البيان الذي صدر باسم مجموعة قوى تمثّل التيار الذي ينتمي إليه، فخلافنا هنا، وهو يتعلق بتقدير الوضع، وأظن أن الفترة الأخيرة أوضحت الأمور أكثر، وابانت أن القوى الأساسية التي تخوض الصراع هي ليست داعش، وأن داعش تشوش، ويبدو أن صداماً سوف يحدث معها، حيث اصدر "زعماء العشائر" بياناً يرفض خطوتها بإقامة "دولة الخلافة"، ويرفض دورها (بعد توضيحات كثيرة من كل الأطراف التي تخوض الصراع أشرت إليها في مقالي). ولا شك في أن كل "اليسار الميكانيكي" يقول أن داعش عنصر تخريب وليست من الثورة، وأنها تخدم المالكي، وتسيّر من إيران. ودورها السوري ليس منفصلاً عن دورها العراقي، وهي في سورية تخدم السلطة بكل وضوح. ولا شك في أن دورها خطر فيما إذا لم تسحق منذ الآن، هذا خطأ الكتائب المسلحة السورية التي لم تسحق أول تواجد للنصرة ثم لداعش، وتنهي إمكانية تثبّتها على الأرض. فهي بتثبتها تمزّق الثورة، وتضع الشعب بين عدوين يطبقان عليه، كما حدث في سورية بالضبط. بالتالي ليس الخلاف مع "اليسار الميكانيكي" على "توزيع الشرعية الثورية" على داعش انطلاقاً من أنها "ضد النظام بغض النظر عن موقعها الطبقي والفكري والأيديولوجي"، لأنه لا يقول ذلك، بل الخلاف حول هل هناك ثورة في العراق؟ أي أن الخلاف هو حول توصيف ما يجري، رغم التوافق على طبيعة داعش و"موقعها الطبقي والفكري والأيديولوجي". هل داعش هي أساس الحراك، وبالتالي سيكون مرفوضاً تماماً، أم هناك حراك شعبي تحاول داعش تخريبه، ويحاول الإعلام الإمبريالي إلصاقه بها لتخريبه كذلك؟ لو كان هناك توافق على أن داعش هي التي تقوم بما يحدث لما حصل خلاف أصلاً، الخلاف يتحدد في "توصيف الواقع"، وهذا ما يفرض إكمال البحث في الفكرة التي طرحها باسم.
إذن، لنعد إلى الفكرة الأساسية التي طرحها باسم، بعيداً عن قصد داعش دون أن نتجاهله، لأن الأمر هنا يُظهر ضعفاً شديداً في فهم الواقع، وتأثراً شديداً بالإعلام الذي يتقصد توجيه الاهتمام إلى مسائل يريدها كجزء من دوره الأيديولوجي، الهادف الآن إلى سحق الثورة باسم الارهاب (وتحليل هذا الأمر كان هدف مقالي المتعلق بأزمة تحليل اليسار المشار إليه قبلاً). بالتالي لا بد من إبداء ملاحظتين على الصيغة التي قدمها، واعتبرت أنني متوافق معها بالعموم. الملاحظة الأولى، وما دام الرفيق باسم ينتقد الميكانيكية، لا بد من تجاوز الميكانيكية في فهم العلاقة بين المسألتين، أي ألا نرى أنه يجب حتماً أن نرى "الصلة المباشرة" بين الحراك الشعبي والتعبير السياسي، أو الانتقال من الأشكال التي يتخذها الحراك الشعبي، مثل المظاهرات والإضرابات والاعتصامات، إلى العمل المسلح المنظم. فهناك ما يتشكل مباشرة من الحراك لكي يحوّله من حراك عفوي إلى حراك منظم، ولكي ينقله من نشاط تظاهري إضرابي إلى نشاط مسلح، وهناك ما لا يتشكّل مباشرة بل يأخذ وقتاً، لكنه يكون نتاج هذا الحراك. أي أن الانتقال يمكن أن يحدث مباشرة كما حدث في سورية على مستوى العمل المسلح، ويمكن أن تحدث "قطيعة" معينة قبل أن يحدث الانتقال، نتيجة ظروف محدَّدة. حيث يمكن أن يحدث حراكاً شعبياً ثم يهمد، لكنه يظهر في شكل آخر بعد زمن، لكنه هو هو الحراك الشعبي.
الملاحظة الثانية تتعلق بمطابقة علاقة القوى بالحراك انطلاقاً من فهمنا نحن لمدى تعبير هذه القوى عن الشعب، أي ألا نجزم بأن هذه القوى لا تمثل الشعب لأننا، نحن، نعتقد بذلك، حيث ربما تعلب قوى لا تمثل مصالح الشعب دوراً، وتحظى بدعم شعبي. أي أنه يجب أن نفصل بين الحراك الشعبي ومطالبه، وبين القوى التي تمثله. وبالتالي نرى حراك الشعب ومطالبه، ونرى إشكالية، وربما خطر، الدور الذي تلعبه القوى السياسية التي تتصدى لقيادته. حيث هنا يقبع دورنا بالضبط، حيث يجب علينا كيسار تطوير حراك الشعب، وكشف منطق القوى الساسية هذه، لكن دون الإخلال في الحراك، أو تحويله وجهة ضارة، أو تحويل الصراع هذا إلى صراع اساسي، بل هو صراع أيديولوجي يجري في إطار الصراع الأساسي ضد النظام والطبقة المسيطرة. وهي عملية بناء قوة اليسار في الحراك الشعبي، وتحويل مركز "القيادة" من تلك القوى إلى اليسار. لكن دون انخراط في الحراك الشعبي وفق رؤية وإستراتيجية واضحتين، ودون صراع ايديولوجي، ليس من الممكن أن يكون هناك يسار حقيقي، لا ميكانيكي ولا ثرثار وثوري.
على ضوء ذلك يمكن التقدم قليلاً وتناول "شرح" ما أتى به النص ذاك. ورغم ما يبدو من موافقة أولية على القول بأن "التناقضات الطبقية والتاريخية هي ظروف موضوعية، لا ظروف "سياسية" في المسار التاريخي، أي إن هذه الظروف قائمة بشكل مادي وفعلي، بينما الحركة السياسية هي "تعبير ذاتي" عن موقف طبقي من التناقضات القائمة، أي هي حركة مجموعات وأفراد وأحزاب وجماهير تحاول "التعبير" عن الواقع ذاته"، فإن التدقيق يفضي إلى إبراز إشكاليات كبيرة. فالموضوعي هو مقابل الذاتي، وما هو موضوعي بالنسبة لي هو ذاتي بالنسبة لآخر، هذا هو الفهم الجدلي الذي يسرد إنجلز في تحليله. بالتالي فإن الطبقات والأحزاب والدول هي واقع موضوعي، بالنسبة للذات، وهذه عملية متحوّلة، أي ليست ثابتة. لكن ربما كان المقصود في النص أن هو ما كان يسمى لدى ماركس "الطبقة في ذاتها" و"الطبقة لذاتها"، هذه الأخيرة التي تفترض الوعي الطبقي، وبالتالي التعبير السياسي. وهذه وتلك غير منفصلتين عن الطبقة، بل هما الطبقة منظمة وتمتلك مشروعها. بالتالي فإن الأحزاب والمجموعات هي تعبير سياسي عن مصالح طبقية لطبقة محدَّدة أو لفئة من طبقة. لكن لا يعني هذا "أبداً أن كل حركة سياسية في المجتمع تعبّر عنه ثورياً، أو حتى تعبّر عنه بشكل مباشر أو بشكل صحيح". لهذا خلال الثورة يجب دراسة وضع الأحزاب والمجموعات، وتحديد عن أي الطبقات أو الفئات تعبّر؟ وهذا تخدم سياساتها تقدّم الثورة أو تراجعها وفشلها؟ لكن هذا يعتمد على مَنْ يقود الثورة، لكنه لا يعني أن كل هذه القوى ليست من الثورة، أو "مضادة للثورة"، بل يعني أن كل حزب يعبّر عن مصالح طبقية يريد تحقيقها على حساب طبقات اخرى، وهو التصارع في صفوف الثورة ذاتها، الذي يحكم كل ثورة، ويعبّر عن تعدد الطبقات التي تخوضها، واختلاف مصالحها النهائية وإنْ كانت قد تشاركت في الثورة.
سنلحظ هنا كيف أن "الفصل القطعي" بين الطبقات وتعبيراتها يفرض التشوش، ويوصل إلى نتائج خاطئة. فالحراك الشعبي ينطلق بالضرورة في وضع توجد فيه أحزاب، وبالتالي تحاول هذه الأحزاب أن تلعب دوراً في الثورة، وهي في ذلك تعبّر عن مصالح طبقية وتهدف إلى جزّ الثورة إلى مسار يخدم الطبقة التي تعبّر عنها. لكن ليس بالضرورة أن تكون النتيجة تحقيق مطالب الشعب، او الطبقات الأخرى، وهو الأمر الذي يفرض البحث في الأسباب التي فرضت ذلك. إن القول بأنه "حتى إن وجدت كل من هاتين الحركتين في سيرورة تاريخية ثورية واحدة، كالتي نعيشها اليوم، فهذا لا يعني أن كلاهما يعبران عن ذات "الثورة"، بل قد يشكلان نقيضين قائمين في مساحة الصراع التاريخي الواحد، أي "الثورة" و"الثورة المضادة"" لا يوضح شيئاً. فهو لا يلغي وجود الثورة من جهة، ويشير إلى قوى تقود الثورة لمصالح طبقية أخرى من جهة أخرى. هذه الأخيرة لا تسمى "ثورة مضادة" (هذا التعبير السحري الذي يستخدم لفك ألغاز كل شيء، رغم أنه مضلل، ففي الثورة هناك تناقض مصالح بين طبقات مختلفة، تعبّر عن ذاتها في شكل أحزاب، بالتالي هي جزء من الثورة لكن لخدمة مصالح طبقية محدَّدة، إلا إذا اعتبرنا أن الثورة يجب أن تكون ثورة بروليتارية نقية، ومن ثم أن كل من يقودها غير "نحن"، الحزب البروليتاري الثوري، يحوّلها إلى ثورة مضادة. وأيضاً إن قيادة أحزاب لها مصالح "غير شعبية" لا يعني تحوّل الثورة إلى ثورة مضادة، بل يعني أن الثورة لن تحقق أهدافها في ظل هذه القيادة، بالتالي ستستمر. فالثورة هي من صنع الطبقات الشعبية، التي لا تفعل ذلك إلا في اللحظة التي لا تعود فيها قادرة على تحمّل الوضع القائم. هنا يصبح الناس هم صانعي التاريخ، وما الأحزاب إلا نتاج فعلهم. وفي سياق تحقيق مطالبهم سيسقطون كل الأحزاب التي تحاول "سرقة" ثورتهم. وهنا يجب تَلمُّس لماذا اليسار الثوري ليس موجوداً.
على ضوء ذلك يمكن لمس الفصل الذي أقامه الرفيق باسم بين الحراك الشعبي وبين الأحزاب، ثم كيف أن تحديد الموقف من الثورات بات يخضع لطبيعة الأحزاب التي تلعب دوراً فيها، وليس استناداً إلى الحراك الشعبي ذاته. وما يسميه "ثورة مضادة" هو في الواقع سياسة الطبقة المسيطرة لافشال الثورة، أي هي الصراع الطبقي ذاته من زاوية الطبقة المسيطرة. وهي سياسة تعتمد في افشال الثورة على تخريبها من داخلها، وتشكيل قوى تتحدث باسمها لكنها تخرّبها، وتصعيد صراعات فيها، وكل الأشكال الممكنة لاجهاض الثورة.
إذن ليس كل ما وجد في الواقع خلال الثورة هو ثوري، وليس كل من شارك فيها يريد تحقيق "أحلامنا" بل هو يريد تحقيق مصالحه. وليس كا من شارك سوف يستمر إلى الأخير، أو يبقى منسجماً مع مبادئه. لهذا تقوم السياسة الماركسية على التمييز بين الطبقات ومطالبها، وحراكها، وبين الأحزاب والقوى التي تنخرط في الثورة. ويكون هدفها تطوير فعل الطبقات الشعبية، وتنظيم صفوفها، وتحديد بديلها من جهة، وكشف مصالح وسياسات الأحزاب والقوى الأخرى، وإضعاف فاعليتها في الثورة لمصلحة بديل يساري ثوري من جهة أخرى.
الآن، فيما يخص وضع العراق، ونحن نناقش أصلاً تأسيساً على الاختلاف في فهم ما جرى، كيف يمكن أن نفهم الذي يجري؟ وأين يكمن أساس الاختلاف؟
باسم يعتبر أن في العراق "حراك ينطلق من مساحة "العمل الجماهيري"، وحركتهم الفعلية في التظاهرات والإضرابات والاعتصامات –كما حصل في كل من سورية والعراق ومصر-". وكان ذلك واضحاً منذ بداية الثورات في البلدان العربية، حيث جرى حراك في العراق، ثم قبل أقل من عام حينما اعتصمت قطاعات من الشعب في المنطقة الغربية في الساحات لأسابيع، وسحق بالعنف من قبل قوات المالكي، ثم تكرر في الأنبار ووجه بالعنف أيضاً، لكن المعتصمون توجهوا إلى الرد بالسلاح. خلال اعتصام الساحات تشكلت مجالس العشائر، والمجلس العام لعشائر العراق من وجاهات المعتصمين، كتعبير عن حركة الاحتجاج هذه. وبعد أن سحقت تشكل المجلس السياسي العام لثوار العراق، من هؤلاء من قوى كانت تقاتل الاحتلال الأميركي، منها البعث وكتائب ثورة العشرين وكتائب المجاهدين وكتائب الطريقة النقشبندية. ثم تشكل المجلس العسكري العام لثوار العراق، حيث كان واضحاً أن الأمور تتحوّل إلى الصدام المسلح لمواجهة عنف النظام. إذن لا يمكن أن نقول بأن هذه القوى لا علاقة لها بالحراك الشعبي، بل هي نتاجه. وكذلك لا يمكن أن نعتبر بأن الحراك عسكري بفصله عن جذره القريب وجذوره الأبعد (الاحتلال الأميركي)، الأمر الذي يجعل الحراك الشعبي والحراك السياسي "مخلوطين" معاً، ولا يمكن الفصل بينهما، أي القول بأن الحراك هو حراك أحزاب وقوى فقط منفصلاً عن القاعدة الاجتماعية التي ينشط فيها. بالتالي كيف يمكن أن نفصل "الثورة" عن "الثورة المضادة"؟ ما جرى وفق البيانات التي صدرت من هذا التيار هو لفظ كل ما يجري، وتلخيصه بداعش. ولم يفد الإقرار بوجود حراك شعبي. حيث جرى، كما يبدو، "القطع" بين لحظة الحراك ذاك وبين الحراك الحالي، وليبدو هذا الحراك "نبتاً شيطانياً" لا جذور له. وكل التنظير الذي استخدمه الرفيق باسم كان يهدف إلى تأكيد هذا القطع.
ربما نحتاج إلى تقييم وضع القوى التي تخوض الصراع الآن، لا شك في ذلك. ويمكن أن نكون ضدها نتيجة أيديولوجيتها أو مصالحها، أو حتى ميولها الطائفية. وهذا واضح في الصراع، حيث هناك من يتخوّف من "عودة البعث"، وهو محق. وهناك من يعتبر أن الثورة سنية وتهدف إلى إزالة التهميش الذي تعرضوا إليه من قبل نظام طائفي كذلك. وهناك قوى تقاتل من أجل استعادة الماضي وعودة صدام حسين، وأخرى تريد حصة أكبر في السلطة. كل ذلك موجود، وهو جزء من الصراع داخل الثورة. ويجب أن يكون لليسار موقف واضح منه لا شك في ذلك. لكن كل ذلك لا يلغي أن ما يجري ثورة.
انطلاقاً من كل ذلك تبدو "المهمة الأكثر ضرورة" التي يطرحها مجرّدة، ومحلقة بعيداً عن الواقع. فلا شك في أنه يجب "بناء التنظيم الثوري وتجهيزه سياسياً وفكرياً وعملياً لمواجهة الواقع الذي نعيشه والتحضير للمواجهات القائمة"، لكن لا يتحقق ذلك إلا في الواقع، وفي خضم الصراع القائم، وبين الطبقات المفقرة التي تخوض الصراع الآن، بقيادة تلك القوى. ولكي يصبح ذلك ممكناً يجب أن نكون معها في حراكها من أجل إسقاط النظام القائم، وليس إدانته لأنه يقاد من قبل قوى "الثورة المضادة". يجب أن ننتقل من المنطق الصوري الذي يجعلنا نقف مع أو ضد، وبالتالي هنا ضد، إلى المنطق الجدلي الذي يجعلنا نقف مع وضد في الآن ذاته: مع الطبقات الشعبية في مطالبها وسعيها لتغيير النظام، وضد القوى التي تريد أخذ الثورة "طائفياً" أو لمصلحة فئات وسطى، أو حتى لمصلحة البرجوازية "السنية". وتوجيهه نحو إقامة نظام شعبي وثوري.
في الأخير، ربما يكون استخدام المصطلحات معبّراً عن "نمط وعي"، حيث يستخدم الرفيق باسم مصطلح "سيرورة"، حين يتعلق الأمر بالعملية التاريخية. والمصطلح مستخدم، لكنه لا يتضمن العملية التاريخية إلا من منظور ميكانيكي. لأن مصدر السيرورة هو سار، التي تعني التقدم التراكمي، أي السير الخطي. وهذا لا يستوعب الجدل المادي إلا إذا جرى تحويله إلى فهم تراكمي ميكانيكي (كما فعل ستالين). بينما المصطلح الذي يطابق الفهم الجدلي هو الصيرورة، ومصدرها صار، وهو يتضمن التراكم والتحول معاً، أي يتجاوز المعنى الخطي التراكمي لمصلحة تركيب جديد يتضمن التراكم والتضمن والتحوّل. فالصيرورة هي التعبير العام عن كل العملية الجدلية في الفكر وفي الواقع.



#سلامة_كيلة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة تحليل اليسار للحدث العراقي
- هل ما يجري في سوريا ثورة؟
- حول ما يجري في العراق
- الثورة السورية ... محاولة لفهم المجزرة
- منظور أخلاقي للثورة السورية
- نقاش خفيف مع -الرفيق- محمد نفاع - الإمبريالية والاستعمار وال ...
- الثورة والاستعصاء الثوري في سورية
- بعد ثلاث سنوات من الثورة في سورية: من أجل إعادة نظر شاملة
- النتائج الممكنة لمؤتمر جنيف2 والموقف منها
- المهمات الديمقراطية والاشتراكية
- الحرب على الإرهاب في سورية
- عن الإمبريالية وتشويه -اليسار الممانع- للماركسية
- قانون ضبط التظاهر يعيد الحراك الاجتماعي لشوارع مصر
- روسيا والحل الروسي وقاسيون
- معركة حزب الله وإيران.. في سوريا
- الطائفية و«النظام الطائفي» في سورية
- ممكنات نجاح مؤتمر جنيف 2
- أزمة الثورة في سورية: تعدد الأعداء وتعدد مصالحهم
- الثورة السورية وآفاق صراع متعدد
- عن تحديد التخوم (ملاحظات حول وحدة اليسار)


المزيد.....




- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سلامة كيلة - الثورة واليسار الميكانيكي