أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صادق الازرقي - مقدمات الانهيار .. في صلب العملية السياسية















المزيد.....

مقدمات الانهيار .. في صلب العملية السياسية


صادق الازرقي

الحوار المتمدن-العدد: 4507 - 2014 / 7 / 9 - 07:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ترددت كثيراً قبل ان افكر بالكتابة مجدداً، بعد الانهيار المدوي لمفاصل الحكومة (والدولة ايضا) اثر احداث العاشر من حزيران الماضي، التي هي نتيجة اعتيادية وكانت متوقعة لانتكاسة النظام السياسي فيما يعرف بالعراق الجديد، وكذلك المؤسسة العسكرية المشكلة بعد نيسان 2003 على انقاض جيش النظام السابق؛ لأن مسؤوليتنا كأفراد احرار توجب علينا ان نشارك في التقويم بدلا من ان نبكي على الاطلال، او ان ننكفىء في ظل عقد نفسية جديدة لن تبقي لمعالم التفاؤل اثراً.

قررت الكتابة عن هذا الانهيار انطلاقا من حقيقة ان اغلبية سكان العراق بشتى تنوعهم مضطرون الى العيش على هذه الارض، اذ لن تتوفر الفرصة لشعب بأكمله للانتقال الى ارض اخرى لادامة حياته، برغم ان السياسيين اوصلوه الى حالة يتمنى فيها العيش في أي مكان عدا هذا العراق المبتلى.

لقد شخصنا في مقالات لنا طيلة السنوات العشر الماضية، وتوقعنا بوادر الانهيار هذا، بل ترقبنا الاسوأ منه؛ ولست محتاجاً للتذكير بتلك المقالات، فما اكثرها، كما اننا لسنا بصدد اعادة التذكير بالتوقعات التي تحققت في الاسابيع الماضية على ارض الواقع، اذ اننا نسعى الآن الى البحث عن علاجات برغم انها، اي المعالجات خرجت من ايدي سكان العراق، الذين صوتوا مرة اخرى في الانتخابات العامة الاخيرة على اسس طائفية واثنية؛ فغربت عنا مظاهر الكفاءة والمواطنة والتحضر، ولن نعرف حتام!.

و يظهر ان تاريخ هذه الارض يأبى الا ان يعاود دورته ومقدمات انهياره، كما يظهر اننا لم نستفد من العبر فنقع في الهاوية في كل مرة, ولا بأس هنا ان نذكر بما كتبه المفكر علي الوردي في مؤلفه القيم «دراسة في طبيعة المجتمع العراقي»، وتحدث فيه عما اسماه «الادواء التي كانت تنخر كيان الدولة» في العهد العثماني، التي ادت الى انهياره؛ وبمقارنتها بالاوضاع التي سبقت الانهيار الاخير لدينا، تتبين لنا حقيقة تلك الدورة الجهنمية التي وقع فيها العراقيون، وادت الى خراب بلدهم، والى هلاكهم؛ وسيتعاظم هذا الهلاك والفناء قطعاً، اذا لم نفلح في الاصلاح وانقاذ الوضع.

يقول الوردي، ان «المدام ديولافوا» التي تجولت مع زوجها في العراق عام 1881 تحدثت عن مبلغ تفسخ الموظفين والضباط و استنتجت انها ستكون عامل انهيار للدولة العثمانية، فقالت في كتابها «رحلة مدام ديولافوا «، ان «احد رؤساء الدوائر في بغداد تعهد بتشييد بناية عامة فبناها مرتين اذ هو في المرة الاولى لم يضع لها اساساً ثم عمد الى احراقها فحصل من جراء ذلك على مبلغ كبير من المال»، وتضيف «ان قواد الجيش كثيراً ما يفتخرون بسفرات حربية غير حقيقية يقومون بها ليتقاضوا عنها المبالغ المقررة لها؛ وحدث مرة ان سار بعض الضباط الكبار بجيش لا وجود له وبعد قليل اخبروا الباب العالي ان الجيش قد ابيد عن بكرة ابيه.. وهم انما فعلوا ذلك لتغطية ما كادوا يتعرضون له من فضيحة بيع اسلحة كثيرة والتصرف بمرتبات الجنود»، مردفة، ان «المناصب و الوظائف الكبيرة كانت تعرض بما يشبه المزايدة حيث تمنح لمن يقدم رشوة اكبر» وتستدرك «لا ننكر وجود بعض الاتقياء الصالحين من موظفي الدولة آنذاك ولكن اولئك كانوا قليلين جداً ولعلهم يعدون نشازاً بين زملائهم».

ورأت ديولافوا، وعلي الوردي، في تلك الافعال، وغيرها عوامل تفسخ وانهيار الامبراطورية العثمانية.

كتب علي الوردي دراسته تلك عن طبيعة المجتمع العراقي، في عام 1965، وكان كمن يحذر من المقبل من الايام، وقال بصريح العبارة ان «الشعب العراقي منشق على نفسه وفيه من الصراع القبلي والطائفي والقومي اكثر مما في أي شعب عربي آخر ـ باستثناء لبنان ـ «، بحسب تعبيره، واشترط كعلاج تطبيق النظام الديمقراطي، رابطاً ذلك بانتشار التعليم والتمدن و بما اسماه «تعويد الشعب العراقي على الحياة الديمقراطية»، موضحاً، «اذا بقينا نتظاهر بالديمقراطية قولا ولا نمارسها فعلا فسوف نظل كما كنا يسطو بعضنا على بعض الى ما لانهاية!»، مشدداً على ان «الشعب العراقي لابد له ان يتطور في تفكيره كما تطورت الشعوب الاوروبية قبله».

اضطررنا لهذا الاقتباس الطويل؛ لإلقاء الضوء على تلك الدورة الجهنمية من العنف والخراب التي تعصف بالعراق، و يظهر ان ليس من السهولة بمكان ان تضع اوزارها، وان يركن الناس الى السلام والاستقرار؛ اذ ما اشبه اليوم بالامس، وان كان الحاضر اشد مرارة وهولا و دفعاً الى اليأس. ان مقدمات الاخفاق في الحياة العراقية التي اعقبت اسقاط النظام المباد، التي اوصلتنا الى الكارثة الاخيرة، كثيرة والناس عرفتها وخبرتها اكثر منا، واكتوت بنارها طيلة السنوات العشر، ولن نحيط بها في هذا المقال القصير.

ولكننا نقول، اننا اخفقنا بامتياز في اقامة مجتمع مبني على اسس العدالة والانسانية، ولقد اضعنا الفرصة التي توفرت لنا اثر انهيار النظام الدكتاتوري السابق، فلم نفلح الا في خلق العداوات والبغضاء بين ابناء المجتمع؛ فامتدت جذور الكراهية والحقد بين المحلات، وفي المؤسسات، واصبح امراً اعتياديا ان يخاف الفرد من جاره، بل تمددت عوامل البغضاء الى الاسرة الواحدة، والى النوع الانساني، ولو كنا فعلنا الصحيح لتجنبنا مزيداً من الدماء والخسارات واطمأن الناس على حياتهم ومستقبلهم وافتخروا ببلادهم.

ان مجتمعات عدة في العالم بنت اسسا راسخة لحياتها، و برغم تنوع اعراقها واديانها وطوائفها، الا ان العامل المشترك الذي وحدها هو تحقق شروط المساواة والعدالة والانسانية في بنائها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، الى الحد الذي يدفع شخصاً افريقياً او اسيوياً هاجر الى اميركا مثلا، الى الافتخار بالقول انه اميركي، اما نحن ففعلنا العكس تماما، وعملنا على تشظي المجتمع الى الحد الذي اصبح كل انسان عراقي يشعر ان الوضع السياسي الجديد قد خذله ولم يلب طموحاته، وفقد الناس روح المواطنة والوحدة الانسانية، وما عادوا يتحمسون للدفاع عن البلد.

واقتيد الناس سياسياً واجتماعياً وحتى اقتصادياً على اسس غير سليمة، واقحم العرق والدين والطائفة في الوضع السياسي بقوة؛ فتكرس الانقسام في كل شيء؛ وبرغم انني شخصياً لم اثق منذ وقت مبكر بمجمل العملية السياسية التي بنيت على اسس خاطئة من التحشيد الطائفي والاثني، وانتجت دستوراً اعرجَ ونظاماً انتخابياً بائساً، فانني ازعم ان الفرصة لم تزل مؤاتية لانقاذ الناس، اذا توفر القصد اصلا، واذا سارع سياسيون حقيقيون الى التحرك المنطقي، المنسجم في الاقل مع ما يوفره علم السياسة، واذا جرت تلبية مطالب الناس والاستجابة لحقوقهم وتحقيق المساواة والعدالة بينهم والارتقاء بالخدمات وغيرها، واننا بذلك سنكون مطمئنين على مستقبل البلد؛ اما الاكتفاء بالحديث عن المؤامرات والتهيؤ للمعارك، فلن يجديَ نفعا ولن ينقذناً من ورطتنا ولن يعيد لنا آمالنا التي ضاعت واشرفنا بها على الموت والفناء.



#صادق_الازرقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عودة مظاهر الاستبداد
- الصدامية الخامسة الالكترونية.. تحقير مبتكر لكرامة الناس
- احتضار الدولة الدينية
- العراق .. مقبرة للأحياء .. و بلد في طريق الهلاك
- التضحية بأرواح الناس لأجل سواد عيون العملية السياسة!
- جامعة البنات .. طائفية النوع الاجتماعي
- -أكلونا- الفايروسات!*
- فتاوى مدججة بالسلاح .. أوهام احتكار الفضيلة!
- مواشي الصومال و تمر البصرة
- موقف الحكومة العراقية من اللاجئين السوريين خطأ غير محسوب الن ...
- كي لا تتكرس الكراهية نمطا لحياة العراقيين
- وتبخرت آمال الحالمين بمئة راتب!
- فتاوى إلغاء الآخرين !
- الجولة الثانية من نزال الاستيلاء على شواطئ دجلة
- ملايين الناس بلا مأوى، و قصور الخضراء تستوطنها الكلاب!
- مأزق العملية السياسية المستديم
- الضرائب على الاستيراد، نهب لما تبقى في جيوب الفقراء
- يوم تاريخي أضاعوا بريقه في لجّة الفشل السياسي
- من عجائب العراق الجديد: أعطني أمنا ً واستقرارا ً، أعطيك فقرا ...
- هل تجري مطاردة الفساد فعلا؟


المزيد.....




- بالأرقام.. حصة كل دولة بحزمة المساعدات الأمريكية لإسرائيل وأ ...
- مصر تستعيد رأس تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني
- شابة تصادف -وحيد قرن البحر- شديد الندرة في المالديف
- -عقبة أمام حل الدولتين-.. بيلوسي تدعو نتنياهو للاستقالة
- من يقف وراء الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في الجامعات الأمريك ...
- فلسطينيون يستهدفون قوات إسرائيلية في نابلس وقلقيلية ومستوطنو ...
- نتيجة صواريخ -حزب الله-.. انقطاع التيار الكهربائي عن مستوطنت ...
- ماهي منظومة -إس – 500- التي أعلن وزير الدفاع الروسي عن دخوله ...
- مستشار أمريكي سابق: المساعدة الجديدة من واشنطن ستطيل أمد إرا ...
- حزب الله: -استهدفنا مستوطنة -شوميرا- بعشرات صواريخ ‌‏الكاتيو ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صادق الازرقي - مقدمات الانهيار .. في صلب العملية السياسية