أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - تأملات فى مشاعرنا وأعماقنا وزيفنا.















المزيد.....


تأملات فى مشاعرنا وأعماقنا وزيفنا.


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 4507 - 2014 / 7 / 9 - 07:43
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


-نحو فهم للوجود والحياة والإنسان (15) .

عندما نحاول البحث فى الوجود فهذا يعنى البحث عن رؤية الإنسان وإحساسه وإنطباعاته وإنفعالاته فهو الكائن الوحيد الذى يستقبل الوجود بوعى ليسقط عليه رؤيته وأحكامه وتقييماته لذا يكون فهمنا للوجود هو البحث فى أبعاد الإنسان النفسية وآفاق ومحددات تفكيره ومدارات وآليات الدماغ التى تتحرك حصراً لإيفاء حاجاته الجسدية والنفسية بإنتاجها للأفكار كوسيلة .
الحياة مجموعة هائلة من الإنطباعات نختزن كل مشهد وصورة بإنطباع لتكون موقفنا وتقييمنا للمشهد الوجودى يؤطره الحاجة والإشباع والأمان ويرتسم الإنطباع وفق قطبى اللذة والألم ..ليتم إختزان الصور والإنطباعات فى أرشيف الدماغ لنستدعيها عند الحاجة ..الأفكار هى مجموعة صور هائلة يتم لصقها بطريقة منطقية أو خيالية لتحقق حالة من الإشباع الجسدى والنفسى .
الإنسان لا يعبر عن إنطباعاته وأحاسيسه فى كثير من الاحيان بشفافية وصدق ولا يكون هذا نتيجة حالة زيف واعية فقط بل مناورات داخلية لمنطقة اللاوعى تتحسس أمان الذات ولكن هناك بالفعل حالات زيف واعية يمارسها الأقوياء لتتسلل للبسطاء فى وعيهم دون أن يدركوا بواطنها وغاياتها بل نجد الكثيرون منهم يتحمس لها كأنها قضيته بينما هو مخدوع يلعب فى ملعب الكبار .!

- مشهد غريب جال فى خاطرى بقدر بشاعته إلا أنه لا يختلف عن مشاعر نمارسها ولكن بصورة أقل وطأة .. تصورت مشهد إنسان يحتضر ويموت فى الطريق فيراه الناس فلا يعيرونه اهتماماً ليتطوع أحدهم فينحيه جانباً ويتصل بوحدة النظافة العامة بالبلدية لترفع جثته حتى لا يعيق حركة المرور ولا يؤذى برائحته العفنة ليسرع لودر من جهاز رفع القمامة ليقوم برفع الجثة وإلقاءها فى مكان قمامة الجثث.
أظن مشهد مقزز وبشع جداً ولكن مشاعر البشاعة والتقزز من المُفترض أنها للأحياء , فالميت لا يشعر بشئ ولا يدرك أنك ألقيته فى مكان للقمامة أو فى قبر بائس أو من الرخام . هذا المشهد المتخيل ليس غريب وشاذ عن سلوكنا ولكنه فج فقط فى خطوطه الغليظة فنحن نفعل ذات الفعل ولكن بصورة مخففة أو مذوقة ملفوفة بورق سيلوفان ملون تتمثل فى مراسم دفن وسرادقات وقبور مُجهزة ولكن ليس هذا للميت بل لنا . إنها مراسم تبغى الإحتفاء بأهل الميت وتقدير وضعهم الإجتماعى والطبقى فالمراسم للإنسان الحى ذاته الذى لا يقبل أن يأتى اليوم الذى يزيحه لودر فى مقلب لقمامة الجثث بل بسيارة مخصصة لذلك وسط أجواء إحتفالية.
لو تأملنا قليلا وجردنا المشهد من ظلال السواد المرسومة فنحن نلقى بالجثث فى مقلب نطلق عليه مدافن ويصاحب عملية الرمى بعض الطقوس والهالات العاطفية فنحن نحتفى بالميت حتى يحتفوا بموتنا فلا نصل لمشهد ازاحة جثتنا بلودر فى عربة جمع قمامة الجثث .

- نتزيف عندما نقول إكرام الميت دفنه ونهرول به إلى المقابر فإذا كنا نريد إكرامه بالفعل فلندفنه فى غرفته أو فى حديقة منزله مع توفير كافة إجراءات الحماية والحفاظ على الصحة العامة التى لن تكون صعبة المنال .. نحن لن ندفن أحبائنا فى ديارهم حتى لو توفرت كل إجراءات الحفظ والأمان وسنسرع بهم للمقابر لأننا ببساطة لا نريد لمشهد الموت ان يكون حاضراً أمام عيوننا فلنبعدهم بعيدا ولا عزاء للأحبة .

- هل نحنو على الفقير كونه إنسان يمر بمحنة وألم أم لأن الله طلب منا ذلك .. أتصور لا هذا ولا ذاك فسبب مساعدة الغنى للفقير لأنه يخشى أن يتحول جوعه إلى ثورة هائجة تقتلع الأخضر واليابس .فالغنى يخشى أن يُحاصر الفقير فى الركن بدون أى أمل فى الحياة فيتحول إلى ثورة هائجة تقلب الطاولة عليه ,فالدعم هنا بمثابة رفع الغطاء قليلاً عن القدر حتى لا ينفجر فى وجوه الأثرياء..لذا فلنسمح لهم ببعض العطايا كالزكاة والعشور والمعاش الإجتماعي ليس تعاطفاً ولكن لنتجنب ثورتهم الهوجاء ,كما لن نمنحهم الكثير ليس بخلا وتقتيراً منا بقدر أن يظلوا دوماً فقراء ,فلن نسمح بموتهم جوعاً كما لن ندعهم يتخلصون من فقرهم لتظل الرغبة فى أن يبقوا على حالهم حتى يتسلل هذا الشعور القمئ الغبى بالتمايز , فالاثرياء لن يجدوا لذة فى الحياة عندما تتساوى الرؤوس والبطون فمتعة الغنى إحساسه بالفوقية والتمايز ,فكيف يستمتع بغناه إذا لم يكن الفقراء البائسين أمام عيونه أذلاء أصحاب بطون خاوية وجلود شاحبة .
فى خضم هذا المشهد البرجماتى الباحث عن التوازن تمنح العطايا للفقراء فى ظل حالة زيف من المشاعر الطيبة الودودة لتنتقل مع الأجيال ليتعايشوا بالفعل مشاعر إنسانية طيبة مترفقة بينما الأصل والجذر البدئى لم يكن يعتنى بتلك الرومانسية .

- لا أظن أن الإنسان حاك ملابسه إتقاء لبرد الشتاء فقط لأتصور فكرة الملابس تأتى فى سياق رغبته فى مداعبة الشهوة والشبق الجنسى وخلق حالة من التفكير والهوس الجنسى المستمر الذى يجلب لذة فى المداعبة المستمرة للشهوة .
الإنسان عاش آلاف السنين عارياً فلماذا إخترع الملابس فألم يعانى البرد قبلها وما معنى أن قبائل فى أفريقيا وحوض الأمازون تعيش شبه عارية حتى الآن فألا تبرد أجسادهم مثلنا ..الإنسان إخترع الملابس ليخلق حالة شغف وشبق جنسى , فالجسد العارى لا يخلق شهوة متقدة بينما الحجب سيؤجج الشغف والفضول لإكتشاف ما تحت الحجب ليزداد الهوس باللحم المغطى والرغبة الشغوفة لإكتشافه .. بعض اصحاب الهوس الجنسى العالى غطوا كل الجسد ليكون الشبق والهوس على أشده ليصبح كل دماغ الرجل فى لغز الجسد الذى إكتسب فتنه ورغبة وشهوة من الحجب .والبعض الآخر تفنن فى إبراز خطوط ومنحنيات الجسد من خلال الملابس وهو ما يُعرف بالموضة لتدور كل المشاهد فى إطار تأجيج الشهوة من خلال الحجب والتلاعب به .

- هناك ملمح أخر لتغطية أجسادنا بالملابس فهى ممارسة الزيف والإستمتاع به ليتحول إرتداء الملابس من ستر ما نتصوره عورة إلى إخفاء الحقيقة حيث أصبحت الملابس ميداناً للتنافس على الظهور بصورة مَهيبة أو تمايزية أو مُغرية وفقا لغاية وليس لحاجة , فالصورة التي ترسمها الملابس لمرتديها في مخيلة الناظرين لا تعكس حقيقتهم ,فالأمور لا تتوقف عند الرغبة فى ستر عورة أو حماية الجسد من البرودة أو الحرارة كما يدعون بل لإعلان رغبات فى التمايز ومنح الذات صورة مزيفة تتوارى وراء لباس ,فملابسنا الانيقة هى لأعطاء هالات لنا ,وخطوط الموضة هى لخلق صورة فاتنة ومثيرة لأجسادنا بإبراز الخطوط والمنحنيات التى نريد للآخرين أن يعتنوا بمشاهدتها لتعطى لهم صورة براقة مزيفة لجسد هو فى النهاية من جلد ولحم وعظام .

- الغريزة محرك الحياة وبدون غريزة لا توجد حياة .. نحن بوعينا المتقدم نتلذذ بكبح الغريزة حتى نستمتع ونحس ببهجة حضورها بعد حرمان ليكون الصيام أيضا هو التلاعب على أوتار الحرمان وذلك بإنتظار الإشباع بعد جوع لتتحقق اللذة بعد الحرمان بخلق حالة شغوفة منتظرة .
نتعامل مع الجنس أيضا بمراسيم وطقوس وتحريم وتابوهات وترتيبات وتجهيزات حتى نحقق لذة شغوفة بإشباع الجسد بعد حرمان شديد من حالة شغف وشبق وهوس يسبق الإشباع ليعطى مذاق خاص للذة قبل إيفاءها .
لقد خلقنا وداعبنا اللذة بالحرمان وإنتظار اللذة .أو قل أننا خلقنا من الألم لذة وداعبنا الألم لنحصل على لذة فى ظل ذكاء بشرى تكيف مع المعاناة لذا يأتى الدين محققاً مداعبة الغريزة وتشويقها وإطفاء متعة بمشاكستها ومن هنا قد يكون هذا سبباً من أسباب التماهى فى العملية الدينية .

- الرياضة ليست لصحة الجسد ونموه وقوته كما نتصور بل لممارسة للصراع الإنسانى بصورة أقل حدة خارج حلبات الصراع العنيف الدموى أى تفريغ طاقة الصراع الشرس فى شكل بسيط تنعدم فيه مشاهد العنف لنجد متعتنا فى هذا التنافس والصراع الراقى ورغماً عن ذلك فلم تتحرر الرياضة كنهج راق للصراع من جذور الإنسانية العنيفة , فالمصارعة والملاكمة هى أشكال من أشكال العنف فى صورة فجة لنستمتع بهما كلذة فى ممارسة العنف أو مشاهدته .فلتنظر للجمهور المشاهد للصراع الشرس بين المصارعين ولتسأل لماذا يستمتعون و يهللون .. إنهم يحتفلون بالعنف الكامن تحت الجلد كما إحتفى أجدادهم الأوائل بمصارعة الالومبيك .

- لماذا الأديان تُحرم وتُجرم القتل ضد فرد الجماعة بينما يكون محموداً ورائعاً ومشفوعاً بتأييد وحماس ورضا عندما يتم ذبح الآخر من الوريد للوريد كونه عدو ..لأننا ببساطة نخفى طاقة عنف وهمجية كامنة تريد أن تنطلق فخلقنا فكرة الإله الذى يسمح ويحث على تنفيس شراستنا لنمارس عملية الذبح بدم بارد وضمير مستريح ومتلذذ ..ليكون حضور الدين بهذا النهج هو إستدعاء للهمجية الأولى .. الإرهابيون بشعون تواقون للدم والذبح لينجذبوا للشريعة التى تفتح لهم الآفاق لممارسة وحشيتهم بتلذذ وضمير ميت .

- بماذا تُفسر أن السرقة حرام تزعج الإله الذى لن يتوانى عن إعداد نار حامية الوطيس للصوص ,كما لن ينسى أن يوصينا بقطع يد السارق ولكنه فى الوقت ذاته يوصى بسرقة الآخر وتوزيع المسروقات تحت يافطة الغنائم ..فكيف يستقيم هذا ..نحن عصابة لصوص يا عزيزى تختبأ فى مغارة المقدس .

- نحزن على موتانا لأن موتهم يصفعنا ويذكرنا بشبح الموت ذاك الألم الكبير القريب منا المتوارى عن وعينا ,فحزننا وألمنا هو على حالنا فى تلك اللحظة التى نفقد فيها الحياة لنتمدد جثة هامدة بلا حراك . مشاعرنا تنطلق من الأنا وكلما كانت قريبة بشدة من أناتنا أطلقنا زخماً شعورياً لذا عندما نرى مشهد الموت فسينطلق الحزن على حالنا ولكن سنصرف بعض المشاعر على الميت تورية بينما عمقها اللاوعى هى لأنفسنا خوفاً وقلقاً عليها لتتوارى خجلاً عن الإفصاح عن مكنوناتها فى الحزن على موتانا .

- هناك عامل آخر أكثر عمقاً لمشاعر الحزن التى تصاحبنا عند فراق موتانا – ليس هو الإحساس بفراقهم أو كوننا نحمل رصيد من الذكريات والمشاعر تجاههم فهذا بالفعل هو ما يطفو على سطح وعينا لتحجب مايدور فى العمق الإنسانى من أسباب , فنحن نحزن ونفجع فى فقد أحبائنا لأننا نفقد مرآة من مرايا إثبات وتحقيق وجودنا .

- نحن ندرك وجودنا من عدة مرايا تتمثل فى بشر مثلنا أو حيوانات نألفها أو موجودات لتعطى كل مرآة ملمح من ملامح وجودنا وكلما زادت المرايا كماً وقرباً كلما إبتعدنا عن إغترابنا وأحسسنا بإنسجام وأمان مع الوجود , وكلما كانت المرايا كبيرة متمثلة فى علاقات حميمية دافئة كلما أصبح لوجودنا معنى كبير لذا تكون خسارة أى مرآة هو إنتقاص لوجودنا الذى إعتدناه وبمثابة هزة عنيفة لوجداننا بخسارة مرآة من مكونات وجودنا .

- وجودنا هو علاقتنا بمجمل الوجود المادى من بشر وحيوان ونبات وجماد فلا وجود لنا من غير محيط مادى يحتوينا سواء أكان حى أو جامد ,وكلما كانت العلاقة ذات تفاعل قوى كلما أدركنا وأحسسنا بوجودنا وودعنا الإحساس بالإغتراب من وجود مادى صارم يقذف صوره بلا معنى فالعلاقات الإنسانية ذات أهمية كبيرة فى إحساسنا بوجودنا فهى تفاعل حىّ متبادل يمنح الكثير من الزخم لذا يميل البشر للتجمع فى جماعات بشرية ,كذلك علاقتنا مع الحيوان تمنحنا إحساس بالوجود وإن كان أقل فاعلية من علاقة الإنسان بالإنسان لتكون تربية الحيوانات والطيور والنباتات والتعلق بها مرايا أخرى تحقق وجودنا .

-لا تكتفى مرايا وجودنا على الكائنات الحية فكما ذكرنا تفاعل الإنسان مع الوجود المادى بأكمله لذا تتكون علاقة شعورية ما مع الجماد تقتصر على مشاعرنا وإنطباعاتنا فقط والتى نخلقها ونسقطها على الأشياء لذا نجد ارتباط وشعور وذكريات تجاه بعض الموجودات الجامدة كالوطن والدار والشارع ... هذه العلاقات والمشاعر هى صور وجودنا أو مرايا تعكس وجودنا الحي ليكون فقد أى مرآة من عشرات المرايا التى تحقق وجودنا بمثابة هزة عنيفة لكياننا ترتد بنا لمربع الإغتراب .

- يمكن إثبات فكرة المرايا كسبب جوهرى لاواعى لإحساسنا بالحزن على أمواتنا من كوننا لا نحزن على أى ميت , فليس كل الموتى أصحاب تأثير فى صالة مرايانا ولكن قد يفسرها البعض كوننا لا تجمعنا معهم تاريخ من الذكريات والمشاعر وهذا صحيح ولا يتناقض مع رؤيتنا المطروحة بل يُفسر المشهد من الخارج فقط ,فيمكن صياغة مقولة لا تجمعنا تاريخ ذكريات ومشاعر بقرب الميت (المرآة) من إحساسنا بوجودنا , فمقولة تاريخ الذكريات والمشاعر ليست ذات كينونة مستقلة بل تعبير عن إسقاط لكينونتنا وذاتنا على الأشياء .

- لو سألنا ما معنى تاريخ الذكريات والمشاعر ستكون الإجابة أنها حالة من التفاعل الوجودى الذاتى مع الآخر لتحفر ذكريات على مرآة الوعى .. ولو سألنا ماذا يعنى التفاعل الوجودى فهو يعنى وجودى الذى يتحقق بالتفاعل مع الآخر , لذا كلما كان التفاعل قريباً وحميمياً فيعنى أننى أمام مرآة كبيرة أنظر فيها إلى وجودى لتمنحنى الأمان , ويكون تحطم هذه المرآة هزة قوية لوجودى ,لذا نجد مواساة البشر لبعضهم البعض كإعلان لنا ولهم أن هناك مرايا أخرى بديلة ستعوض خسارة المرآة التى تحطمت .

- الحب هو صقل ولمعان مرآة وجودنا ليزداد إحساسنا بوجودنا وضوحاً وبريقاً لنرى أنفسنا فى الحبيب أكثر ونحظى على أكبر درجة من التحقق والتوازن والسلام لذا تكون خسارة الحبيب خسارة فادحة فقد تحطمت مرآة مهمة من مرايا شعورنا بالحياة .. الحب يبدو لنا مشاعر جميلة وهو كذلك بالفعل ولكن الحب ليس شئ هائم فى الهواء فجذوره فى عمق الإنسان ككائن حى الباحث عن علاقة دافئة حية تعطى أمان وسلام وترفق فى وجود مادى جامد غير معتنى .

- إن علاقاتنا مع الآخرين تتأسس على فكرة المرايا كإنعكاس لوجودنا أو بالأحرى تكوين ملامح وجودنا وكلما كانت المرايا قريبة زادت مشاعرنا وخوفنا وقلقنا كإحساس لا واعى ,, لذا الموت يعنى هزة شديدة لوجودنا وكينونتنا ومن هنا يمكن تفهم مشاعر الأباء والأمهات تجاه الأبناء ومشاعر الأبناء تجاه ذويهم الذى يُعبر عنه بكلمة الغريزة فتكون المرايا هو التفسير النفسى للغريزة الإنسانية .

- في وعينا المُدرك نظن أننا نبحث عن أصدقاء وأحباء لكن في عمقنا اللاوعي نبحث عن ذواتنا والأكثر شبهاً بنا لنرى أنفسنا من الخارج من خلال مرآة الآخر .. ليتحقق بهم ومنهم وجودنا ليكون تعلق الأم بولدها كجزء من وجودها وإمتداد له وكأكبر مرآة ترى فيها ذاتها .

- الحب هو المرآة القوية الصافية التى نرى بها وجودنا لذا يكون حزننا شديد على فقد الحبيب ليصل لحد الإنكسار النفسى لنلحظ أن هذا الإنكسار يتحقق بقوة فى فقد الأم لإبنها والأب لولده عن فقد المرأة لرجلها والزوج لزوجته لأن علاقة الحب فى الأولى حقيقية ترتبط بإمتداد وجودى أما الثانية المتمثلة فى الزوج والزوجة فهى فى الغالب لم تكن مرآة وجودية حقيقية فقد تحركت تجاه الجسد والصفقة ليفقد الجسد بريقه وحيويته مع الأيام وتفقد المرآة الإصطناعية بريقها .

- حزن المرأة على زوجها يتوقف على مقدار ما قدمه لها من وجود وأمان وجودى وليس على ذكريات الحب فهذه الذكريات والصور تخفى العمق النفسى الوجودى ,فمرآة المرأة تستمد من الزوج الدعم والأمان الوجودى لذا لا تتحقق علاقات حب حرة فى ظل علاقات زواج تقليدية فهم يسمونها حب العشرة وماهى إلا إعتزاز بأمان وجودى فقط .

- نلاحظ فى أدبيات الموت ترديد عبارة أن الأرض دار إغتراب بالرغم أننا لا نعرف ولا نعى إلا الوجود الأرضى ولكنها عبارة تعبر عن العمق الإنسانى الداخلى المتأصل منذ القدم بحالة إغترابه عن الطبيعة فى وجود مادى جامد غير معتنى ولا واعى .

- ونحن صغار كنا نحاول إثبات رقينا بسؤال هل نحن نأكل لنعيش أم نعيش لنأكل لنجاوب بأننا نأكل لنعيش حتى نعطى إنطباع أننا لسنا حيوانات تسعد بالأكل فقط فلدينا ما نهتم به كالرياضة والفنون والثقافة ..لو تأملنا سنجد أن الإنسان البدئى كان يعيش ليأكل فكل ما يعنيه فى الحياة أن يأكل أما بالنسبة لنا فقد حدث أمان غذائى وإنعدم قلق الحصول على الوجبة القادمة فبعد شبعنا وجدنا الوقت لنلعب ونلهو بين الوجبات مثل القطط ..لو وصلنا للحالة التى كان فيها الإنسان البدئى لا يأمن على حياته ولا وجبته التالية فمن الهراء أن نتكلم عن فكر وتأمل وفلسفة وثقافة وفنون فسنعيش وكل همنا أن نأكل .نحن نأكل لنعيش ونعيش لكى نأكل .

- ما معنى الإندفاع للقتال من أجل الوطن .. يتصور الحمقى أنه حباً فى الراية والعلم والخريطة ويزخرفونه بشعور وطنى نبيل جدير بالإحترام .. القتال فى سبيل الوطن هو تحقيق مصالح طبقية ونخبوية محددة تجد مقاتلين لديهم الرغبة فى تحقيق القتل والعنف والدم بضمير متلذذ كحنين للحالة البدائية بتنفيس طاقة عنف ووحشية تحت الجلد تأمل فى الإنطلاق .. قد يسأل سائل وماذا عن الإرهابيون فهم لا يتوحشون من أجل وطن .. بالطبع فالأمور ليست وطن بل راية يتم رفعها لتحقيق العنف والوحشية لتجد نخب أخرى أيضا فى خلفية المشهد

- الدفاع عن الشرف من المفاهيم المغلوطة لدينا لينفصل السبب الموضوعى عن المشهد ويتبقى المشهد الإنفعالى حاضراً عالقاً فى الأذهان لنتصور أنه الإنفعال الغاضب للفعل الجنسى للمرأة هو السبب فى الثورة .
نتصور خطأ أن الثورة والهياج من أجل شرف مُهدر بينما هو إنفعال جاء مصاحباً للجد القديم الذى كان له رؤيته الخاصة فى ثورته كون هناك من إعتدى على أملاكه الخاصة كما هناك رؤية برجماتية أصيلة أخرى تتصدر الفكر فهناك وعاء للإنتاج متمثلا فى المرأة المُنتجة للأطفال والتى تدعم بهم العائلة والقبيلة فى المستقبل قد تم نزعه وخصمه من رصيد القبيلة لينضم لرصيد قبيلة اخرى منافسة ومن هنا جاءت الثورة للجد التى انتقلت للأحفاد فى مشهد غضب الجد الانفعالى لينسى الأحفاد سببية الغضب لتبقى ذاكرة الغضب المرتبطة بحرية المرأة هى الحاضرة .

- لماذا نمنح البنات الصغيرة عرائس وفى المقابل نمنح الصبيان مسدسات .. لماذا ننتفض لو وجدنا صبى يلعب بالعرائس ونمتعض عندما نجد البنت تلعب بالمسدسات .. إنها ألف باء ذكورة وأنوثة ..فنحن نريد ترسيخ الأنوثة والذكورة ليتوالى ويتأكد مسلسل قوة الذكر وضعف الأنثى .

-لا يوجد شئ اسمه خطيئة بل هى مصلحة ورؤية نخب وطبقات تُضار مصالحها وهيمنتها , فالزنا خطيئة لأنه يخلط الأنساب فلا ضمانة للحفاظ على أملاكنا ومن ثم تبديد ثرواتنا فى أنساب ليست منا .. كما أن السرقة خطيئة لأنها إعتداء على أملاكنا . هذه هى الخطيئة التى لبست مسوح مقدسة ليعيش البشر تحت رغبات ورؤى حرص الأغنياء على أملاكهم.

- لا يوجد شئ اسمه تشاؤم بل هو تعليق الأحداث السيئة على شئ مادى ملموس نَصب عليه لعناتنا وعنفنا تجاهه لنمارس هذا السلوك نتيجة جهل بالظرف المادى الموضوعى الذى يخلق الحدث السئ ونستبدل هذا السبب المادى الحقيقى الغير مُدرك بسبب مادى آخر نعلق عليه جهلنا وغضبنا .
نحن لا نستطيع فى كل الأحوال التعامل مع الحياة إلا بالمادة لتكون فكرة القرابين البشرية ثم الحيوانية ذات ملمح دفع التشاؤم متخذاً نزعة العنف تجاه من يجلب الاحداث السيئة .

- العبودية ليست وضعية إجتماعية بل حالة نفسية فمن الممكن أن تندثر الوضعية الإجتماعية الحاضنة لمجتمع السادة والعبيد لتبقى الحالة النفسية حاضرة فاعلة ,فالسادة القدامى لكى يؤسسوا ويرسخوا مجتمع الأسياد والعبيد إعتمدوا على تشكيل الحالة النفسية للعبيد لكى يتمكنوا من قيادتهم وإقناعهم بأنهم عبيد ليمارسوا العبودية بعد ذلك طواعية ويظل هذا النهج مستمراً فلا يختلف الماضى عن الحاضر لنجد من يعشقون العبودية طواعية .
لا أرى سببا لبقاء روح العبودية سوى بقاء ايدلوجية وفلسفة ونهج الأسياد القدامى مازال قائماً من خلال إحياء أيدلوجية تمجيد فكرة السيد الأكبر المتمثل فى الإله والإنسان العبد لتتغلغل روح العبودية فى الجينات كنهج حياة .

- نحن نعيش حاضرنا بزخم مشاعر وأحاسيس وأفكار ماضينا وهيمنته وحضوره .. نعيش حاضرنا بمنطق وزيف ماضينا ..لذا لا مستقبل لنا .

دمتم بخير .
لو بطلنا نحلم نموت .. طب ليه مانحلمش .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تسالى رمضانية(3)-الأديان بشرية الفكر والهوى .
- تسالى رمضانية(2)-الأديان بشرية الفكر والهوى والهوية.
- تسالى رمضانية-الأديان بشرية الفكر والهوى والهوية.
- تناقضات فى الكتابات المقدسة-جزء خامس .
- أسئلة فى الإنسان والوجود والحياة .
- ألم يروا ال D. N. A - كيف يؤمنون.
- أأنت قلت هذا-الأديان بشرية الفكر والهوى والهوية.
- فلسفة التمايز .
- انهم لا يقدرون الله حق قدره بل يسخفونه ايضا.
- إشكالية الفكر الإسلامى .
- ثقافة متصادمة منتفخة متقيحة.
- فلسفة اللذة والألم .
- تناقضات فى الكتابات المقدسة جزء رابع-الأديان بشرية الفكر وال ...
- فلسفة الرسم وماهية العشوائية والنظام والمعنى.
- نصابون ومتبجحون –الأديان بشرية الفكر والهوى والهوية.
- إدينى عقلك-الأديان بشرية الفكر والهوى والهوية.
- فيلم حلاوة روح يعرى قبحنا وهشاشتنا .
- إستحالة الخلق –خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم .
- آلهة شريرة أم مزاجية أم تبريرات بشرية.
- العشوائية والمعنى– نحن من نخلق المعنى.


المزيد.....




- لافروف يتحدث عن المقترحات الدولية حول المساعدة في التحقيق به ...
- لتجنب الخرف.. احذر 3 عوامل تؤثر على -نقطة ضعف- الدماغ
- ماذا نعرف عن المشتبه بهم في هجوم موسكو؟
- البابا فرنسيس يغسل ويقبل أقدام 12 سجينة في طقس -خميس العهد- ...
- لجنة التحقيق الروسية: تلقينا أدلة على وجود صلات بين إرهابيي ...
- لجنة التحقيق الروسية.. ثبوت التورط الأوكراني بهجوم كروكوس
- الجزائر تعين قنصلين جديدين في وجدة والدار البيضاء المغربيتين ...
- استمرار غارات الاحتلال والاشتباكات بمحيط مجمع الشفاء لليوم ا ...
- حماس تطالب بآلية تنفيذية دولية لضمان إدخال المساعدات لغزة
- لم يتمالك دموعه.. غزي مصاب يناشد لإخراج والده المحاصر قرب -ا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - تأملات فى مشاعرنا وأعماقنا وزيفنا.