أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - علاء عبد الهادي - حق الأرض وحق الإنسان














المزيد.....

حق الأرض وحق الإنسان


علاء عبد الهادي

الحوار المتمدن-العدد: 4505 - 2014 / 7 / 7 - 03:18
المحور: حقوق الانسان
    


أسفرت الحرب العالمية الثانية, عن تغيير الوعي الإنساني على مستويات عدة, ارتبط أحدها بصدور ما يسمى "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان", الذي اهتم على نحو جوهري وشامل بمسألتين: إحداهما عالجت حقوق الهويات الفردية, والأخرى ارتبطت بما أشار إليه الإعلان حول متخيل عن هوية إنسانية شاملة, لها نظريًّا الحقوق أنفسها, بصرف النظر عن الجنس, واللون, والعقيدة, والوطن.

كما ارتبط هذا الإعلان بمستوى آخر تمثل في وعي الإنسان المعاصر بخطورة وجوده على الأرض, بعد أن عاش آلاف السنين خائفًا منها, فقد كان قصف الولايات المتحدة الأمريكية لهيروشيما في السادس من أغسطس, عام 1945, ولنجازاكي في التاسع من الشهر نفسه, إعلانًا صريحًا لقرب دخول العالم في منافسة نووية محتدمة, قادرة على التأثير على سلامة الأرض ذاتها, على نحو قد يجعلها مكانًا غير صالح للحياة. والغريب أن الدولة "الراشدة!" الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي هي التي تثير أكبر ضجة الآن حول الملفات النووية للدول الأخرى, في الوقت الذي تغض فيه الطرف عن كيانات تمتلك ترسانة نووية منذ الستينيات مثل إسرئيل.

وقد انتبه عدد من المفكرين -على المستوى السياسي آنذاك- إلى وهم أي طروحات تدعي حيدة الاختراعات العلمية, ذلك بعد أن تكشفت قدرة التوظيف السياسي للمكتشفات العلمية بدءًا باحتكار المعرفة العلمية, وانتهاءً باستخداماتها العسكرية, فقد اتضح أن المسافة بين العلم والأيديولوجيا ليست بعيدة كما كان يُظنّ: "ان عالمنا المعاصر يواجه أزمة، لا يستطيع الذين يمتلكون قدرة الاختيار بين الخير والشر إدراكها, ولهذا ترانا ننجرف نحو كارثة فريدة من نوعها" كما يعلن آينشتاين (1879- 1955) في نهاية عام 1946.

يصعب أن نغض الطرف في هذا السياق عن آثار التكنولوجيا المدمرة على مستقبل الأرض, على المستويين الصناعي, والعسكري, وذلك في ظل استمرار البلدان الصناعية في استخدام الطاقة الرخيصة, واستغلال الموارد الطبيعية دون ضوابط, على نحو جعل الكوارث البيئية أمرًا محتومًا، فزادت مخاطر النهضة الصناعية على البيئة وضوحًا، وكان من أبرزها التغير المناخي نتيجة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون, وتجدر الإشارة إلى أن "ربع سكان العالم في البلدان الصناعية هم مصدر ثلاثة أرباع الغازات المحدثة لأثر الاحتباس الحراري". ويتفق المجتمع العلمي الدولي على "أن الزيادة المستمرة في تركيز الغازات المسماة الغازات المسببة لأثر الدفيئة في الجو, يمكنه أن يؤدي إلى تغيير التوازن الحراري لكوكب الأرض, ويلزم الآن تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الحالية بنسبة (60%), حتى يمكن تثبيت نسبة تركيز غاز الكربون في الجو، فمن المعروف أن التركيب الكيميائي للغلاف الجوي قد تغير, وأن التوازن بين العناصر الأساسية المكونة للبيئة الأرضية – الجو، والمحيط الأوقيانوسي، والمحيط الحيوي – يشهد تحولاً خطيرًا في الوقت الراهن, ذلك فضلاً عن أخطار تخزين المخلفات النووية, وازدياد التلوث البيئي الناتج عن الصناعة, وكلها أخطار تمثل آثارًا بالغة الخطورة على كل شكول الحياة الطبيعية, إنسانية, وحيوانية, ونباتية, وعلى جميع البلدان, على نحو لا يمكن التنبؤ بآثاره. وهذا تحدّ يعدّ من أعظم التحديات التي واجهتها البشرية على الإطلاق.

ومن أبرز الذين اهتموا بهذه القضية المفكر الأمريكي نعوم تشومِسْكى (1928) الذي ذهب إلى أن هناك ثلاث نهايات محتملة, لرحلة الحضارة الحالية, أولى هذه النهايات, هي تدمير بيئة الكرة الأرضية, ذلك بعد أن اتخذت هذه الحضارة مع الطبيعة -منذ بداية الحداثة- شأنًا "استغلاليًّا"، يتزايد مع زيادة ربح رأس المال بوصفها هدفًا من أهدافه. فأصبحت الطبيعة -أول مرة منذ بداية حياة الإنسان على الأرض- مادة مجرّدة بحتة لاستخدام الجنس البشري, أما الاعتراف بأن الطبيعة قوة في حدّ ذاتها فقد انتهى تمامًا. أما حدّ النهاية الثانية للحداثة، فهو تدمير الإنسانية نفسها، أي تدمير العمالة البشرية، وهي وسيلة رأس المال الأساسية, فالشأن الإنساني هو العامل الوحيد الذي يستطيع أن يخلق قيمة جديدة (فائض الربح وقيمته). وإذا لم يستطع، يجب أن يزيد الإنتاج من خلال توظيف التكنولوجيا على نحو متصاعد, حينها تتحول معه العمالة البشرية إلى فائض عن الحاجة. ثم نأتي إلى حدّ الحداثة الثالث، وهي صعوبة إدراج مفهوم السكان الضمني في مفهوم آخر, هذا المفهوم الذي ظل يتعرض إلى الهجوم منذ بداية الحداثة التي استبعدته من أفقها, وتركته معزولاً في ركن الفقر, من خلال خطة "لاستبعاد إرادات أفريقيا, وآسيا, وأمريكا اللاتينية, التي تناضل من أجل تغيير أحوالها".

يتضح مما سبق أن هناك سمة تطرح نفسها بقوة الآن على الصعيد العالمي, ونتوقع أن يزداد الاهتمام بها في السنوات العشرين القادمة على نحو متنام, وهي سمة تشيرإلى شعور إنساني مشترك بالهوية الإنسانية الكلية, ليس ارتباطًا بالإنسان كما جاء في إعلان وثيقة حقوق الإنسان, ولكن ارتباطًا بالأرض, والحفاظ على سلامة الكوكب الذي يقع الآن تحت نِيرٍ تشكله مجموعة من التهديدات غير المسبوقة منذ نشأة الحياة الإنسانية حتى الآن.

لقد أصبح الإنسان المعاصر بدءًا من العقد الثالث من القرن العشرين, أول مرة منذ نشأة الكون, أكبر من الأرض التي يعيش عليها, وأكثر عنفًا ووحشية من أشد حيواناتها ضراوة, بل أصبح وجوده على هذا النحو يمثل خطرًا على وجود الأرض ذاتها. وهي سمة تبدو منعطفًا مهمًّا للحضارة الإنسانية, نقل الشعور بالخطر على الحياة الإنسانية ذاتها إلى مستوى كلي هو وجود الأرض من عدمه, وهذا ما رمى بثقل هائل من المسئولية على الإنسان؛ الذي امتلك أول مرة, قدرة تحطيم الفضاء الفيزيائي لوجوده, ذلك فضلاً عن وعيه بهذه القدرة, بصرف النظر عن اختلافات الهويات, والأعراق, والأوطان, والعقائد, والثقافات. وهذا في ظني, هو أول إعلان عن بدء مرحلة فكرية مختلفة, تستطيع أن تطرح بعدًا جديدًا على مستقبل الحضارة المعاصرة, هو ضرورة ارتباط التطور العلمي بالحكمة, وبفكرة المسئولية.

* (شاعر ومفكر مصري).



#علاء_عبد_الهادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل نحتاج إلى وثيقة جديدة لحقوق الإنسان!
- حول الهوية والثقافة
- تهافت الخطاب النقدي في كتاب زمن الرواية- جابر عصفور نموذجًا ...
- الترجمة وفكرة الأصل
- كرة القدم والهوية
- الترجمة, والثقافة العربية
- الثورة المعلوماتية, والنموذج الثقافي الأميركي؛ التكنولوجيا ب ...
- التدفق الثقافي: في عولمة الثقافة (4)
- الصورة واللغة: في عولمة الثقافي (3)
- سيادة أنماط الإنتاج الرأسمالي: في عولمة الثقافي (2)
- الإنسان الكوني وتهديد فضائه الفيزيائي: في عولمة الثقافة (1)
- النكوص على العقبين: عودة إلى زمن الرواية


المزيد.....




- ماذا قالت أمريكا عن -مزاعم- ارتكاب جرائم حرب في غزة؟
- تيك توك تحذر من مخاطر -سحق- حرية التعبير بعد تمرير مشروع قان ...
- مشاهد لاعتقال المشتبه به في عملية الدهس في القدس
- مندوب قطر الدائم لدى الأمم المتحدة تجتمع مع منسق الأمم المتح ...
- اعتقال عشرات الطلاب بجامعة أميركية خلال فض اعتصام مُعارض لحر ...
- سوناك: طائرة المهاجرين ستقلع إلى رواندا -مهما حدث-
- غضب طلابي في جامعات أميركية بسبب غزة.. واعتقال العشرات
- السعودية.. وزارة الداخلية تعلن إعدام الغامدي قصاصا وتكشف كيف ...
- بالفيديو..مستوطنون يتظاهرون ويشعلون النيران أمام منزل نتنياه ...
- تقرير لجنة أممية: الأونروا تعاني من -مشاكل تتصل بالحيادية-


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - علاء عبد الهادي - حق الأرض وحق الإنسان