أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - سوسيولوجيا الطرب














المزيد.....

سوسيولوجيا الطرب


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1274 - 2005 / 8 / 2 - 11:42
المحور: الادب والفن
    


في مثل هذه الأيام تكثر مهرجانات العرب الصيفية، وتتجدد معها سجالات حارّة حول الفنون الشعبية إجمالاً، وحول فنّ الغناء بصفة خاصة. ولا يزعم كاتب هذه السطور أنه يملك أيّ مستوى من "الخبرة" في تثمين أو تصنيف أو تقييم الغناء العربي المعاصر كما تتسيّده أسماء مثل نانسي عجرم أو إيهاب توفيق أو أصالة نصري، وأعترف أنّ جلّ اهتمامي بهذه الألوان من الطرب يكاد يقتصر على الحملقة في ظواهر طاغية مدهشة لا تبدو صوتية أكثر ممّا هي بصرية. أعترف، كذلك، أنّ الأمر ينطوي على إشباع الفضول، السوسيولوجي تحديداً، في كيفية صعود وهيمنة واستقرار هذه الألوان في "التطريب الجَمْعي" إذا جاز القول، ليس عبر الـ "كليب" والفضائيات المتخصصة فحسب، بل على الهواء مباشرة: في عتمة المدرّجات العملاقة، حيث بات استقبال الغناء ينطوي بالضرورة على شعائر الرقص والتمايل والإندماج شبه الهستيري مع الصوت الصادح على خشبة المسرح.
وفي إحدى دورات مهرجان جرش الأردنيّ العريق شهدتُ، بأمّ العين، كيف أنّ تفاعل الجمهور بلغ ذروة دراماتيكية غير مسبوقة في مناسبتين: حين غنّى اللبناني مارسيل خليفة، ثم السعودي الشاب عبد المجيد عبد الله. وكان ثمة مغزى سوسيولوجي أوّل في هذا التفاعل، انتهى بي إلى نتيجة بسيطة أيّاً كانت تعقيدات التوصّل إليها: الجمهور العربي، الشاب منه خصوصاً، يستطيع ـ دونما عناء ودونما مخاضات شاقّة ـ أن يوزّع ذائقته الموسيقية الغنائية في مجرَيَين متباعدَين، بقَدْر مدهش من التكافؤ والمساواة والأرجحية المتوازنة. محتوى جماهيرية خليفة ليس شبيهاً تماماً بجماهيرية عبد الله، ولكنّ جماهيرية الأخير ليست بدورها شبيهة بجماهيرية وائل كفوري، بمصطلح البنى السياسية والإجتماعية والفكرية والنفسية للحياة العربية الراهنة أوّلاً، وبمصطلح الذائقة الفنية الإجمالية ثانياً.
المغزى السوسيولوجي الآخر، والأهمّ ربما، هو أن تلك البنى أخذت تعطي مؤشّرات قويّة على عودة ظافرة للعاطفة الذاتية الطليقة، التي قد لا تكون رومانسية بالضرورة ولكنها رغم ذلك لا «تخجل» من أيّ انسياق رومانسي إذا وقع. هي، كذلك، لا تكبح جماح ما يتجمّع في القلب من مشاعر وانفعالات وأشواق وأفراح وأحزان، لا مناص من تصاعدها وصعودها إلى اللسان والحنجرة والعين واليد والقلم، خصوصاً إذا جاشت واعتملت وتكدّست طبقات فوق طبقات!
الأجيال العربية الراهنة (الشابة بطبيعة الحال، ولكن السائرة إلى الكهولة أيضاً، وهنا خصوصية المغزى ربما)، لم تعد أو هي لا تبدو مضطرة إلى استخدام الأقنعة القديمة التي برع العقل العربي في ابتكارها لكي تموّه حاجة الكائن إلى قَدْرٍ ما من الإنفلات الروحي والعاطفي والرومانسي، بعيداً عن الشخصية الصارمة، الجدّية، اللا ـ عاطفية، الرثائية، العقلانية... وليس بجديد القول إنّ الرقابة الذاتية على العواطف، وفي الشطر الكابح من هذه الرقابة تحديداً، ليست سوى مظهر مَرَضي شبه سريري في سيكولوجية الإنسان المقهور.
فإذا صحّ ذلك الإسقاط لتلك الأقنعة الجبّارة، فالأمر خير!
فما الذي يمنع مواطناً عربياً عاطفي المزاج من الإستماع إلى مارسيل خليفة وهو يغنّي عن البلاد، والشهيد، وصبرا وشاتيلا، والبحر والبحارة، وقهوة الأمّ البعيدة، والشهيد سمير قصير؟ وما الذي يمنع مثقفاً «ثورياً» أو «حداثياً» أو «طليعياً»، بمعنى مصطلحات أيام زمان على الأقل، من الإستماع إلى الشاب حسن المغربي وهو يستعيد محمد جمال، بلكنة مغاربية محببة: بدّي شوفك كل يوم يا حبيبي/ ولا تغيب عنّي ولا يوم يا حبيبي؟ لا شيء بالطبع، أو لاشيء من حيث المبدأ، ولا شيء ـ لحسن الحظّ ـ في منطق البنى الراهنة للسيكولوجية العربية التي أخذت تختلف جذرياً عن سيكولوجية السبعينيات والثمانينيات، تلك التي بشّرت بها برامج الطبقة الوسطى العربية، في أحزاب اليمين وأحزاب اليسار على حدّ سواء، بل بصفة متعاضدة متحالفة... للمفارقة!
وذات يوم غير بعيد قُدّر لي ان أشهد المزيد من تجليات الظاهرة ذاتها، في بلد عربيّ آخر، وتراث في الطرب مختلف تماماً. في مهرجان الرباط السادس وقف مارسيل خليفة على مسرح مكشوف غصّ فضاؤه بالآلاف، وكان بالمعنى الحرفي ينتشي طرباً (هو الذي يطرب الآخرين!) حين أخذ الجمهور يردّد أغنياته القديمة وكأنها نتاج اليوم، بل لعلّه كان يطرب أكثر حين يكتشف مقدار اتقان الجمهور لأدقّ التنويعات النصّية واللحنية في الأغنية القديمة. وكنت ألتقت يمنة ويسرة لكي أتابع أشكال ردّ الفعل، خصوصاً تجاه الأغنيات «الملتزمة» جداً، المسيّسة كثيراً، واليسارية على المكشوف. وأشهد أنني رأيت آلاف الأصابع ترتفع راسمة علامة النصر، وآلاف الأكفّ المزمومة على هيئة قبضة، وآلاف الأيدي التي تلوّح وتهلل.
ولا ريب أنّ الفنّ الذي يقدّمه مارسيل خليفة هو من طراز رفيع يندرج مباشرة في ما يسمّيه علم الإجتماع "الثقافة العليا" High Culture، ولكنه في الآن ذاته يستقطب الآلاف من مختلف الشرائح السوسيولوجية، ولهذا فهو أيضاً جزء من "الثقافة الشعبية". والمجتمعات التي تزاوج بنجاح بين ثقافتها العليا والشعبية هي مجتمعات لم تنهزم تماماً بعد، أو هي على قيد الحياة في أقلّ تقدير.



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أنفاق باريس إلى حافلات لندن: هل للإرهاب أمثولة حقوقية؟
- أقاصيص الأمير
- الذكرى العاشرة لرحيل خالد بكداش: المفارقة المستديمة
- بيروت سمير قصير
- تفجيرات لندن: يد الإرهاب عمياء ولكنها ليست خارج التاريخ
- فرانز فانون والظواهري
- قمة الثماني: زئير توني بلير أم نعيق غربان العولمة؟
- حجيج الأدب
- ديمقراطية كوندوليزا رايس: ثورة الأرز أم منتدى الأتاسي؟
- تنويه: لا عداء بين بشار الأسد وأمريكا
- عمادة آسيا جبّار
- بعد المؤتمر القطري وقبل ذكرى مجزرة تدمر: هل تمخّض الجبل؟
- في مديح التباطؤ
- من الأب إلى الإبن: جورج بوش وسياق العراق
- رؤساء المخافر
- هشام بختيار: مجرم حرب عضو في القيادة القطرية
- تقاعد خدّام: استباق العاصفة أم التباكي على السياسة؟
- تأتأة عن الماغوط
- اغتيال سمير قصير: الوحش الأمني حيّ يسعى ويؤدّب ويقتل
- ماركسية عصرنا: أداة تحرير ومقاومة


المزيد.....




- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - سوسيولوجيا الطرب