أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - جواد البشيتي - كيف يتسبَّب -التَّسارُع- في -إبطاء الزمن-؟















المزيد.....


كيف يتسبَّب -التَّسارُع- في -إبطاء الزمن-؟


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 4502 - 2014 / 7 / 4 - 14:39
المحور: الطب , والعلوم
    


جواد البشيتي
لقد أصبح "تباطؤ (أو تمدُّد) الزمن" حقيقة فيزيائية لا ريب، ولا جدال، فيها؛ ويعود الفضل في ذلك، في المقام الأوَّل، إلى آينشتاين، في نظريتيه "النسبية الخاصة"، و"النسبية العامة".
وعن ظهر قلب، حَفِظَ كثيرٌ من المُهْتَمِّين بأمر "تباطؤ الزمن" عبارتيِّ "الساعة المتحرِّكة أبطأ من الساعة الساكنة"، و"الجسم الأسرع هو الذي يبطؤ فيه الزمن أكثر".
دَعوني، أوَّلاً، أَتَصَوَّر الموضع (أو المكان، أو المُخْتَبَر، أو المَرْجِع، أو الإطار المرجعي) الذي فيه سنُراقِب، ونَخْتَبِر، حركة الزمن، على شكل، أو هيئة، "حُجْرَة صغيرة، فيها مُراقِب (أيْ شخص) مزوَّد كل ما يَلْزَمه من أدوات وأجهزة (وأشياء أخرى) للقياس والاختبار، ومنها الساعة".
وقَبْل أنْ نَنْظُر إلى الأمر بعَيْن "النسبية العامة"، دَعونا نَنْظُر إليه بعين "النسبية الخاصة"، وأنْ نُهيِّئ، من ثمَّ، مسرح العمل الخاص بها.
وتهيئةً لهذا المسرح، لا بدَّ أوَّلاً من أنْ نَضَع تلك الحُجْرة في فضاء لا وجود فيه للجاذبية؛ لا وجود فيه لحقول (ومصادِر ومنابع) الجاذبية؛ لا وجود فيه للأجسام الضخمة (كالكواكب والنجوم). إنَّنا نريد لحُجْرتنا هذه أنْ تكون بمنأى عن الجاذبية؛ ولا بدَّ، من ثمَّ، من أنْ تكون الحُجْرة "ساكنة"، أو تسير (تتحرَّك) في هذا الفضاء؛ لكن بسرعة ثابتة (لا تزيد، ولا تنقص) وفي الاتِّجاه نفسه (أيْ في خطٍّ، أو مسارٍ، مستقيم).
هل يبطؤ الزمن في هذه الحُجْرَة؟
في إجابتي الواضحة (التي لا لبس فيها) عن هذا السؤال، أقول: كلاَّ، إنَّ الزمن لا يبطؤ (لا يتمدَّد) فيها؛ لا يبطؤ فيها ولو كانت سرعتها 280 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة.
الزمن لا يبطؤ في هذه الحجرة ما دامت تسير في "هذا" الفضاء، في مسارٍ مستقيم، وفي سرعة ثابتة (أكانت هذه السرعة 280 متر في الثانية أم 280 ألف كيلومتر في الثانية).
وإنِّي لأسْمَع الآن مُعْتَرِضاً يقول إنَّ الساعة في هذه الحُجْرَة هي ساعة متحرِّكة لا ساكنة (ولا بدَّ للزمن من أن يبطؤ في الساعة المتحرِّكة) وإنَّ هذه الحُجْرَة تسير بسرعة تُقارِب سرعة الضوء (والتي هي السرعة القصوى في الكون والطبيعة) ولا بدَّ للزمن فيها، من ثمَّ، من أنْ يسير في بطء شديد.
وردَّاً على هذا الاعتراض أقول: كلاَّ، إنَّ هذه الحُجْرة، مع ساعتها، ساكنة، غير متحرِّكة؛ فالحُجْرة تكون ساكنة ما بَقِيَت بمنأى عن قوى خارجية، تَدْفعها، أو تسحبها، وما بَقِيَت تسير في مسارٍ مستقيم، ولو سارت فيه بسرعة ثابتة تُقارِب سرعة الضوء؛ فإنَّ جوهر الأمر هو "كيف" تتحرَّك الحُجْرة، لا "كَمْ" سرعتها (أو حركتها).
حتى الآن، لم نُغادِر مسرح عمل "النسبية الخاصة"؛ ولسوف نأتي بحُجْرَةٍ ثانيةٍ مماثِلة.
دَعونا نَفْتَرِضْ أنَّ زَيْد هو المراقِب في الحُجْرَة الأولى القديمة، وأنَّ عمرو هو المراقِب في الحُجْرة الثانية الجديدة، التي قد تكون ساكنة، أو تسير كحُجْرة زَيْد، في مسار مستقيم، وفي سرعة ثابتة.
افْتِراضاً أقول إنَّ الحُجْرتين تسيران في "هذا" الفضاء في اتِّجاهين متعاكسين (كسيَّارتين، إحداهما تسير في اتِّجاه الشمال، والأخرى في اتِّجاه الجنوب).
حُجْرة زَيْد تسير في مسارٍ مستقيم، وفي سرعة 280 ألف كيلومتر في الثانية؛ أمَّا حُجْرة عمرو (التي هي أيضاً في مسارٍ مستقيم) فتسير (افْتِراضاً) بسرعة 10 آلاف كيلومتر في الثانية.
عمرو، والذي هو( كزَيْد) مراقِب غير متسارع، عديم الوزن، ليس لديه إلاَّ كل ما يجعله متأكِّداً أنَّ حُجْرته هي الساكنة، وأنَّ حُجْرة زيدٍ هي المتحرِّكة. إنَّه يرى حُجْرَة زيد تبتعد، وتزداد ابتعاداً، عن حُجْرته؛ وأنَّها تبتعد عن حُجْرته بسرعة 290 ألف كيلومتر في الثانية؛ وأنَّ سرعة ابتعادها هذه ثابتة لا تتغيَّر، زيادةً أو نقصاناً.
لو سُئِل عمرو عن سَيْر الزمن عند زَيْد لأجاب على البديهة قائلاً: إنَّ الزمن عند زَيْد (أو في حُجْرَة زيد) يسير بطيئاً، أيْ أبطأ من سَيْره عنده؛ وإنَّ كل شيء في حُجْرة زيد يسير، أو يَحْدُث، في بطء، أيْ أنَّ الشيء، أو الحادث، نفسه يَسْتَغْرِق حدوثه عند زيد زمناً أطول، بحسب ساعة عمرو؛ ولَمَّا سُئِل عمرو عن عدد نبضات قَلْب زيد (مثلاً) أجاب قائلاً: 35 نبضة في الدقيقة الواحدة (بحسب ساعة عمرو).
أمَّا المراقِب زَيْد فلا يرى إلاَّ ما رآه المراقِب عمرو؛ فزَيْد متأكِّدٌ أنَّ حُجْرته هي الساكنة، وأنَّ حُجْرة عمرو هي التي تسير مبتعدةً عن حُجْرته بسرعة 290 ألف كيلومتر في الثانية..
ما رآه المراقِبان عمرو وزيد يَفِيدنا في فَهْم وتَمَثُّل معاني "نسبية الحركة"، و"نسبية السرعة"، و"نسبية الزمن".
وسؤالنا الآن هو: هل هذا البطء في سَيْر الزمن، والذي رآه عمرو عند زيد، ورآه زيد عند عمرو، بطء فعلي (حقيقي، واقعي)؟
قبل أنْ نجيب، وحتى نجيب، عن هذا السؤال، لا بدَّ لنا من الانتقال إلى مسرح عمل "النسبية العامة".
لن نغادِر الفضاء نفسه (أيْ الفضاء الخالص من الجاذبية). سَنَجْعَل الحُجْرتين ساكنتين، تَقِفان في المكان نفسه، ونَضَعْ حُجْرة زيد أمام حُجْرة عمرو. ودَعونا نَفْتَرِضْ أنَّ عُمْريِّ زيد وعمرو متساويان (كلاهما عُمْره الآن 30 سنة). وكلاهما مراقِب غير متسارِع، عديم الوزن.
"قوَّة خارجية ما"، تَدْفَع حُجْرة زيد، فتشرع تسير (في مسار مستقيم) مبتعدةً عن حُجْرة عمرو؛ وتستمر في دَفْعها بما يجعلها تسير بسرعة متزايدة (أيْ بسرعة تزداد كل ثانية).
عمرو يرى الآن أنَّ حُجْرَة زيد تتحرَّك مبتعدةً عن حجرته الساكنة بسرعة متزايدة؛ ولقد تزايدت سرعتها حتى قاربت سرعة الضوء؛ ويرى، أيضاً، أنَّ الزمن في حُجْرة زيد يسير بطيئاً، ويزداد بطئاً، وأنَّ زَيْداً يَصْغُره (الآن) عُمْراً.
أمَّا زيد (الذي هو الآن في حُجْرة تمتلئ جاذبيةً، متأتيةً من تسارُعها، أيْ من تسارُع حُجْرته) فيرى أنَّ حُجْرة عمرو هي التي تبتعد، وتزداد ابتعاداً، عن حُجْرته الساكنة، المليئة بالجاذبية، مع أنَّها تسير في فضاء عديم الجاذبية؛ ويرى أنَّ حُجْرة عمرو سارت مبتعدةً عنه بسرعةٍ تزايدت حتى قاربت سرعة الضوء؛ وأنَّ الزمن عند عمرو يسير متباطئاً؛ وأنَّ عمرو يَصْغُره (الآن) عُمراً.
"القوَّة الخارجية" نفسها شَرَعَت الآن تُبْطئ سرعة حُجْرة زيد حتى جَعَلَتْها ساكنة؛ ثمَّ شَرَعَت تَدْفعها لتسير بسرعة متزايدة في اتِّجاه حُجْرة عمرو؛ ثمَّ أَبْطَاَت سَيْرها حتى أَوْقَفَتْها حيث تَقِف حُجْرة عمرو.
نَظَرَ الآن زيد في ساعته؛ ثمَّ أَخْبَر عمرو أنَّ رحلته، ذهاباً وإياباً، قد استغرقت 12 شهراً؛ فأصبح عُمْره الآن 31 سنة.
لقد اقتنع عمرو الآن أنَّ التباطؤ الفعلي للزمن كان عند زيد فحسب؛ فالرحلة استغرقت، بحسب ساعة عمرو، 10 سنوات؛ وإنَّ عُمْر عمرو الآن 40 سنة.
من أين جاء هذا الفَرْق (9 سنوات) في عُمْرَيْهما؟
جاء من تباطؤ (أو تمدُّد) الزمن عند زيد؛ لكن من أين جاء هذا التباطؤ؟
لو كانت حُجْرة زيد موجودة على سطح كوكب شديد الجاذبية، لقُلْنا إنَّ هذا التباطؤ في الزمن عند زيد جاء من هذه الجاذبية الشديدة؛ لكنَّ حُجْرة زيد كانت تسير دائماً في فضاء عديم الجاذبية.
نَعْلَم أنَّ جاذبية شديدة قد تولَّدت في حُجْرة زيد في أثناء رحلته (أو في بعضٍ من زمن رحلته). ونَعْلَم، أيضاً، أنَّ هذه الجاذبية أَتَت من "تسارُع" حُجْرة زيد.
إنَّ "التسارُع" هو "سبب"، أو هو "الذي فيه يكمن سبب"، تباطؤ الزمن في حُجْرة زيد؛ وكلَّما قاربت السرعة المتزايدة للجسم سرعة الضوء، اشتد بطء الزمن في هذا الجسم.
و"التسارُع"، بمعناه الفيزيائي العام، هو كل تغيُّر (يأتي من "قوَّة خارجية") في حركة حُجْرة زيد؛ هو كل زيادة، أو خَفْض، في سرعتها؛ هو كل تحريك، أو تسكين، للحُجْرة؛ هو كل خروج لها عن الاستقامة في خطِّ سَيْرها.
حُجْرَة زيد ظلَّت تسير في خطٍّ مستقيم؛ لكن سرعتها تزايدت، ثمَّ تباطأت، ثمَّ توقَّفت الحُجْرة عن الحركة، ثمَّ تحرَّكت الحُجْرة للعودة إلى حيث تَقِف حُجْرة عمرو، ثمَّ تزايدت سرعتها، ثمَّ تباطأت، ثمَّ توقَّفت الحُجْرة عن الحركة، في نهاية رحلتها.
كل لحظة تسارُع تتسبَّب بإبطاء جديد في سَيْر الزمن؛ وكلَّما زادت لحظات التسارُع اشتدَّ بطء الزمن، أيْ طالت (في حُجْرة زيد) المسافة الزمنية بين بداية ونهاية الحادث نفسه؛ لكن من وجهة نظر عمرو؛ فهذه الإطالة يُدْركها عمرو، ولا يُدْركها زيد.
وعلى سبيل المثال، أقول كانت "المسافة الزمنية" بين "النبضة الأولى" و"النبضة السبعين" من نبضات قَلْب زيد، تَعْدِل "دقيقة واحدة"؛ فأصبح عمرو يرى هذه المسافة تَعْدِل دقيقتين، في ساعته هو، ثمَّ ثلاث دقائق، ثمَّ أربع دقائق.
إذا استغرق حدوث شيء ما عند عمرو دقيقة واحدة، بحسب ساعته، فسوف يستغرق حدوثه عند زيد دقيقة واحدة، أيضاً، بحسب ساعة زيد؛ لكنَّ هذه الدقيقة الواحدة عند زيد قد تعدل دقيقتين أو ثلاث دقائق أو عشر دقائق.. أو سنة أو 100 سنة.. عند عمرو.
تخيَّل "ساعة الزمن" على هيئة ساعة دائرية الشكل، في منتصفها، أو مركزها، عقرب واحد، يسير بسرعة ثابتة لا تتغيَّر في كل ساعات الكون؛ لكنَّ طوله قابل للزيادة والنقصان؛ وكل دورة تسمَّى "دقيقة".
تمدُّد الزمن إنَّما يعني اتِّساع هذه الدائرة؛ فتغدو الدقيقة الواحدة تعدل (مثلاً) دقيقتين في الأرض. وهكذا يمكننا فهم استطالة المسافة الزمنية (أيْ تباطؤ الزمن).
ولمزيدٍ من التوضيح نقول:
مِنَ النقطة A إلى النقطة B، يمتد مستقيم طوله 100 متر. أنتَ تجتاز هذه المسافة في دقيقة واحدة.ويُمْكِنَكَ، إذا ما أردتَّ أنْ تنطلق من النقطة A، لتَصِلَ إلى النقطة B، مروراً بنقطة علوية هي C. في هذه الحال، أنتَ تسير في مسار يشبه "مُثَلَّث (نَفْتَرِض أنَّه متساوي الأضلاع)". إنَّكَ تسير من النقطة A إلى النقطة العلوية C، لتَصِل، أخيراً، إلى النقطة B، قاطِعاً مسافة 200 متر. ويُمْكِنَكَ، إذا ما أردتَّ أنْ تجتاز مستقيمات علوية عدَّة، وصولاً إلى النقطة B.
اجْمَعْ المستقيمات (المسافات) العلوية، فترى أنَّكَ لم تَصِلْ من النقطة A إلى النقطة B (وهي مسافة 100 متر) إلاَّ بعد اجتيازكَ مسافات مستقيمة علوية، مجموعها (مثلاً) 500 متر.
تَصَوَّر الآن المسافة من A إلى B على أنَّها "مسافة زمنية". في الحالة الثانية (حالة سَيْركَ في "مُثَلَّث") نرى الدقيقة الواحدة وقد تمدَّد (استطال) فيها الزمن أكثر؛ فإذا كان طول الزمن في الدقيقة الواحدة (في الحالة الأولى) يَعْدِل الرَّقم 100، فإنَّ طول الزمن في الدقيقة الواحدة (في الحالة الثانية، وهي حالة السير في مُثَلَّث متساوي الأضلاع) يَعْدِل الرَّقم 200.
النقطة C هي النقطة التي عندها يتحوَّل مسار سَيْرك، أو انتقالكَ من مستقيم إلى آخر. وهذه النقطة تُمثِّل "لحظة التسارُع"؛ وعندها (أيْ عند هذه النقطة) يَظْهَر "تمدُّد الزمن"؛ وكلَّما زاد عدد هذه النُّقَط، عَظُمَ "تمدُّد الزمن"؛ لأنَّنا، عندئذٍ، نَجْمَع أطوال كثيرٍ من المستقيمات. بسبب هذه "النقطة" تُضاف المسافة الزمنية اللاحقة إلى المسافة الزمنية السابقة، فنحصل على مسافة زمنية أطول من العادية، أي يتمدَّد (أو يتباطأ) الزمن.
كلَّما زادت "لحظات التسارع" زاد انحناء المسار الزمني للمسافر؛ و"الخط المنحني" ممتلئ بالخطوط المستقيمة الصغيرة، وبأمثال تلك "النقطة (التي تبدو سحرية، وهي ليست كذلك)"، من ثمَّ. وعليه، يكون مجموع "المسافات الزمنية" أطول من المسافة الزمنية العادية. وهذا ما (أو هكذا) يُفسِّر تباطؤ الساعة في خلال طور (أو لحظة) التسارع. النقطة تلك لا تضيف، بحدِّ ذاتها، مسافة؛ وكذلك "التَّسارع"، أو "لحظة التسارُع". بـ "التسارع" تطول المسافة الزمنية الفاصلة بين بدء الدقيقة وبين انتهائها، فتصبح الدقيقة الواحدة، لجهة طول المسافة الزمنية التي تنطوي عليها، تعدل عشر دقائق مثلاً.
وهكذا يتَّضِح مفهوم "انحناء الزمان"؛ فعندما ينحني خط الزمن يُجْمَع عدد أكبر من المسافات الزمنية المستقيمة، فتطول (تتمدَّد) المسافة الزمنية بين بدء الحادث ونهايته.
إذا "تأخَّرت" الساعة فهذا إنَّما يعني أنَّ "الزمن (المقاس بتلك الساعة)" قد "تباطأ"، أو أصبح "بطيئاً"؛ و"بُطْء الزمن" إنَّما يعني أنَّ كل شيء، وكل حَدَث، قد تباطأ حيث تباطأ الزمن (وحيث تأخَّرت الساعة).
مَنْ يُدْرِك، ويعي، ويرى، ظاهرة "بطء الزمن ــ تقلُّص المتر"، وسائر الظواهر المشتقة والمتفرِّعة منها؟
إنَّه ليس المراقِب (أو الشخص) الذي تباطأ الزمن لديه (أي في موضعه) أو تقلَّص متره؛ وإنَّما المراقِب الذي رَصَدَ وراقَب هذه الظاهرة من موضعٍ كان فيه الزمن يسير أسرع.
لِنَسْتَوْضِح ونَسْتَجْلي الآن الفكرة نفسها؛ لكن في أمثلة افتراضية (تَخيُّلية) تَخْتَص بـ "الجاذبية".
وعناصر التجربة (النظرية) هي الآتية: "المراقِب"، "ساعة في منتهى الدِّقة"، "أنبوب شفَّاف مستقيم له فتحتان وطوله 600 ألف كيلومتر"، و"كريَّة تُمثِّل الضوء أو جسيم الفوتون".
المراقِب (أو الشخص) الذي يَحْمِل معه هذه الأدوات، موجود الآن في "الفضاء الفارِغ"، أي في خارج حقول الجاذبية، وبعيداً عنها، وعن الأجسام (كالنجوم والكواكب).
هذا المراقِب يسير في هذا الفضاء بسرعة ثابتة منتظَمة، وفي خطٍّ (مسارٍ) مستقيم؛ وليس بذي أهمية "مقدار" هذه السرعة (فهي قد تكون 100 ألف، أو 200 ألف، أو 280 ألف، كيلومترٍ في الثانية).
وثمَّة مراقِب آخر، مزوَّدٌ الأدوات نفسها؛ لكنَّه يقف على سطح جسم (افتراضي، تخيُّلي) شديد الجاذبية.
المراقِب الأوَّل دَفَعَ "الكريَّة"، التي تمثِّل الضوء أو جسيم "الفوتون"، من إحدى فتحتي الأنبوب، فاجتازته، ثمَّ خَرَجَت من الفتحة الأخرى.
لقد قاس سرعة تلك "الكريَّة"، فَوَجَدَها 300 ألف كيلومتر في الثانية (وبالضبط 299.792.458 كيلومتر في الثانية) فـ "الكريَّة" اجتازت "الأنبوب" الذي طوله 600 ألف كيلومتر في ثانيتين اثنتين بحسب ساعته.
المراقب الآخر أجرى (في موضعه) التجربة نفسها، فتوصَّل إلى النتائج نفسها.
لِنَتَخَيَّل الآن أنَّ كليهما أخبر الآخر بنتائج تجربته؛ فهل يرى كلاهما ما رآه الآخر؟
المراقِب الأوَّل سيقول للمراقِب الثاني إنَّ طول "أنبوبك" ليس 600 ألف كيلومتر؛ وإنَّما 300 ألف كيلومتر؛ وسيقول له، أيضاً، إنَّ "كريَّتكَ" لم تَجْتَزْ "الأنبوب" في ثانيتين؛ وإنَّما في 4 ثوانٍ. وهذا إنَّما يعني، ومن وجهة نظر المراقب الأوَّل، أنَّ سرعة "الكريَّة (أو الضوء)" حيث أجرى المراقب الثاني تجربته 75 ألف كيلومتر في الثانية.
المراقِب الثاني سيقول للمراقِب الأوَّل إنَّ طول "أنبوبك" ليس 600 ألف كيلومتر؛ وإنَّما 1.2 مليون كيلومتر؛ وسيقول له، أيضاً، إنَّ "كريَّتكَ" لم تَجْتَزْ "الأنبوب" في ثانيتين؛ وإنَّما في نصف ثانية. وهذا إنَّما يعني، ومن وجهة نظر المراقِب الثاني، أنَّ سرعة "الكريَّة (أو الضوء)" حيث أجرى المراقِب الأوَّل تجربته 2.4 مليون كيلومتر في الثانية.
إذا أنتَ انطلقت من سطح الأرض نحو الشمس (التي تبعد الآن عن الأرض 150 مليون كيلومتر) بسرعة تتزايد كل ثانية (مع استمرار سيرك في خطٍّ مستقيم) حتى قارَبَت (في مرحلة ما من رحلتك الفضائية) سرعة الضوء، فإنَّكَ ستُدْهَش عندما تَجِد نفسك وقد وصلت إلى الشمس بعد 5 ثوانٍ (مثلاً، وبحسب ساعتكَ) من مغارتك كوكب الأرض. وهذا إنَّما يعني أنَّك لم تقطع مسافة قدرها 150 مليون كيلومتر؛ وإنَّما مسافة أصغر قدرها (مثلاً) نحو مليون كيلومتر. بـ "التسارع" تقصر المسافة؛ لكن في الاتِّجاه الذي تتحرَّك فيه فحسب.
في "الفراغ (Vacuum)"، يسير الضوء بسرعة ثابتة (لا تزيد، ولا تنقص) مقدارها بالضَّبْط 299.792.458 (أي 300.000 تقريباً) كيلومتر في الثانية الواحدة؛ على أنْ يقيسها "مراقِب خاص"، وليس أي مراقِب؛ وهذا "المراقِب الخاص" هو "المراقِب غير المتسارِع، غير المتأثِّر بالجاذبية، والموجود هو نفسه في الفراغ، أو الفضاء الفارِغ من المادة، أي في خارج حقول الجاذبية، وبعيداً عنها".
إنَّ سرعة الضوء (في الفراغ) ومهما كان اتِّجاه سيره لا تتأثَّر أبداً بسرعة المراقب (الموجود في خارج حقول الجاذبية) ما دامت سرعة هذا المراقب ثابتة المقدار والاتجاه؛ وبهذا المعنى نفهم سرعة الضوء على أنَّها "سرعة مُطْلَقَة"؛ فسرعة الضوء لا تعتمد على سرعة المراقب الذي يقيسها، ولا على سرعة مَصْدَر هذا الضوء.
هذا المراقب يكفي أنْ "يتسارع" كأنْ يزيد مقدار سرعته (أو يحيد عن الاستقامة في خطِّ سيره) حتى تتغيَّر سرعة الضوء في الفراغ.
عندئذٍ تصبح الثانية الواحدة عند مراقبنا أطول كثيراً من الثانية الأرضية، ويصبح متره، الموجود على هيئة قضيب معدني، أقصر كثيراً من المتر الأرضي.
افْتَرِضْ أنَّ مراقبنا المتسارع هذا قد قاس سرعة الضوء في الفراغ فوجدها 500 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة. إنَّ هذه الزيادة النسبية (أي نسبةً إليه) في سرعة الضوء (في الفراغ) هي النتيجة المترتبة حتماً على تباطؤ الزمن، وتقلَّص المتر.
الآن، أراد مراقبنا غير المتسارِع، والموجود في الفضاء الفارغ، أو في خارج حقول الجاذبية، أنْ يقيس سرعة الضوء الذي يسير ليس في الفضاء الفارغ وإنَّما على مقربة من "ثقب أسود"، أي في الفضاء الأقرب إلى سطح "الثقب الأسود"، والمسمَّى "أُفْق الحدث"؛ لقد قاسها، فوجدها تساوي بضعة أمتار في الثانية الواحدة.
إذا نظر المراقب غير المتسارع (الموجود في "الفضاء الفارغ"، بعيداً عن "المادة" وحقول الجاذبية) إلى ضوء يسير في الفضاء الأقرب إلى سطح كوكب شديد الجاذبية، وإلى ضوء آخر يسير في الفضاء الأقرب إلى سطح كوكب ضعيف الجاذبية، فسوف يجد أوَّلاً أنَّ سرعة الضوء في كلا الكوكبين تقلُّ عن سرعة الضوء عنده (أي تقل عن 300 ألف كيلومتر في الثانية). وسوف يجد، من ثمَّ، أنَّ الضوء في الكوكب الأوَّل أبطأ من الضوء في الكوكب الثاني.
وفي أمْر الخَلْط بين "التسارُع" و"السرعة" لجهة تأثيرهما في "انحناء الزمكان"، أقول إنَّ "التسارُع" لا "السرعة" هو الذي فيه يَكْمُن تفسير "انحناء الزمكان"؛ فكلَّما زاد تسارُع الحجرة (في ذلك الفضاء) اشتدَّ انحناء "الزمكان" الخاص بها؛ لكنَّ "الزمان"، مثلاً، لا ينحني (لا يتمدَّد، لا يتباطأ) في داخل الحجرة (الموجودة في الفضاء المستوي المنبسط) إذا ما كانت سرعتها "الثابتة" 100 كم/ث، أو 250 ألف كم/ث، على أنْ تظل تسير في مسارٍ مستقيم.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -النُّقْطَة- التي منها وُلِدَ الكون!
- حقيقة -التباطؤ في الزَّمَن-
- -النسبية العامة- في مثال بسيط!
- سفينة نوح كونية!
- الإشكالية في تقدير -عُمْر الكون-!
- مقال قديم نشرتُه قبل غزو الولايات المتحدة العراق
- الإجابة النهائية عن سؤال قديم!
- -أسلحتها- و-الأيدي الموثوقة-!
- العبودية في بلاد العرب!
- أُمَّة منكوبة بالطائفية!
- هل تَضْرب إسرائيل ضربتها التاريخية؟!
- في عُمْق -الثقب الأسود-!
- زلزال -داعش-!
- ومضات 5
- التفسير الأسوأ لسياسة واشنطن!
- معركة السيسي المقبلة!
- -الحقيقة النَّفْطِيَّة- للولايات المتحدة!
- رحلة خيالية إلى المستقبل!
- انتخابات تَفْتَقِر إلى -الخَجَل-!
- صباحي إذْ سَقَطَ انتخابياً وقيادياً!


المزيد.....




- مرض الصرع.. أسباب التعرض للنوبات وطرق إدارتها
- أهمية فحوصات الأسنان المنتظمة فى اكتشاف المشاكل مبكرًا
- ارتفاع ضغط الدم..ما أسبابه وأعراضه وكيفية علاجه؟
- محكمة العدل الدولية تأمر إسرائيل بسماح دخول المساعدات الغذائ ...
- نصائح لتعزيز إنتاج هرمون السعادة السيروتونين بطرق طبيعية
- -بلومبيرغ-: مصر تخطط لاستيراد الغاز الطبيعي المسال لتجنب الن ...
- السباق على المعادن المهمة يغذي نزاع الهيمنة على أعماق البحار ...
- حافظ على عينيك من العمى بهذه الأطعمة
- موسكو: اتفاق منع استخدام تكنولوجيا المعلومات لأغراض إجرامية ...
- دراستان: النوم الجيد والكافي قد يكون مفتاح الشباب الدائم


المزيد.....

- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب
- الماركسية وأزمة البيولوجيا المُعاصرة / مالك ابوعليا


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - جواد البشيتي - كيف يتسبَّب -التَّسارُع- في -إبطاء الزمن-؟