أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رشيد العالم - عن الزهد وإبقاع العصر














المزيد.....

عن الزهد وإبقاع العصر


رشيد العالم

الحوار المتمدن-العدد: 4500 - 2014 / 7 / 2 - 18:02
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


متى فقدت الأمم روحانية الزهد، وزلال هالتها الوضّاءة الناصعة البياض، والحكمة من الزهد، صَارت كالبهائم والروبوتات والأصنام التي وصف بها أبو الطيب المتنبي، البشر في بيت شعري شهير له وهو ممتط ناقته:
وأســـيرها بن أقوام أشهــادها
ولا أشــاهد فيها عـــفة الصّنم
حُق لأبي الطيب أن يصف البشر بالأصنام، لاسيما في زمن يعمل في البشر ليل نهار تخريبا ً وتمزيقا ً لبعضهم البعض، وشطرا ً للحمة الحقيرة التي تجمع بين أفراد الأسرة البشرية، إلى أجزاء متعددة، فلو كان سكان المعمورة يزهدون في يومهم رُبُعَه، أو نِصْف رُبُعهِ، لتقينا شرّا مستطيرا، وحضينا محاسن ومآثر عدة،
الزهد الذي وصفه القديس " أوغسطين ":
" بأنه سياحة روحية تفضي إلى تجربة داخلية "
و يعني بذلك أن يتخلص المرء من كل الأعباء التي تثقل النفس، ومن كل شوائب الجسد، ومن كل الطاقات السلبية التي اجتذبتها حواسه.
والذي وصفه " دلاي لاما " زعيم التبت الروحي، بأنه ترويض للنفس والروح، وتجميل لها بالفضيلة والمعرفة، وحكمة يكتسبها الإنسان من خلال الاستغراق في التأمل والتفلسف، فتصفى روحه بالتعبد وتتسامي إلى حضرة الذات الإلهية،
فهو يعتقد أن المعرفة الميتافيزيقية، أو الحكمة الماورائية، لا تتحقق إلا بمعرفة وجودية.
كثر ما قيل وما كتب عن الزهد، فمعظم الديانات كتابية كانت أم شفهية، تطرقت إلى الزهد، واعتبرته كما لو أنه عبادة تضاف إلى أنواع العبادات الأخرى، القلبية، القولية، العملية، المالية، فحتى في الديانات التي ظهرت في آسيا والشرق الأقصى والهند من طاوية ويوجي وفيداثا، وبوذية وسخنية وكونفوشيوسية وغيرها، اعتبرت الزهد والتصوف عبادة، فكان يُنظر إلى الزّاهد باعتباره الصّالح التقي، صَاحب الفتح الرباني، ومالك الأسرار، ومالك النفحة القدسية العلوية...
كما أن التاريخ يزخر بقصص الزهاد الذين صاروا أشبه بالملوك، فكان القوم يبايعونهم ويعتبرونهم مرجعيات روحية،
وقُيّادا ً يوكل إليهم زمام الحكم والقرار والإرشاد، فالكل سمع بقصة التاجر الإفريقي الزاهد الصالح التي أسلم على يده ملايين من الأفارقة بالقدوة الصالحة.
الزهد حياة من أجل الحياة
حياة من أجل فهم معاني الحياة..
وما وراء الحياة، لا كما قال الفيلسوف " نيتشه " من أن الزهد
هو حياة ضد الحياة أو هو إرادة العدم.
فالقرآن الكريم يؤكد في غير ما سورة وآية على أهمية الزهد والخلوة والسفر والتفكر، في حياة الإنسان.
" قل سيروا في الأرض فانظروا"
" أفلا يتفكرون " . " أفلا يعقلون" . " أفلا ينظرون "
" قل انظروا ماذا في السماوات والأرض.."
" أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يفقهون بها أو آذان يسمعون بها، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور "
غير أن الزهد في نظر الجيل المعاصر من بني البشر، يعتبر ضربا ً من ضُروب الجنون والهَرطقَة، وسلوكا شاذا، فالزهد لم يكن يوما، جفاء الآخرين، فها هو " بوذا " مؤسس الديانة البوذية، بعد سنين من التأمل والزهد وقلة الطعام والشراب، اكتشف أن تعذيب النفس يملأ العقل ضبابا ويحجب عن النفس رؤية الحقيقة، فعدل عن الزهد إلى حياته العادية يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، ويجالس الناس،
الزهد لم يكن هجر الآخرين والإعراض عنهم تقربا وتضرعا إلى لله، ولم يكن اختلاء بكهف ولا غار، ولا تيها بين الفجاج، ولا هجرة بلا عودة في قلب فلاة من الفلوات القاحلة، مما ظهر عند كثير من المتصوفة المسلمين جراء احتكاكهم بالثقافات الغربية فتأثروا بثقافية الفرس والهند واليونان، فزاغ الزهد ومذهب التصوف عما كان عليه، فتحول من تفرغ للعبادة، إلى محاولة الإتحاد بالذات الإلهية، كما اختلط بأنواع من ممارسات السحر والشعوذة والدجل والفراسة والعرافة بعد أن فشا الجهل والجمود، وأسرف الزهاد المتصوفة على أنفسهم، فبعضهم أعتبر نفسه إلها، وبعضهم كفر بالدين والقرآن، وبعضهم استغني عن العبادة،
الزهد لم يكن ما كان يفعله أسلافنا، فلو تسنى لهم أن يشهدوا ما شهده العالم الحديث من ثورات رقمية يومية، لما فكروا في الخلوة والزهد، ولما استطاعوا ذلك، غير أن الزهد الحالي يجب أن يخضع لأسلوب تربوي متحضر عقلاني ينساق مع نمط العيش والمتغيرات الاجتماعية والعلمية والتقنية والثقافية وأن يواكبها ويرافقها وأن لا يبقى بمنأى عنها، فأن نقول مثلا بأن الزاهد عليه أن يقطع صلته التامة بعوالم الاتصال الحديثة قبل أن يتفرع للعبادة، فهذا نوع من التزمت، ورغبة في العودة إلى الجمودية، والعودة بالعصر إلى وراء الوراء، بل على العكس يمكن للمرء أن يكون زاهدا وهو على صفحته في " الفايس بوك "، مثلا فلا ينقر بزر الفارة الأيمن على ما يخرم المروءة، ويخدش الفضيلة، ويسيء إلى سمعة المرء وعفته، وأن لا يحذق في الإباحيات والصور، التي لا معنى ولا طائل من مشاهدتها، وأن يكلم الصلحاء من الناس وأن يساهم في عملية الإصلاح والتغيير من داخل هذه العوالم الرقمية، أن ينشر كلمة تترك أثرا في النفوس، فائدة من الفوائد...إلخ
فهذه المسائل تعتبر زهدا وتصوفها وعبادة في حد ذاتها، وهي الأصعب والأفضل والأسمى من زهد التشرد في الغابة والتيه خلف اللاوجهة واللاشيء،
الزهد لا يعني الانعزال عن استعمال الوسائل التي جادت بها العولمة التكنولوجية، إنما الزهد يكمن في كيفية استعمالها، بما يعود بالنفع والصلاح على المجتمع والفرد، وفيما يرضي المولى عز وجل.
فالتاريخ أثبت أن كثيرا من الزّهاد الذين انعزلوا بلا علم ومعرفة مسبقة، وآثروا خلواتهم، على مُشاركة الأمّة همومها ومستجداتها، أفراحها وأتراحها، ارتدّوا على الدين، وسَنوا لأنفسهم عقيدة أخرى، فبعضهم وقع في " الحلول "، وبعضهم وقع في " التثنية "، وبعضهم تزندق والبعض الآخر ألحد...
صلة الرحم بالآخرين تقتضي في المستوى الأول، أن نجدد ونوطد صلتنا بأنفسنا، فكما أن فهم الأنا خطوة لفهم الأخر والآخرين، فصلة الأنا جسر نحو صلة الأخر والآخرين...



#رشيد_العالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصص قصيرة جدا ً
- وكذلك سولت نفس الخرافة
- من أشكال التطرف الغربي والعربي
- جسد يتفتت على جسد
- فلتبقى كما شئت حاضرا غائبا
- صوفية التيه
- لم تكوني أول ولا آخر من أحببت


المزيد.....




- إماراتي يرصد أحد أشهر المعالم السياحية بدبي من زاوية ساحرة
- قيمتها 95 مليار دولار.. كم بلغت حزمة المساعدات لإسرائيل وأوك ...
- سريلانكا تخطط للانضمام إلى مجموعة -بريكس+-
- الولايات المتحدة توقف الهجوم الإسرائيلي على إيران لتبدأ تصعي ...
- الاتحاد الأوروبي يقرر منح مواطني دول الخليج تأشيرة شينغن متع ...
- شاهد: كاميرات المراقبة ترصد لحظة إنهيار المباني جراء زلازل ه ...
- بعد تأخير لشهور -الشيوخ الأمريكي- يقر المساعدة العسكرية لإسر ...
- -حريت-: أنقرة لم تتلق معلومات حول إلغاء محادثات أردوغان مع ب ...
- زاخاروفا تتهم اليونسكو بالتقاعس المتعمد بعد مقتل المراسل الع ...
- مجلس الاتحاد الروسي يتوجه للجنة التحقيق بشأن الأطفال الأوكرا ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رشيد العالم - عن الزهد وإبقاع العصر