أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سحقي سمر - التحول الديمقراطي وصعود الحركات الإسلامية (نموذج مصر)















المزيد.....



التحول الديمقراطي وصعود الحركات الإسلامية (نموذج مصر)


سحقي سمر

الحوار المتمدن-العدد: 4500 - 2014 / 7 / 2 - 16:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بقلم الباحثتين سحقي سمر ، طرودي ليندة دكتوراه علوم سياسية ، جامعة الجزائر 03
مـــقدمــة
إن عملية التحول إلى نظم حكم ديمقراطية، وترسيخ هذه النظم هي عملية معقدة، تتداخل فى تشكيل مساراتها وتحديد نتائجها جملة من العوامل الداخلية والخارجية فقد أكدت تجارب التحول الديمقراطي على الصعيد العالمى خلال العقود الأربعة الماضية على أن هناك بعض القضايا والإشكاليات الكبرى التى تواجه عمليتى التحول الديمقراطي وترسيخ الديمقراطية، وأن درجة النجاح فى تحقيق هاتين العمليتين تتوقف فى جانب هام منها على مدى الفاعلية فى معالجة هذه القضايا والإشكاليات على النحو الذى يحد من تأثيراتها السلبية عليهما. والهدف من هذه الدراسة الموجزة هو تسليط الضوء على بعض قضايا وإشكاليات التحول الديمقراطي على الصعيد العربي، حيث تشهد دول عربية عديدة إرهاصات ومحاولات للتحول الديمقراطى فى أعقاب موجة الانتفاضات و الاحتجاجات التى اجتاحت الوطن العربى منذ أواخر عام 2010، التي أطاحت بنظم تسلطية عتيدة، وأجبرت نظماً أخرى على تقديم تنازلات هامة على صعيد عملية الإصلاح السياسى والتحول الديمقراطي ،وقد ثورات الربيع العربي البوابة التي سمحت لكثير من الحركات الإسلامية دخول المعترك السياسي، ونجحت في بعض الدول ومنها مصر في الوصول إلى سدة الحكم ، فهل تشكل الحركات الإسلامية عائقا أمام أي تحول ديمقراطي في العالم العربي؟ أم أنها عامل محفزومساعد للتحول تدريجيا نحو ترسيخ مبادئ الديمقراطية ؟ وهل تتبنى الحركات الإسلامية الديمقراطية بالمعنى الكامل أم أنها تستعملها كوسيلة براغماتية لتحقيق أهداف سياسية ؟
• التحول الديمقراطي بين الواقع و النظرية
تعتبر نظرية التحول الديمقراطي من بين أهم النظريات السياسية التي لاقت رواجا و قبولا واسعا لدى المجتمعات الغربية و الشرقية والتي تعني اجمالا الانتقال من الشمولية و السلطوية الى الليبرالية و الديمقراطية وقد اكتسبت قضية التحول الديمقراطي أهمية خاصة وأصبحت من بين أبرز القضايا الفكرية و السياسية التي تطرح على الدوائر البحثية لدرجة اطلق على هذه الابحات بعلم الانتقال transitologie ، كما اعتبراخرون ان عملية التحول الديمقراطي موجة فكرية جديدة .
نظريات ومداخل التحول الديمقراطي:
هناك ثلاثة مداخل أو مقاربات نظرية رئيسية لتفسير أنماط التحول الديمقراطي و هي:
-1 المدخل التحديثي:
وهو المدخل الذي يربط بين الديمقراطية والتنمية الاقتصادية، ذلك أن أغنى بلدان العالم هي البلدان الديمقراطية، وتاريخيا يعد آدم سميث أول من عبر عن هذا الاتجاه من خلال دعوته لليبرالية، باعتبارها شرطا أساسيا للأداء الفعال للسوق، إلا أن العلمية الأكثر دقة وانتظاما لهذا المدخل، عالجها عالم الاجتماع السياسي الأمريكي "ليبست" في بعض مقالاته، حيث يؤكد أن من نتائج التنمية الاقتصادية نشوء ولاء وطني، يترافق مع وجود قبول المؤسسات القائمة والتسليم بشرعيتها في اتخاذ القرارات الحاسمة، وتستخدم المدرسة التحديثية مؤشرات محددة كمتغيرات لا تلبث أن تنظم عملية متصاعدة، تساعد على ولادة الديمقراطية، أو تشبثها وتعزيزها، وتشمل هذه المؤشرات: دخل الفرد، مستوى الأمية انتشار التعليم، الحراك الاجتماعي، وأدوات التنقل والاتصال.
-2 المدخل البنيوي:
ويفترض أن المسار التاريخي لأي بلد نحو الديمقراطية الليبرالية، أو أي شكل سياسي آخر، يتشكل ويتحدد أساسا وجوهريا بالبنى المتغيرة للطبقة والدولة والقوى الدولية، وعبر القومية المتأثرة بنمط التنمية الرأسمالية، وليس عن طريق مبادرات وخيارات النخب، وتبعا لذلك يركز المدخل على التشكيلات الطبقية، والبنى الاجتماعية، والتطور التاريخي لهذه وتلك، في إطار علاقات القوى العالمية وتوازناتها، وتحلل على نحو خاص للعلاقات الداخلية المتبادلة بين البنى الاجتماعية وسلطة الدولة، وتحلل النظام السياسي، وبيان ما يطلع به من وظائف ذلك أن هذه الجوانب تشكل محور الديمقراطية، ومن أهم رواد هذا الاتجاه "بارنجتون مور"، دينريك"،"شماير".
3-المدخل الانتقالي:
يرى "دانكورت روستو"رائد هذا المدخل، أن الأمر يتطلب مدخل تطوري تاريخي،يستخدم منظورا كليا لدراسة حالات مختلفة باعتبار أن ذلك يوفر أساسا أفضل للتحليل، وبناءا على ذلك تم تحديد مسار عام تتبعه كل البلدان خلال عملية التحول الديمقراطي، ويتكون هذا المسار من أربعة مراحل أساسية:
1-مرحلة تحقيق الوحدة الوطنية و التي تشكل الشرط الأولي .
2-مرحلة الصراع السياسي الطويل و غير الحاسم.
3-مرحلة القرار وتشهد عملية الانتقال والتحول.
4-مرحلة التعود أي تعود الأطراف المختلفة على القواعد الديمقراطية والتكيف معها
ولأهمية هذه المبادرة قام العديد من الباحثين بتطويرها أمثال: "جوان لينز"، أودونيل"، الذين ركزوا على المرحلة الانتقالية التي يبدأ فيها النظام التسلطي بالانفتاح لتمثل بذلك الواردات السابقة أهم المفاهيم والمقاربات الواردة في شأن الديمقراطية و التحول الديمقراطي.

الحراك العربي و موجات التحول الديمقراطي
لعل ما يعيشه الوطن العربي اليوم يمكن ادراجه في سياق الرؤية القائمة حول خلل أصاب العقد الاجتماعي social contract ، فجل المجتمعات العربية تتسم بهشاشة البنى السياسية و الثقافية التي لا يمكن اعتمادها أسسا للديمقراطية و التنمية و الحداثة ، فقد أشار برهان غليون إلى أن عملية التحول الديمقراطي في الوطن العربي عملية بطيئة ومتعثرة ويمكن التراجع عنها لأسباب متعددة ، أبرزها عقدة الأمن فالدولة العربية ما تزال تشمل مشروع دولة ولم تصل بعد إلى مرحلة الدولة المكتملة النضج
بحسب المؤشرات الراهنة، يمكن رصد ثلاث اتجاهات، لكل واحد منها فريق له قراءته الإستشرافية الخاصة حول إمكانية الحراك العربي احداث تغيرات جذرية تقود إلى تحول حقيقي نحو الديمقراطية.
الاتجاه الأول، يرى في الحراك العربي إمكانية حدوث تحولا ديمقراطي، لكنه يتطلب جملة من الشروط علما بأنه سيأخذ وقتا طويلا. بالرجوع إلى التجارب التاريخية السابقة التي أحدثت تحولات هائلة وعميقة في العديد من الدول، كالثورة الفرنسيّة التي اندلعت عام1789 وامتدت حتى 1799، وأثرت بشكل بالغ العمق على فرنسا وجميع أوروبا، لكنها لم تترسَّخْ مبادئها في عموم أوروبا إلا بعد أكثر من خمسة عقود من الزمن تقريبا أو أكثر ما يؤكده المفكر العربي عزمي بشارة، ، إذ ينفي أنْ تكون ثورات الربيع العربيّ محتاجةً إلى مثل هذا الزمن لاعتبارات متعددة أبرزها :وجود مؤسّساتُ دولة، وجيوشٌ حديثة، ووسائلُ اتصال متطورة، وفئات المثقفين والطبقات الوسطى، وصَيْرُورة تشكّل الأمم.
كما ويرى أصحاب هذا الاتجاه أيضا وجود معوّقات من شأنها إعاقة عملية الانتقال نحو الديمقراطيّة، بسَلاسة وبسُرعة، في بلدان الربيع العربيّ، أبرزها ما هو متعلّق بالبنية الفكريّة - السياسيّة لمجتمعات هذه الأقطار الثائرة.
الاتجاه الثاني، يشاطر الاتجاه الثاني في إمكانية حدوث تحول نحو الديمقراطية في العالم العربي، بفعل الحراك الشعبي، ولكن يختلف عن الفريق الأول في المدة الزمنية التي سيستغرقها ذلك التحول، وكذلك في نوعية المعوقات المعرقلة لهاته العملية.
الاتجاه الثالث من الدارسين لظاهرة الحراك الشعبي ، لا يرون في هذه التحولات القدرة على إمكانية صنع أي شكل من أشكال التحول الذي يفضي إلى الديمقراطية، بل أنهم ذهبوا الى أبعد من ذلك بكثير، حيث يرون أن هذه الثورات لا تعدوا اكثر من كونها مؤامرات دولية ، وبالتالي ستقود إلى فوضى مدمرة، ومن غير المستبعد أن تعيد ايضا انتاج الاستبداد ثانية لكن بصورة أشد وأقسى وإن كان بشكل مختلف عن ذي قبل. يستشهد أصحاب هذا الفريق بما يجري حاليا من فوضى عارمة وصراع حاد وانقسامات عميقة وعدم استقرار في كل من تونس ومصر، على الأقل .
الحركات الإسلامية ونظام الحكم الديمقراطي
إن مسألة صعود الحركات الإسلامية تعد أحد أبرز محاور الجدل الفكري والسياسي على الساحة العربية والعالم الإسلامي، فقد أثير الجدل منذ بدايات العقد الماضي، إلا أنه ظل غائبا عن النقاش العام في معظم الدول الإسلامية والأقطار العربية، حتى فرضته أحداث 11 سبتمبر2001 ، وتشهد المنطقة العربية منذ السبعينات ظاهرة الإحياء الأصولي، التي أفرزت العديد من الحركات والجماعات الإسلامية المسلحة والعنيفة الرافضة مبدئيا للديمقراطية والتي كان لوجودها وانتشارها اكبر الأثر في خلق وتغذية بيئة سياسية واجتماعية وثقافية غير مواتية للتحول الديمقراطي بشكل عام ولإقرار وضمان الحريات اللازمة لهذا التحول سواء كانت مدنية أو عامة.
غير أن صعود قوى الإسلام السياسي في الفترة الأخيرة ،والتي قدمت بدورها نموذجها ورؤيتها الخاصة لقضايا التحديث والديمقراطية في المجتمع والتي ترتبط بطبيعة الأيديولوجية السياسية لتلك القوى ، خاصة في ظل حالة الإقصاء والتهميش التي تعرضت لها هذه الحركات طيلة العقود الخمسة الماضية، فهل تشكل المرحلة الجديدة التي يمرّ بها الفكر الإسلامي تأسيسا جديدا للمشروع الإسلامي ؟
تنطلق الدراسة من فرضية أساسية هي أن الثورات العربية، وإن وفرت للحركات الإسلامية فرصة ربما تكون تاريخية فيما يخص الحصول علي الشرعية والتمتع بالشرعية القانونية، فإنها أيضا تحمل تحديات عديدة لهذه الحركات، ليس أقلها القدرة علي العمل في بيئة منفتحة سياسيا وأيديولوجيا، وهي التي اعتادت العمل في سرية ووفق بنية تنظيمية مغلقة تعتمد علي التعبئة الفكرية والحركية، ومنها ما يتعلق بالقدرة علي التماسك والبقاء بشكل موحد دون التعرض لانشقاقات أو انقسامات داخلية.
مع بداية الحراك العربي، برزت أدوار سياسية جديدة لعبتها قوى إسلامية عديدة أدت إلى صعود القوى الإسلامية ، وتسلم قيادات السلطة في تونس ومصر بغرض سدّ الفراغ الذي تركته انهيار وسقوط الحكومات السابقة والمشاركة في مؤسسات الحكم، وعملية صنع القرار السياسي في هذه المرحلة التي تعيشها دول المنطقة. ولعل هذا التحول السياسي يدفع تلك القوى الجديدة لتعلن عن رغبتها في تطبيق نماذج قريبة من الحالة التركية التي كرست نموذجاً مقبولاً يجمع بين القيم المحافظة والمسلك الليبرالي في بعديه السياسي والاقتصادي، فقد كانت التحولات السياسية التي شهدتها المنطقة العربية البوابة التي سمحت لكثير من الحركات الإسلامية دخول المعترك السياسي، ونجحت في بعض الدول ومنها مصر في الوصول إلى سدة الحكم كنموذج خاص قابل للتعميم.
وبوجه عام، يمكن القول إن الحركات الإسلامية، وإن كانت من أهم الأطراف المستفيدة من سقوط الأنظمة الأوتوقراطية العربية، فإن ثمة استحقاقات عديدة سوف تواجهها وخلاصة القول، فإن مستقبل الحركات الإسلامية والتحولات التي قد تطالها سوف يتوقف علي ما قد تفضي إليه الثورات العربية الراهنة من نتائج علي المدى الطويل، وأي الأشكال قد تأخذها الدولة العربية الجديدة في المرحلة القادمة
الحركات الإسلامية وتحديات التحول الديمقراطي
أولاً: تحديات البناء الداخلي:
لعبت الممارسات السلطوية دوراً هاماً في تحول الحركة الإسلامية إلى ما يشبه "التنظيم السري" رغم أن البعض منها حاول الخروج إلى "فضاء" العمل العلني كالإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية (في بعض مراحلها)؛ في ظل نظام منغلق، مما دفع الحركة إلى مزيد من السرية التي أثرت كثيراً على القدرات الإبداعية الابتكارية لها ووضعتها في وضع نفسي مأزوم أثر على مزاجها العام وقدرتها على القراءة السليمة للواقع وتغيراته.
كما تلعب طبيعة التحول الديمقراطي دوراً في التخفيف من مركزية الجماعات الإسلامية التقليدية في المشروع الإسلامي لصالح كيانات أخرى تقف على ذات الأرضية قد تكون في صورة ائتلافات أو جمعيات أو حتى أحزاب ذات مرجعية إسلامية وهو ما يعنى أن مجال الاختيار سيتسع أمام الشباب وتتراجع”الكاريزما”المتوارثة للجماعات التقليدية ،إذ ظلت لعقود طويلة الملاذ الآمن لكل من يريد ممارسة الفعل "الاحتجاجي" على الأنظمة السلطوية المتعاقبة وهو ما يجب أن يلتفت إليه المخططون داخل هذه الحركات من أن دور الجماعات الإسلامية الحقيقي هو دور إصلاحي تربوي دعوى في ظل وجود كيانات أخرى تمارس السياسة كالأحزاب ذات مرجعيات إسلامية، ومن هنا اذا اخذنا تحولات المجتمع المصري التابعة للتحولات الديمقراطية المنتظرة كمثال للدراسة سنلاحظ انها ستفرض تحدياً على الحركة الإسلامية لتطوير بنيتها الداخلية ورؤيتها التنظيمية دون العكوف على البنى المتوارثة بالجمود ، فالقدرة على التطوير تعنى بكل بساطة القدرة على البقاء والاستمرار.
ثانياُ: تحديات تجديد الخطاب الفكري:
إن مرحلة التحول الديمقراطي الحالية ستفرض على الحركة الإسلامية تحدياً على مستوى الطرح الفكري و ضرورة الالتفات إلى أهمية التجديد الفكري وطرح الإجابة على إشكاليات هامة تتعلق بالعلاقة بين الإسلام والديمقراطية، والتعددية السياسية والثقافية في المفهوم الإسلامي ، كما أن التحولات الديمقراطية الحالية تفرض على الحركة الإسلامية طرح رؤية سلمية للتغيير والإصلاح بعيداً عن القراءات الخاطئة في ظل التحولات الراهنة


ثالثا: التحديات الواقعية:
من بين هذه التحديات هل ستظل الحركات الإسلامية تعمل كجماعات ضغط أم تتحول إلى جمعية أهلية أم تتحول إلى حزب سياسي أم تختار نموذج (الجماعة – الحزب) وهو النموذج الذي يعتبر الأقرب حتى الآن في ظل إصرار كل جماعة على إنشاء حزب "للجماعة"، مما يعنى فتح الباب واسعاً للتدخل صوب "الاختيارات" و"التحالفات" وخلط "الدعوى" بـ"السياسي"؛ مما ينذر بخطر محدق بالتجربة الحزبية المنتظرة بعد ثورة 25 يناير، وعدم توقع إسهام جدي من الحركة في الحياة الحزبية .
وعليه نخرج بأهم النقاط التالية
• إن ظاهرة الإسلام السياسي لا يمكن دراستها إلا من جهة أنّها ظاهرة حديثة أنتجتها الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وأنّ دراسة هذه الظاهرة على أساس تحليل خطابها الفكري والتراثي على نحوِ ما يذهب إلى ذلك كثيرٌ من الباحثين، تبقى عملية صعبة وغير ممكنة، فالإشكالية الرئيسية دور حول إمكانية الانتقال من مشروع "الدعوة" إلى مشروع "الدولة"، وإدماج متطلبات هذا الانتقال في منظومة المشروع الحركي الإسلامي.
• من أكبر المشكلات التي تواجهها الجماعات الإسلامية في تحقيق مبدأ الديمقراطية، تشدد بعض الحركات المنضوية تحت إطار الإسلام السياسي في التزامها بالديمقراطية “كآلية” لتنظيم العمل السياسي والحركي، لكنها ترفض الاعتراف بالديمقراطية كروح ومحتوى ومفهوم وتذهب إلى حد مواجهة المفاهيم الحديثة التي تتأسس عليها
• إن التحول الديمقراطي في الدول العربية يجب أن يتجه الى إقامة دولة ديمقراطية (مدنية) سواء كان الإسلاميون على رأس السلطة أو غيرهم بشرط التركيز على مبادئ الحرية و المساواة كأساس لهذه الدولة وأن عمليات التحول الديمقراطي إذا لم تصاحبها عمليات جادة للتحديث والتنوير الثقافي وتنظيم العلاقة بين المجالين الديني والسياسي وترسيخ الحريات المدنية والحقوق الفردية إلى جانب استكمال عمليات "بناء الدولة" ، فإن سيناريو التفكك و الاضطراب سيكون واردا بشدة.
التحول الديمقراطي في مصر و دور حركة الإخوان المسلمين فيه:
1- أهم المحطات التاريخية للتحول الديمقراطي في مصر:
• التحول الديمقراطي في مصر قبل ثورة 25 يناير2011::
في 2005 فاز حسني مبارك بالانتخابات بنسبة 88%،وفي ديسمبر 2006 بعث الرئيس السابق حسني مبارك برسالة للبرلمان المصري مطالبا بتعديل 34 مادة من المواد التي نص عليها دستور 1971،وفي 26 مارس 2007 أجري الاستفتاء على التعديلات بنسبة موافقة شعبية بلغت 75,9%.وهذا من أجل إظهار المزيد من التوازن بين سلطات الدولة وتوفير الفرصة لنشاطات الأحزاب السياسية،لكنه في نفس الوقت أغلق الطريق أمام الإخوان المسلمين لتكوين حزب سياسي بدعوى حظر كل حزب يقوم على أساس ديني وهذا التعديل يحمل عدة تناقضات فحركة الإخوان المسلمين تجادل بالقول أن اعتراض الحزب الديمقراطي الوطني الحاكم ليس على دور الدين في السياسة وإنما على عدم قبول قيام أي حركة معارضة قوية .وعند عودة محمد البرادعي رئيس هيئة الطاقة النووية السابق إلى مصر في أواخر 2009 استطاع جمع القوى السياسية بما فيها الإخوان المسلمين تحت لواء "الجمعية الوطنية للتغيير" والتي طالبت بتعديل الدستور وعدم ترشح مبارك ولا ابنه وتحقيق العدالة الاجتماعية،وطالب البرادعي القوى السياسية بمقاطعة انتخابات البرلمان 2010 إلا أن حزب الوفد والإخوان شاركوا وانسحبوا نتيجة التزوير في الانتخابات .

• التحول الديمقراطي في مصر بعد ثورة 25 يناير 2011:
مرت عملية التحول الديمقراطي في مصر بثلاث مراحل انتقالية مختلفة :
المرحلة الأولى:أدارها المجلس الأعلى للقوات المسلحة ،وبدأت عقب تنحي حسني مبارك في 11 فيفري 2011 وامتدت حتى انتخاب مرسي في 20 جوان 2012،وتم فيها رضوخ المجلس العسكري لمطالب الجماعة بإدخال تعديلات دستورية تتيح إجراء انتخابات برلمانية قبل صياغة دستور جديد للبلاد،وقد ترتب على هذا تمكين جماعة الإخوان من الهيمنة على سلطة التشريع.
المرحلة الثانية: أدارتها جماعة الإخوان المسلمين وبدأت بعد فوز مرسي بالمقعد الرئاسي في 30 جوان 2012 وامتدت حتى 30 جوان 2013 وقام خلالها مرسي بإعلان دستوري يمكنه من تحصين جمعية تأسيسية ومجلس شوري تسيطر عليهما الجماعة ومعرضين للحل بحكم قضائي.
المرحلة الثالثة:وأدارتها سلطة مؤقتة يتولاها رئيس المحكمة الدستورية العليا،وبدأت هذه المرحلة بعد إعلان وزير الدفاع عبد الفتّاح السيسي خريطة طريق جديدة في 3 جويلية 2013،ونجاحها في صياغة دستور جديد وافق عليه الشعب بغالبية أكبر من تلك التي حصل عليها دستور 2012.
2- دور الإخوان المسلمين في بلورة الديمقراطية المصرية:
• الإخوان المسلمين والتحول الديمقراطي قبل ثورة 25 يناير 2011:
قبل ثمانين عاما وضع الإمام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين ثلاث مراحل لتحقيق أهداف الجماعة:مرحلة الدعاية والتبشير بالفكرة،مرحلة التكوين واختيار الأنصار والأعضاء،مرحلة التنفيذ والعمل والإنتاج،ويمكن القول أن الجماعة نجحت في إنجاز المرحلتين الأوليين،من خلال انتشار أفكار البنا خارج حدود مصر في كل من العالم العربي الإسلامي وحتى أمريكا وأوروبا،لكن المرحلة الثالثة بدأت وانتهت مع سقوط الرئيس مرسي .
لذا تعد حركة الإخوان المسلمين التي أسسها حسن البنا سنة 1928 الحركة الإسلامية الأكثر استمرارية من بين الحركات الإسلامية المعاصرة،لم لم تكن في بدايتها حزب سياسي،وإنما رابطة دعوية تهدف لنشر الالتزام الديني واستقطاب المسلمين.وقد تأثر الضباط الأحرار الذين نفذوا الانقلاب العسكرية سنة 1952 بالإخوان المسلمين،لكن النظام الجديد بزعامة جمال عبد الناصر نظر للحركة كمنافس،ووضع العديد من أعضائها في معسكرات الاعتقال الصحراوية .هذا ما أدى ببعض منظري الحركة لتبني أفكار متطرفة أمثال سيد قطب حول أن الجهاد هو السبيل الوحيد لمواجهة الأنظمة القمعية في الدولة الحديثة،وعندما تولي عمر التلمساني منصب المرشد العام للإخوان سنة 1972 تخلت الجماعة عن العنف بعد سماح الرئيس المصري السابق أنور السادات بانضمامها للحياة السياسية.ومنذ سنة 1984 بدأ الإخوان المشاركة في انتخابات المجالس المحلية والنقابات المهنية ،ومع حلول التسعينات طالب الإخوان بالإصلاح والمزيد من الشفافية في تشكيل السياسة العامة واختيار القادة.وبين سنتي 2004 و2005أسسوا حركة كفاية تسعى لإحداث تغيير في الوضع السياسي القائم في مصر من خلال :
- نشر الديمقراطية العلمانية على مشروعات مختلفة مثل:وضع ميثاق مدني، دستور جديد والتحضير للفترة التي سيتولى فيها حكم ديمقراطي الحكم في البلاد.
فعلى مدى الثلاثين سنة الماضية أقام الإخوان علاقات وثيقة مع النشطاء المصريين والباحثين والصفيين السياسيين من خارج معسكر الحركات الإسلامية.
وبالتالي فقد أثبت الإخوان أنهم قادرون على التطور، وتقوية التزامهم بالديمقراطية من خلال حرصهم على :
- ايجاد ضوابط وتوازنات تمنع احتكار أي مجموعة للسلطة.
- ضمان تكفل الحريات لجميع المواطنين في ظل القانون.
- مهاجمة ما يسمونه الهيمنة الأمريكية الصهيونية.
- الاعتراف بحقوق الفلسطينيين .
- إعادة النظر في علاقات مصر مع إسرائيل من خلال القنوات القانونية.

• الإخوان المسلمين والتحول الديمقراطي بعد ثورة 25 يناير 2011:
اتسمت الفترة الأولى من المرحلة الانتقالية التي انتهت في 30 جوان 2012 بانتخاب الرئيس محمد مرسي بصراع ثلاثي على السلطة بين كل من:"المجلس الأعلى للقوات المسلحة والإخوان المسلمين،والقوى المدنية،إذ في مرحلة الانتقال الأولى-فيفري 2011،جوان 2012- صدرت خمس إعلانات دستورية التي غيرت من ملامح النظام السياسي،ومع وصول مرسي أعلن عن إصدار دستورين مكملين ودستور 2012.إذ كان رئيس الجمهورية يمتلك السلطتين التنفيذية والتشريعية وفي نفس الوقت قراراته محصنة من الرقابة القضائية،فالبعض يرى بأن دستور2012 لم يؤدي إلى تغييرات ذات صدى نتيجة هيمنة الأغلبية من الإخوان ولم تكن نتيجة توافق وطني .
هذا ما أدى لسقوط حكم الإخوان نتيجة لأربع اعتبارات :
1. إتباع الإخوان سياسات المواجهة والمغالبة.
2. سياسة إقصاء المخالفين في الرأي عن مواقع السلطة.
3. اللجوء إلى العنف.
4. تداخل مستويات السلطة.
لذا فمستقبل الإخوان المسلمين في مصر متوقف على أمرين :
1- استعداد العسكر والدولة لدمج الإخوان بشكل حقيقي والتعاطي معهم بواقعية :
وهناك اتجاهين داخل الدولة المصرية حول كيفية التعامل مع الإخوان في مرحلة ما بعد مرسي:
الاتجاه الأول:يرى بضرورة إقصاء الجماعة من الحياة السياسية استنادا إلى الخطاب الفاشي المنتشر في أوساط العلمانية والليبرالية.
الاتجاه الثاني:وهو اتجاه الدمج المشروط، والذي ويكون وفق شرطين:
الأول: يتمثل في تفكيك جماعة الإخوان وتحويلها لجمعية أهلية ليس لها علاقة بالسياسة.
الثاني:تخلي حزب الحرية والعدالة عن مرجعيته الدينية،وقبول قواعد اللعبة العسكرية كما يضعها العسكر.
2- قدرة الجماعة على التعاطي بواقعية مع مرحلة ما بعد الانقلاب:
أولا:يكون ذلك باعتراف الجماعة بأخطائها الإستراتيجية ولعل ذلك بسب ضعف الخبرة وسوء الحسابات.
ثانيا:إعادة الجماعة النظر في خطابها الإيديولوجي السياسي، بسبب تركيز خطابها على المحافظة الدينية والثقافية من أجل إرضاء قاعدتها الاجتماعية والدينية والحصول على تأييد التيارات السلفية.

خاتمة:
يمكننا القول أن صعود الحركات الإسلامية في سياق الحراك العربي يعتبر كنتيجة لمسار تاريخي وسياسي وديمقراطي ساهمت في بلورته العديد من العوامل،لذا يستوجب على هذه الحركات استيعاب طبيعة المرحلة الراهنة والبحث عن حلول علمية وعملية تخدم مصالح الدولة،ولا يكون هدفها الوحيد الوصول إلى السلطة،وإنما بناء دولة وأن يكون مشروع إسلامي ذو أبعاد حضارية،يعمل على ترسيخ مبادئ الحري والديمقراطية والرّفاه الاقتصادي واحترام حقوق الإنسان.فترسيخ الديمقراطية مقدمة لتحقيق الدولة الإسلامية.فصعود التيارات الإسلامية ميزة الحراك العربي،الذي فتح المجال أمامها للانخراط في العمل السياسي بعد سنوات من الإقصاء السياسي والتضييق الأمني،لذا فالتحدي الذي يواجهها هو وجوب قيامها بتغيير الصورة لدى الشعوب من كونها مهدد للديمقراطية هذا من ناحية،ومن الجهة الأخرى يجب التفكير في إيجابيات إدماج الإسلاميين في الحياة السياسية العربية ،من خلال إدراك داخلي وخارجي لأهمية الإصلاح السياسي،وتقبل النفوذ الإسلامي وحضوره،الذي ساهم الغرب في تشويه صورته لخدمة مصالح معينة.



الهوامش:
1. Sujian Guo,”Democratic Transition: A Critical Overview,” Issues & Studies, Vol.35, No.4 ,July/August 1999,pp.133-148.
2. Mary Fran T. Malone (ed.), Achieving Democracy: Democratization in Theory and Practice ,New York: The Continuum International Publishing Group, 2011.
3. محمد الشيوخ،"ثورات الربيع العربي والتحول الديمقراطي"،في الموقع: http://www.alnoor.se/article.asp?id=195717 يوم 31/03/2014 على الساعة15:30.
4. خليل العناني، "التيارات الإسلامية في عصر الثورات العربية"، مجلة السياسة الدولية ،العدد 158، 2013 ، ص 2.
5. إبراهيم سيف ، محمد أبو رمان،" هل يستطيع الإسلاميون إنقاذ اقتصادات الربيع العربي؟"، مجلة السياسة الدولية، العدد 187، 2013 ، ص 4.
6. سمير العركي،"الحركة الإسلامية وتحديات التحول الديمقراطي"، في الموقع:
http://www.onislam.net/arabic/madarik/politics/134140-islamic-movements.htmlيوم 01/04/2014على الساعة 7:00
7. ناثان براون وميشيل دن،"التعديلات الدستورية المثيرة للجدل في مصر :تحليلا نصيا"،في الموقع: http://carnegieendowment.org/files/questions_egypt.pdf يوم01/04/2014 على الساعة 18:00.
8. محمد محمد حامد،"أثر التحول الديمقراطي على القوى الاجتماعية في مصر قبل وبعد ثورة 25 يناير"،في الموقع:
democraticac.de/wordpress/archives/2602‎ يوم01/04/2014 على الساعة 17:40.
11. حسن نافعة،"إشكاليات التحول الديمقراطي في مصر"،في الموقع: http://alhayat.com/Opinion/Writers/705736/
يوم 01/04/2014 على الساعة 17:00.
12. خليل العناني،"جماعة الإخوان المسلمين في مرحلة ما بعد مرسي"،الدوحة:المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات،سياسات عربية،العدد 4،2014،ص6.
13. ناثان براون وكاري روزفسكي،مصر بعد الثورة:وجهات نظر،بيروت:مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات،2011،ص 14.
14. علي الدين هلال،"آفاق عملية الانتقال الديمقراطي في مصر"،في الموقع: http://www.acrseg.org/2619 يوم 01/04/2014 على الساعة:18:30.



#سحقي_سمر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التحول الديمقراطي وصعود الحركات الإسلامية (نموذج مصر)


المزيد.....




- وحدة أوكرانية تستخدم المسيرات بدلا من الأسلحة الثقيلة
- القضاء البريطاني يدين مغربيا قتل بريطانيا بزعم -الثأر- لأطفا ...
- وزير إسرائيلي يصف مقترحا مصريا بأنه استسلام كامل من جانب إسر ...
- -نيويورك تايمز-: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخ ...
- السعودية.. سقوط فتيات مشاركات في سباق الهجن بالعلا عن الجمال ...
- ستولتنبرغ يدعو إلى الاعتراف بأن دول -الناتو- لم تقدم المساعد ...
- مسؤول أمريكي: واشنطن لا تتوقع هجوما أوكرانيا واسعا
- الكويت..قرار بحبس الإعلامية الشهيرة حليمة بولند سنتين وغرامة ...
- واشنطن: المساعدات العسكرية ستصل أوكرانيا خلال أيام
- مليون متابع -يُدخلون تيك توكر- عربياً إلى السجن (فيديو)


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سحقي سمر - التحول الديمقراطي وصعود الحركات الإسلامية (نموذج مصر)