أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (52)














المزيد.....

منزلنا الريفي (52)


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 4500 - 2014 / 7 / 2 - 08:37
المحور: الادب والفن
    


الدم المراق


في ليلة قمرية من غشت 2001، تكسر الصمت، وعم الهرج، وساد اللغط، وتراشق الناس بالحجارة، فحضرت الضغائن بعد سنين طويلة من الغياب . كل شيء استيقظ الآن، فتوهج كالنور الساطع الرابض في كبد السماء .
هذا هو منزل ولد الشيظمي، عبارة عن بيتين إسمنتين وكوخ تتوسطه كرمة في طور النشوء، وغير بعيد عن المنزل، يقبع بئر جاف، لقد حفره ولد الشيظمي بعتلته ولم يكمله منذ سنين طويلة، كان يحس في كل ضربة أن أديم الأرض يتسلل عبر مسامات جلده، و ذات يوم قرر أن يختن ابنه المدعو اسمايلو، فاستدعى جماعات من الدوار المجاور المدعو ولاد الطالب، إن دعوته هذه كمن أحضر البنزين والنار، فالعلاقة بين الكرزازيين والطالبيين يسودها الصراع، إنه صراع قبلي تسمه حرب معلنة وخفية، يقول الكرزازيون أن الطالبيين كانوا يطردونهم من العمل في شركة التنمية الفلاحية (الصوديا )، فيحتكر الآباء الطالبيون العمل، فيتركونه لأبنائهم، بينما الكرزازيون كانوا يعودون خائبين بعد مسافات طويلة من المشي على الأقدام، يستيقظون في غضون الفجر، ويجتازون الغابات، وفي الأخير لا يحصلون على شيء . إن ما يغيظ الكرزازيين أن بعض الطالبيين ممن كان آباؤهم رسميين لا يشتغلون، وفي الأخير ينالون أجرا، فساهموا في تلافي الشركة، وبيعها للخواص، لقد كان يترك للكرزازيين خدمات وضيعة، إضافة إلى السب والشتم، فأثناء جني محصول العنب، كان يمنح للكرزازيين الخطوط الطويلة، وكان الكابران يحثهم على الإسراع، بينما يتعامل بليونة مع الطالبيين .
إن تدفق زمرة من الكرزازيين نحو دوار ولاد الطالب كان يغيظ الطالبيين، فالكرزازيون أولى بهم أن يعملوا في أرضهم، لقد حبتهم الطبيعة بالواد والغابة والأرض الخصيبة، لكنهم يتكلون على الآخرين، فلا يبذلون أي مجهود، اللهم النوم والنميمة والحسد والحقد، وزرع الفتن، إضافة إلى تناول السمك في السوق، كانوا يتوجهون فرادى أو جماعات كقطيع من البقر، يتسولون من أجل الحصول على عمل، فكانوا يعودون خائبين، فتجدهم متجمعين كالركام قرب الحانوت المجاور للوادي ينشرون الفتن، ويتجرعون مرارة فشلهم في الحياة، لكن ولد الشيظمي الذي يسكن وسطهم، تمكن من الحصول على عمل، وما كان ليحصل عليه لولا تملقه، وانبطاحه، فهو يجيد تمريغ أنفه في التراب، ولحس الأحذية، فمن أجل الحصول على عمل، لابد من التملق، صحيح أنه كان يجز الصوف، لكن هذا يبقى غير كاف من أجل الحصول على عمل، بل أكثر من ذلك الحصول على عمل سهل .
في غضون الغروب، كان منزل ولد الشيظمي قد تكدست حوله السيارات، وقرب البئر بنيت خزانة ضخمة تستوعب أعدادا غفيرة من المدعوين، وكان من هؤلاء باطرونات العمال الرسميين، وبينما إحدى الشيخات شرعت في الرقص، فلم يتوان أحدهم في الإمساك بها محاولا ملامسة تضاريسها، كان يداعبها كما لو كان في ماخور، لقد اعتقد الطالبيون في تلك الليلة أن أرض كرزاز هي أرضهم، ولا أحد يعلم : هل هو الخمر الذي حملوه معهم من المعصرة في ذلك اليوم هو الذي فعل ذلك أم شيء آخر ؟ المهم هو أنهم شرعوا في الرقص بمجون، وأطلقوا العنان لغرائزهم مداعبة صوت الشيخات الرخيم، على إيقاع موسيقى ملؤها الحيرة، كان صوت الشيخة يامنة يداعب القمر، في حين كان صدرها الضاوي ينافس القمر ضياءا .
نسي الطالبيون أنفسهم، وظنوا أنهم في مزرعتهم، بينما الكرزازيون يتدفقون رغم أن ولد الشيظمي لم يدعو عددا غفيرا منهم، لقد فعل ذلك، وفي سريرته انتقام من عنصرية الكرزازيين، لقد كانوا يتعاملون باحتقار مع والده، فلم يكن يملك الأرض، فقد كان خماسا في أرضهم، راعيا أغنامهم وأبقارهم، ومنبطحا أمام رجلهم، وها هو ابنه يتحالف مع القبيلة الأخرى ضدا على قبيلته .
تقاطرت الجموع كالنمل، شباب بأعمار متفاوتة، وأطفال تعتمر أنوفهم الخنائن، وشيوخ يكاد لعابهم أن يسيل بين رقصة وأخرى، اختلط الحابل بالنابل، وعم الهرج، كان الإيقاع جنونيا، وكانت الرقصات ساخنة، بينما الثمالة صعدت إلى الأدمغة، وراحت تفعل فعلها، كل الخطط باتت تتصارع، فهذه خطة الانتقام تريد أن تنتصر، وتلك خطة القتل تريد أن تتفوق، وبين هذه وتلك انطلق الخراب، وساد الدمار، وأطلق البشر العنان لكافة الغرائز الحيوانية، لقد كانت البداية بإطفاء الضوء، ثم شرع البعض في التسلح بالفؤوس، وراح البعض الآخر يتسلح بالمذاري، بينما الآخرون حملوا في أيديهم سكاكينا، إضافة إلى التراشق بالحجارة، في حين سارع البعض الآخر إلى الانفراد بالشيخات، وباشر الاستمتاع في تضاريس يامنة، صراع هنا وهناك، وعنوان هذه الأمسية هو "الطايح كثر من النايض"، وفي الوقت الذي انتهى فيه هذا الصراع، تم العثور على شخص أسود، كان يترنح وهو على مشارف الموت، لم يكن يقدر على الكلام، يبدو أنه في معركته الخاسرة كان يرى نفسه بطلا، لكنه سقط مضرجا في دمائه كلبؤة عجوز، أراد هذا الشخص الكرزازي بالاسم أن يهزم الطالبيين، فهزموه وقذفوه كحجارة قذرة بالغواط، كان السكين قد انغرز في كيانه، وراحت الدماء تتقاطر من جسمه النحيل، لقد انهزم في عقر داره، فانضاف اسم المهزوم إلى سلسلة الألقاب التحقيرية الموصومة على جبين كل كرزازي، فهذا الشاب الذي كان ضحية الصراع القبلي، يلقبه الكرزازيون بالعزوة التي تعني الأسود تارة، وبالزيتونة تارة أخرى .
ذات فجر انفض كل شيء، سقطت الخزانة، بينما الفؤوس المنصولة ظلت رابضة تملأ المكان، أما الحجارة فعمت السقوف، في حين قذفت أعقاب السجائر، وبقايا الدماء هنا وهناك، بينما قاسمت الأشواك القنينات عمق البئر، وعلى باب المنزل كان اسمايلو يتأوه من شدة الألم، فالحلاق قضم جزءا من قضيبه ظلما وعدوانا، كل هذه المظاهر تحيل على فكرة مفادها أن الإنسانية مريضة بالعدوان والشر، تواقة لرؤية نفسها بين طقس وآخر، تتأوه على تراجيدية مصيرها الموهوم .

ع ع / 29 يونيو 2014 / بنسليمان – المغرب



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- راحلتي
- الشفق الراحل
- منزلنا الريفي (51)
- منزلي توقد بالنار
- حلمي المصلوب
- لا ترميني بالحجر
- تائه في دروب الذاكرة
- اليوم، أجمع الرحيل باكيا
- النباش
- ولترحل الرياح
- المصلوب
- منزلنا الريفي (50)
- عرائش الريح
- باراكاااااا
- سنابل و أغلال
- سوسن
- منزلنا الريفي (49)
- منزلنا الريفي (48)
- منزلنا الريفي (47)
- سخرية في صحراء الحمى


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (52)