أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كفاح نصر الدين طافش - قصة قصيرة - اما بعد -















المزيد.....

قصة قصيرة - اما بعد -


كفاح نصر الدين طافش

الحوار المتمدن-العدد: 4499 - 2014 / 7 / 1 - 12:16
المحور: الادب والفن
    


أمّا بعد


جالساً في زاوية الغرفة، يمتص سيجارته بنهم، مكوم على بعضه بمنظر يحاكي زمان مضى مستعجلاً في وداع المكان، كأن آخر الدقائق قررت مستعجلة سرقة حيز من مكان اللامكان في ظل زيتونة تطل على خرافية الواقع، بصمت صارخ بالوجع لف يديه على ساقيه المقوستين مستلاً تلك النظرة التي أعرفها دائماً حيث يقرر قتل براءة الوجه المفطور رغم حلكة الدرب بالحياة، مستفزاً لكل من كان يعرفه بمدحه الدائم، عاكساً عبور سحابة ثقيلة من دخان تكهل نفسية الأسير من وقت لآخر.
- ما بك يا وطن ؟ . سالته مستفزا ذلك المشهد.
- ما من شئ.
- كيف ألا ترى منظرك يا رفيقي ؟ هناك ما يعكر مزاجك ... ما هو؟



- بصراحة. قصة قديمة توجع الباقي من حنين وقلب...!

اقتربت منه... وقررت مسبقاً عدم الحديث وتركه ليفيض، فقد كان قد امتلأ قهراً و وجعاً خلال مسيرة الحياة , وحلكة الطريق . فالسجن مكان جيد لوضع الذات أمام الذات , وترك القديم يناغم الحديث بنهم لن يمر على كاهل الوقت بسرعة، فلا حساب ولا رقيب، الدقائق تمر فقط في هذا المكان لتؤشر باتجاه فتك فتوة الجسد لا غير، فلا دليل على نجاح ولا ترقب للوقت، فحساب النهايات دائماً مرتبط في بداياتها، وما دامت بداية البداية هنا هي نهاية فلا داعي لاستصراخ قماشة معدة من زيزفون وعنبر...

هذا المكان اللعين لا يدعك تفلت من ذكرياتك، وكأنك مكبل بها تجدها معك في كل سجن تحط به مسافراً بعد رحلة معاناة محددة، ذاكرة تفتك بوجعها عمرك الخالد في النسيان، محرمات الضغينة أن تكون بعهدك حائراً بالذات , وأن تكون ذاتك تهوى الخيانة برفضها النسيان. هنا يأتيك الماضي معروضاً كصور الشهداء الخالدة على صفحة الوطن، لكن شتان بين المشبه والتشبيه، فهذه فتاة قد صنعت من ارتباطها بالقلب أسطورة أخرى. فلا طروادة وألياذة خلدت كائنات اللاوجود واللاخرافية..
اسمها ارتبط مع طفولة عشتها رغم استرسال السنوات بعبور الجسد نحو نهايته الأبدية، ظلت مرتبطة بعلاقة تفسر اللاحب واللاصداقة، محددات أنا وضعتها لوحدي من دون ترك القلب أن يقتل آخر سؤال للعقل، عقل حرمت عليه تقديم الإجابات بسهولة إنتزاع بتلات زهرة خرافية عديدة الألوان، هنا تركت الحائر ضائعاً بين هذا وذاك ولم أشاء أن أقتل آخر الأسئلة بتقديم لفافة المعرفة لعيون أسرتني وتركتني معلقاً على صفحة الواقع المؤلم بإستكانته الأبدية.

فممنوع عليك ترك الذات لفتاة أخرى، وممنوع عليها هي التي لا تعلم حبك لها أن تحضى بمغامراتها الخاصة، مع مرور الوقت وقع المحظور و بقيت خارج جواب الحب , وهي لم تستطع أن تعلم عشقي القاتل لها و كان حباً من طرف واحد، لا أعلم اليوم هل كنت على صواب أم خطأ، لكن كنت مرتاح لهذا القرار وقتذاك، فوجع القرارات ليس باتخاذها كما يعتقد الكثيرون بل بنتائجها.

ظلت علاقتي بها دون دخول مثلث العشق، هناك تحت إدعاء الصداقة واللاصداقة كبرت وذهبت للجامعة، كنت أتمنى أن أستطيع نسيان تجربتها المؤلمة، فقد كنت أحلم أن تكون لي فتاة أعشقها وتعشقني، نسافر في الوله حدود إنكار ذواتنا وصناعة المشترك من الأحلام، خيانة الأحلام للأحلام كانت جاهزة دائماً، فلا فتاة جاهزة للعب الدور الذي إخترته لها على خشبة قصتي، هنا كان أي خيار يقع بين يدي جيد لتبديد شعور الحب المستحيل الذي عشعش في قمة حالة اليأس خاصتي.

جاءت فتاة من هناك بعيداً، الشيء الوحيد المشترك بينها وبين عشيقتي عدد حروف اسمها لا غير، أخذت أمارس لعبة النسيان مع حب آخر، كانت لعنة عشتار تلاحقني دائماً، رفضت إعطاء نفسي أسبقية الحب دون دفع المقدر من معاناة العشق، وعشتاري راحت تترسخ بداخلي أكثر وأكثر، أما تلك الضحية والجانية في لعبة النسيان كانت محترفة للذة والشهوة، لم تكن تحلم بعشق طاهر، يلعب به العاشقون دور العذارى، قتلت نفسها بنفسها، فمن ضحية إلى جانية، اختارت أن تخونني بشهوة إلتقاء الجسد المتعرق على فراش المتعة مع أحدهم، فكانت كزجاجة تفتحها بشهوة الوصول لمحتواها وحين تبدأ بإرتشاف محتواهها يأخذك حدود النشوة حتى تتعرق الزجاجة وتذبل عدة مرات فتنضح بكل الشهوة واللذة وهناك يأتي المصير المحتم ... إلى القمامة فارغة ... وأنا.

لم أعان مع هذه التجربة، فحماقتي الأولى لعبة كنت لا أتوق لنتائجها ، فجاءت فاجعة الخيانة على الرصيف ذليلة خانعة، فأنا كنت أخونها كل يوم في مخيلتي وأحلامي، و رجائي بأن أستطيع تغيير القدر المعاند بعودة القُدرة للبوح بمشاعري لعشتاري الخالدة ، تجاوزت هذه التجربة ورحت أشغل نفسي باختلاق المفارقات بين زمان وآخر بخلق مكان جديد بين قديمين، للمفارقة هذا كان أحد الأسباب التي أوصلتني هنا.
بعد فترة قررت أن أصنع المستحيل ، لأدحر حالة الصمت التي تداهمني حين أجلس مع فتاتي الحلم ، قاتلٌ ذاك الصمت كنت أبحث دائماً عن أوتاري الصوتية أجدها هناك بعيداً بانقضاء ساعة من البحث المضني، فتأتي كلمة إلى" اللقاء" وكأن أوتاري الصوتية اختارت معاندتي, وقتل جرأة الذات الكاذبة ، أصبحت إلى اللقاء كلمة اللقاء المؤجل بدون قرار مسبق، ألهث بأثرها أيام وأيام أجعل من لقائي بها صدفة فيأتي السلام خجولاً ، ويغادر الجسد لتبقى الروح تتابع خطواتها دعسة دعسة...

صباحي تغزوه الحماقات ، بمنظرها الملاك ، فغزالتي تسرق دقائق المشهد وتذهب مسرعة وراء خيوط الشمس ، أبحث عنها بين الكلمات والأوراق ، أجدها ترتشف العنبر, وتحيك لذاتها عنجهية كنت أعشقها ، تعود لتضيع فأغدو كالمجنون بالبحث عن مكان أبوح به سر الوجود فأراها واقفة هناك شامخة بين أصيل وغروب برسم الإله يوزع كبرياءه عطفاً على البشر ، فأبحث عن مكان لي بين مَنْ يستحقون هباتها، تأتي النظرة وغمزة العين كإشارة سلام فيرتعش القلب ويطير مغرداً ثملاً بين آه وآه أخرى يقبع بحر من الارتعاشات والارتعادات .
ظل الحال هكذا حتى قررت يوماً من الأيام أن أنتزع التردد وأستل الشجاعة أمامها ورحت بموعد سابق كنت قد أخذته في إحدى الكليات للقاء ، قدمت السلام والتحية ورحت أدور حول نفسي فمن لا شيء إلى لا شيء أخرى أعود ، وهي حائرة بين لا شيء ثالثة كنت قد ميزتها من كل ما ذكرته وأخيراً قلت لها أنا لا أريد أن تبقى علاقتي بك هكذا ، نظرت إلي باستغراب وسألت ماذا أقصد؟، لم أكن جاهزاً للجواب فاخترت الصمت، أخذ الاحمرار يغزو الوجه رويداً، رويداً وهنا فهمت ما قصدت وقالت : " ما في أي بنت بالدنيا ترفض هذا العرض من شب متلك... ولكن" ، جاءت لكن لتأخذ مكانها باللغة وتحطم حلماً بنيته لبنة لبنة ، جمعت تراب طيفه ذرة ذرة ، ويحك " لكن" تأتين فقط في النهايات ولا تغزين البدايات لتؤشري باتجاه المستحيل منذ البداية، ما فائدة الأمل المنشور أمامك على الطاولة ولا تستطيع أن تطاله؟ أهلا لكن.. " أنا ما بقدر يا وطن "، صحت بوجهها " لماذا؟ " قالت " لا أستطيع أن أقول لك..." سقط القبر في الأرض طاحناً بقايا هيكلي العظمي المدفون منذ حوالي السبع سنوات حاولت عابثاً التعرف لسبب رفضها . ولم أستطع إليه سبيلاً.
حاولت نسيانها بعد هذه الحادثة وجع اللكن تلك بقي يلازمني كظلي صباحاً يقدم فطوره بحفر صوتها أمام ناظري، مساءاً حكاية أخرى فكل أبطال الخرافة تداهم غرفتي وتفتك براحة السكون القابع على وسادة النوم الخاص بي. استمرت هذه الحالة، بعد حوالي العام قمت بمحاولة أخرى وكان الجواب بنفس السؤال الخالد برسم الإجابة خرافة الواقع بالحلم مستحيل.
جاء جواب الرفض هذه المرة محفزاً لمعرفة حاجز المستحيل هذا بحثت بدقة ، غزوت كل أماكن تواجدها بشكل دائم. حاولت أن أقدم نفسي "هومز" جديد سافرت بالبحث لدرجة الهوس. بعد فترة وجيزة جاء الخبر أخيراً. ارتباط مع أحد الأشخاص كان مستحيلها ، شخص صديق المشترك بينهما هو عدد حروف الاسم أيضاً، قصة غريبة كانت تداعب هومرية الوقت، أبلغني هو بعد إلحاحي المعرفة، جاء الخبر ليحطم المستحيل ويصنع موقف المؤقت من جهتي، سافرت برحلة النسيان هذه المرة متسلحاً بموقف .
حاولت فك شيفرة عدد حروف الاسم, هذه سطوة القدر كانت تغزو هدوء الورد القابع في بستان القلب، تنتزع زهرة وتغدو هاربةً بحرفٍ أول وآخر... وآخر... حتى اكتمال العدد الفردي الذي أعلقه أمامي اليوم وأنظر له من كل الاتجاهات من فوق. تحت, أعلى, أسفل,لا سر بهذا الرقم.. أيكمن السر أن حروف اسمي تعاندها بالعدد..؟ هذا سؤال معلق برسم الإجابة يوماً.
كان وطن يتكلم وهو في حالة من النشوة، الحقد، الهدوء، الصدق، الكذب، الحب، العشق والكره. مفردات متضادة بدت عليها حال كل عاشق غادر حدود المكان باتجاه ماضي أسره بذاكرة ورفض وجع المكان، فكل مكان له وجعه وحكاياه؛ للسجن حكاية، للحب حكاية، للهجران حكاية... حكايات تغازل حكايات دون توقف ما دامت هذه الحياة مستمرة بسردها. الشيء الوحيد الذي استطاع وطن أن يكسبه من معركة البوح بالذاكرة هذه، إعداد نفسه لجولة أخرى ستأتي حتماً بعد مدة داخل هذا المكان من تراكم الذاكرة في الذاكرة...
- يا وطن أكيد أنت أفضل الآن، يا رفيقي الذاكرة مرهقة ولكن السجن له مؤثرات غير عادية بهذا المضمار ...
- صحيح... لكن لا أستطيع أن أنسى هذه الفتاة، حتى بعد أن تزوجت اليوم وأصبح لديها أطفال...
- من قال إنك مطالب بالنسيان، النسيان كذبة كبيرة لتخليد التيه بالحياة.
- فما رأيك أنت؟
- أنا أقول لك يا وطن، عش يومك بالسجن وأترك قصتك تعيش معك هنا، فالعشق داخل هذا المكان مطلوب حتى لو كان فتات عشق به الألم والمستحيل.
- فماذا بعد.؟ سأل وطن وقد عاد لنفس جلسته تلك.
- ماذا بعد؟ هو سؤال السؤال لجواب... أمّا بعد...
بقلم: كفاح طافش
سجن أوهلي كيدار
أواخر نيسان2010



#كفاح_نصر_الدين_طافش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اين نحن ....؟
- ماذا بعد


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كفاح نصر الدين طافش - قصة قصيرة - اما بعد -