أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين رشيد - برهان شاوي: التمرد على الأيديولوجية ظاهرة صحية جدا، أنها عافية الفكر والعقل















المزيد.....


برهان شاوي: التمرد على الأيديولوجية ظاهرة صحية جدا، أنها عافية الفكر والعقل


حسين رشيد

الحوار المتمدن-العدد: 4497 - 2014 / 6 / 29 - 22:40
المحور: الادب والفن
    


برهان شاوي: التمرد على الأيديولوجية ظاهرة صحية جدا، أنها عافية الفكر والعقل
ظل التاسع من نيسان موضوع إشكالية كبيرة، فيما يخص تسميته وما جرى بعده من أحداث، مهمة وكبيرة كان لها الأثر الكبير في تركيبة المجمتع العراقي المتعدد الأطياف. البعض يقول هو يوم الفرح الأكبر، والبعض الاخر يصفه بالخراب، وأخر يهادن هنا وهناك. الثقافة العراقية وموقفها الصريح من هذا الحدث أيضا ظل مبهم بعض الشيء، هروب المثقف الى الانتماء الأخر غير الثقافي وما بدر من البعض منهم من مواقف. اشكالية المثقف والاعلامي،
هذه الاسئلة والاشكالات وضعت امام الدكتور برهان شاوي الكاتب المتعدد الاهتمامات الثقافية والادبية فهو يكتب الشعر والراوية وينقد في السينما تخصصه الدراسي، اضافة الى عمله الاعلامي، اضافة لتاريخه السياسي وخلفيته الفكرية، كله اسباب جعلته ينظر الى حدث التاسع من نيسان بشكل قد يكون مغاير في بعض تفاصيله.
حاوره حسين رشيد
* التاسع من نيسان 2003 لم يكن يوما عادياً في العراق وفي المنطقة عموماً، فحتى هذه اللحظة ونحن في الذكرى الثامنة لهذا الزلزال وإشكالية تسميته قائمة بين احتلال او تحرير او تغيير او سقوط، والثقافة العراقية لم تعلن موقفها الصريح بعد؟
- لو أردت أن أعبر عن هذا اليوم الخالد لما وجدت استعارة شعرية أجمل من أبيات أدونيس التي يقول فيها: جاء العصف الجميل ولم يأت الخراب الجميل!. نعم كان التاسع من نيسان هو يوم العصف الجميل، أما الخراب الجميل فها نحن نراه أمامنا.. جدار الديكتاتوريات العربية بدأ يتداعى وينهار فما أجمل هذا الخراب. التاسع من نيسان كان الضربة النجلاء في هذا الجدار، وقد احتاج كل هذا الوقت لينخر في الجدار ويشققه من الأعماق وها هو ينهار قطعة قطعة. ومن هنا أجيب على سؤالك، لكن ليس بصيغة شعرية وإنما بالطريقة الواقعية التي افهمها.
شخصيا وفي أكثر من لقاء تحدثت عن إشكالية الثقافة العراقية وموقف المثقف العراقي من ما جرى في التاسع من نيسان 2003. وأشرت إلى أن المثقف العراقي لم يحدد موقفه من الأحداث، أو على الأقل لم يسمي الأشياء بمسمياتها: هل ما جرى هو احتلال أو تحرير أو تغيير أو سقوط ؟ شخصيا أرى كل هذه التسميات صحيحة وممكنة وتعبر عن مواقف جميع الشرائح، فما جرى هو احتلال بصريح العبارة، بل أن الأمم المتحدة أصدرت قرارا بهذا الخصوص وبالتالي لماذا يخجل المثقف العراقي من أن يقول إن ما جرى هو احتلال، لكن من جانب آخر أن ما جرى هو تحرير أيضا، تحرير من أعتى الدكتاتوريات التي عرفتها منطقة الشرق الأوسط وتاريخ العراق، وأنا أشفق أتعاطف أخلاقيا مع القوى السياسية التي ناضلت العقود ضد دكتاتورية البعث، والتي كانت ترفض التدخل الأجنبي لكن كان هذا الموقف أخلاقي لأنها تعرف أنها لا تستطيع إسقاط نظام البعث الدموي .
وما جرى هو تغيير أيضا وهو سقوط ، وربما أجد أن عبارتي (التغيير) و (السقوط) هما أكثر أدبية وأقل حساسية، أرحب أفقا وحيادية وأضيق نفقا إلى السياسة من عبارتي (الاحتلال) و(التحرير) اللتان تعبران عن موقف سياسي اجتماعي متطرف ومتباين ولا يترك فسحة للتواصل.
لكن المشكلة لا تكمن في التعبير، فلتكن أنت ممن يؤمن بان ما جرى كان احتلالا، أو تحريرا، أو تغيرا، أو عرسا أو لعنة، المهم أن تكون واضحا، وهنا أتذكر جملة لفولتير يقول فيها : قد لا أكون عميقا لكنني على الدوام واضح... نعم لم يكن موقف المثقف العراقي واضحا، بل ولحد الآن هو غير واضح. وأنا اعترف وأقر بان في الأمر الكثير من التعقيد، لكن على المثقف أن يكون الأكثر شجاعة في تسمية الأشياء.. إنها سلطة المعرفة التي ميز الله آدم بها عن الملائكة في أن يسمي الأشياء بأسمائها.
أتذكر موقف المثقفين الألمان مما جرى في بلادهم بعد انهيار النازية واحتلال ألمانيا، فقد أعلنوا ساعة الصفر الألمانية، فقراءة الأشياء والتاريخ والأحداث بشكل جديد بل وأسسوا لتقاليد ثقافية وأدبية جديدة.. لكن طبعا هناك فارق حضاري وتاريخي وسياسي بين ما جرى عندهم وما جرى بعد عشرات السنين لدينا. المهم كان على المثقفين العراقيين أن يعلنوا ساعة الصفر العراقية، لكن يبدو أن علاقتنا بالزمن ضعيفة، والزمن هو الذاكرة في بعض تجلياته. إن ذاكرتنا مخربة وضعيفة. وهذه بحد ذاته مشكلة.
* مع كل تغيير مشابه تظهر أنماط متنوعة وجديدة تعمل على فك كل الالتباسات الحاضرة السابقة، هل ظهرت هذه الأنماط في السنين الثماني الماضية، وما كان دورها؟ وإذ لم تظهر، فلماذا واعتقادك متى ستظهر؟
- الواقع أن الزلزال السياسي - الاجتماعي الذي جرى في العراق كان الأكبر ليس فقط على مساحات الوعي الفردي والجمعي العراقي وإنما على كل براري اللاوعي الفردي والجمعي أيضا. وبالتالي خلق التباسات فكرية وسياسية واجتماعية جديدة، فقد كانت هناك صدمة هائلة بدأنا الآن نستوعبها بعد كل هذه السنوات. أهم هذه الالتباسات هو الالتباس الطائفي، وليس صحيحا ما يقال انه ظاهرة سياسية اجتماعية عابرة وليدة مؤامرة وأحداث تفجير المرقدين المقدسين في سامراء، وإنما هو التباس امتداد لألف وأربعمائة سنة من الصراع السياسي المذهبي في العراق، وقد يبدو كلامي هذا قاسيا ويستفز البعض، لكن هذه قناعتي، وهذا الالتباس ولد منذ اليوم الأول للاحتلال أو التحرير أو التغيير أو السقوط، سمه ما تشاء، أنا أسميه الزلزال العراقي. كان يحمل في جوهره جمرة صراع وجودي بالمعنى الحقيقي لعبارة الوجود. صحيح أن المعارضة الإسلامية الشيعية كانت فاعلة وحاضرة في كل النقاشات التي كانت تجري لأجل إسقاط النظام، لكنها أبدا لم تكن مستنفرة وجوديا كطائفة، بل كانت شعاراتها وطنية عامة، همها الأول إسقاط النظام الدكتاتوري الفاشي، إسقاط الطاغوت، لكن طريقة إسقاط النظام والهشاشة التي بدا عليها من خلال سقوطه بفترة وجيزة خلخلت حاسبات المحتلين أنفسهم، كل هذا أيقظ كل الأعماق الدفينة وطبقات الذاكرة المدمية والمتراكمة عبر عشرات القرون لطوائف المجتمع العراقي. وهذا أول التباس حقيقي. وبالمناسبة ، جلنا لم ينتبه لهذا الالتباس إلا بعد الزلزال العراقي في 2003.
الصدمة كانت في أن هذا الالتباس ابرز إلى المشهد السياسي العراقي شخصيات وأحزاب طارئة، ربما كانت في السراديب والبلدان المجاورة تتقنع بأسماء مستعارة.
الزلزال العراقي كان مرعبا ووجوديا وجذريا لذلك فانه لم يترك مساحة وبرهة للفكر والتأمل لأنه استفز غريزة الحياة والموت لدى الجميع، مذاهب وأحزاب وأفراد وطوائف، وبالتالي فأنها استقتلت من اجل وجودها وحياتها وموتها، أي أن الصراع السياسي الذي شهدناه في السنوات السابقة كان في جوهره جزءا من صراع الوجود والفناء. وهذا بدوره التباس جبار ترك شرخا في اللاوعي الفردي والجمعي نحاول أن نرممه على مستوى الوعي الفردي والجمعي من خلال رفع الشعارات المناوئة للطائفية، لكن إلى أي حد نحن صادقون في تبني هذه الشعارات؟ هذا هو إحدى مظاهر الالتباس الطائفي.
كما قلت إن التباس الوجود الاجتماعي الطائفي، هو التباس اللاوعي الجمعي، وقد كان هو التحدي الأكبر الذي واجه المجتمع العراقي أفرادا وجماعات بعد نيسان 2003، رافقه التباس آخر هو التباس المشروع السياسي للعراق، التباس الديني والمدني، الالتباس الفكري السياسي، التباس الحداثة ومفهومها وامتداد جذرها في الوعي الاجتماعي العراقي، وهذا الالتباس في الجوهر هو التباس للوعي، الوعي الفردي والجمعي، التباس فكري وسياسي، فأين هي المشاريع السياسية الحداثية التي هيمنت على العراق خلال القرن الماضي، أكنا نحرث في البحر؟؟؟؟ إنه التباس حقيقي لم تتم مناقشته فكريا وإنما تركت هذه المهمة للسياسيين أنفسهم الذي جزء من هذا الالتباس. وهي مهمة فكرية اجتماعية بامتياز. المهم بعد هدأت مخاوف اللاوعي الجمعي وجودياً بدأ الالتباس الفكري السياسي يأخذ مكانه، هنا بدأت حركة الاحتجاج الاجتماعي الذي يبدو في ظاهره له علاقة بالخدمات لكنه في الجوهر يتعلق بالمشروع السياسي الفكري للعراق، ومن هنا جاء توصيف الاحتجاجات بنعوت مختلفة، لأن الوجود الطائفي في العراق تم حسمه تاريخيا، ومن هنا بدأت المخاوف السياسية، الخوف من الوعي الاجتماعي الاحتجاجي الذي بدأ يتحدى، والذي لم يتبلور بعد في مشروع واضح، والذي بدوره يسبق كل المشاريع السياسية القائمة ويتجاوزها، رغم انه بلا مشروع. إنها حركة احتجاجية تتجاوز التحليلات السياسية والفكرية وربما ستقود منعطفات سياسية ليست بالحسبان أبدا، وربما ستقلب الطاولة على رؤوس الجميع كما نشاهدها في الأفلام. وكل من يحاول التغلغل واستغلال هذه الاحتجاجات من بعثيين أو غيرهم ستسحقه أقدام المحتجين، فالتاريخ لا يرجع إلى الوراء، قد يلتفت لكنه لا يرجع القهقرى، وحتى لو وجد نفسه في إحدى المنعطفات مستنسخا فانه بلا شك لم يعد وإنما يتشابه لكنه بلا شك مختلف، التاريخ لا يرجع بل يصعد بحركة إهليجية كما يقول هيغل.

* التجارب العالمية دائما ما تستفيد وتنضج في ظل أحداث كهذه، وتتعهد معها المؤسسات الثقافية وربما حتى الفكرية، ربما الأمر اختلف لدينا في ذات المؤسسات وذات الخطاب الى ماذا تعزو ذلك؟
- لا أفهم مقاصد السؤال بالضبط، لكني اعتقد نحن دولة مشوهة أصلاً، دولة بلا هوية مؤسساتية، دولة أعتقد أفضل من عبر عنها المفكر والباحث حسن العلوي، بأنها دولة الاستعارة القومية، أو دولة المنظمة السرية أو كما كثف التعبير عنها سياسيا الباحث كنعان مكية بتوصيفها بجمهورية الخوف. وحتى بعد سقوط النظام الدكتاتوري فأننا لم نستطع لحد الآن أن نبني دولة جديدة، دولة المواطنة، دولة المؤسسات، نحن دولة هلامية بلا ملامح، دولة هجينة تعيش على مؤسسات وقوانين النظام الدكتاتوري وأوامر وتشكيلات الاحتلال في بعض مفاصلها، دولة بلا تقاليد ديموقراطية، بلا حتى بلا تقاليد بيروقراطية التي يمكن ان تحافظ على آلية الدولة في حالات الانهيار السياسي، دولة تبحث عن هويتها، دولة ترفض أي نموذج يفرض عليها، لكنها في نفس الوقت لا تمتلك نموذجا من عندياتها، دولة تمضي في تحقيق ذاتها، لكن وهنا المفارقة بدون وعي ذاتي متجذر.
ثم أنت تتحدث عن مؤسسات ثقافية، هل أنت متأكد بأن لدينا مؤسسات ثقافية وفكرية تستطيع أن تتعهد بأن تحتضن المشاريع التاريخية أو التي تساهم في صنع خطاب ثقافي وفكري؟؟ أشك في ذلك، على الأقل في هذه المرحلة الحالية، ربما في المستقبل، لا أدري.

* المثقف بدوره عاود الانتماء وهذه المرة بشكل أكثر تنوعا، فمنهم من انتمى إلى القومية وآخر إلى الطائفية أو المذهب، وآخر إلى أيديولوجيا معينة، والبعض أبدل ثوب السلطة السابقة وركب الموجة الحالية، في ظل انتماءات كهذه كيف نؤسس لثقافة جديدة؟
- هذه ظاهرة طبيعية، حدثت في جميع المجتمعات عبر التاريخ، لكن رغم ذلك بالنسبة لنا تحتاج إلى تفسير وتفكيك من أجل أن نبتعد عن الأحكام الأخلاقية. ورغم ذلك لم تكن تلك المرجعيات (القومية، الطائفية، المذهبية) بلا مثقفين سابقا، وأقصد الحاملين والمروجين لأيديولوجيتها. أما أذا كان المقصود بالمثقف، المنتج للأعمال الأدبية والفكرية والفنية حصرا، فهذا طبيعي أيضا. أنه نتاج هذا الشكل المشوه للدولة العراقية على مر تاريخها، لكن برزت هذه الظاهرة بعد الزلزال بسبب انتشار الأيديولوجية التبريرية، النفعية في بعض أسبابها، وبسبب الالتباس الطائفي الذي تحدثت عنه، الالتباس الوجودي. وقد ذكرت أكثر من مرة بأن السكرتير الأول للحزب الشيوعي العراقي حميد مجيد موسى لو كان قد مر قبل سنتين في الدورة أو السيدية لذبحوه ليس لكونه شيوعيا وإنما لكونه شيعيا. وهذا ما دفع بالكثير من المثقفين بالبحث عن الحماية الوجودية بالمذهب أو الطائفة أو القومية. أما هؤلاء الذين يبدلون ولاءهم مثلما يبدلون قمصانهم فهم كانوا دائما في كل مكان وزمان، رغم أنني لا أنظر لهذا الأمر من باب الجمود العقائدي، فالإنسان يتغير ويتبدل وتتغير قناعاته أيضا، وهذا ليس عيبا ولا سبة، فالتمرد على الأيديولوجية ظاهرة صحية جدا، أنها عافية الفكر والعقل. عافية الروح. وهنا يجب أن نفرق بين من يتحول فكريا مبتعدا عن الأيديولوجية إلى أفق أرحب وبين الذي يتحول بمعنى يُمسخ، مثلما يجب علينا احترام من يتمسك بفكره وقناعاته بدون تعصب وإلغاء للآخر وبدون أحكام أخلاقية قاسية، فكل منا يحمل صليبه إلى جلجلته، ويومه الموعود.

* دكتور، لنعود إلى التاسع من نيسان وانعكاسه على الإنتاج الأدبي والفني والإبداعي وكيف كان ذلك الإنتاج وبشتى فنونه، وهل وازى الحدث وتغييراته الاجتماعية والسياسية وحتى الاقتصادية؟
-الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى دراسات وإحاطة شاملة، لكنني أعتقد أن أهم الأعمال التي يجب أن تنتسب إلى ما بعد الزلزال لم تُكتب بعد. ورغم هذا فهناك حركة واعدة، سواء على المستوى الروائي أو الشعري أو الفني عموماً. هناك محاولات لرسم ملامح الحدث، وكثيرا ما تكون الأحداث السياسية ليست أكثر من ديكور زماني ومكاني، وليس من أسس البناء الفني، لكني مهما قلت لا أستطيع إلا أن أتوقف عند (حديث الأشجار) لفؤاد التكرلي، فهو عمل أدبي مهم، وشهادة تاريخية هائلة عن الالتباس الوجودي الأول، وبطريقة عبثية وجودية رائعة كما تعودنا عليها عند التكرلي. وبالمناسبة، كانت الدراما التلفزيونية دور السبق في هذا المضمار، فقد كانت استجابتها أسرع للحدث، لكن معظم الأعمال الدرامية التلفزيونية كانت مسطحة، ولا تتغلغل ما وراء الظاهرة الاجتماعية، فكما قلت كانت الشخصيات الجديدة التي احتلت المشهد السياسي ما بعد الزلزال تقدم أما بشكل سطحي وساذج وكاريكاتوري ساخر جدا، إما بشكل درامي فجائعي عاطفي ساذج أيضا. ربما كانت القفزة المهمة في الفن التشكيلي العراقي، فهو الأكثر حرية والأكثر احتكاما للبعد الجمالي من بقية الأشكال الإبداعية، بعده يأتي المسرح والأعمال المسرحية فرغم الوضع السياسي فقد تم تقديم أعمال جيدة، لكن الحديث موجع عن السينما، وأنا هنا أحيي الجهود الجبارة للنخبة الجديدة من السينمائيين العراقيين أمثال محمد الدراجي وعدي رشيد وقاسم عبد وقتيبة الجنابي وغيرهم ممن لا تحضرني أسماؤهم الآن. أما على صعيد الموسيقى فهناك فوضى حقيقية.

س: طيب دكتور هناك الكثير من الظواهر رافقت هذا الحدث، لكن ثمة ظاهرة برزت بشكل لافت جداً وربما أشرت إليها حضرتك في أكثر من مرة، وهي سطوع نجم الإعلامي أو علو شأنه على حساب المثقف إلى ماذا تعزو ذلك؟
ج: نعم، هذا صحيح. هذه ضريبة الحداثة الاجتماعية. فمجتمع الحداثة الحالية هو مجتمع معلوماتي، بل حتى الصراع السياسي المعاصر هو صراع المعلومات، والمهيمن اليوم ليس من يملك المال أو السلاح وإنما من يملك المعلومات. ومجتمع المعلومات مفهوم واسع جدا وأبعد كثيرا من مجتمع الإعلام. فالإعلام هو نموذجه الشعبي والجماهيري، لكن في مجتمعاتنا التي تعيش (الحداثة المستعارة) فأن الإعلام هو الحقل الذي يتجلى فيه خطاب الحداثة أكثر من غيره.
في الغرب بفضل تكنولوجيا الاتصال الجماهيري استطاعت الرأسمالية المتطورة أن تستجيب لمفهوم الثقافة الجماهيرية الذي كانت الأحزاب الاشتراكية والشيوعية تنادي به، وبالتالي وفرت الإنتاج الثقافي بشكل واسع وبأسعار رخيصة، لكن ليس من بهدف الارتقاء بمستوى الوعي الجماهيري وإنما كسلع وحقل للربح، أي عممت ما يسمى بثقافة (الكيتش). الثقافة المستنسخة غير الأصيلة. فمثلا، قد تشتري ألبوما فنيا لرسومات أي فنان عظيم عرفه تاريخ الفن الإنساني، وبسعر رخيص جدا جدا، لكن طباعة هذا الألبوم ليست بالمستوى المطلوب ولا تعكس الألوان الحقيقية للوحة، وبالتالي فأن النظام الاقتصادي يخلق (إشباعا جماليا) وهميا، أو على الأقل غير أصيل. وبالمناسبة فأن للإعلام الدور البارز للترويج الإبداعي الفني وفي تربية الذوق الجمالي لدى الجمهور المستقبل.
وفيما يخص الوضع الإعلامي، فأن لدينا عشرات المحطات التلفزيونية، عشرات المحطات الإذاعية ومئات الصحف والمجلات، وكل هذه الجهات لديها كادر فني وإعلامي، وهم أضعاف عدد الأدباء والفنانين. ناهيك أن هناك سبب أساس هو الانتشار والتوزيع، فمثلا أن ابسط صحيفة توزع ثلاثة آلاف نسخة يوميا ومنها يوزع أضعاف هذا العدد، بينما أي كاتب مهما علا شأنه وقيمته الإبداعية لا يستطيع أن يوزع المئات من أعماله. إلى جانب أن المقدم التلفزيوني يستطيع أن يصل إلى الملايين في نفس الوقت، وبالتالي فهو أكثر انتشارا من أي أديب. وبالتالي فأن نجومية الإعلامي أكثر بريقاً. بل صار هو النجم الثقافي أكثر من الأديب الأصيل. ربما العزاء الوحيد للأديب والفنان هو أن التلفزيون والجريدة وسيلة إعلام حارة والتفاعل معهما مباشر وسريع، لكنهما قصيرا التأثير بينما الكتاب واللوحة من وسائل الاتصال الباردة وبالتالي فأن التأثير والتأثر فيهما يحتاج إلى وقت أطول، وبالتالي فأنهما أكثر خلودا وبقاءً من وسائل الإعلام، وهذا هو تقسيم العالم الكندي (مارشال ماكلوهان) الذي أطلق جملته الشهيرة بأن العالم صار قرية صغيرة بفضل وسائل الإعلام.
*الا تعتقد أن المثقف سبب ذلك، رغم أن الكثير منهم انخرط في مجال الإعلام، وعرف إعلاميا، أكثر من كونه شاعرا أو قاصا أو روائيا؟
- نعم ولا. نعم لأن الحضور الثقافي في مجتمعنا هامشي، ومعزول، ولا لأن معظم المثقفين، وهنا نقصد من ذوي الإنتاج الأدبي والفني، يعملون في الإعلام لأنه الأقرب إليهم، ومن ثم أن معظمهم لديه الخبرة الجيدة في هذا المجال، لكن الشهرة الإعلامية طبيعية، لأنها نشاط المثقف في وسائل الإعلام يومي أو أسبوعي، كما أن الانتشار والتوزيع يلعبان الدور الأهم في هذه الظاهرة. إن نجومية الإعلام هي الطاغية، لكنها نجومية عارضة، بينما البقاء للإبداع. الإعلام مهنة والإبداع في الإعلام هو إبداع مهني ينتهي بانتهاء ممارسة المهنة، بينما الإبداع الأدبي والفني هو إبداع جمالي وفكري ، وهو الأبقى.
*هناك من يقول إن الثقافة العراقية معادة، أو تستنسخ نفسها بين فترة وأخرى أو بين حدث وآخر إلى أي حد هذا القول صحيح، ومتى يمكن أن نؤسس لثقافة عراقية جديدة تساير التغييرات بكل أنواعها؟
- لا أدري كيف أجيب، أنا أفهم الثقافة بشكل عام على أنها تراكم معرفي إنساني، خبرات إنسانية هائلة، عملية ونظرية، اجتماعية وفردية، جمالية وأخلاقية، لكن حينما يدور الحديث عن الثقافة العراقية أو حتى العربية بشكل عام فأننا أمام إشكالية تاريخية حقيقية، فنحن عاطلون منذ قرون ثمة انسداد تاريخي كما يعبر الباحث د. هاشم صالح، وسنبقى هكذا ما دمنا لا نستطيع تفكيك المقدس. ما دمنا نستعير الحداثة ولا نعمل على تشكيل حداثتنا. ما دمنا على قطيعة معرفية مع تراثنا الحقيقي من جهة ومع منجزات الحداثة الإنسانية من جهة أخرى، أتدري حينما أدخل المكتبات عند أزور إحدى العواصم الأوربية أحس بالأسى والإحباط، وأتساءل كم يلزمنا من الوقت من أجل أن نترجم كل هذه المنجزات الإبداعية والفلسفية والعلمية. إنه إشكال حضاري حقيقي، وحين أزور معارض الكتب العربية أحس بالأسى أيضا، واشعر كم هي مقصرة وسائل الإعلام في أن تأخذ دورها التنويري بالمساعدة على نشر الثقافة في المجتمع. أما أن نؤسس لثقافة، فلا أعتقد أن الأمر إرادي، ولا يمكن إنتاج الثقافة بقرارات، أنها مشروع ذاتي، وتراكم هذه المشاريع ربما سيؤدي إلى تغيير نوعي. لكنها مهمة صعبة. ربما نحتاج إلى نخبة أصيلة وحقيقية يمكنها أن تحدث مثل هذا التغيير. نخبة شجاعة تتصدى للنخبة السياسية التي هي أبعد ما تكون عن الثقافة بمعناها الإبداعي والجمالي.



#حسين_رشيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشاعر علي ناصر كنانة: في العراق تطلع الثقافة من تراب الأرض
- الروائي شاكر الانباري: الجزر المنعزلة لا تنتج ثقافة مؤثرة
- -داعش- ولعبة الموصل والأموال المنهوبة
- د. ميثم الجنابي: الثقافة الحقيقة هي ثقافة منظومة
- اوقات
- بالتزكية
- سعدي المالح ... لما العجلة
- رايندال
- وطنيوسو
- شيمكور
- صوتك مقعد
- فلمسيوس
- النصف الأول من العام الحالي
- وزارة التعليم العالي وشهادتها العليا
- الشعب والحكومة والبعث والرسوب بالتاريخ
- كنا ننتظركم
- حكاية عبر الازمان ... توثية، وكيبل، ورصاصة
- مطبعة اتحاد الادباء
- صراعات متوالية
- اين كرامتنا ؟!


المزيد.....




- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين رشيد - برهان شاوي: التمرد على الأيديولوجية ظاهرة صحية جدا، أنها عافية الفكر والعقل