أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - أحمر باهت














المزيد.....

أحمر باهت


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4497 - 2014 / 6 / 29 - 13:26
المحور: حقوق الانسان
    


“خرجتْ من المحرابِ ذاتَ مساء/ تحّملُ قلمًا ومخلاة/ لملمتْ أشياءها:/ مساميرَ، قطعَ زجاجٍ/ قصاصاتِ ورقٍ/ عيونًا وأقداما/ نفاياتِ اّلذين عشقوها/ ثمَّ تَوَلَّوْا إلى الظلِّ/ هي المخلاةُ التي أودعتْ كلَّ بقعةٍ رمزًا/ وحملتْ من كلِّ وجهٍ صليبًا مبتلاً/ ولسانا.
نظمتْ من كلِّ تلكَ الخياناتِ/ أقاصيصَ أطفالٍ/ كسيحةً/ تؤرِّخُ صفعاتِ الأجداد/ وأروابَهم الحريرية/ حيث حشرجاتُ الجراموفون القديم/ تقْطُرُ من أطرافِ الجدائل.
سوف يموتونَ جميعًا غدًا/ تخلو القاعةُ الواسعة/ ثم تغادرُ الكتبُ رفوفَها المجهدة/ وتنامُ هناك/ جوار النافذة/ حتى تحملَها الشاحنةُ الكبيرةُ/ إلى ذاكرةٍ جديدة/ أكثر تيقظًا/ أكثر حكمةْ.”

***
أحمر باهت


نحن الشرقيين، نحملُ أجسادَنا مثل عبء ثقيل لا يخصّنا بل يخصُّ آخرين. وتنقسم مواقفُنا حيالَ أجسادنا إلى أقسام ثلاثة. إما نشعر بوجودها "جدًّا"، فنجنُّ خُيلاءً؛ ونودّ إظهارها للعالم، فنتعرّى تمامًا. وإما، في المقابل، نشعر بوجودها "جدًّا"، فنخجل منها كأنها عارٌ نحمله، وعلينا إخفاؤه من العالم، فنتدثّر بأكفان تغطينا من قمة رأسنا إلى أخمص قدمينا. وكلا الموقفين حالةٌ مَرَضية، علينا تأملها، لأنهما في الواقع موقفٌ واحد. التدثّر الكامل يساوي التعرّي الكامل. لأن فاعل الأمرين يبالغ في الشعور بجسده، فيجعل منه “السيد”، ويجعل من نفسه (عقله وقلبه وسلوكه) خادمًا لهذا السيد. يخفيه تمامًا عن الأعين، أو يُظهره كاملا. وما بين الموقفين المتطرفين، ثمة موقفٌ ثالثٌ معتدل وسطٌ، وصحيّ. أن نضع الجسد البشري في حجمه الصحيح فلا نجعله "سيدًّا" نتباهى به فنهينه بالعُري، ولا "عبدًا" منبوذًا نُهينه بالتخفّي. الجسد أداةٌ للحياة. ساقان بقدمين تنقلاننا من مكان إلى آخر، وذراعان بكفّين لكي نعمل ونبني. وقد تتمرد الساقان على الوظيفة الأولى المنذورتان لها، فندور في الهواء ونصنع لوحات فاتنة مثل باليرينا رشيقة تُعرّفنا على عبقرية الله في بناء الجسد الإنساني الُمعجز. لنا رأسٌ به عينان لنتأمل الكون، وأنفٌ يتذوق رحيق الزهر، وأذنان ننصت بهما إلى إيقاع العالم ووجيب الليل وهدير الماء وشقشقة العصفور، وحوار الإنسان للإنسان. ولنا لسانٌ نحاور به الكون، ونناجي به الله.
فيلم "أحمر باهت"، أبدعه مجموعة من شباب المعهد العالي للسينما، ليناقش فكرة "الخجل" من الجسد البشري في المجتمعات الرجعية. يفتتح الفيلم كادر كلوز أب: حبل غسيل، ويدان أنثويتان تمسكان المشابك وتنشران الملابس، بعد عصرها جيدًا من الماء، وكأنها تطرد مع رذاذ الماء عيونَ الغرباء الفضوليين لكيلا يتلصصوا على الملابس الداخلية، التي تغطيها بملاءة بيضاء كبيرة، لتتأكد من إخفاء "عورة" الملابس عن العيون، وكأن الفتاة لا تكتفي بالطرحة التي ستغطي شعرها عند الخروج للمدرسة، بل أيضًا تقوم "بتحجيب" ملابسها!
في الميكروباص، تنحني تلميذة الثانوي "شيماء" لتنزل، فيبين طرفُ سروالها الداخلي القطني بزهوره الطفولية الملونة، فتلمحه زميلاتها ويضحكن. ثم يسخرن منها لأنها لا ترتدي "الاندر وير" الخاص بالناضجات مثلهن. تخجل الفتاةُ، وعند عودتها لبيتها الفقير، تفتح صندوق أسرارها، وتعدّ قروشها القليلة (46 جنيها). تمسك طلاء أظافر وتطلي ظفرين ثم تسارع بإزالة اللون كمن يتبرأ من خطيئة. فتخمد الكفُّ بعدما تحررت من الذنب وترتخي في سكون. “تزوّغ" البنتُ خلسة من المدرسة، وتدخل محل "لانجيري" حريمي وتطلب في خجل "سوتيان" و"أندروير" من الدانتيل الأحمر، متحمّلةً نظرات البائعة الفضولية التي تحمل صمتًا متفرّسًا يقول الكثير دون كلام. تغضب الجدّة، التي ترعاها في غياب أبويها، وتطلب من الفتاة غسل القطع الجديدة بالكلور لإزالة اللون الأحمر، الذي نشاهده يذوب مع رغاوي الصابون. أطاعت شيماءُ صاغرةً بعدما ذهبت توسلاتها هباءً: “دي تحت الهدوم محدش هايشوفها"، فتجيب الجدة في حسم: “هايشوفوها وهي منشورة على الحبل".
إنها محنة المواطن الشرقي الذي يستعير عيونَ الآخر ليرى بها نفسه، ويرتدي بها ملابسه، مثلما يستعير عقل الآخر ليفكر له، ولسان الآخر ليتكلم به، وبين كل هذا وذاك، نضيع وتذوب شخصيتنا.
فيلم من إخراج "محمد حماد"، وبطولة "جيداء" ومونتاج "محمد الشرقاوي" يناقش أحد الأمور المسكوت عنها. أول ما يصافح جسد الفتاة من ملابس، تلك التي نختارها من منظور عيون الآخرين، لا عيوننا نحن.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العذراء، وشمس الدين التبريزي
- المحاكمة داخل الكهف
- -فتحية العسال- وحصان عم محمد
- انتخبت بدمائها وطفلة تغني
- الخطاب الديني والتحرش، يا ريّس!!!!
- حكيم عيون
- بيان مهم من الكاتبة فاطمة ناعوت
- النور يعيد السيدة العجوز
- اليومَ إكليلُ الجميلة
- الصخرة والسراويل الساقطة
- نوبل السلام لأقباط مصر
- ليندا جورج سيدهم...... ثمنُها يفوقُ اللآليء
- السلام الوطني وحزب النور
- -نوال مصطفى- وأطفال السجينات
- هو ينفع منزلش؟
- انتخبوا.... لتعارضوا
- بشرة خير، ورقص المصريين
- العصافيرُ لا يملكها أحد
- لمن سأعطي صوتي (2)
- المصريون بالخارج.... والمقاطعون


المزيد.....




- -خطر شديد ومباشر-.. الأمم المتحدة تحذر من خطر ظهور -جبهة جدي ...
- إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب ...
- إسرائيل: 276 شاحنة محملة بإمدادات الإغاثة وصلت إلى قطاع غزة ...
- مفوضية اللاجئين تطالب قبرص بالالتزام بالقانون في تعاملها مع ...
- لإغاثة السكان.. الإمارات أول دولة تنجح في الوصول لخان يونس
- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...
- اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - أحمر باهت