أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - كالكسي ( 5 ) وآي فون( 5 ) وصريفة* .......!














المزيد.....

كالكسي ( 5 ) وآي فون( 5 ) وصريفة* .......!


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 4496 - 2014 / 6 / 28 - 13:46
المحور: الادب والفن
    


كالكسي ( 5 ) وآي فون( 5 ) وصريفة* .......!
نعيم عبد مهلهل
(( لا تنسى ياحبيبي .أبقْ أتصالكَ معي دائما عن طريق القلب )
رسالة من جوليت الى روميو

مرة في منطقة السيدة زينب بريفِ دمشق لفت نظري مدونة مكتوبة في باب الجامع القريب من المرقد ، تقول : الرجاء أغلاق جهاز الموبايل ، لأنك عندما تدخل الجامع يكون أتصالك مع الله فقط..!
أعتقد أنها أول عبارة صوفية كُتبت في تأثير العولمة وحداثتها ، وهي ( العبارة ) التوصيف الأقرب لتجدد العلاقة بين التصوف وحداثة القرن الحادي والعشرين ، وقتها عندما عدت الى الفندق كتبتُ مباشرة عن الأمر مقالة عنوانها ( الموبايل ..العلاقة بين الخالق والمخلوق ).
تذكرت هذا المشهد عندما اشتقت لعطر الاهوار بعد اغتراب السنين الطوال. أشتقت الى صرائف بيتنا التي بناها أبي من القصب ، الى السلف ورائحة الماء المخلوطة برائحة السمك واغاني أجدادي وأعمامي المعدان وهم يقودون قطعان جواميسهم كما يقود الاسكندر جيشه ليكتشف العالم ، فيما هؤلاء الفطريون يكتشفون لهجات جديدة للقصب والماء تحملها نسائم ريح قادمة من جهات لايعرفوا من يعيش فيها وعليها.
جدي عويش فرهود فيلهام كان يعيش هناك ، وذاك بيته لم يزل خربة من القصب ، كل ذكرياتي فيه ، تلك الطفولة الوردية التي تشبه بريق أذيال ثوب الدانتيل على جسد عارضة أزياء فرنسية ، هو الذي تكفل بتربيتي بعد أن أصبت بسعال دائم ، يسمونه اليوم الربو ، لكن ابي كان يسميها ( الكحة ) حيث قال جدي :دعوه معي أنا أشفيه واربيه .
لا ادري من اين كان جدي يجلب اعشابا غريبة في ارض ليس فيها سوى القصب والماء ويحرقها في الموقد واستنشقها ، وكان يملأ كل صباح وعاء من القير بحليب الجواميس لأشربه ، بالرغم انني اصاب بالاسهال بسبب دسومته العالية ، ولكنه كان يقول :الاسهال افضلَ من تلك الكحة اللعينة الذي تخنقك وتذبح صدرك.
أتذكر جلسات جدي على حافة الهور في الليالي المقمرة متاملاً النجوم وغارقا في الصمت وكأنه يجري اتصالا مع شيئا في السماء ، ولا شيء هناك سوى الله ، وكنت أسأله : فيقول : أبحثُ عن علاج لمرضك.
قلت :عند الله.؟
قال نعم ، هو الطبيب الوحيد في هذا العالم من يعرف كل العلل.
أجلس القرفصاء في باب الصريفة ، أتأمله في اتصاله الغائر في العمق البعيد ، حيث يمنعني من الاقتراب اليه ، لأنه يريد ان يظل وحيدا مع خالقه ، ولأن رطوبة الهواء الملامس لصفحة الماء لا يتلائم مع وضعيَّ الصحي .
كنت في العاشرة من عمري ، وجدي في حكمته اليومية يعلمني الكثير ، وعندما كبرت وزرت الهند ، وفي معبد بوذي شاهدت نسخة اخرى من جدي تجري اتصالا مع الفضاء بصمت عجيب لايتحرك فيه حتى الجفن.
كان الكاهن البوذي يجلس في تمرين من اليوغا ويتأمل في صمت وعيناه مغمضتان...
وكان الناس يتجمعون حوله فلا يشعرُ بهم حتى عندما ترن هواتفهم الجوالة في جيبوبهم ، بعضهم يجيب وبعض يبقى مشدودا لهذا التأمل المغري ، واتخيل هذا الاتصال مع العالم الابعد ، وهو الاتصال الوحيد الذي لايأخذ شحنا من الكهرباء كما في شاحنات الهواتف ، بل إن الروح هي من تشحن فيه بقاء هذا الاتصال مع الضوء البعيد الى ايام عديدة دون أن يتناول الكاهن الماء والغذاء ، لكن بين ساعات واخرى يأتي صبي مرتديا ثوب الكهنة البرتقالي حليق الرأس ويحمل اوراق شاي ليدسها بين أسنان الكاهن الذي يبدأ بمضغها بهدوء.
تذكرت هذين الاتصالين أمام صريفة جدي المهدمة ، واتخيلها كما انقاض معبد قديم كان يحتفي بذلك الجمال الصامت الذي ورثه جدي من طقوسٍ قديمة لسكان المكان من اهل السلالات حيث اكتشف رجال البعثات الاثرية أن الذين كتبوا الاساطير والملاحم ، لم يكتبوها دون أن يجروا اتصالا مع الالهة الجالسة على عروشها في السماء البعيدة ، ولكن هذه الاتصالات لم تكن تتم بواسطة الهواتف الذكية ( الثريا ، النوكيا ، الكلاكسي ، الآيفون ) بل كانوا يتصلون من خلال نبض قلوبهم.
جدي كان يقول لي : لكي تشفى من علتكَ اضبط نبضات قلبك مع أجفانكَ وتخيل أن الحياة هي أن نعيش وليس لنسعل.
ولكني كنت اسعل بقوة...
فكان يقول :تعلم لتؤسس لك اتصالا مع الله واطلب منه دواء يشفيك.
وهكذا سمح لي جديدي أن اغادر باب الصريفة ، وأجلس قرب حافة الهور لاجري ذلك الاتصال بعد أن دثرني بلحافٍ سميك خوفا على انفاسي من الهواء الرطب المحمل برائحة القصب وعفونة الاسماك النافقة.
أتذكر مشاعر اول اتصال مع الافق البعيد ، تلك الرهبة الطفولية المرتجفة ، ولكنها ممتعة وتضبط ايقاع القلب كثيرا..وربما مع تكرارها ولذتها وطقوسها ابتعد السعال كثيرا عن صدري .
وربما شفيت تماما من الربو...
الآن اعود الى صريفة جدي ، وفي لحظة التأمل الساخنة لتلك الايام الجميلة رن هاتفي الايفون في جيبي.
كانت بنتي الصغيرة من المانيا تتصل لتقول : ابي امي تقول لاتنسى ان تجلب معك المسموطة*.........!

أشارات:
ــــــــــــــــــــــ
*الصريفة : هي الغرفة المبنية من القصب.
* المسموطة : السمك المجفف في اللهجة العراقية. وهو اكله سومرية قديمة مازالت منتشره ومحببة في مناطق الجنوب العراقي.



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أساطير الجفجير.....!
- السنونو هذا الطائر الشيوعي .....!
- طيري ياطياره طيري ...!
- المِعدان يعشقونَ أيطاليا وصوفيا لورين...........!
- ( الموت بالخازوق فقراً ومنفى )
- داعش لاتشبه مراكش ..ولا تشبه العش ..
- فاجينتي مالا.. اللون الأحمر والعنبر ..!
- الناصرية.. شهيدٌ من دير متي والزقورة وبطن الحوت..!
- خوذة الله وخوذة العباس.وخوذة الجندي المنكسر ..!
- الناصرية تبكي من أجل نينوى ..!
- ملاكٌ على شكل قصيدةٍ ونهدْ.......!
- النشيد التأريخي لمعدان باريس
- الله وروح الشاعر والرسام والموسيقي والصائغ..!
- أحتمالات الغيب في شهوة الكأس
- وجه المونليزا قراءة جديدة في رؤى الجمال والعولمة
- الناصرية ... ألأطفال الفقراء شهداء شموع زكريا
- رسالة رثاء إلى ماركيز وأحمد المظفر وأنكيدو.............!
- أساطير الناصرية والسينمات الصيفية..!
- أسطورة غرام سومرية ( حكاية ، يوسف الناصري )
- الناصرية سطور ، وعطور ، وخبز التنور .........!


المزيد.....




- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - كالكسي ( 5 ) وآي فون( 5 ) وصريفة* .......!