أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الصراع بين الوحدة الإسلامية والوحدة العربية















المزيد.....

الصراع بين الوحدة الإسلامية والوحدة العربية


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4496 - 2014 / 6 / 28 - 10:04
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ينص القرآن على العلاقة العضوية بين (العرب) و(الإسلام) فقال عن لغة القرآن ((بلسان عربى مُبين)) (الشعراء/195) وقال لنبيه محمد ((وكذلك أوحينا إليك قرآنـًا عربيًا)) (الشورى/ 7) وكرّرها فقال ((إنـّـا جعلناه قرآنـًا عربيًا)) (الزخرف/3) رغم تلك الحقيقة فإنّ أصحاب التيارات الناشطة فى المنطقة (العربية) انقسموا بين عروبيين فقط لأنهم يدعون إلى ما يُسمى (الوحدة العربية والقومية العربية) وإسلاميين فقط لأنهم يُنادون بما يُسمى (الوحدة الإسلامية) ومع ملاحظة أنّ أصحاب الفريقيْن من المُـدافعين عن ذات التراث العربى / الإسلامى.
وكان جمال الدين الإيرانى الشهير بالأفغانى من أبرز دعاة (الوحدة الإسلامية) و(الجامعة الإسلامية) خصوصًا فى مرحلة وجوده فى باريس وإصدار مجلة (العروة الوثقى) عام 1884. إلى أنْ جاء رشيد رضا وحسن البنا وسيد قطب إلخ . وهذا التيار يعتمد على مقولة (الرابطة الدينية) كما قال (الأفغانى) وفى شرحهم لذلك يقولون أنّ الدين الإسلامى هو الجامع للشعوب (الإسلامية) بغض النظر عن الموقع الجغرافى لكل دولة ، وبغض النظر عن لغة كل شعب وعن اختلاف الثقافة القومية بين شعب وشعب. بل أكثر من ذلك تجاهلهم (رغم دفاعهم عن الإسلام) لما ورد فى القرآن بالنص عن استحالة (الوحدة الإسلامية) فقال ((ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة)) أى أنّ (الله) لم يشأ الوحدة ورفضها ، والآية السابقة على تلك الآية بيّنتْ السبب فقال (وكذلك أوحينا إليك قرآنـًا عربيًا لتـُنذر أم القرى ومَنْ حولها) (الشورى/ 7، 8) رغم كل ذلك فإنّ الإسلاميين الحالمين بتحقيق ما يُسمى (الوحدة الإسلامية) كبديل عصرى لكارثة (الخلافة الإسلامية) يعيشون حالة طوباوبة مريضة ، وصدّقوا أنفسهم وتصوّروا أنّ (المستحيل) قد يُصبح (حقيقة) لأنهم لو تأملوا تراث الشعوب المختلفة ، لتأكدوا من استحالة تحقيق حلمهم الطوباوى المريض ، وأنّ الدين (أى دين) لا يصنع الوحدة ، ولو كان الأمر كذلك فهل يجتمع المسيحيون فى وحدة رغم اختلاف اللغة والثقافة القومية والبُعد الجغرافى؟ وأليستْ دعوة (الوحدة الإسلامية) فيها تأييد للحركة الصهيونية التى نجحتْ فى تجميع اليهود حتى تمّ احتلال فلسطين؟ كما أنهم يتجاهلون أنه إذا كان الإسلام واحدًا، فإنّ (المسلمين) ليسوا كتلة واحدة، سواء على مستوى الثقافة القومية لكل شعب، أو على مستوى الانقسام المذهبى (سنى، شيعى، رافضى الخ) بل إنّ الفرق الإسلامية بينها اختلافات جذرية ، من ذلك – كمثال – أنّ فرقة (العَجَاردة) أصحاب (عبد الكريم بن عَجْرد) أنكروا أنْ تكون سورة (يوسف من القرآن) و((زعموا أنها قصة من القصص ولا يجوز أنْ تكون قصة العشق من القرآن)) كما اختلفتْ الفرق الإسلامية حول الموقف من أطفال (المشركين) فبعض الفرق قالت أنهم فى النار مع آبائهم . وزايد بعضهم مثل أصحاب فرقة (الإباضية) فقالوا بتعذيب أطفال (المشركين) بينما بعض الفرق قالت أنهم سيدخلون الجنة مثل فرقة (الميمونية) كما أنّ فرقة (المُرجئة) انقسمتْ إلى أربع فرق ((ووصل الأمر بالخوارج لدرجة تكفير على بن أبى طالب. أما (الأزارقة) فقد كفــّروا عثمان وطلحة والزبير وعائشة وعبد الله بن عباس وتخليدهم فى النار جميعًا)) (الملل والنحل- للعلامة محمد بن عبد الكريم الشهرستانى- طبعة هيئة قصور الثقافة- عام 2014- أكثر من صفحة) ومع ملاحظة أنّ ثلاثة من الرجال المذكورين من بين العشرة المُبشرين بالجنة. أما عائشة فهى زوجة محمد الذى قال عنها ((خذوا نصف دينكم من هذه الحـُميراء))
كما أنه من المـُـتفق عليه بين علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا على وجود إسلام (سعودى) وإسلام (تركى) وإسلام (أفغانى) وإسلام (مصرى) ناهيك عن الإسلام الإيرانى وإسلام الأقليات الدينية فى الهند والصين الخ . ورغم كل تلك الحقائق ما زال دعاة (الوحدة الإسلامية) يسبحون فى بحر مياههم الراكدة الضحلة على أمل الوصول لشاطىء ليس له وجود . ومع أننى أرفض الدخول فى منطقة (النيات) وبالتالى سأفترض (حُـسن النية) فى مشروعهم الطوباوى المريض ، وأنهم يعملون من تلقاء أنفسهم ولا تـُحرّكهم جهات ومراكز بحثية ومخابراتية ، فإنّ النتيجة واحدة : طمس الخصوصية الثقافية لكل شعب ، وهذا (الطمس) هو المدخل الحقيقى للقضاء على أى شعب بعد القضاء على ثقافته القومية.
000
ومن عجائب الواقع العروبى/ الإسلامى الذى أفرز العديد من فصول الكوميديا السوداء ، أنْ يظهر تيار يُنادى ب (الوحدة العربية والقومية العربية) ضد تيار (الوحدة الإسلامية) رغم أنّ الفريقيْن من المُـدافعين الصناديد عن تراث واحد (العروبى/ الإسلامى) ويُعتبر ساطع الحصرى (يوجد اختلاف فى المصادر عن تاريخ ميلاده ما بين 1879و1881وكذلك تاريخ وفاته ما بين 1967و1968) من أبرز دعاة (الوحة العربية) وتمحورتْ كتاباته حول الرد على (دعاة فكرة الإقليمية فى مصر) ومن رأيه أنّ تلك (الإقليمية) سببها 1- ((العزلة التى أحدثها الاحتلال البريطانى)) وهو هنا يُغالط نفسه ، لأنّ مصر كانتْ منفتحة على العالم أجمع وخاصة بعد حكم محمد على (1805) وأسرته. وأنّ الاحتلال الإنجليزى عام 1882 لم يمنع تواصل الانفتاح على العالم الخارجى ، وبالتالى فإنّ مصر لم تكن فى (عزلة) كما ادّعى الحصرى 2- السبب الثانى فى رأى الحصرى أنّ النخبة المصرية ارتبطتْ ((بروابط وولاءات تتنافى مع الروح القومية (العربية) لأنهم صاغوا ((هوية ثقافية مصرية تستند إلى تراث الفراعنة)) ولأنه يجهل علم المصريات وقع فى خطأ علمى ، إذْ لا يوجد شىء اسمه (تراث الفراعنة) لأنّ كلمة (فرعون) نحت عبرى بينما هى فى اللغة المصرية (بر- عا) وتعنى (البيت الكبير) أو مقر الحكم مثل البيت الأبيض والقصر الجمهورى الخ . وما قاله الحصرى ردّده عبد الناصر الذى قال أمام الشعب السورى يوم 9/3/58 ((كنا نشعر بكم فى هذه المنطقة من العالم وقد عزلونا عنكم وأرادوا أنْ يُـقيموا فى مصر بلدًا يتنكر لعروبته وينتمى للفرعونية)) وكرّر نفس المعنى فى خطاب يوم 22/7/59) (خطب عبد الناصر- مجلد مصلحة الاستعلامات - القسم الثانى : فبراير58- 1960- ص 55، 468) واشتبك الحصرى مع طه حسين الذى دافع عن الخصوصية الثقافية لشعبنا المصرى وأننا ننتمى ثقافيًا لحوض البحر الأبيض المتوسط ، وفى نفس الوقت أنّ جذورنا الثقافية تعود إلى الحضارة المصرية. وهذا الكلام لم يُعجب الحصرى فقال إنّ ((الحضارة المصرية حضارة ميتة)) وهو ما ردّده د. جمال حمدان الذى تميّز باللعب بالألفاظ فقال إنّ مصر ((فرعونية بالجد وعربية بالأب.. ولما كان العرب هم الأب الأخير فى السلسلة فإنّ القول بأنّ مصر فرعونية أصلا عربية مصاهرة قد يكون منطقــًا جاهليًا ، منطق قبل الإسلام ونوعًا من الردة التاريخية)) ثم يتمادى فى مغالطاته فكتب ((غير أنّ العرب هنا غيّروا ثقافة مصر. هم الأب الاجتماعى بالدرجة الأولى وليسوا الأب البيولوجى إلاّ فى الدرجة الثانية)) (شخصية مصر- طبعة هيئة الكتاب المصرية- عام 2000- ص12، 217)
وكما شنّ الحصرى الهجوم على دعاة القومية المصرية وأطلق عليهم (دعاة الإقليمية) فعل نفس الشىء مع دعاة القومية السورية ، وكان من أبرز المُـدافعين عنها أنطون سعادة مؤسس الحزب السورى القومى الاجتماعى ، الذى نفى وجود روابط قومية بين سوريا وغيرها من البلاد العربية ، التى وصفها بالبداوة ، عكس التمدن الموجود فى سوريا ولبنان وفلسطين والأردن والعراق . وكان سعادة يعتمد على البُعد الجغرافى ، فى حين أنّ الحصرى رفض هذا البُعد ، كما رفض التسليم بوجود سمات ومُميزات للشعب السورى ، بل كان ينفى تمامًا وجود (الإقليم السورى) وكان يُقدّم (وحدة اللغة) فى دفاعه عن الوحدة العربية ، وهو هنا تجاهل أنّ اللغة ليست معيارًا فى هذا الشأن ، لأنه مع القياس هل تـُصبح الشعوب الإفريقية التى تتكلم الفرنسية والإنجليزية والإيطالية (كلغة أولى) شعوبًا فرنسية وإنجليزية وإيطالية ؟ وهكذا مع باقى الأمثلة التى تؤكد أنّ الحصرى كانت الأيديولوجيا مُحرّكه وليستْ الثقافة المعرفية وخاصة علم الأنثروبولوجيا مثله مثل كل العروبيين الذين جاءوا بعده.
ورغم إيمانه ب (وحدة اللغة) تناقض مع نفسه فى نقده لأنصار الرابطة الإسلامية فقال ((كيف يمكن لأحد أنْ يأمل بتكوين وحدة من البلاد الإسلامية التى تتكلم بلغات مختلفة ودون تكوين وحدة من البلاد التى تتكلم لغة واحدة ولا سيما لغة القرآن)) هنا كشف نفسه ، إذْ اعترف بأنّ الشعوب تتكلم ((لغات مختلفة)) كما أظهر أنّ خلافه مع أصحاب الوحدة الإسلامية سطحى وهامشى عندما استخدم تعبير (لغة القرآن) وهو تعبير من مفردات الأصولية الإسلامية.
ولم تكن مصادفة أنْ يُهاجم ما أطلق عليه (العبودية الثقافية) و(السيطرة الثقافية) فى إشارة إلى الثقافة الغربية. ووصل به الشطط فى نفيه للخصوصية الثقافية لكل شعب لدرجة أنه قال ((لا يوجد أدب مصرى ولا أدب سورى ولا أدب عراقى ولا أدب تونسى الخ)) وهو أمر يحتاج إلى محلل نفسى فى قامة سيجموند فرويد ، ليعرف حالة الحصرى العقلية وهو يكتب هذا الكلام، ولم يسأل نفسه هل الأدباء فى كل دولة يُعبّرون عن أى (شعب) أم أنّ الأديب يُعبّر عن شعبه رغم أنّ إبداعه يصير عالميًا. وهل كان فى استطاعة أديب يمنى أو عراقى إلخ أنْ يكتب ما كتبه توفيق الحكيم فى (عودة الروح) أو نجيب محفوظ فى (الثلاثية) أو يوسف إدريس فى (الحرام) ؟ وهل كان فى وسع أى أديب مصرى أو تونسى الخ أنْ يكتب ما كتبه الأديب السعودى الكبير عبد الرحمن منيف خاصة روايته البديعة (مدن الملح – ثلاثة أجزاء) ؟
ولأنّ الحصرى يُدرك أنّ العروبة والإسلام وجهان لشىء واحد ، ردّ على أصحاب (الوحدة الإسلامية) قائلا أنه ((بالرغم من أنّ الوحدة الإسلامية أوسع وأشمل من الوحدة العربية ، إلاّ أنه ليس بالامكان المناداة بالوحدة الإسلامية قبل المناداة بالوحدة العربية)) فكان يُحاول مغازلة أصحاب تيار (الوحدة الإسلامية) الذين رفضوا دعوته ، خصوصًا بعد أنْ كتب إنّ ((التفكير فى بعض الأمور مستقلا عن الدين لا يعنى إنكار الدين، وإنما يعنى اعتبار تلك الأمور مما لا يدخل فى نطاق الأمور الدينية ، وذلك لا يحول دون الرجوع إلى الدين فى سائر الميادين ، ولذلك قلتُ ولا أزال أقول : إنّ نعتْ القومية باللادينية والقوميين باللادينيين لا يتفق مع حقائق الأمور)) وكرّر نفسه كثيرًا فى حكاية ما يُسمى ((الدعوات الإقليمية الانعزالية)) وأنّ تلك الدعوات هى التى تعوق الوحدة العربية. بل – كما كتب – ((تعوق رص الدول العربية فى جبهة موحدة معادية للامبريالية)) ثم تناقض مع نفسه عندما أضاف أنّ الدول التى سماها انعزالية ((تكوّنتْ من معاهدات بين الدول التى تقاسمتْ البلاد العربية وسيطرتْ عليها)) وهنا يجب ملاحظة تعبير ((رص الدول العربية)) كأنّ تلك الدول علب سردين يُمكن (رصها) كما يفعل أى بقال . أما حكاية المعاهدات الدولية التى قسّمتْ الدول العربية ، فإنّ سيادته لم يطرح على نفسه السؤال البديهى : العيب عند مَنْ ؟ عند الدول الاستعمارية أم عند الأمراء والملوك العرب الذين وافقوا على ذلك مقابل حمايتهم ؟ وأين دور الشعوب (العربية) ولماذا لم يكن لها دور طوال تايخها ؟ أليس هذا هو التراث العربى الذى يُدافع الحصرى عنه ؟ وإذا كان العروبيون يتباكون على ضياع فلسطين ، ويُهاجمون اليهود فإنّ الأمير فيصل بن الحسين الهاشمى (الذى أصبح ملكــًا على العراق) لم يُجاوز الحقيقة عندما قال ((إنّ العرب واليهود أبناء عمومة من الناحية العنصرية)) (نقلا عن د. جمال حمدان- اليهود أنثروبولوجيًا- كتاب الهلال- فبراير96 ص 45)
ورأى الحصرى أنّ الجامعة العربية خطوة مهمة فى سبيل التلاحم القومى . ورغم ذلك قال عنها ((إنّ الجامعة العربية ألحقتْ الضرر بالقومية العربية. بدلا من أنْ تعمل على خيرها . وقوبلتْ فى البداية بحماسة شديدة لكن الوقائع خيّبتْ آمال الكثيرين . وأنّ من الخطأ المُطابقة بين جامعة الدول العربية وبين المسيرة الوحدوية القومية)) ولعب بالألفاظ فقال إنها ((جامعة للدول العربية لا جامعة عربية))
ورغم أنه عاصر فترة إنشاء جامعة الدول العربية ، فقد تجاهل دور الدول (الاستعمارية) فى تكوينها . وفى مكتبتى شهادة عروبى كبير (هيكل) الذى نشر فى كتابه (المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل) برقية وردتْ من وزير الخارجية البريطانى السير إدوارد جراى إلى المُعتمد البريطانى فى مصر(هنرى ماكماهون) المسئول عن المكتب العربى جاء فيها ((تستطيع أنْ تـُقدّم أى تأكيدات تقترحها لعزيز المصرى باسم الحكومة البريطانية أنّ الحركة العربية لابد من تشجيعها بكل وسيلة ممكنة. ويمكن لعزيز المصرى أنْ يبدأ فى تنظيم القوة التى يُريدها. وأنْ تضع تحت تصرفه ألفين جنيه استرلينى إذا كنتَ ترى ذلك مفيدًا. وتطلب منه أنْ يظل على اتصال بمكتب القاهرة للمخابرات البريطانية وبالمُعتمد البريطانى . وتتعهد له بأننا سوف نـُساعد الحركة القومية العربية بمقدار ما يبدو من تأثيرها)) كما نشأ صراع بين الدولتيْن الاستعماريتيْن (بريطانيا وفرنسا) حول مَنْ يكون له فضل السبق فى إنشاء جامعة الدول العربية. والتفاصيل رواها د. عبد الرحمن البيضانى نائب رئيس الجمهورية ورئيس وزراء اليمن الأسبق فكتب ((أعلن مستر إيدن وزير الخارجية البريطانى يوم 29/5/41 فى دار بلدية لندن أنه يدعو لإنشاء جامعة عربية. ووعد بمساعدة هذه الجامعة. وعندئذ أسرع مسيو كاترو المفوض الفرنسى العام فى سوريا ولبنان فكتب إلى الجنرال ديجول يقول : إنّ تبنى بريطانيا لقضية الوحدة العربية يجعلها تأخذ زمام المُبادرة. لذلك يجدر بفرنسا أنْ تدعو إلى نفس الفكرة وتنقل محورها من بغداد والقاهرة إلى دمشق وبيروت حيث النفوذ الفرنسى . ثم ألقى مستر إيدن خطابًا أمام مجلس العموم البريطانى يوم 24/2/42 يلح على إنشاء جامعة عربية)) (أهرام 9/8/2003) وذكر المؤرخ عبد الرحمن الرافعى أنّ ((إنشاء جامعة الدول العربية كان بإيعاز من بريطانيا)) (مصر بين ثورة 19و52- مركز النيل للإعلام – مطابع الشروق- عام 77- ص53) والسؤال الصعب لدى العروبيين من ماركسيين وناصريين هو : ما مصلحة الدولتيْن (الاستعماريتيْن) فى إنشاء جامعة للدول العربية ؟ هذا السؤال أجاب عنه طارق البشرى فكتب أنّ بريطانيا – بعد الحرب العالمية الثانية - سعتْ فى ((خططها الرئيسية لبناء كتلة تـُسيطر عليها وحدها ، تقوم على أساس دعم الحكومات الاستبدادية فى المنطقة من خلال الجامعة العربية)) (الحركة السياسية فى مصر- من45- 52- دار الشروق- عام 83- ص 283) وأعتقد أنّ ما ذكره البشرى جزء من الحقيقة ، بينما الجزء الأهم هو حرص بريطانيا – ثم أميركا من بعدها - على طمس الثقافة القومية لكل شعب من شعوب المنطقة. أى ذوبان الشخصية القومية. أو – على حد تعبير شعبنا الأمى العبقرى (سمك/ لبن/ تمر هندى) ومع انتفاء الخصوصية يسهل القضاء على أى شعب . كما أنّ الدفاع عن الخصوصية الثقافية لكل شعب لا يعنى (الانعزال) كما يقول العروبيون الذين ردّدوا كلام الحصرى كأنه مـُنزّل من السماء . بينما الأب الروحى للشعب الهندى (المهاتما غاندى) حسم المسألة بعبقريته الفذة فقال ((إننى أرغب أنْ تهب على بيتى جميع ثقافات العالم.. ولكننى أرفض أنْ تقتلعنى من جذورى إحدى هذه الثقافات))
000
وبينما دخل العروبيون والإسلاميون فى صراع تنافسى حول (القومية العربية) و(القومية الإسلامية) فإنّ العبقرى الفذ العروبى/ الإسلامى الأستاذ الدكتور جمال حمدان ، حسم المسألة بتزويجه للتياريْن زواجًا أرثوذكسيًا فكتب أنّ ((أخوة الدين يقابلها أخوة الإقليم . وسواسية الناس كانت تـُـترجم سياسيًا إلى سواسية الولايات والمقاطعات. والحقيقة أنّ الدولة العربية الإسلامية ، كانت شركة مساهمة بين كل أعضائها وأطرافها ولعنا لا ندفع بالتشبيه إلى أبعد من حدوده السليمة إذا قلنا إنها كانت أول (كومونولث) فى التاريخ بالمعنى الحديث. مع هذا الفارق الهام وهى أنها لم تمر بالمرحلة الاستعمارية المُـشينة التى مرّ بها كومونولث اليوم . والحقيقة- أخيرًا- أنّ دولة العرب الإسلامية هى فصل – أول فصل – فى جغرافية التحرير، وأبعد شىء عن جغرافية الاستعمار)) (استراتيجية الاستعمار والتحرر- دار الشروق – عام 83 – 27)
نجح العروبى / الاسلامى جمال حمدان فى عقد الزواج الأبدى بين أنصار (الوحدة العربية) وأنصار (الوحدة الإسلامية) ولكنه سقط سقوطــًا مُـدويًا عندما نبذ ولفظ لغة العلم ، وأسلم عقله للأيديولوجيا السياسية وللعواطف الدينية ، مرة عندما مشى وراء الحصرى والبكباكشى عبد الناصر، فى الدفاع عن (القومية العربية) ضد (القومية المصرية) ومرة عندما مشى وراء الإسلاميين وردّد كلامهم بأنّ الغزوات العربية ، التى كانت وبالا على الشعوب التى تمّ نهب ثرواتها ، واعتبر أنّ هذه (الغزوات) ليستْ استعمارًا وإنما هى (فتوحات) بل زايد على كل العروبيين والإسلاميين فكتب ((والحقيقة أنّ الدولة العربية كانت امبراطورية تحررية بكل معنى الكلمة. وأصبحتْ فى النهاية هى جزيرة الإسلام بقدر ما أصبحتْ دار الإسلام دار العرب الكبرى)) (المصدر السابق – ص 26) هذا هو د. حمدان المعبود الأكبر فى معابد الناصرية / العروبية. وكان تلميذه د. عبد الوهاب المسيرى على حق عندما كتب أنّ ((جمال حمدان هو بلا منازع واحد من أهم فلاسفة (ثورة) يوليو52 فقد بلور رؤيتها للذات وللكون وللآخر. ووضع الأسس الفلسفية لمشروعها الحضارى الثورى)) (فى تقديمه لكتاب " اليهود أنثروبولوحيًا "- مصدر سابق- ص 20) فلماذا يتغافل المُبدعون المصريون عن تلك الكوميديا السوداء ، رغم توفر كافة عناصر الدراما التى تصلح للإبداع رفيع المستوى ، خاصة أنه إبداع يجمع بين حقائق التاريخ والمـُـتعة الفنية؟
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإعدام = رصاصة الرحمة
- عودة الروح وعودة الوعى
- مغزى مكافأة أحد كبار الأصوليين
- كوميديا / سوداوية / عبثية / واقعية (2)
- كوميديا / سوداوية / عبثية / واقعية
- الحقوق الإنسانية والإسلام (3)
- الإسلام وحقوق الإنسان (2)
- الإسلام وحقوق الإنسان (1)
- التعصب العرقى والدونية القومية
- الشعر والثقافة العربية / الإسلامية
- عبد الوهاب المسيرى والمدرسة الناصرية / العروبية
- المعيار العلمى للهوية الثقافية
- حدود العلاقة بين التراث والإبداع
- الدين والحياة
- الديانة العبرية ومعتقدات الشعوب القديمة
- الديانة العبرية وأساطير بعض الشعوب (3)
- الديانة العبرية وأساطير الشعوب القديمة (2)
- حق الأقليات الثقافية فى الدفاع عن خصوصياتها
- الديانة العبرية وأساطير الشعوب القديمة (1)
- معوقات الحداثة المصرية


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف موقع اسرائيلي حيوي ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الصراع بين الوحدة الإسلامية والوحدة العربية