أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - راندا شوقى الحمامصى - الأساس الروحانى لحقوق الإنسان - وجهة نظر بهائية















المزيد.....



الأساس الروحانى لحقوق الإنسان - وجهة نظر بهائية


راندا شوقى الحمامصى

الحوار المتمدن-العدد: 4495 - 2014 / 6 / 27 - 13:54
المحور: حقوق الانسان
    


A Bahá-;- í-;- Perspective- The Spiritual Foundation of Human Rights
by Suheil Badi Bushrui

الخطاب الرئيسي الذي ألقاه الدكتور سهيل بشروئى في المؤتمر السنوي الحادى و العشرين لجمعية الدراسات البهائية في 15 نوفمبر 1997.
الجزء الأول
إن الإعتراف بحقوق الإنسان بموجب القانون الدولي هو أمر حديث نسبياً، ولكن الفلسفة التي يقوم عليها المفهوم قديمة. و ذلك في نصوص مثل قانون حمورابي البابلي، والأحكام القانونية للسنهدرين الإسرائيلية القديمة حيث يُحظر التعذيب ويُحد من إستخدام عقوبة الإعدام، والتشريع الإسلامي لحقوق المرأة، و ماجنا كارتا الإنجليزية، وإعلان إستقلال الولايات المتحدة، و فى القرن التاسع عشر كانت إتفاقيات حظر تجارة الرقيق، وبعد الحرب العالمية الثانية كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (UDHR)، الشكل و الصيغة لنظام أخلاقي عالمي قد تم إبتداعه.
هناك تعريفات عديدة لمصطلح "حقوق الإنسان" تمت صياغتها. موريس كرانستون، على سبيل المثال، يصف حقوق الإنسان بأنها "إسم القرن العشرين لما كان معروفا تقليديا بالحقوق الطبيعية، أو في عبارة مبهجة أكثر، حقوق الإنسان". و بصورة أوسع، فحقوق الإنسان هي جسم مكون من سمات و إمتيازات - مثل حق الحياة والحرية والسعي لتحقيق السعادة – و التي هي مستحقة لكل إنسان بغض النظر عن جنسيته أو مكان إقامته. و لا تُمنح هذه الحقوق من قِبل الحكومات لمواطنيها، بل هي فطرية ملازمة للكرامة التي يتمتع بها جميع الأشخاص. وبشكل أكثر تحديداً، يمكن تصنيف حقوق الإنسان بأنها تقع في المجالات المدنية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية للحياة.
على الرغم من أن تعبير "حقوق الإنسان" بالذات لم يظهر في اللغة الإنجليزية حتى عام 1781م، السنة التي ظهر فيها الجزء الأول من عمل توماس باين Thomas Paine: "حقوق الإنسان" “The Rights of Man”، و المثل العليا التي ينطوي عليها كانت موضوع الكثير من النقاش في السنوات السابقة مباشرة لنشر هذا العمل. ومن المفيد أن نذكر هنا صياغة مسودة توماس جيفرسون الأصلية لإعلان الاستقلال الأمريكي: "نحن نحمل هذه الحقائق لتكون مقدسة و لا يمكن إنكارها، و هى أن كل الناس خلقوا متساوين و أحراراً، و
عليه، فمن ذلك الخَلق على قدم المساواة فإنهم يستمدون حقوقاً فطرية و غير قابلة للتصرف و المصادرة ومنها الحفاظ على الحياة، والحرية، والسعي لتحقيق السعادة".
و في عام 1775م، العام قبل صدور إعلان الإستقلال الأمريكى، بدأ جوته Goethe العمل فى التراجيديا النثرية إيغمونت Egmont، و التى بدأت وسط الصراعات السياسية والدينية المضادة للاصلاح، وتصوّر فكرة الحرية السياسية القائمة على حرية التعبير والتسامح الديني في مجتمع يحترم القانون. و في عام 1787م، وهو العام الذى أكمل فيه نُسختها النهائية، حصلت مسرحية دوون كارلوس لشيللر على عرضها الأول في هامبورغ. مثل مسرحية جوته، فإن مسرحية شيلر بدأت فى وقت الهيمنة الأسبانية على هولندا، موفرة الأساس لمرافعة مشبوبة العاطفة للتسامح الديني والتفاهم المتبادل، و تُوّجت بصرخة بوزا العظيمة Posa’s Great Cry: "أعطونا حرية التفكير Give us Freedom of Thought". و في نفس العقد قام قوتهولد افرايم ليسنغ بكتابة ناثان الحكيم Nathan the Wise، و التى عرضت أولاً في برلين في عام 1783م، و بمناشدة مؤثرة لإحترام معتقدات الآخرين تجسدت في شخص الحكيم والمتسامح اليهودي ناثان، و بلغت أوجها في اكتشاف أن ريكا إبنته بالتبني و الشاب تمبلر الذى يحبها هما في الواقع أخ وأخت، أبناء الراحل أخ صلاح الدين الأيوبى Saladin وزوجته المسيحية. و تعكس الحكاية الرمزية للحلقات الثلاثة المتطابقة التي يجيب بها ناثان على سؤال صلاح الدين الأيوبى حول ما إذا كانت المسيحية والإسلام أو اليهودية هى دين حقيقي عكس وعياً معاصراً من الحاجة لإعتبار الأديان غير دين المرء الخاص به بأنها جديرة بالإحترام لأجل مصلحة حقوق الإنسان والتضامن مع زملائهم الآخرين من البشر.
ومع ذلك في جوته، شيلر، ولسينغ، نجد شهامة الروح، التي لا تكتفي فقط بالتسامح مع معتقدات الآخرين و منحها حرية التعبير، بل وتسعى لفهمها بشكل أعمق والإعتراف بقرابتها الى معتقد الفرد. و بعكسها لهذا الوعي المتقدم دوماً لوحدة الجنس البشرى، فمن المناسب فى النهاية أن قد أصبحت حقوق الإنسان في النصف الثاني من القرن العشرين قضية رئيسية في السياسة الدولية. فالأسئلة التي تطرحها حقوق الإنسان هي أسئلة سرمدية: ما معنى أن تكون إنسانا؟ ما هو الغرض من الحياة على هذه الأرض؟ وماذا يجب أن يكون موقفنا الفكري والعاطفي تجاه بعضنا البعض؟ هذه الأسئلة بالذات هي المحور الحقيقى للفكر والممارسة الدينية. و من هذا المنظور، يمكننا أن نستشف أن واحدةً من العيوب الرئيسية في نهجنا لحقوق الإنسان تتعلق بطريقة تقديمها باعتبارها قانوناً من القانون المدني والأخلاقي، وربما كإنتاج للحضارة الغربية، في حين أن حقوق الإنسان هي بالأساس تقنين للقوانين الروحية الرئيسية و التي هي في حد ذاتها المأثرة التراكمية للسنن الدينية في العالم.
لقد كان القرن العشرين هو عصر حقوق الإنسان، بمعنى أنها قد أُنتهكت مرارا وتكرارا على نطاق واسع و إعترفت بها باستمرار الإتفاقيات القانونية الدولية. وهكذا، على الرغم من الفظائع التي ارتكبت في عصرنا

فإن النضال من أجل أخلاقيات عالمية وممارسة لحقوق الإنسان قد تقدم بالمعنى القانوني الرسمي، وكذلك في المجتمع العالمي الناشئ.
لقد وضع الأكاديميان ريتشارد كلود و بيرنز ويستون يده على الهوة بين المبادئ و الممارسات لحقوق الإنسان في عالم اليوم في عملهما حقوق الإنسان في المجتمع الدولي: "إن القول بأن هناك قبولاً واسع النطاق لمبدأ حقوق الإنسان على الأصعدة المحلية و الدولية لا يعني أن هناك إتفاق تام حول طبيعة هذه الحقوق أو نطاقها الحقيقى – أى بأن نقول، تعريفها. فبعض الأسئلة الأساسية لم تحصل على إجابات قاطعة بعد. و ما إذا كانت حقوق الإنسان ينظر إليها على أنها إلهية، أخلاقية، أو إستحقاقات قانونية، وما إذا كان التصديق عليها من قِبل مؤسسة، عُرفْ، نظرية العقد الاجتماعي، مبادئ عدالة التوزيع، أو كمتطلبات أساسية للسعادة، وما إذا كان لها أن تُفهم بأنها غير قابلة للنقض أو تُفهم بأنها قابلة للإلغاء جزئيا، سواء أن تكون واسعة أو محدودة من حيث العدد والمحتوى - هذه القضايا و المشابهة لها هي مسائل تدور المناقشة فيها ويرجح أن تظل كذلك طالما توجد مناهج متنافسة فى النظام العام والندرة بين الموارد". فالحاجة إلى إتباع نهجاً كلياً لحقوق الإنسان أُعترف به في البند 10 للمؤتمر العالمي للأمم المتحدة فى عام 1993 لحقوق الإنسان: "البند 10 من جدول الأعمال: النظر في العلاقة بين الديمقراطية، والتنمية، والتمتع العالمي بجميع حقوق الإنسان، مع وضع نصب الأعين العلاقة البينية و عدم تجزئة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية."
إن المنهاج الكلى لرفاهية الإنسان - الذي تقره كل السنن الروحية - يؤثر على جميع جوانب الحياة: الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، و - فوق كل شيء- المسائل المتصلة بالضمير. و أن بيان الجامعة البهائية العالمية بعنوان "عدم تجزئة حقوق الإنسان" يتناول القضية الرئيسية على المحك هنا، وهي مسألة لا فكاك منها كجزء من المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (حول الحرية الدينية): "إن الأكثر جوهرية فى حقوق الإنسان هو حق كل فرد فى التحرى عن الحقيقة لنفسه أو نفسها، والإستفادة من نتائج هذا الإستكشاف ... وطوال التاريخ البشري فإن القناعة بأن كل شخص ليس لديه الحق فقط ولكن عليه المسؤولية ’لمعرفة الله وعبادته‘، فأياً كان المصطلح الذى ربما قد وصفوا به هذه الحقيقة الأقصى، فقد طبعتها فى الأذهان الأديان الكبرى في العالم، و التى يمكن القول أنها القوة الأكثر أهمية في تهذيب الطبيعة البشرية". "فالقضية الرئيسية، مع ذلك، ليست قضية لاهوتية. فالسجل التاريخي هو ذا صلة هنا لأن التكوينات الدينية هى التى من خلالها أن الجزء الأكبر من الإنسانية حتى الآن يمارس بالأساس الحق في التحرى عن الحقيقة. ومع ذلك فالتملص من ذلك التحرى لا شك كان بسبب القيود الفكرية والاجتماعية من العصور السابقة، والحق الإنسانى في حد ذاته لا يمثل فرضية جديدة وغير مجرّبة، ولكنه قد زُرع في قوام ما نسميه الثقافة."
الجزء الثانى
لأن حقوق الإنسان تجد مصدرها في السنن الدينية العظيمة، فإنه ليس من المستغرب أن كاتب المسودة الأصلية للإعلان العالمى لحقوق الإنسان (UDHR)، رينيه كاسين من فرنسا، يكشف في سيرته الذاتية أن كلمة "حقوق" التى إقترحها قد تتبّع أثر أصولها إلى الوصايا العشرة. فالوصايا، بطبيعة الحال، ليست مدنية وأخلاقية فقط ولكنها أيضا قوانين روحية.
فالمربون المُوحى إليهم و الذين ندين لهم بتراثنا الروحي أوجدوا سنناً هى التي قد أرشدت المجتمع البشري لآلاف السنين. و يسجل التاريخ بأنه من عصر إلى عصر قد تكلم المستنيرون وصبغوا الجنس البشري بوعي موسّع و نفخوا فيه معرفة إلهية أرفع. و كما قد لاحظنا، فإن خلف التنوع المذهل من السنن التي نمت فهناك يكمن أساسا مشتركا يتجلى في تعاليمهم الكونية و الأخروية واللاهوتية - تعاليم عن أصولنا، مصائرنا، وطبيعة الإلهى. و مرة أخرى يجب أن نؤكد على الوعى الحقيقى الذى منه تنبع حقوق الإنسان: فالأشكال كثيرة ولكن الجوهر واحد. وتتمحور هذه الوحدة الضمنية ببلاغة في النظم الأخلاقية لأديان مختلفة، كما في التعاليم التي تقول يجب أن نعامل الآخرين كما نرغب أنفسنا أن نُعامل، و المعروفة باسم "القاعدة الذهبية The Golden Rule" التى وُجدت في صيغ مختلفة، في ماهابهاراتا الهندوس، والتلمود اليهودي، و داديستانى دينيك الزرادشتى، و أدانا فارقا البوذى، و إنجيل القديس متى المسيحى، والحديث الشريف الإسلامي، و في الكلمات الفردوسية لحضرة بهاءالله:
"لا تفعل فى الآخرين ما لا ترغب فعله فى نفسك، و تمنى للآخرين أيضا ما ترغب فيه و ترِدْه لنفسك، فهذا كل الدهارما". - ماهابهاراتا (الهندوسية).
"ما هو مكروه لك، لا تفعله لجارك: هذا هو كل التوراة، والباقي هو التفسير." - التلمود (اليهودية).
"تلك طبيعة حسنة فقط عندما سوف لا تفعل فى آخر أى شئ سئ بالنسبة لذات نفسه." داديستانى دينيك (الزرادشتية)
"ما دام للآخرين، هو ما لكل واحد لنفسه، والنفس عزيزة، إذن دع الذي يرغب فى مصلحته الخاصة لا يضر آخراً." أودانا فارقا - - (البوذية).
"فَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ، لأَنَّ هذَا هُوَ النَّامُوسُ وَالأَنْبِيَاءُ." – إنجيل متى (المسيحية).
"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". - حديث شريف (الإسلام).
"يَا ابْنَ الإِنْسَانِ لَوْ تَكُونُ نَاظِرَاً إِلَى الْفَضْلِ ضَعْ مَا يَنْفَعُكَ وَخُذْ مَا يِنْتَفِعُ بِهِ الْعِبَادُ وَإِنْ تَكُنْ نَاظِرَاً إِلَى الْعَدْلِ اخْتَرْ لِدُونِكَ مَا تَخْتَارُهُ لِنَفْسِكَ." - الكلمات الفردوسية (البهائية).
إضافة الى أنها تُبقى على إستدامة السلوك الأخلاقي، فإن جانباً محفزاً للسلام يمتد من خلال هذه السنن العظيمة بغض النظر عن مكان ووقت نشوئها. فالقاعدة الذهبية تعبّر أيضا عن جانب من جوانب الوحدة التي هي فضيلة رئيسية للدين - الفضيلة التى بسبب رؤيتنا المتصدعة للتاريخ قد فشلنا في إعلاء قيمتها. ففي رسالة عام 1985 إلى شعوب العالم، "السلام العالمي وعد حق" إستشهد بيت العدل الأعظم مقتبساً شرح حضرة بهاءالله فى أهمية الدين كأساس لحقوق الإنسان:
"فقد كتب بهاءالله عن الدّين كعامل اجتماعيّ فعّال قائلاً: "إِنَّه السّبب الأعظم لنَظْم العالم واطمئنان من في الإمكان". وأَشار إلى أُفول شمس الدّين أو فساده بقوله: "فلو احتجب سِراج الدّين لتطرَّق الهرج والمرج وامتنع نَيِّر العدل والإنصاف عن الإشراق وشمسُ الأمن والاطمئنان عن الإِنوار." والآثار البهائيّة تُقرِّر في تَعْدادها وحَصْرها للنتائج المُترتِّبة على مثل هذا الفساد بأنَّ "انحراف الطّبيعة الإنسانيّة، وانحطاط السّلوك الإنسانيّ، وفساد النُّظُم الإنسانيّة وانهيارها، تَظْهر كلّها في مثل هذه الظّروف على أبشع صورة وأكثرها مَدْعَاةً للاشمئزاز. ففي مثل هذه الأحوال ينحطّ الخُلُق الإنسانيّ، وتتزعزع الثّقة، ويتراخى الانتظام، ويَخْرَس الضّمير، ويغيب الخجل والحياء، وتندثر الحشمة والأدب. وتعوجّ مفاهيم الواجب والتّكاتف والوفاء والإخلاص وتَخْمُد تدريجيّاً مشاعر الأمل والرّجاء، والفرح والسّرور، والأمن والسّلام".
على مدى العقود القليلة الماضية فإن معرفتنا بأديان العالم، بثرائها وتنوعها، قد نمت بشكل كبير. وقد لعب فرع المعرفة في الدين المقارن دوراً خاصا في زيادة الفهم والتعاطف مع تقاليد دينية مختلفة. و أن حقل الدين المقارن فى صراع الآن مع مسألة كيفية إستيعاب الممارسات الروحية المتباينة تماما داخل نفس الإطار العام للفهم. في الواقع، بناءاً على هذا المسعى فقد تكون الجدوى (قابلية الحياة و النمو) لأخلاقيات عالمية وممارسة حقوق الإنسان. و يجب علينا أن نفهم كيف أن الأديان تتفق فى الأساسيات الروحانية بحيث يمكن أن هذا الوعي يخدم كأساس لقانون ذى سند ديني لحقوق الإنسان. و في هذا الإستخدام، فإن "دينياً" لا تعني أي دين معين، وإنما هى توليفة من أساسيات تشترك فيها الأديان كقواسم مشتركة، مثل ما هو الحال فى القاعدة الذهبية. ويلفريد كانتويل سميث، أحد علماء الدين المقارن، يقول أننا بحاجة إلى النظر في التقاليد الروحية في العالم بطريقة جديدة. و يقترح أنه "لم يعد من الممكن فهم كل دين كنظام ثابت". و علاوة على ذلك، يلاحظ سميث أن التاريخ المتشابك للأديان، وكذلك تقارب و إلتقاء الإنسانية الحديثة في مجتمع واحد، يجعل من المرغوب فيه أن نتحدث عن تاريخ واحد للدين و الذى يوجد فيه فروعاً متعددة.
و عالِم آخر، جون هيك، أمّنَ على أن جميع الأديان في العالم تشكل طرقاً مختلفة لخبرة، و تصور، واستجابة لنفس الحقيقة النهائية: "نفس الحقيقة الإلهية النهائية هذه التى تُلمَح من وجهات نظر مختلفة، و يُعرب عنها من داخل تشكيلة غنية من ثقافاتنا البشرية. وعلينا أن نأمل بأن ما كان واضحاً جداً للعديد من العرفانيين من تقاليد مختلفة سوف يتزايد قبوله من قِبل المؤمنين العاديين، وفي نهاية المطاف من قِبل قادتنا الدينيين المهنيين و العقائديين الرسميين".
إن النظم الدينية في العالم، تتطور كما قد حدث في أوقات مختلفة وتحت ظروف متنوعة، تجسد ترانيماً عديدة ومتنوعة لإحساس الإنسانية الفطرى لمن هو المتعال. إلا أنها تشترك في الكثير، بما في ذلك التواصل التاريخي الذي أُنتجت فيه الترانيم المختلفة. وقد تم الكثير من العمل لجمع الفكر الدينى المتنوع معاً بما في ذلك الشروع في الحوارات الدينية، وبناء نماذج من التسامح، و فلاحة التسامح الديني، واعتماد أخلاقيات مشتركة لحقوق الإنسان. و هانس كونغ، بشكل مقتضب ولكن مع بلاغة غير قابلة للطعن، إلتقط أهمية التفاهم المشترك بين الأديان بهذه الصيغة: "لا يمكن أن يكون هناك سلام بين الأمم بدون سلام بين الأديان."
إن نهج العقيدة البهائية بشأن مسألة وحدة الأخلاقيات و الرؤية قد إنطوت في مفهوم تتابع الظهور التصاعدى التدريجى للأديان. فالأساس لإقامة السلام الدينى وتعزيز حقوق الإنسان هو قبول الوحدة الجوهرية لمؤسسي جميع الأديان. فكل واحد منهم هو وريث و مصدق على من سبقه و مبشر لمن يأتى من بعده. و من خلال هؤلاء الرسل، والذين ظهروا في فترات تاريخية مختلفة وفي مناطق مختلفة على الأرض، فإن الخالق الواحد الحق قد بلّغَ مشيئته و غايته للبشرية، ومنح على التوالي المزيد من فيض الحقيقة الدينية وتكفل بفهم أكمل
على الدوام عن الإلهى. ولكن في جذورها و عميق جوهرها فإن الرسالات التى بلغوها هكذا هي واحدة. إنه فقط من خلال إنشاء نظام عالمي لحقوق الإنسان، يتجسد فيه فهم الحقيقة الكامنة و وحدة جميع الأديان، يمكننا أن نأمل في اقامة سلام حقيقي ودائم.
فالتحدي الماثل أمامنا هو تعزيز الظروف التي فيها كل أديان العالم يمكن حقا أن تعمل معاً في وئام أكبر، و إنسجام مع مبدأ "وحدة فى تنوع وتنوع فى وحدة." ووفقا لهذا المبدأ فقط يمكن لنظام مشترك من الحقوق والقيم أن يتطور. كما تنبأ به إنجيل القديس لوقا المسيحى: "وَيَأْتُونَ مِنَ الْمَشَارِقِ وَمِنَ الْمَغَارِبِ وَمِنَ الشِّمَالِ وَالْجَنُوبِ، وَيَتَّكِئُونَ فِي مَلَكُوتِ اللهِ."
أدرك الملهمون و المفكرون المثقفون من قرون بأن الإنسانية تتمتع بتراث روحى مشترك و الذى يمكن أن يخدم كأداة للوحدة العالمية والتعاون وحقوق الإنسان. فما هو مطلوب هو منهاج عولمى نحو الأديان، يحدد القواسم المشتركة ويرسم الأرض المشتركة. إن مثل هذا التقنين للحقائق المشتركة بين جميع الأديان يشكل قانوناً عالمياً للأخلاقيات يدمج مُجسداً كل ما هو أفضل في رحلة البشرية الروحانية. في النهاية، إن ما تم بحثه هو رؤية موحَّدة ومتكاملة للعالم والتاريخ البشري. وحدة بهذا المعنى ليست فقط سياسية وإجتماعية، أو إقتصادية، بل هي وحدة ضمير ووجدان عميقة الجذور و الأفق والمعتقد.
الجزء الثالث
إذا كان القرن السابع عشر شهد سلسلة من الإنفجارات التي أعادت بالأساس ترتيب خطوط الصدع للأديان الأوروبية، فإن القرن التاسع عشر شهد بداية تراجع واسع النطاق للإعتقاد الديني نفسه في الغرب. ففي عام 1851م، وصف ماثيو أرنولد في قصيدته "شاطئ دوفر" تراجع الدين بأنه "حزن، طويل، لهدير يتضاءل من بحر الايمان": ... "بحر الإيمان كان فى إحدى المرات أيضا ممتلئاً بالكامل، و يدور في شاطئ الأرض يرقد مثل طيات طوقٍ ساطع ملفوفة، ولكن الآن لم أسمع سوى حزنه، الطويل، و هديره المتضائل، متراجعاً إلى أنفاس رياح الليل، أسفل حواف واسعة موحشة وحصاة عارية للعالم".
"آه، الحب، دعونا نكون صادقين مع بعضنا البعض! من أجل العالم، والذى يبدو متمدداً أمامنا مثل أرض الأحلام، كثير التنوع، شديد الجمال، هكذا جديد، و حقا ليس له فرح، ولا حب، ولا نور، ولا إيقان، ولا سلام،

ولا من يساعدة فى الألم، ونحن هنا كأننا في سهل مظلم اجتاحته الإنذارت المرتبكة من الكِرار و الفرار، حيث جيوش الجهل تتعارك ليلا ".
و بعد عشرين عاما من قصيدة أرنولد، أعلن نيتشه موت الله. و مثل نيتشه، ساعد المفكرون غاليليو وديكارت وكانط، وهيغل فى تهيئة المناخ الفكري الذي أدى بمجتمع القرن العشرين أن يفقد الإيمان فيما هو إلهي وإلى تبني نظرة باردة كئيبة لموضع البشرية في الكون. و في العصر الحديث، فقد أصبح يُنظر إلي الدين كمجرد ظاهرة إجتماعية مجردة من الصفات الإلهية. وقد أدى إستفهام وإحتقار حقائق الأديان المقدسة إلى إعتماد مبادئ غير مستقرة و التي حددت الطريقة التي نعيش بها: الحتمية العلمية؛ (و حتى وقت قريب) الماركسية؛ الفرويدنية؛ والمادية. فمن خلال العقل العلماني لقد رفضنا ما هو خارج الحواس وغير الزمنى، و أُختزلت
البشرية لتصبح دمية للقوى الاقتصادية والطبيعية. فاللاهوتي الكاثوليكي فواولتن شين، في أطروحة إستثنائية، إسترعي انتباهنا إلى التأثيرات المنتشرة التي سلبت منا الإيمان:
"وباختصار، هذا العمل يحاول أن يذّكّر العالم الفلسفي بقيمة العقل، والتي، وإن لم تكن دائما تحت الهجوم المباشر، ومع ذلك تم تقويضها من أكنافها من خلال البراهين المتكررة أن الإنسانية تُحكم، من وقت لآخر، من قِبل قوى غير تلك التى فى العقل. فعندما يجعل ماركس الأخلاقى والفلسفى فى البنية الفوقية المتقلبة لوسائل الإنتاج الاقتصادي؛ و عندما يجعل التقليد الفرويدى العقل دمية من اللاوعي، ويؤكد أن الطبيعة الحقيقية للإنسان هى في تحقيق الشهوة الجنسية، وعندما علماء الإجتماع يجعلون الثقافة والدين هى التعبير عن البيئة، وعندما علم النفس يصبح علم وظائف الأعضاء، وعلم وظائف الأعضاء كيمياء، لذلك فإن ذلك الإنسان يتم إختزاله لمادة، وبالتالي الى شيئ، و عندها ليس فقط أن العقل يفقد صدارته ولكن الإنسان نفسه لا يوجد لديه قيمة أخرى غير تلك التي أنه أداة للسلطة، سياسية كانت أو غيرها. إنها لمفارقة غريبة أن العالم الحديث الذي بدأ بتمجيد العقلانية انتهى الى اللاعقلانية."
إذا العقلانية قد هزمت الإيمان في النصرانية الغربية، ففي العوالم الهندوسية، والبوذية، و المسلمة فإن الإيمان الصحيح كثيراً ما يُحجب بالتطرف أو ما يمكن أن يسمى "القومية الدينية"، وهو مصطلح عُرّف بأنه دين و ذلك عندما يتم توظيفه لأهداف سياسية أو قومية. و أيضا في الشرق فإن نفس روح الإيمان قد تم الهجوم عليها بعنف. و فى الحديث عن الهجوم الضمني الذى شنته الدول الغربية ضد كل من تقاليدها المسيحية الخاصة والدين بشكل عام، حضرة شوقي أفندي (ولى امر الله - الدين البهائى) كتب ما يلي: "ان مثل هذ الهجوم الذى شُن بوعى، و مجاهرة، و منظم ضد الدين عموما والمسيحية بصفة خاصة هو شيء جديد في التاريخ. و أيضاً ذلك المتعمد على قدم المساواة في بعض الأراضي في عدائها بعزم على المسيحية هو شكل آخر من أشكال الدين الإجتماعى والسياسى – الأممية. ولكن الهجوم القومى على المسيحية، على عكس الشيوعية، في كثير من الأحيان يكون ملازماً لشكل من أشكال الدين الوطني – مع الإسلام في بلاد فارس ومصر، و مع البوذية في سيلان، بينما النضال من أجل حقوق الطوائف في الهند جاء متحالفاً مع إنتعاش كل من الهندوسية والإسلام. "
هؤلاء المتعصبون كما هو موضح في الإخوة كارامازوف يكرسون أنفسهم في البحث عن أعداء، وعندما لا يوجد أعداء حقيقيون، فإن هؤلاء الأعداء يتم إختراعهم. و اليوم، نحن نرى هذه الظاهرة تظهر في الحركات المسلحة الإسلامية و التى ينتقد قادتها باستمرار الخطر الذي يشكله التداخل الثقافي الغربي. و ما زال يعلنون أن المُثل الديمقراطية الغربية تشكل تهديداً للتقاليد الشرقية الروحية ومعيبة، كحجة ما يقوله صموئيل هنتنغتون أن الإسلام بطبيعته يهدد الحضارة الغربية. إن الوضع الراهن للإيديولوجيات الإقصائية لن يسود مهما كانت مرونة العقيدة الدينية لأولئك الناس في الثقافات غير الغربية، و لا يمكنها الصمود في مواجهة تيار عصرنا إلى أجل غير مسمى الذى ينحو بعيداً عن العقائد الضيقة الى أخلاقيات التسامح العالمي. وبالمثل، مهما كانت مقاومة المفكرين الغربيين في معارضة نهضة روحية فى توسع، لا يمكن لأفكارهم الضحلة أن
تسود الى أجل غير مسمى ضد أشواق قلوب الناس للعناية الإلهية، ولا يمكن لمثل هذه الفلسفات أن تُرجأ تناول الإنسانية لليد الدافئة للخالق الرؤوف الحنون.
الجزء الرابع
لقد جاءت قوانيننا الأخلاقية من الأديان التي أثرتنا كبشر. و أن مصدر أخلاقنا هو الله الغيب المنيع. ولذلك فإن مصدر حقوق الإنسان يكمن في الكلمات الخالدة من كل الكتب المقدسة. فالإعتقاد بأن حقوق الإنسان هي حيلة غربية لتقويض التقاليد غير الغربية هو إعتقاد زائف مثل القول بأن الغرب هو فقط من يحمل لمثل هذه المُثل النبيلة. لقد حان الوقت بالنسبة لنا أن ندرس بعناية مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعثور على الأخلاق الأساسية في تقاليد الإنسانية الروحية المختلفة. و من هذا المنظور يمكننا أن نرى أن الإختلافات الدينية هي أمور من حيث الشكل و لكنها لم تكن أبداً من المبادئ الأساسية. على سبيل المثال، ما هو الدين الذى لا يُعلّم أن قيمة كل فرد بأنها مظهر من مظاهر فضل الله السماوي؟ فإذا كل دين يعترف بوجود النفس الفردية والعلاقة بين تلك النفس و خالقها، إذن كل دين يقرّ بالقواعد الأساسية لحقوق الإنسان: إن البشر يتمتعون بحقوق غير قابلة للتصرف فى ملكيتها بحيث لا أي سلطة دنيوية سواء بنزوة أو بشكل منهجى قد تلغيها.
و هذا هو بالضبط الخلاف بأن حقوق الإنسان عالمية ولا يجوز التعدي عليها من قبل الحكومات مما يجعل من مفهوم هذه الحقوق مثاراً للجدل الشديد وإشكالية في العالم اليوم. و إن ما هو مهم بالنسبة لمناقشتنا لحقوق الإنسان هو أن سيادة الدولة والتبعية لها، و التفرد الثقافي، هي العقبات الرئيسية أمام نظام عالمي لحقوق الإنسان. فخلال الحرب الباردة، قوض الإنشقاق بين الشرق والغرب الإعلان العالمى لحقوق الإنسان UDHR)) كما غرقت تفاصيل تنفيذه فى موجات متتالية من النزاعات الأيديولوجية والسياسية. و اليوم، على الرغم من أن الحرب الباردة أصبحت ذكرى، هناك توتر ملموس و ربما متزايد بين مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان متمثلاً فى – {المادة: 3 فى الحق في الحياة، و المادة: 5 ضد التعذيب، و المادة: 9 التي تحرم الإعتقال التعسفي، و المادة: 18 التي تكفل الحرية الدينية} – و بين السلطة المدّعاة من قِبل نخب سياسية معينة للتحدث عن شعوبهم وحمايتهم من ما يرونه تأثيرات خارجية فاسدة. و هى فكرة أن بعض المبادئ
والمؤسسات، مثل الديمقراطية القائمة على المشاركة، ببساطة أنها غريبة على شعوب بعينها و بالتالى يتم تغليفها في مفهوم "النسبية الثقافية".
من الناحية النظرية، فإن النسبية الثقافية هي الفكرة المعقولة بحيث أن بعض الممارسات الإجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية هى ملازمة لمجموعات [بشرية] معينة، و لذلك فإن التدخل المفاجئ المصطنع للتأثيرات الغريبة يمكن أن يكون تخريبياً. و لكن، عملياً غالبا ما تستخدم النسبية الثقافية من قِبل النخب الحاكمة كذريعة لمعارضة حركات الإصلاح المحلية التي تهدد سلطتهم أو وضعهم. وهكذا، فالدعوات لإحترام حقوق الإنسان الأساسية تم رفضها بواسطة النسبيين بدوافع سياسية بأنها غير حساسة [مُتبلدة] ثقافيا أو غير عملية إجتماعيا. و في كثير من الأحيان، كنتيجة طبيعية مباشرة لمثل هذا التلاعب و المناورة السياسية فهى تحفيز للنزعة القومية الجلفة المناهضة للدخيل الأجنبى.
في القرن العشرين، رفضت الشيوعية والأنظمة الإسلامية فكرة الحقوق الفردية باعتبارها حيلة غربية لصالح التأكيد على الصالح العام للمجتمع. فالمنظرون الشيوعيون، إستنادا إلى تفسيراتهم لنصوص الماركسية اللينينية، أكدوا ذات مرة بأن مصلحة المجتمع الجماعية يجب أن تأخذ الأسبقية على رفاهية الأفراد. و أن التأكيدات على الحقوق الفردية، كذلك زعموا، هى تهديدات كامنة ضد الجماعية ويجب إجتثاثها بأي وسيلة ضرورية. وبالمثل، مارس طغاة القرن العشرين من مختلف المشارب من اليساريين المتطرفين الى اليمينيين الرجعيين نماذجاً مشوهاً من الديمقراطية و التي تتكون من إستدعاء الحشود لتقديم بيعة /تكريم حماسي إلى المجلس الأعلى /المرشد الروحى وبرنامجه السياسي. و هذا الشكل من الديمقراطية في بعض البلدان - يُدعى"الديمقراطية المباشرة"، و "ديمقراطية الشارع"، أو "ديمقراطية الشعب" – و تتفق زعماً مع الأساليب السياسية أو الثقافية للمواطنين وتمثل صوتهم الحقيقي.
سيتم عولمة حقوق الإنسان، والتى هى في جوهرها مفهوم عالمي، عندما البشر كافة – ليس فقط النخب السياسية ذات الأجندات السياسية الضيقة - يتمتعوا بسهولة الوصول إلى النص ومبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان UDHR ويمكنهم، عن طريق نظام إنتخابي حر ونزيه حقاً، التعبير عن خياراتهم الشخصية حول كيفية تنفيذه. هناك مفارقة قاسية سائدة في الدول التي تقمع حقوق الإنسان في أن النخب الحاكمة تتآمر لحرمان الجماهير من الوصول إلى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، ولكن في نفس الوقت نفس هذه النخب تؤكد تمتعها الشخصي بثمار هذه الحقوق المرفوضة [بالنسبة للشعب] مثل السفر والحصول على المعلومات. وهكذا، في الدول غير الحرة يسود نظام ذو ثلاثة مستويات: 1- الدوائر الحاكمة تمارس سراً الحقوق التي يكفلها الإعلان العالمي؛ 2- الحركات الطلابية، والجمعيات المهنية، والمنظمات غير الحكومية (والتي تعرف مجتمعة باسم "المجتمع المدني") يفهمون القيم الواردة في الإعلان العالمى لحقوق الإنسان UDHR و يتطلعون إلى تنفيذها؛ 3- وأخيرا، الجماهير من الناس العاديين و في كثير من الأحيان الأميين تم حرمانهم من "حقهم الأساسى في معرفة حقوقهم". و في القرن الحادي والعشرين، فإن جميع الشعوب، بغض النظر عن الوضع الاجتماعي أو المستوى التعليمي، يستحقون أن يعرفوا حقوقهم الإنسانية الأساسية بحيث يمكن للأفراد، وليس الحكومات، أن يقرروا لأنفسهم أى الحقوق التي سوف يمارسونها.
إن معرفة وممارسة حقوق الإنسان يجب تعميمها عالمياً عن طريق التعليم والحصول على المعلومات ذات الصلة. و المادة المصيرية لنشر مفهوم حقوق الإنسان هى المادة: 18 من الإعلان العالمي، التي تعمل بمثابة نقطة تجمّع و التى حولها فإن أديان العالم يمكنها أن تتعاون في تحقيق هذا الهدف. و المادة 18 تقرأ كما يلي: "لكل شخص الحق في حرية التفكر و الضمير [الوجدان] والدين ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته إما وحده أو فى مجتمع مع الآخرين، وأمام الملأ أو خاص، في إظهار دينه أو معتقده بالتبليغ، و الممارسة، و العبادة و الشعائر."
الجزء الخامس
لقد وصلنا إلى فترة من الوقت - نهاية كل من القرن و نهاية الألفية - التي لها أهمية مزدوجة بسبب خسارتنا للإيمان الديني الحقيقي (كما تجلى في إنحطاط الأخلاق الخاصة والعامة) و إضطرابنا العصبى المتعمق كما وصفه كارل يونغ: "تُعبّر [الأديان] عن المدى الكامل للمشكلة النفسية في صورٍ قوية، بل هي الإقرار والإعتراف بالنفس، و في نفس الوقت الكشف عن طبيعة النفس. و من هذه القاعدة الشاملة فلا نفس إنسانية يتم عزلها؛ فقط ذلك الوعي الفردي الذي فقد إتصاله بالجمع الكلى النفسى psychic totality و الذى لا يزال عالقاً في وهم بأن النفس هي منطقة صغيرة محددة، وهو موضوع يصلح للتنظير ’العلمى‘. و أن فقدان هذه العلاقة العظيمة هو الشر الرئيسى وراء الإضطراب العصبى ... "
و حتى الآن فهذه الحالة من الإنحلال الأخلاقي والإضطراب العاطفي ليست شيئا جديدا، لأنه يبدو أن البشرية كانت دوماً و دورياً تعيد اكتشاف جذورها الروحية في خضم الفوضى والشقاق، بالأخص ذلك الذى يرافق التغيير.
دبليو بى ييتس، واحد من أعظم الشعراء في هذا القرن، قد إلتقط مزاج هذه اللحظة التاريخية، على عتبة عهد جديد، في قصيدة جديرة بعنوان "المجيء الثاني":
"يلف و يلف في دورات تتسع، فالصقر لا يمكنه سماع صاحبه؛ الأشياء تتداعى، والمركز لا يمكن ان يستمر متماسكاً؛ فالفوضى المجردة أطلق عقالها على العالم، واطلق عقال المد و الجزر بلون الدم القاتم، و غرق حفل البراءة في كل مكان، فالأفضل هو من يفتقر لكل إيمان راسخ، في حين أن الأسوأ مليئ بكثافة الشهوة."
إن قصيدة ييتس ليست فقط تحتفل بميلاد حضارة جديدة، ولكنها تؤكد أيضا على فترة من الإضطراب الحاد التى ترتبط وثيقاً و تسبق إنشاء نظام أخلاقي جديد. فصُوَر ييتس الدينية المجازية تترك القارئ فيما لا شك فيه بالنسبة لطبيعة المجتمع العالمي الذى توقعه والذى ينهض الآن.
شاعر شهير آخر، و الذي بطريقة مماثلة عاش في عصر الفرص لا كما عضرنا نحن، تحدث عن التفكك و الإنخلاع والشك في جيله. في قصيدة من القرن السابع عشر بعنوان "الذكرى الأولى" كتب جون دون يقول:
"وفلسفة جديدة تدعو الجميع لكل موضع شك: إن عنصر النار تم إخماده تماماً؛ و فُقدت الشمس، والأرض، و لا لفطنة رجل يمكن أن توجهه أين يبحث عنها. "تس --- الكلٌ قِطعٌ مكسرة و كل التماسك ذهب."
في وقت لاحق في القرن السابع عشر قصيدة جون درايدن "قناع العلمانية" وشملت مرثية لعصره، وهى واحدة يمكن على حد سواء تطبيقها على يومنا هذا: "كل شيء، كل قطعة في جميع الأنحاء: مطاردتك كانت فى رؤياها وحشاً؛ حروبك جلبت لا شيئ؛ جميع عشاقك غير حقيقيين. تس، كذلك شيخوخة تخرج، والوقت للبدء من جديد".
في الوقت الحاضر لقد وصلنا إلى لغز مزدوج: قلنا أن الدين هو و قد كان السبب فى فترة الصراع، و مرة أخرى، و أيضاً بدون دين فالبشرية تنزلق فى إضطراب عصبى ذاتي التدمير. علاوة على ذلك، لا يمكن لجهد دائم لخلق العدالة والوحدة والسلام بمقدوره تجاهل الدور الرئيسى للدين.
فأي محاولة لتحقيق نظام عادل في العالم لن تكون ممكنة من دون أن يسبقها تحوّل فى الإيمان من خلال ظهور جديد لتراثنا الروحي المشترك. و علامات مثل هذه الصحوة واضحة في توقان الملايين من الناس في البلدان الشيوعية السابقة للحياة الروحية. و في حين لا ينبغي لولادتنا الجديدة الروحية أن ترفض التقدم الذي حققه العقل منذ عصر التنوير، يجب أن نضع وراءنا الممارسات البشرية الدينية المأساوية الكثيرة. فالتحدي الذي يواجهنا، بطبيعة الحال، هو التغلب على سوء الفهم و التحاملات التي هي سبب الفتنة بين الأديان المختلفة، وبدلا من ذلك نبنى على المعتقدات الأساسية التي تشترك فيها جميعاً. فالجنس البشري يتمتع بإرث دينى-ثقافي مشترك، لأن الثقافة والحضارة في النهاية مبنية على الدين. و عندما نبدأ في البحث عن الحقائق العالمية التي نتفق عليها، سنجد أنفسنا تتجلى فينا بشكل جماعي "علامات الوحدانية وجوهر الإنقطاع". على حد تعبير عبد البهاء:
"إنّ النّزاع بين الأديان والأمم والأجناس ينشأ عن سوء التّفاهم، وإذا نحن تحرّينا الأديان في سبيل اكتشاف المبادئ التّي تقوم عليها، فسنجدها جميعًا متّفقة فيما بينها، لأنّ حقيقتها الأساسيّة واحدة، لا تعدّد فيها، وبهذه الطّريقة سوف يصل أهل الأديان في العالم إلى ملتقى الوحدة والوئام". (عبدالبهاء، دراسات بهائيه، بهاءالله والعصر الجديد)
كما لاحظنا، فالجوانب الروحية والأخلاقية والدينية تشكل جزءا هاما من الخطاب المتعلق بحقوق الإنسان. و أن الحقائق الخالدة قد كُشفت للبشرية في مراحل مختلفة فى تقدمنا ونمونا: إن صور الأديان في العالم قد تختلف، ولكن جوهرها هو واحد و نفس الذات. فكل الأنبياء المؤسسين لأديان العالم قد تحدثوا عن المطلق (الله)، الينبوع الأوحد للنور و الهداية الأخلاقية. و لنأخذ مرة أخرى مثالاً من الأدب، شيلي في "أدونيس" مرثاته النبيلة التى كتبها فى وفاة زميله الشاعر جون كيتس، إلتقطت معنى هذه الوحدانية: "الواحد يظل باق، و الكثرة تتغير و تذهب؛ ضوء السماء يضيء إلى الأبد، ظلال الأرض تطير، و الحياة، مثل قبة من زجاج عديد الألوان، تخضب الوهج الأبيض للخلود، حتى يدوسه الموت الى شظايا".
في التقاليد الإسلامية، فإن رمز ذلك الينبوع منارة الأخلاق و الهداية، النقطة المجازية التي يجب علينا جميعا أن نشد الرحال إليها، هى الكعبة. و الحكاية الرمزية التالية من القرن الثالث عشر الميلادى منسوبة إلى جلال الدين الرومي الصوفي العرفانى العظيم، يناقش هذه النقطة نفسها باستخدام مفهوم الكعبة السماوية: "على الرغم من أن الطرق عديدة، فالجهة المقصودة هى واحدة. ألا ترى عديداً من الطرق الى الكعبة. للبعض فالطريق من الأناضول، و للبعض من سوريا، و للبعض من بلاد فارس، و للبعض من الصين، ولا يزال للآخرين طريق البحر من الهند واليمن. لذلك، فإذا نظر الفرد إلى الطرق فقط، فثمة إختلافات كبيرة ومسافات بين بعضها البعض غير نهائية، ولكن إذا ما نظر الفرد إلى المكان المقصود (الغاية)، يتفق الجميع بالإجماع، وذلك لأن قلب كل فرد متوجه نحو الكعبة. فجميع القلوب لديها حب قوي و تعلق وجدانى بالكعبة. هناك لا يوجد تناقض لأن هذا التعلق بالكعبة هو فوق الإيمان والكفر. وبعبارة أخرى، فإن هذا التعلق لا علاقة له مع تلك الطرق المختلفة المؤدية للكعبة. وبمجرد وصولهم إلى الكعبة، تلك النزاعات، و المخاصمات، والإختلافات التي وقعت على الطريق تختفي. فإنه ليس سوى في الطريق يظلون يقولوون لبعضهم البعض، ’أنتم مخطؤن، أنتم كفاراً‘. ولكنهم عندما يصلوا إلى الكعبة، يصبح من الواضح أن مخاصماتهم كانت فقط على الطريق، في حين كانت وجهاتهم واحدة و ذات نفسها."
العبارة الافتتاحية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص بشكل قاطع أن الفلسفة التي يقوم عليها الإعلان العالمي UDHR هى الإيمان العميق و الإعتقاد الراسخ "في كرامة وقيمة الإنسان"، و ذلك: "[أن] الإعتراف بالكرامة المتأصلة فطرياً والحقوق المتساوية والثابتة لجميع أعضاء الأسرة البشرية هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم".
و كل التقاليد الروحية تؤكد أن الإنسان في تقسيمه الثلاثي: العقل، الجسم، والروح خلق على صورة الله. و تتفق الأديان السماوية على أن جملة العقل و الجسد والروح تميّز الكائن البشري وترفعه الى مقام هو أعلى مما تتمتع به الحيوانات (بلا نفس) والملائكة (بدون جسد). فمقام الإنسان المفضل إعترفت به جميع الكتب المقدسة الكبرى في العالم مما يؤدي حتما إلى إستنتاج مفاده أن الحط من قدره أو إذلاله بأي شكل من الأشكال أمر غير مقبول عند الله. فحياة الشخص، أسرته، وممتلكاته كلها مقدسة و لا تنتهك حرمتها. و أن الرحمة والرعاية لجميع عبيد الله، بغض النظر عن الدين الذي يختارونه، هو مسعى أجدر بكثير من قتل أو إيذاء الآخرين بسبب الحماس المفرط في سبيل الله. و في فصوص الحكمة لمحيي الدين بن عربي (1165-1240 م)، أعظم شعراء الصوفية، نصادف القصة التالية: "أراد داؤد بناء المعبد، وقد فعل ذلك عدة مرات، ولكنه كلما فرغ من الانتهاء منه، يخر ساقطاً. ثم شكا داؤد ذلك إلى الله. فكشف الله له: ’إن معبدى لا تبنيه أيدى من سفك الدماء‘. عندها قال داود: "أوه، يا رب، ألم يكن ذلك الفعل من أجلكم؟ فأجاب: نعم، ولكنهم كانوا أيضا عبيدى".
وكان أبو حامد محمد الغزالى ( 1058 – 1111م )، الذي عاش فى القرن قبل ابن عربي، و كان يمثل القديس أوغسطين [فى المسيحية] بالنسبة للإسلام و كان أعظم اللاهوتيين في عصره فى العالم الإسلامي. وبتخليه عن تعليمه الأرثوذكسى المكثف أصبح غير راضٍ عن النهج الفكري و الفقهى التشريعى للدين، وأعلن بدلا عن ذلك إعتقاده التام في عقيدة الحب الكونى. لا أى مفكر سواء من الشرق أو الغرب قد عرّف بكل النبل عظمة مقام الإنسان كما فعل الغزالى في مقدمته (كيمياء السعادة). "أعلم أيها الحبيب، أنه لم يتم خلق هذا الإنسان من باب الدعابة أو عشوائيا، ولكنه خُلق فى أحسن الصور و لأسمى الغايات. على الرغم من انه ليس من الأبدية، ولكنه يعيش إلى الأبد؛ وعلى الرغم من أن جسده هو وسيلة و ترابى، ولكن روحه سامية و سماوية. و عندما يتم وضعه في بوتقة الإمتحان القاسى من التقشف فإنه يتم تطهيره من الشهوات الجسدية و يبلغ المعالى، وبدلا من أن يكون عبداً للشهوة والغضب يصبح موهوباً بالصفات الملائكية. و ببلوغه تلك الحالة، يجد جنته فى التأمل فى الجمال السرمدى، ولم يعد له في المباهج الجسدية. فإن الكيمياء الروحية التي عملت هذا التغيير فيه، مثل تلك التي تحوّل المعادن الخسيسة إلى ذهب، ليس من السهولة كشفها... "
هذا المقطع يؤكد ليس فقط السبب لماذا ينبغي تكريم واحترام كل شخص، ولكن يشير أيضا كيف يمكننا غرس مثل هذا الإحترام لإخواننا من بني البشر بغض النظر عن العمر أو اللون أو العرق أو الجنس، أو العقيدة. في الحقيقة، أن كلمات الغزالى تؤكد على الضرورة الملحة لمدارسنا وجامعاتنا للإعتراف بأهمية تدريس حقوق الإنسان. و في الوقت نفسه، يجب علينا المضي قدما وبطريقة مبتكرة و بهمة لنقل مناقشة حقوق الإنسان خارج أروقة الأوساط الأكاديمية المقدسة الى مساحات أوسع فى السوق الفكرى. ففي قلب أي مناقشة لحقوق الإنسان، وعلاقة الإنسان بالإنسان، تقع مسألة مم يتشكل الجنس البشرى، وكيف أن البشرية قد تجد التعبير عن نفسها فى أقصى حد. و عندما تعجّب هاملت شكسبير مندهشاً، "ما أروع هذا المخلوق الإنسان!" وسوفوكليس، فى أنتيجون، يعلن "إن عجائباً كثيرة على الأرض، وأعظمها هذا الإنسان"، فإنهم أضافوا روابط جديدة لسلسلة من الحدس و الإستبطان تمتد الى الوراء على مدى قرون عديدة. و منذ 2300 سنة طرح ناظم المزامير (فى التوراة) هذا السؤال: "فَمَنْ هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى تَذكُرَهُ؟ وَابْنُ آدَمَ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ؟ وَتَنْقُصَهُ قَلِيلاً عَنِ الْمَلاَئِكَةِ، وَبِمَجْدٍ وَبَهَاءٍ تُكَلِّلُهُ." (مزامير، 8: 4 – 5).
وقد أجاب على السؤال الذي طرحه ناظم المزامير قبل وبعد زمانه سلسلة من المربين المستنيرين، و المطالع الإلهية، والأنبياء، ورسل الله. يتكلمون جميعهم عن "الملكوت الإلهي فى الإنسان" و يحضون الإنسانية لتنهض لتنال مقامها الصحيح ونبلها. و في الواقع فإن هؤلاء المربون يؤكدون على أعظم الحقوق جميعاً، و سلامة و حرمة كرامة الإنسان. و الأنبياء إشترطوا أيضا مسؤولية كل فرد لضمان الحقوق المتساوية لإخوتهم في الإنسانية. و هكذا نقرأ في الكتب المقدسة المختلفة:
" وَأَجْعَلُ رُوحِي فِي دَاخِلِكُمْ، وَأَجْعَلُكُمْ تَسْلُكُونَ فِي فَرَائِضِي، وَتَحْفَظُونَ أَحْكَامِي وَتَعْمَلُونَ بِهَا." (حزقيال، 36: 27). (اليهودية)
" دقيقة أكثر من الدقيقة، أعظم من عظيمة، هى الروح (أتمان) التي نُفخت في قلب مخلوق هنا." (كاثا أبانيشاد، 2: 20). (الهندوسية)
" ثم ألم تر إلى كمال خلق الانسان كيف انطوت فيه كل هذه العوالم واستترت هذه المراتب. أتحسب انك جرم صغير **** وفيك انطوى العالم الأكبر؟". (الوديان السبعة، ص: 34) (البهائية)
"أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُفْسِدُ هَيْكَلَ اللهِ فَسَيُفْسِدُهُ اللهُ، لأَنَّ هَيْكَلَ اللهِ مُقَدَّسٌ الَّذِي أَنْتُمْ هُوَ." ( I- كورنثوس، 3: 16 – 17). (المسيحية)
" إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ "، (القرآن، 38: 71 – 72). (الإسلام)
"أنا هو نفسه لجميع البشر، وحبي الى الأبد هو نفسه، ولكن أولئك الذين يعبدوننى بتفانٍ و تقوى، فهم فيّ وأنا فيهم." (بهاقافات غيتا، 9: 29). (الهندوسية)
و الكتب المقدسة تحثنا الى مزيد من الترابط مع بعضنا البعض كإخوة وأخوات، وليس كأعداء وخصوم، في علاقة و التى هى روحية وإجتماعية في آن معا: " لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضًا اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ، يَهُودًا كُنَّا أَمْ يُونَانِيِّينَ، عَبِيدًا أَمْ أَحْرَارًا، وَجَمِيعُنَا سُقِينَا رُوحًا وَاحِدًا. " (I- كورنثوس، 12: 13). (مسيحية).
إن "الروح الواحدة" التى أكدت عليها هذه الآيات المقدسة تقترح وحدة الرؤية و الأخلاقيات التي لها آثار حاسمة على الطريقة التي نفكر بها عن أنفسنا والمجتمع والطبيعة. ومن حيث مفهوم حقوق الإنسان يمكن للفرد أن يقول إذا كان كل واحد منا يتكون من جوهر الجميع والجميع من جوهر كل واحد، إذن فإنه تدمير ذاتى حين تشويه سمعة، وإذلال، أو ضرر إنسان آخر. وعلى نفس المنوال فإنه تعزيز ذاتى بإحترام، و ثناء، ورفعة، و تعزيز مصالح الآخر ما دام على مستوى الروح نحن متطابقون. على حد قول جبران خليل جبران: "أصْلى هو أصلهم، وجدانى هو وجدانهم، خصامى هو خصامهم، وحَجي هو حجهم. فاذا أذنبوا، فأنا أيضا مذنبٌ. و إذا ما أدوا أداءاً جيدا، أشعر بالفخر لأدائهم الجيد. و إذا نهضوا، أنهض معهم. و إذا بقوا خاملين، أشاركهم كسلهم."
الجزء السادس
إن أكبر عائق أمام الوحدة في عالم ما بعد الحرب الباردة هى ليست عقيدة سياسية بل الفتنة الدينية والثقافية. فإذا ما كان للنظام العالمي لحقوق الإنسان أن يتحقق، فإن الرجال والنساء من أهل الإيمان بحاجة الى أن ينظروا بعضهم البعض بعين من هو خلقنا جميعا. و كدليل ملموس على وحدة نسعى لها، لابد من الإعتراف في دائرتنا بالمشككين والملحدين لأنه سبحانه و تعالى هو مثل الشمس تشرق بأشعتها على كل شيء مخلوق من دون تمييز. و يجب على أعضاء مختلف الأديان تجاوز حرفية الكتاب المقدس و العقيدة و التقاليد و الأيدولوجيا. و يجب أن يتعلم المؤمنون الإستماع إلى الصوت الإلهي يتحدث من خلال الوحي والتاريخ ومعاً يفهمون ماذا يقول الله لكل واحد منا من خلال دينه الخاص به ومن خلال أديان الآخرين. ولكن ربما أيضا ينبغي أن نأتي لمعرفة ما يدعوه جيرالد قورت "الآخر في أنفسنا":
"قبل طرح أسئلة بشأن آخر هناك، علينا أن نسأل عن الآخر فينا، إن جارنا الأنبل الأسمى و كذا الرفيق – هو روحنا نحن- التى تصافح بيد واحدة جسدنا وعقلنا هنا على الأرض، و بالآخرى تتمسك بثبات بالحقيقة التي تتجاوز ذاتها. وعندها فقط يمكننا أن نأمل أن نرحل من يد إلى أخرى، من الكثرة الى الواحد. من هنا، ليعرف الفرد الحقيقة حول ذاته وحول الآخر فهى أن يعرف حقيقة النفس، والتي في وقت واحد تميزنا كأفراد و تعولمنا كلنا مجتمعين. النفس الأولى، ثم الله! "
"أعرف نفسك". قرأ سقراط هذه الكلمات على أوراكل دلفي (ضريح مقدس فى مدينة دلفى)، فهى تمثل له أصل كل الحكمة. وبعد ألف سنة ساوى الحديث الشريف الإسلامى معرفة النفس بمعرفة الله والحقيقة: "من عرف نفسه فقد عرف ربه". و ألف سنة بعد الرسول الأعظم للإسلام، مرة أخرى نفس الرسالة عُبّر عنها بوضوح في كلمات حضرة بهاءالله:
"يَا ابْنَ الرُّوحِ - خَلَقْتُكَ غَنِيّاً كَيْفَ تَفْتَقِرُ، وَصَنَعْتُكَ عَزِيزاً بِمَ تَسْتَذِلُّ، وَمِنْ جَوْهَرِ العِلْمِ أَظْهَرْتُكَ لِمَ تَسْتَعْلِمُ عَنْ دُونِي، وَمِنْ طينِ الْحُبِّ عَجَنْتُكَ كَيْفَ تَشْتَغِلُ بِغَيْري؛ (حضرة بهاءالله، الكلمات المكنونة: 13)
======================
1 السنهدرين صيغة عبرية للكلمة اليونانية "سندريون" وتعني "مجلس". وقد كان هذا الاسم يُطلق على الهيئة القضائية العليا المختصة بالنظر في القضايا السياسية والجنائية والدينية المهمة في المناطق التي كان يعيش فيها اليهود في إسرائيل القديمة. و كان المجلس يتكون من 20 – 23 رجلاً فى كل مدينة.
2 حقوق الإنسان (1791) Rights of Man، هو كتاب لتوماس باين، و يشمل 31 مقالة، يفترض أن الثورة السياسية الشعبية جائزة عندما حكومة ما لا تقوم على حماية الحقوق الطبيعية لشعبها. و باستخدامه لهذه النقاط كقاعدة فإنه يدافع عن الثورة الفرنسية ضد هجوم إدموند بيرك في كتابه تأملات في الثورة في فرنسا (1790). نشر في جزأين مارس 1791 وفبراير 1792.
3 يوهان فولفجانج جوته (بالألمانية: Johann Wolfgang von Goethe)‏ (28 أغسطس 1749 - 22 مارس 1832) هو أحد أشهر أدباء ألمانيا المتميزين، والذي ترك إرثاً أدبيا وثقافياً ضخماً للمكتبة الألمانية والعالمية، وكان له بالغ الأثر في الحياة الشعرية والأدبية والفلسفية، وما زال التاريخ الأدبي يتذكره بأعماله الخالدة التي ما زالت أرفف المكتبات في العالم تقتنيها كواحدة من ثرواتها، وقد تنوع أدب جوته ما بين الرواية والكتابة المسرحية والشعر وأبدع في كل منهم، واهتم بالثقافة والأدب الشرقي واطلع على العديد من الكتب فكان واسع الأفق مقبلاً على العلم، متعمقاً في دراساته.
4 السّلامُ العَالميُّ وَعْدٌ حَقٌّ، تَرْجَمَةُ البَيَانِ الصَّادِرِ عن بَيْتِ العَدْلِ الأعْظَمِ والموجَّه إلى شعوب العالم، ص: 14.
5 لوقا، 13: 29.
الإخوة كارامازوف: الإخوة كارامازوف هي رواية للكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي وعموماً تعتبر تتويجاً لأعماله. أمضى دوستويفسكي قرابة عامين في كتابة الإخوة كارامازوف، والتي نشرت في فصول في مجلة «الرسول الروسي» وأنجزها في تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 1880.
6 ما يميز علم النفس اليونغي هو فكرة أن هناك مركزين للشخصية. الأنا ego و هو مركز الوعي، بينما الذات Self هى مركز للشخصية الكلية، والتي تشمل الوعي واللاوعي، والأنا. و أن الذات هى الكل والمركز معاً. في حين أن الأنا هو مركز مكتفى بذاته صغير من الدائرة المحتواة في داخل الكل، و يمكن فهم الذات باعتبارها الدائرة الأكبر.
=========================


قائمة المراجع Bibliography
Allott, Philip, 1990, Eunomia: New Order for a New World, Oxford University Press, Oxford.
Abdu l-Bahá-;---;-----;-------;----, 1945, Foundations of World Unity, Bahá-;---;-----;-------;---- í-;---;-----;-------;---- Publishing Trust, Wilmette IL.
Abdu l-Bahá-;---;-----;-------;----, 1980, Bahá-;---;-----;-------;---- u llá-;---;-----;-------;----h and the New Era, Bahá-;---;-----;-------;---- í-;---;-----;-------;---- Publishing Trust, Wilmette IL.
Abrams, M. H., et al., eds., 1968, The Norton Anthology of English Literature, 2 Vols., W. W. Norton & Company, New York.
Bahá-;---;-----;-------;---- í-;---;-----;-------;---- International Community, "Indivisibility of Human Rights," Statement to the United Nations World Conference on Human Rights, Vienna, 1993.
Bahá-;---;-----;-------;---- u llá-;---;-----;-------;----h, 1988, Tablets of Bahá-;---;-----;-------;---- u llá-;---;-----;-------;----h, Bahá-;---;-----;-------;---- í-;---;-----;-------;---- Publishing Trust, Wilmette IL.
Bahá-;---;-----;-------;---- u llá-;---;-----;-------;----h, 1992, Hidden Words, Bahá-;---;-----;-------;---- í-;---;-----;-------;---- Publishing Trust, Wilmette IL.
Bennett, Roger E., ed., The Complete Poems of John Donne, Hendricks House, New York.
Claude, Richard and Burns Weston, eds., 1992, Human Rights in the World Community, University of Pennsylvania Press, Philadelphia.
Cranston, Maurice, 1973, What are Human Rights?, Taplinger, New York.
Al-Ghazzali, 1980, The Alchemy of Happiness, Octogon Press, London.
Gort, Jerald D., et al., eds., 1992, On Sharing Religious Experience, William B. Ferdmazns Publishing Company, Grand Rapids, MI.
Gurr, Ted, 1993, Minorities at Risk, United States Institute of Peace Press, Washington, DC.
Hick, John, 1985, The Experience of Religious Diversity, Gower Publishing, Aldershot.
Jüng, Carl Gustav, 1980, Collected Works, ed. H. Read, trans. R.F.C. Hull, Princeton University Press, Princeton, NJ.
Küng, Hans, 1991, Global Responsibility, Crossroads, New York.
Sharma, Ahanker Dayal, et al., eds., 1993, Contemporary Relevance of Sufism, Indian Council for Cultural Relations, New Delhi.
Sheen, Fulton J., 1948, Philosophy of Religion, Appleton, Century, Crofts, New York.
Shoghi Effendi, 1982, The World Order of Bahá-;---;-----;-------;---- u llá-;---;-----;-------;----h, Bahá-;---;-----;-------;---- í-;---;-----;-------;---- Publishing Trust, Wilmette.
Smith, Cantwell, 1981, Toward a World Theology, Macmillan, London.
United Nations, 1951, "Our Rights as Human Beings," United Nations Publications, New York.
Universal House of Justice, 1985, "The Promise of World Peace," Bahá-;---;-----;-------;---- í-;---;-----;-------;---- Publishing Trust, Wilmette IL.


هذه الورقة توجد على موقع المكتبة البهائية على النت Bahai Library Online على الرابط أدناه
http://bahai-library.com/bushrui_foundation_human_rights
ترجمة حامد المعلم – 27/06/2014



#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السّلامُ العَالميُّ وَعْدٌ حَقٌّ 3-5
- السّلام العالميّ وَعْدٌ حَقٌّ 2-5
- السّلام العالميّ وَعْدٌ حَقٌّ 1-5
- خاتم النّبيّين
- نهجا الحياة
- رسالة مفتوحة من البهائيين بمصر إلى كلّ المصريّين
- صعود السيد المسيح
- التقاليد خلاف الحقيقة
- حقيقة مسألة التّناسخ التي يعتقدها بعض الملل
- في بادرة غير مسبوقة-رجل دين بارز في ايران يدعو إلى التعايش ا ...
- طلوع الشمس من مغربها
- البداء في الأديان عبر العصور والأزمان
- المرأة والرجل جناحي الحياة
- -وسلام هى حتى مطلع الفجر- 5 جمادى الأول سنة 1260 هجرية الموا ...
- دلالة حديث ( العجب كل العجب ما بين جمادى ورجب)
- سبحان اللّه! لكلّ شيء رزقه، فحيثما كان الشّجر نزل إليه المطر ...
- من منظوري البهائي
- المسيح الدجّال
- الحسد
- قصة أهل الكهف


المزيد.....




- الأمم المتحدة تطالب بإيصال المساعدات برّاً لأكثر من مليون شخ ...
- -الأونروا- تعلن عن استشهاد 13750 طفلا في العدوان الصهيوني عل ...
- اليابان تعلن اعتزامها استئناف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئي ...
- الأمم المتحدة: أكثر من 1.1 مليون شخص في غزة يواجهون انعدام ا ...
- -الأونروا-: الحرب الإسرائيلية على غزة تسببت بمقتل 13750 طفلا ...
- آلاف الأردنيين يتظاهرون بمحيط السفارة الإسرائيلية تنديدا بال ...
- مشاهد لإعدام الاحتلال مدنيين فلسطينيين أثناء محاولتهم العودة ...
- محكمة العدل الدولية تصدر-إجراءات إضافية- ضد إسرائيل جراء الم ...
- انتقاد أممي لتقييد إسرائيل عمل الأونروا ودول تدفع مساهماتها ...
- محكمة العدل تأمر إسرائيل بإدخال المساعدات لغزة دون معوقات


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - راندا شوقى الحمامصى - الأساس الروحانى لحقوق الإنسان - وجهة نظر بهائية