أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) رد على المهندس -محمد شحرور-















المزيد.....



(وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) رد على المهندس -محمد شحرور-


نهرو عبد الصبور طنطاوي

الحوار المتمدن-العدد: 4495 - 2014 / 6 / 27 - 03:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لا يخفى على كثير من الناس أن كثيراً من القرءانيين يقومون بمحاولات مستميتة يائسة لإفراغ الإسلام بكل شرائعه وأحكامه من مضمونه، كي يتحول إلى دين أجوف مائع زئبقي داعر خال من المضمون والمعنى والمغزى، حتى ترضى عنه اليهود والنصارى من الأمريكان والأوربيين والإسرائيليين. وما على المحقق سوى أن يتابع أفكارهم وكتاباتهم وفتاواهم على الشبكة العنكبوتية ليكتشف من الوهلة الأولى أن هؤلاء يعملون بكل جد واجتهاد على اختلاق دين جديد ما أنزل الله به من سلطان، دين يتوافق مع أهل الأهواء والشهوات من كل حدب وصوب.

وكان من بين هذه الاختلاقات وذلك العبث والتحريف المنظم والممنهج الذي مرد عليه القرءانيون لكتاب الله وآياته وشريعته وأحكامه، فرية المهندس "محمد شحرور" أن الله قسم الناس في أيام الصيام إلى: (ثلاث فئات: المريض، المسافر، ومن يطيق الصوم فهو ﻻ-;- مريض وﻻ-;- مسافر. المريض والمسافر تم إعفاءهما، أما من يطيق الصوم فعنده خياران: اﻷ-;-ول أن يصوم والثاني أن يفدي بإطعام مسكين كحد أدنى .... فهناك خيار الفدية أو الصوم للذي يطيق، ولكنه رجح لنا الصوم فقال {وأن تصوموا خير لكم}، أي الفدية جاءت للذي يطيق، ﻻ-;- للمريض وﻻ-;- للمسافر، بل هما سيصومان بعد الشفاء أو العودة، و من يقول {يطيقونه} أي ﻻ-;- يطيقونه أو يطيقونه بصعوبة فهذا هراء). انتهى

ما يعني قول المهندس "شحرور" أن الله قد ترك للمؤمن غير المريض وغير المسافر خيار أن يصوم شهر رمضان أو لا يصوم، وإن ترك المؤمن صيام شهر رمضان حتى وإن كان مستطيعا قادرا على صيامه فما عليه سوى "الفدية" التي هي إطعام مسكين. هكذا يلوي القرءانيون آيات الله ويحرفون كلامه عن مواضعه عمدا ومع سبق الإصرار والترصد، وهذا هو السياق الكامل لآيات الصيام في "سورة البقرة":

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183) أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). (185_ البقرة).

هل هذه الآيات تشير من بعيد أو قريب إلى أن الله خير المؤمنين غير المرضى وغير المسافرين في صيام رمضان أو عدم صيامه في مقابل "الفدية" كما قال المهندس"محمد شحرور" أو كما فهم هو من الآيات؟. فلنر:

لقد بدأ الله هذا السياق بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). كثيرون قديما وحديثا رأوا أن الله بهذه الآية قد فرض الصيام على المسلمين في بادئ الأمر دون تحديد أيام بعينها، ثم بعد ذلك بدأ بتعيين ما هي "الأيام المعدودة"، فقال: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ).

وفي الحقيقة مضمون نص الآيات لا يشير إلى هذا مطلقا، كيف؟.
إن قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ). لا يعني فرض عليكم الصيام كما فهم كثيرون، لأن الفعل "كتب" يدل على جمع عدة من الحقوق والواجبات والإلزامات والشروط والتكاليف التي يتم جمع وضم بعضها إلى بعض في أمر محدد ثم يتم إلزام بها شخص أو جماعة أو أمة بعينها من الناس كي يقوموا بفعل وتطبيق وتنفيذ هذه الأشياء المجتمعة في أمر بعينه، وقد فصلت كثيرا من قبل دلالة الفعل كتب في "فيديو" على موقع "يوتيوب" بعنوان: (هل كان الرسول يقرأ ويكتب؟)، ولمن أراد الاستزادة فليرجع إليه على الرابط التالي:
https://www.youtube.com/watch?v=sKHYvguPRPo

وضربت عدة أمثلة بقوله تعالى: (كتب عليكم القتال). وقوله: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا). وقوله: (حتى يبلغ الكتاب أجله) أي: "كتاب النكاح"، وغيرها من الكتب التي أشار لها القرءان الكريم، وقلت: إن دلالة كلمة "كتاب" في هذه الآيات تعني أن القتال له كتاب، وأن مواقيت الصلاة لها كتاب، والنكاح له كتاب، والوصية لها كتاب،... إلخ. وذكرت أن كلمة "كتاب" تدل على مجموعة من الحقوق والواجبات والإلزامات والشروط والتكاليف التي يتم جمع وضم بعضها إلى بعض في أمر "القتال"، وفي أمر "مواقيت الصلاة" وفي أمر "النكاح" ووو... إلخ، هذه الحقوق والواجبات والإلزامات والشروط والتكاليف في أمر أو في موضوع بعينه عليك أن تتعرف عليها وتلم بها جميعا حتى تقوم بالالتزام بها وتطبيقها وتنفيذها على أرض الواقع، إذ كيف تلتزم بكتاب وأنت لا تعلم أحكامه وشروطه وتكاليفه وبنوده؟!. ومن هذه الكتب التي ألزمنا الله بها في القرءان الكريم وكتبها علينا "كتاب الصيام"، حيث قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ). وهذا يعني أن الله يخبرنا في هذه الآية بأن هناك كتاب هو: "كتاب الصيام"، هذا الكتاب قد كتبه الله علينا بأن نلتزم أحكامه وشروطه وحقوقه وواجباته وتكاليفه وإلزاماته.

وعليه فقوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)، لا يعني كما فهم كثيرون أن "صوموا الآن" ولا يعني "عليكم أن تصوموا حالا" ولا يعني "فرض عليكم الصيام فورا"، كلا، فهذه الآية: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)، تدل على أن الله يخبرنا بأن هناك كتاب به مجموعة من الأحكام والحقوق والواجبات والإلزامات والشروط والتكاليف والمواقيت في أمر "الصيام" قد كتبها الله علينا وهي كذا وكذا وكذا، وهذه الشروط والتكاليف والإلزامات والحقوق والواجبات هي:

العلة من الصيام: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)

كم مدة الصيام: (أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ)

رخصة: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ)

تعيين ميقات مدة الصيام: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)

تكرار للرخصة: (وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ)

التأكيد على إتمام مدة الصيام: (وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ)

تعظيم لله: (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ)

اعتراف بفضل الله: (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).

أحكام الصيام وشروطه: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ)

ميقات بدء الصيام: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ)

ميقات انتهاء الصيام: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)

ضوابط الصيام: (وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا)

فضل الله على الناس وتعليمهم التقوى: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).

كل هذه الأشياء مجتمعة هي كتاب الصيام الملزم للمؤمنين.

ولنا هنا وقفة:
حول ما الذي أدى إلى كل هذا الخلط والاختلاف واللبس حول آيات الصيام هذه، ليس فقط في زماننا هذا بل إن الخلط والاختلاف واللبس هذا بدأ منذ عهد صحابة رسول الله وحتى يومنا هذا؟؟. من خلال مطالعاتي وبحثي لهذا الموضوع تبين لي أن ذلك الخلط والاختلاف واللبس له أسباب موضوعية واقعية لا يمكن تجاهلها أو إغفالها بتبريرات وفلسفات وسفسطات واهية، وتبين لي أن أسباب ذلك الخلط والاختلاف واللبس القديم الحديث كان له أسباب عدة منها أن الآيتين الأوليين نزلتا بمفردهما ابتداءً وهما: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183) أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ). (184_ البقرة).

والآيات الآخريات التي تلتهما قد نزلت بعدهما بفترة زمنية معتبرة، وهي: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ(186) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ). (187_ البقرة).

بل رأيت بعض الحقائق التي غفل عنها كثيرون قد وردت في كثير من الروايات التي نسبت إلى الصحابة والسلف في كتب الأحاديث حول الصيام، ويؤيدها القرءان الكريم بشدة، منها: إن الصيام لم يكتب على المؤمنين دفعة واحدة أو في مرة واحدة، بل كل المؤشرات الواردة في الروايات عن الصحابة والتابعين تؤكد أن الصيام مر بثلاث مراحل متعاقبة، وهي:
المرحلة الأولى: أن الرسول والصحابة كانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر ويصومون يوم عاشوراء قبل نزول أي نص قرءاني يأمر بالصيام.
المرحلة الثانية: نزول الآيتين فقط من سورة البقرة بمفردهما وهما: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183) أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(184_ البقرة). دون تحديد لمواقيت ولا ما هي الأيام المعدودات الواردة بالآية ولا أحكام ولا شروط ولا متى يبدأ ولا متى ينتهي، وظلتا هاتان الآيتان فترة من الزمن.
المرحلة الثالثة: نزول بقية الآيات التي تفصل وتبين مواقيت وما هي الأيام المعدودات وبقية أحكام وتكاليف وشروط وضوابط الصيام، وهي الآيات من قوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ). (185_ البقرة)، إلى قوله تعالى: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ). (187_ البقرة).
الحقيقة الأخرى هي: أن الصيام في مرحلته الأولى كان له أحكاماً وضوابط وتكاليف وشروط مختلفة عن مرحلته الأخيرة.

وما يؤكد من القرءان الكريم حقيقة هذه المراحل التي مر بها الصيام هو قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ). (187_ البقرة).
ولننتبه لقوله: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ). وقوله: (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ). وهذا يؤكد على أن الرفث إلى النساء تم حله بعد أن كان محرما، بدليل قوله: (كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ) وقوله: (فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ). وقوله: (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ). فكل هذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن تحريم الرفث إلى النساء وكون المؤمنين كانوا يختانون أنفسهم كان موجودا من قبل في "صيام" ما قبل نزول آيات الأمر بالصيام، ومن حاول أن يتسفسط أو يتحزلق في قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ) ليثبت عدم وجود صيام، له أحكام مختلفة في مرحلة سابقة على النص القرءاني الخاص بالصيام، فقل له: وماذا نصنع بقوله تعالى: (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ)، وقوله: (فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ)، وقوله: (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ)؟؟.

وما يؤكد هذا من كتب الأحاديث هو ورود كثير من الروايات التي تحدث فيها صحابة رسول الله والتابعين عن مثل هذه المراحل التي مر بها الصيام، وأنه كانت له شروطا وضوابط وتكاليف تختلف عن الشروط والضوابط الواردة في الصيام في مرحلته الأخيرة، ونذكر عددا من هذه الروايات على سبيل المثال على النحو التالي:

أخرج أحمد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن معاذ بن جبل قال: (أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال، وأحيل الصيام ثلاثة أحوال). ثم ذكر أحوال الصيام على النحو التالي:
(وأما أحوال الصيام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، وصام عاشوراء، ثم إن الله فرض عليه الصيام، وأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } إلى قوله { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } فكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكيناً فاجزأ ذلك عنه، ثم إن الله أنزل الآية الأخرى { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس } [البقرة: 185] إلى قوله { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح، ورخص فيه للمريض والمسافر، وثبت الإِطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام، فهذان حولان).

ثم قال: (وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا فإذا ناموا امتنعوا، ثم إن رجلاً من الأنصار يقال له صرمة كان يعمل صائماً حتى إذا أمسى، فجاء إلى أهله فصلَّى العشاء ثم نام فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح صائماً، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم وقد جهد جهداً شديداً فقال: " ما لي أراك قد جهدت جهداً شديداً؟ " قال: يا رسول الله إني عملت أمس، فجئت حين جئت فألقيت نفسي فنمت، فأصبحت حين أصبحت صائماً قال: وكان عمر قد أصاب النساء بعد ما نام، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فأنزل الله { أحل لكم ليلة الصيام الرفث} [البقرة: 187] إلى قوله {ثم أتموا الصيام إلى الليل).

(وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} قال كتب عليهم الصيام من العتمة إلى العتمة).

(وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عطاء في قوله { أياماً معدودات } قال: وكان هذا صيام الناس ثلاثة أيام من كل شهر ولم يسم الشهر أياماً معدودات. قال: وكان هذا صيام الناس قبل ذلك، ثم فرض الله عليهم شهر رمضان).

(وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { كتب عليكم الصيام } قال: كان ثلاثة أيام من كل شهر، ثم نسخ بالذي أنزل الله من صيام شهر رمضان، فهذا الصوم الأول من العتمة وجعل الله فيه فدية طعام مسكين، فمن شاء من مسافر أو مقيم يطعم مسكيناً ويفطر وكان ذلك رخصة له).

(وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر قال: أنزلت {كتب عليكم الصيام...} الآية. كتب عليهم أن أحدهم إذا صلى العتمة ونام حرم عليه الطعام والشراب والنساء إلى مثلها).

(وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير في قوله { كتب عليكم الصيام...} الآية. قال: كتب عليهم إذا نام أحدهم قبل أن يطعم شيئاً لم يحل له أن يطعم إلى القابلة، والنساء عليهم حرام ليلة الصيام وهو ثابت عليهم، وقد رخص لكم في ذلك).

فكل هذه الروايات تؤكد أن الصيام قد مر بمراحل عدة، وأنه كانت له شروطا وضوابط وتكاليف تختلف عن الشروط والضوابط الواردة في الصيام في مرحلته الأخيرة.

أما قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183) أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(184_ البقرة). هاتان الآيتان وإن كانتا قد نزلتا بمفردهما لفترة زمنية ما، دون تحديد مواقيت أو فترة زمنية محددة للصيام إلا أنهما ليستا بمنفصلتين عما بعدهما من أحكام وضوابط وشروط ومحددات وواجبات وحقوق وردت في كامل السياق الذي تحدثت آياته عن الصيام، بمعنى ليس قوله تعالى: (أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ). تتحدث عن صيام آخر غير قوله تعالى: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)، إنما هو صيام واحد هو (شهر رمضان)، فقوله تعالى: (أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ) عبارة عن أنه سبحانه يشير إلى رحمته ولطفه ورأفته بالمؤمنين فلم يلزمهم بصيام عام كامل أو عدة أعوام أو عدة شهور، فقد يشتد على الناس صيام هذه الفترات الطويلة التي تؤدي إلى الشعور بالمشقة والعجز، ولكنه سبحانه رحمة بعبادة المؤمنين جعل الصيام فقط (أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ) من كل عام، ثم لما نزل بقية السياق فيما بعد، شرع فيما يليهما من آيات في تبيين هذه الأيام المعدودات وقام بتعيينها وتبيينها للمؤمنين في قوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ).

وعليه فالسياق الكامل من الآية (183) إلى نهاية الآية (187) لا يوجد فيه صومان كما فهم بعض السلف وبعض الخلف: (أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ) و(شَهْرُ رَمَضَانَ)، كلا، إنما السياق العام للآيات يدور حول صيام واحد فقط هو: (أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ) بيان وتعيين هذه الأيام هو: (شَهْرُ رَمَضَانَ). وأن الخلط واللبس لدى بعض الصحابة وبعض السلف جاء بسبب أنه كان هناك صيام قبل نزول هذه الآيات وهو صيام (ثلاثة أيام من كل شهر) وصيام (يوم عاشوراء)، وكانت له هيئة وأحكام وشروط وتكاليف مختلفة عن هيئة وأحكام وشروط وتكاليف صيام رمضان كما ورد في الروايات سالفة الذكر وكما أكد القرءان ذلك في قوله: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ...إلخ). (187_ البقرة). .

أما من يقول أن آية: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)، قد نسخت آية: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)، على اعتبار أنه يرى في آية: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) أنها كانت للتخيير بين إما الصوم وإما الفدية، فقولهم هذا سيوقعهم في مأزق من العسير الخروج منه، ألا وهو: لو كانت آية: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) ناسخة للآية التي قبلها فلماذا جاء في آخرها قوله تعالى: (يُرِيدُ ٱ-;-للَّهُ بِكُمُ ٱ-;-لْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱ-;-لْعُسْرَ)؟؟, لأن الآية التي سبقتها شرعت الصيام على التخيير بين "الصوم" أو "الفدية" وفق فهم القائلين بالنسخ، والآية التالية لها قد ألغت التخيير وأوجبت الصوم على الإلزام والوجوب، وهذا يعد تضييقا وتعسيرا على الناس، ثم كيف به في آخر آية اللزوم والوجوب التي ألغت ونسخت التخيير كيف يليق به أن يقول في آخرها: (يُرِيدُ ٱ-;-للَّهُ بِكُمُ ٱ-;-لْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱ-;-لْعُسْرَ) بعدما نسخ وألغى التخيير بين "الصوم" أو "الفدية"؟!!.

وكما سبق وأن قلت أن مرور الصيام بثلاث مراحل مختلفة هو الذي تسبب في كل هذا الخلط واللبس والاختلاف بين الصحابة والسلف ومن جاء بعدهم. ثم أن هناك أربعة أسباب موضوعية أخرى لها مبرر قوي في وجود هذا الخلط واللبس والاختلاف بين الصحابة والسلف.
الأول: أن المرحلة الأولى من الصيام وهي (صيام ثلاثة أيام من كل شهر) وصيام (يوم عاشوراء) كانا على التخيير وليس الوجوب كما ورد في إحدى الروايات.
السبب الثاني: هو نزول آيتي (183، 184) بمفردهما لفترة زمنية ما، كتهيئة لكتابة الصيام على المؤمنين وإلزامهم به فيما بعد.
السبب الثالث: هو عدم اجتماع كل صحابة الرسول مع الرسول بلا استثناء لواحد منهم طوال حياة الرسول، فهذا محال حدوثه، فمن الواقعي والموضوعي أن يلازم الرسول عدد محدود من الصحابة بينما البقية يكونون في أسفارهم وتجارتهم وبيعهم وشرائهم وقتالهم وبعثاتهم هنا وهناك، إذ في ذلك الوقت لم تكن هناك وسائل اتصال سريع وفوري كما نعهدها اليوم، وبالتالي فالتغييرات والتطورات التشريعية لم تصل كل الصحابة أجمعين في وقت واحد أو في يوم واحد أو حتى في عام واحد أو حتى في فترة حياة الرسول التي سبقت موته عليه الصلاة والسلام، مما يؤدي إلى إمكانية حدوث مثل هذا الاختلاط واللبس والاختلاف في الأحكام وعدم الإلمام بمجملها وهيئة تطبيقها، وهذا أمر مشروع وقوعه وجائز ولا غبار عليه، بينما نحن اليوم باستطاعتنا جمع شعث وشتات كل الآراء على تباينها واختلافها وتفاوتها واستخلاص نتيجة صحيحة وسليمة منها.
والسبب الرابع والأهم: أن القرءان الكريم لم يُجمع ويُعتمد بكامل نصوصه إلا في عهد "عثمان بن عفان".

وأقدم للقارئ مجموعة من الروايات التي تبين مدى اختلاف صحابة رسول الله حول شروط وتكاليف وهيئات الصيام المختلفة، إذ سنرى من يقول أن الصيام كان بالخيار بين الصوم أو الفدية ثم نسخ، ومن يقول: أنه لم يكن هناك نسخ ولم يكن هناك خيار في الصيام، وأن الرخصة كانت للشيخ العجوز والحامل والمرضع والمريض الذي لا يرجى شفاؤه والعامل في الأعمال الشاقة:

(أخرج ابن حبان عن سلمة بن الأكوع قال: كنا في رمضان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء صام ومن شاء أفطر وافتدى، حتى نزلت هذه الآية { فمن شهد منكم الشهر فليصمه).

(وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في الآية قال: كانت مرخصة الشيخ الكبير والعجوز، وهما يطيقان الصوم أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكيناً، ثم نسخت بعد ذلك فقال الله { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وأثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا لا يطيقان أن يفطرا ويطعما، وللحبلى والمرضع إذا خافتا أفطرتا وأطعمتا مكان كل يوم مسكيناً، ولا قضاء عليهما).

(أخرج ابن جرير عن أبي ليلى " نبأ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أمرهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر تطوّعاً من غير فريضة، ثم نزل صيام رمضان وكانوا قوماً لم يتعودوا الصيام فكان مشقة عليهم، فكان من لم يصم أطعم مسكيناً، ثم نزلت هذه الآية {فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} فكانت الرخصة للمريض والمسافر، وأمرنا بالصيام).

(وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني والحاكم وصححاه والبيهقي عن ابن عباس {وعلى الذين يطيقونه} قال: يكلفونه، فدية طعام مسكين واحد {فمن تطوّع خيراً} زاد طعام مسكين آخر {فهو خير له وأن تصوموا خير لكم} قال: فهذه ليست منسوخة، ولا يرخص إلا للكبير الذي لا يطيق الصوم، أو مريض يعلم أنه لا يشفى).

(وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال: نزلت {وعلى الذين يطيقونه فدية} في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم، فرخص له أن يطعم مكان كل يوم مسكيناً).

(وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {وعلى الذين يطيقونه} قال: من لم يطق الصوم إلا على جهد فله أن يفطر ويطعم كل يوم مسكيناً، والحامل، والمرضع، والشيخ الكبير، والذي سقمه دائم).

(وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب في قوله {وعلى الذين يطيقونه} قال: الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم يفطر، ويطعم مكان كل يوم مسكينا).

(وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن المنذر والدارقطني والبيهقي عن أنس بن مالك. أنه ضعف عن الصوم عاماً قبل موته، فصنع جفنة من ثريد، فدعا ثلاثين مسكيناً فأطعمهم).

(وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والدارقطني عن نافع قال: أرسلت إحدى بنات ابن عمر إلى ابن عمر تسأله عن صوم رمضان وهي حامل، قال: تفطر وتطعم كل يوم مسكينا).

(وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال: تفطر الحامل التي في شهرها، والمرضع التي تخاف على ولدها يفطران، ويطعمان كل يوم مسكيناً كل واحد منهما، ولا قضاء عليهما).

(وأخرج عبد بن حميد عن عثمان بن الأسود قال: سألت مجاهداً عن امرأتي وكانت حاملاً وشق عليها الصوم، فقال: مرها فلتفطر ولتطعم مسكيناً كل يوم، فإذا صحت فلتقض).

(أخرج الشيخان عن سلمة بن الأكوع قال: لما نزلت هذه الآية: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} من شاء منا صام، وما شاء منا أن يفطر ويفتدي فعل ذلك حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}).

فهذه الروايات لا تؤكد نسخ آيات لآيات في مسألة الصيام، كما فهم بعض صحابة رسول الله، لكنها تؤكد أن هناك أسباب موضوعية سبق ذكرها أدت إلى هذا الخلط واللبس والاختلاف، وخاصة وجود فترة زمنية بين آيتي (183، 184) وبقية الآيات التي بعدها، ووجود الفترة الزمنية بين الآيات لا يعني النسخ على الإطلاق كما فهم بعض الصحابة وكما نفى النسخ "عبد الله بن عباس" وغيره في بعض الروايات عنه، وما يبدو لي أن نزول الآيتين أولاً دون تحديد الأيام المعدودات التي سوف يلتزم بصيامها الناس جعل بعض الصحابة يجتهدون من تلقاء أنفسهم في المقصود بقوله (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين)، فمنهم من رأى أن بها تخيير بين الصيام أو الفدية، ومنهم من رأى أنها خاصة بكبار السن والمرضع والحامل وأصحاب الأعمال الشاقة الذين لا يقوون على الصيام، كما سبق وأن أوضحت.

وبالعودة لسياق الآيات نجد أن الله سبحانه أخبرنا بأن هناك كتاب للصيام قد كتبه على المؤمنين، وبدأ يبين لنا فيه أحكام وضوابط وشروط ومحددات ومواصفات وواجبات وحقوق ومواقيت هذا الصيام، ومنها: علة "التقوى" وهذا هو المقصود العام والأساس من كتابة الله للصيام على المؤمنين، أي لتدريب المؤمنين وتعويدهم وتعليمهم "التقوى"، التقوى التي ربما لا يعرف كثير من القرءانيين عنها شيئا ولم يتذوقوا لها طعما، وقد سبق منذ سنوات أن كتبت مقالا حول الغاية من الصيام على هذا الرابط لمن أراد أن يطالعه:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=226222

ومن شروط وإلزامات وأحكام كتاب الصيام: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) .
فبعد أن بين الله سبحانه العلة من الصيام التي هي: (التقوى)، وبين رأفته ورحمته بعباده المؤمنين بأن الصيام ما هو إلا (أياما معدودات)، أخذ يبين لعباده المؤمنين حكم "المريض" و"المسافر" في الصيام، فقال: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، فالمريض أو المسافر الذي يفطر أياما من رمضان فعليه أن يقضي صوم هذه الأيام بعدة من أيام أخر بعد رمضان. وهنا قد يسأل أحدهم ويقول: ماذا لو أن المريض بمرض شديد ومن في حكمه من أصحاب الأعذار قد امتد به المرض وظلا مريضا لوقت طويل بعد رمضان ظن معه أنه لن يتمكن من قضاء ما عليه من أيام قد أفطرها في رمضان حتى أوشك أن يدخل عليه رمضان القادم؟؟ فماذا يصنع حينئذ؟؟، في هذه الحال قد وضع الله سبحانه له حلا آخر ألا وهو: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ). وقد جاءت هذه الجملة (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) متصدرة بواو العطف على ما قبلها مما يعني أنها تابعة لما قبلها في الحكم وليست حكما جديدا منفصلا عما قبله.

وذلك لأن الله كتب الصيام على المؤمنين جميع المؤمنين بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)، ولم يستثن منهم أحدا إلا "المريض والمسافر" فحسب، و"المريض والمسافر" رخص لهما بالفطر على أن يقضيا هذه الأيام بعدة من أيام أخر، وفي حال امتد به المرض وظن أن رمضان القادم قد يدخل عليه ولن يتمكن من القضاء ففي هذه الحال هو بين خيارين: إما أن يؤدي "الفدية" التي هي "طعام مسكين" وإما (وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ). فقوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) ليس حكما جديدا لأناس آخرين غير المرضى المطيقين للصيام ومن في حكمهم من أصحاب الأعذار، إنما هو تبيين لحال المريض الذي قد يطول به المرض وأصبح يطيق الصيام، فهو مخير بين الفدية أو الصوم.

ولنا هنا وقفة مع قوله: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ)، فكثير من "القرءانيين" الذي يتهافتون على الاستسهال والجرأة على الله وتحريف كلامه عن مواضعه لإفراغ الإسلام وأحكامه من مضامينه ليتحول إلى دين أجوف مائع داعر يتوافق وأمزجة أهل الأهواء والشهوات، نراهم يختطفون هذه العبارة (الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) ويهرولون بها فرحين ليزعموا ويدعوا ويتقولوا على الله كذبا وزورا أن الله قد خير المؤمنين بين "الصيام" و"الفدية" التي هي إطعام مسكين عن كل يوم لا يصومونه في رمضان، وقالوا إن قوله تعالى: (الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ)، أي: الذين يستطيعون أو يقدرون على الصيام وليسوا بمرضى ولا مسافرين لكنهم لا يريدون الصوم أو لا يحبون الصوم فبإمكانهم أن يقوموا باستبدال الصوم بالفدية.

والغريب والعجيب والمثير في الوقت ذاته أن المهندس "محمد شحرور" الذي يسخر جل كتاباته لتحريف كلام الله عن مواضعه لم يذكر لنا في مقاله على الإطلاق ولو في عبارة واحدة أو كلمة واحدة ما هو مفهوم ومدلول قوله تعالى: (يُطِيقُونَهُ)، هل هم الذين يستطيعونه؟ أم هل هم الذين يقدرون على صومه؟ أم ماذا؟ ومن هم؟ وما هي صفتهم ونعتهم؟، وما مفهوم (يطيقونه)؟ وما الفرق بين (يطيقونه) و(يستطيعونه)؟، ولماذا لم يقل (وعلى الذين يستطيعونه)؟؟!!، فمن يراجع مقال المهندس "شحرور" فسيفاجأ أن الرجل قد تهرب تماما من إيضاح مفهوم ومدلول قوله تعالى: (يُطِيقُونَهُ)، حتى يترك أهل الشهوات والأهواء من أتباعه وأنصاره يفهمون هم بمفردهم مفهوم ومدلول كلمة (يُطِيقُونَهُ) وفق ما تمليه عليهم شهواتهم وأهواؤهم. والسؤال الآن: لماذا تهرب المهندس "شحرور" من ذكر مفهوم ومدلول كلمة (يُطِيقُونَهُ)؟؟!!!.

وهذا هو النص الكامل لمقال المهندس "شحرور"، الذي لن تجد فيه أي مفهوم لكلمة (يطيقونه):
(شهر رمضان المبارك على اﻷ-;-بواب، وهو اﻵ-;-ن في أطول أيام السنة في نصف الكرة اﻻ-;-رضية الشمالي، لذا دعونا نضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بالصيام.
الصوم من شعائر الإيمان ووجد عند ملل قبلنا وإن كان بأشكال وأيام مختلفة. الصوم عندنا عبارة عن أيام معدودات، أي ليس الدهر كله وليس العمر كله. وقسم الله تعالى الناس في هذه اﻷ-;-يام المعدودات إلى ثلاث فئات: المريض، المسافر، ومن يطيق الصوم فهو ﻻ-;- مريض وﻻ-;- مسافر. المريض والمسافر تم إعفاءهما، أما من يطيق الصوم فعنده خياران: اﻷ-;-ول أن يصوم والثاني أن يفدي بإطعام مسكين كحد أدنى {أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} فهناك خيار الفدية أو الصوم للذي يطيق، ولكنه رجح لنا الصوم فقال {وأن تصوموا خير لكم}، أي الفدية جاءت للذي يطيق، ﻻ-;- للمريض وﻻ-;- للمسافر، بل هما سيصومان بعد الشفاء أو العودة، و من يقول {يطيقونه} أي ﻻ-;- يطيقونه أو يطيقونه بصعوبة فهذا هراء. وهذا يعني أنه لا جدوى من قولنا {ربنا وﻻ-;- تحملنا ما ﻻ-;- طاقة لنا به} ولم ينفذ الله هذا، وحملنا ما ﻻ-;- طاقة لنا به، وتفقد هذه اﻵ-;-ية مصداقيتها. ولذا قال في حديث إن صح (الصوم لي وأنا أجزي به).
واخترنا الصوم ﻷ-;-نه خير لنا، ولكن كل من يدفع فدية فإنه لم يرتكب أي ذنب، والفدية هي شيء عوضاً عن شيء، بدليل قوله تعالى {وفدينه بذبح عظيم} وفي اﻷ-;-سرى{فإما مناً بعد وإما فداء} أي الفدية ليست كفارة ﻷ-;-ن الكفارة ﻻ-;- تكون إﻻ-;- عن ذنب، والسادة الفقهاء لم يفرقوا بين الفدية والكفارة، حتى أن الصيام نفسه هو كفارة (غرامة) لذنوب أخرى. فالقتل الخطأ كفارته صيام شهرين متتاليين إن لم يوجد فدية، والظهار كفارته صيام شهرين متتاليين، واليمين كفارته ثلاثة أيام صيام، ونلاحظ هنا أن الصوم هو عقوبة أو غرامة. فمن أراد الصوم جاءت اﻵ-;-يات التي تليها تشرح معنى الأيام المعدودات وتفسر الصوم عن ماذا.
والله في بداية التنزيل الحكيم قال {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} وذكر الصلاة ﻷ-;-نها صلة بين الله والمؤمن، وذكر الإنفاق، لكن لم يذكر الصيام. والأمثلة كثيرة، ذكر الصلاة واﻹ-;-نفاق عشرات المرات بقوله {يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة} ولم يذكر مرة واحدة صائمي رمضان أو حجاج بيت الله الحرام.
وتأكدوا أن الصوم له فدية وليس كفارة وتصوروا كم هو مريح هذا الدين؟ هناك من يصوم وهناك من يدفع، وكل من يظن أنه بدفع فدية الصوم سيبطل فهو في ضلال مبين. الصوم لن يبطل. وإذا افترضنا أن مليوني شخص في أوربا يريدون دفع الفدية عن هذا الشهر بمعدل 15 يورو عن كل يوم لكل شخص، فهذا يعني مبلغ حوالي مليار يورو، فتصوروا على نطاق العالم اﻹ-;-سلامي لو أنشأنا صندوق طعام مسكين من فدية الصوم، سنجمع 10 مليارات يورو كحد أدنى كل عام. ولن يبقى جوع في العالم.
والخلاصة أن من يطيق الصوم له خياران، الصوم أو الفدية، والصوم خير ﻷ-;-ن الله تعالى فضله عن الفدية، ولكن من اختار الفدية ليس آثما وﻻ-;-غبار على ذلك. فالرجاء ممن اقتنع وخاصة في البلاد التي نهارها طويل أن يعلم غيره بهذا اﻷ-;-مر.
ونؤكد لكل المسلمين المؤمنين في بلاد أوربا والبلاد الحارة أن قوله تعالى {يريد الله بكم اليسر وﻻ-;- يريد بكم العسر} هو قول حقيقي وليس مجازي.). انتهى

ولو وافقنا المهندس "شحرور" فيما ذهب إليه من أن الذي "يطيق" الصيام أي: "يستطيع الصيام" ولا يريد الصوم فعليه أن يستبدله بالفدية التي هي إطعام مسكين، فسيضعنا هذا ويضع المهندس "شحرور" في كثير من المآزق.
نذكر منها على سبيل المثال:
إن الصيام عبادة سيستطيع أهل الترف والمال والثراء الإفلات منها ومن علتها التي من أجلها كتب الله الصيام على الذين آمنوا، ألا وهي (التقوى)، فسيفلت الأغنياء وأهل الثراء بأموالهم وترفهم وثرائهم ليس فقط من الصيام بل ومن (التقوى) أيضا، (التقوى) التي من أجلها شرع الله الصيام لا لشيء غيرها، قال تعالى: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، لأنهم بكل سهولة ويسر سيتمكنون من دفع الفدية التي هي إطعام مسكين، بينما فقراء المؤمنين وجوعاهم سيصومون رغم أنوفهم لأنهم لا يملكون الفدية كما يملكها أهل المال والترف والثراء، لكنهم ربما يفوزون بالتقوى التي سيُحرم منها الأغنياء وأهل الثراء. أو كما يقول العامة: (أنا معايا فلوس ومش عايز تقوى يا أخي!! إنت شريكي؟؟ أنا حر!!). هكذا ينظر المهندس "شحرور" وأهل الأهواء والشهوات من القرءانيين وأتباعهم وأنصارهم لأحكام الله وتقواه وطاعته وعبادته ودينه. فيظنون أنهم بأموالهم يستطيعون أن يستبدلوا طاعة الله وتقواه وعبادته وأحكامه بفدية مالية يطعمون بها عددا من المساكين.
صدق الله:
(أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ). (16_ البقرة).

ومن المآزق أيضا في كلام المهندس "شحرور" وفي فهمه: أنه كان أولى بالله سبحانه أن يجعل "الفدية" للمرضى والمسافرين الذين أفطروا من أجل مرضهم وسفرهم، فهم أحق بهذه الفدية من الأغنياء والأثرياء والمترفين الذين يستطيعون الصيام ولا يصومون زهدا منهم في التقوى ورضا الله، بدلا من أن يطلب من المرضى والمسافرين أن يقضوا الأيام التي أفطروها في أيام أخر!!.

والآن نأتي لكلمة (يُطِيقُونَهُ)، وهل مدلولها أو مفهوما يدل على أنها بمعنى (يستطيعونه)؟، أم أنها تعني شيئاً آخر؟، وما الفرق بين (يطيقون) و(يستطيعون)؟ وهل هما بمفهوم ودلالة واحدة؟ أم لا؟.
كلمة (يُطِيقُونَهُ) مشتقة من الفعل (طوق)، وهذا الفعل يدل في لسان قوم الرسول على: كل ما أحاط بكامل شيء أو استدار به بالكامل فهو (طوق)، وكانت العرب تقول لمن نذر نفسه بالكلية للتكلف والإحاطة بأمر من الأمور: أطاق هذا الأمر، وهو في طوقه، وطوقته الشيء، أي نذر نفسه بالكلية للتكلف لأمر ما من الأمور والإحاطة به، والطَّوْقُ في لسان قوم الرسول هو حَلْيٌ يجعل في العنق، وكل شيء استدار وأحاط بالشيء فهو طَوْقٌ، ومنه قوله تعالى: (سَيُطَوَّقُون ما بَخِلوا به يوم القيامة) أي: البخيل سيُطَوَّقُ بما بخل به من حق الفقراء. وفي الحديث عن النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام: "مَنْ غَصَبَ جارَه شِبْراً من الأرض طُوِّقَه من سبع أَرَضِين. يقول: جُعِل له طَوْقاً في عنقه". ومن هذا الفعل (طوق) بهذا المدلول اشتقت منه كلمات: (طاقة) (أطاق) (يطيق) (يطوق) (الطوق). فهل هذا الفعل يدل على مدلول أو مفهوم أو معنى "الاستطاعة" أو "القدرة" أو "التعب والمشقة"؟؟.

في الحقيقة مدلول الفعل طوق بكل مشتقاته لا يدل إلا على استفراغ الوسع والقدرة والاستطاعة بالكلية للتكلف والإحاطة بأمر ما واحد من الأمور، هذه هي دلال (الطوق)، فالطوق لا يتسع إلا للشيء المطوق به فقط، ولا يمكن إدخال شيء آخر معه، فمثلا "طوق العنق" و"طوق الرأس" و"طوق اليد" وغيرها من الأطواق التي تحيط بالأشياء، إذ لا يمكن ومحال إدخال شيء آخر معه في الطوق، بمعنى أنه من المحال أن نضع عنقين في طوق واحد، أو يدين في طوق واحد، أو رأسين في طوق واحد، إنما عنق واحد ويد واحدة ورأس واحد في طوق واحد، لأن الطوق يحيط بالشيء إحاطة كاملة شاملة متمكنة بحيث لا يمكن للطوق أن يسقط بنفسه ولا يستطيع المطوق به أن يفلت من الطوق بنفسه وإلا لا يصلح أن يسمى الطوق طوقا. وبعبارة أخرى: إن الذي يطيق شيء هو الذي يستفرغ كل جهده ووقته وقدرته واستطاعته بما يطيق من فعل أو أمر، بحيث لا يمكنه فعل أو عمل شيء آخر قل أو كثر إلا الشيء الذي في طوقه فحسب.

هكذا مفهوم ومدلول قوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ)، أي: الذين يستفرغون كل جهدهم وقدرتهم واستطاعتهم لطوق الصيام فحسب، بحيث لا يتبقى منهم جهد ولا قوة ولا قدرة ولا استطاعة لفعل شيء آخر معه، لأن كل جهدهم وقدرتهم وقوتهم واستطاعتهم انصرفت بالكلية إلى طوق الصيام فحسب، ولم يتبق من جهدهم وقوتهم وقدرتهم واستطاعتهم شيء يقومون به إلى فعل متطلبات الحياة الأخرى كالعمل والخروج للتجارة وقضاء الحاجات وغيرها من شئون الحياة. وهذا الفعل (يُطِيقُونَهُ) بهذا المدلول لا ينطبق إلا على المرضى الزمنى شديدي المرض والعجائز وأصحاب المهن والأعمال الشاقة وغيرها، الذين يطيقون الصيام فحسب، أي: إذا صاموا وهم في مثل هذه الحال فلن يقدروا أن يقوموا بأي عمل أخر معه. فهؤلاء هم الذين قال الله فيهم: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ). (184_ البقرة).

والطاقة هي اسم لمقدار ما يمكن للإنسان فعله نحو أمر واحد فقط بمفرده لا يتمكن معه من فعل أي شيء آخر، وهذا يشبه الطوق المحيط بالشيء. أما قوله تعالى: (ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به). (286_ البقرة)، أي: لا تحملنا من التكاليف التي لا نتمكن من إطاقتها أو لا يمكن طوقها مع بقية أمور الحياة الأخرى. وقوله: (قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده). (249_ البقرة). أي: لا يمكننا طوق أو إطاقة قتال جالوت وجنوده والإحاطة بهما. وليس معنى "لا طاقة لنا" كما يردد بعض الناس "لا قدرة لنا" أو "لا قوة لنا" أو "لا استطاعة لنا"، كلا، فهناك فرق شاسع بين (إطاقة فعل شيء ما) و(استطاعة فعل شيء ما)، لماذا؟، لأن "الطاقة" كما قلنا هي: (هي اسم لمقدار ما يمكن للإنسان فعله نحو أمر واحد فقط بمفرده لا يتمكن معه من فعل أي شيء آخر).

أما "الاستطاعة" فهي: مشتقة من الفعل (طوع) الذي يدل على الانقياد، وكانت العرب تقول لكل ما انقاد: طاعه، يطوعه، إذا انقاد معه ومضى لأمره، وأطاعني أي: انقاد لي، أما كلمة (استطاع) فهي على وزن (استفال) وهو وزن يدل على ما يصير به الفعل متحققا، أي: الأدوات التي بها يتمكن الإنسان مما يريده من إحداث الفعل، وهذه الأدوات هي أربعة أشياء: بنية مخصوصة للفاعل. وتصور للفعل، ومادة قابلة لتأثيره، وآلة إن كان الفعل آليا، كالكتابة مثلا، فلكي يكون الكاتب مستطيعا للكتابة، فعليه أن يكون عالما بالكتابة، ويملك قلما وقرطاسا، وقادرا بدنيا على فعل الكتابة، وواعيا لما سيكتبه. فإذا توافرت هذه الأدوات مجتمعة يقال: فلان مستطيع للكتابة، أما إذا فقد واحدا من هذه الأربعة فصاعدا كأن يكون مقطوع اليدين وليس معه قلم وغير عالم بالكتابة، فهو عاجز عن الكتابة، والاستطاعة ضد العجز، وهو أن لا يجد أحد هذه الأربعة فصاعدا، ومتى وجدت هذه الأربعة مجتمعة فهو مستطيع مطلقا، ومتى فقدها فهو عاجز مطلقا، ومتى وجد بعضها دون بعض فمستطيع من وجه وعاجز من وجه. وقد جاءت نصوص كثيرة في القرءان تؤيد هذه الدلالة، منها: قال تعالى: (لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ). (الأنبياء:43)، وقوله: (مَنِ ٱ-;-سْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً). (آل عمران:97)، وقوله: (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أن ينكح المحصنات) (النساء:25)، وقوله: (لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً). (النساء:98).

فالفرق بين (الطاقة) و(الاستطاعة) هو أن (الطاقة) اسم لمقدار ما يمكن للإنسان فعله نحو أمر واحد فقط بمفرده لا يتمكن معه من فعل أي شيء آخر، وهذا يشبه الطوق المحيط بالشيء. أما (الاستطاعة) فهي الأدوات أو الإمكانات التي بها يتمكن الإنسان مما يريده من إحداث الفعل وما يصير به الفعل متحققا. فـ (إطاقة الفعل) هي: استفراغ كامل القدرة والجهد والقوة لإنجاز فعل واحد فقط لا يمكن فعل شيء آخر معه. بينما (استطاعة الفعل) هي: التمكن من الأدوات التي تعين على إحداث فعل ويصير بها متحققا، ويختلف (المستطيع) عن (المطيق) في أن (المستطيع) يمكنه فعل أشياء أخرى كثيرة في نفس الوقت، كأن تترك الكتابة برهة من الوقت وتخرج لتحمل بعض الأشياء والأمتعة أو تؤدي بعض الأعمال سريعا وتعود إلى الكتابة مرة أخرى، بينما (المطيق) لا يتمكن إلا من فعل شيء واحد فقط ولا يتمكن من فعل شيء آخر معه.

ونعود إلى قول الله تعالى: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ). (184_ البقرة).
فـ (الذين يطيقونه) ليس كما قال المهندس "شحرور" ومريديه وأتباعه أنهم: (الذين يستطيعونه) أو (الذين يقدرون عليه)، إنما هم الذين يستنزفون كامل جهدهم وقوتهم وقدرتهم على فعل الصيام فحسب، ولا يتمكنون من فعل شيء آخر معه، وهذه الحال لا تنطبق إلا على المرضى الزمنى شديدي المرض، ومن هم في مثل حكمهم من الحوامل والمرضعات والعجائز وأصحاب الأعمال الشاقة، وإلا فلو كان الله يقصد (المستطيعين) أو (القادرين) كما قال المهندس "شحرور" فما الذي منعه سبحانه من أن يقول مثلا: (وَعَلَى الَّذِينَ يستطيعونه فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)، أو يقول: (وَعَلَى الَّذِينَ يقدرون عليه فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) ولماذا قال: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)؟؟!!!.

وهنا قد يسأل سائل ويقول: لماذا ذكر الله في الآية (185) قوله: (وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، ولم يذكر معها قوله: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) كما ذكرها في الآية التي قبلها (184)؟؟.

أقول: سؤال وجيه، وجوابه: أن الآيتين (183، 184) قد نزلتا بمفردهما في مدة زمنية ما، كما أكدت الروايات التي سقناها من قبل، ولما نزلت الآيات التي تليها كان من الوجيه التذكير بجزء يسير من الرخص التي رخصها الله للمريض والمسافر من قبل، حتى لا يظن الناس أن الرخص الواردة في الآيتين الأوليين قد ألغاهما الله ورفعهما، وأسلوب التذكير بجانب من الأمر الواحد في الموضوع مرتين ورد كثيرا في نصوص القرءان، فمثلا قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ). (18_ الحشر). فنجد أنه سبحانه ذكر الأمر بالتقوى مرتين في نفس الموضوع في أول الآية وفي آخرها. وأيضا في قوله تعالى: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) (20_ المزمل). فنجد هنا كذلك أنه سبحانه ذكر الأمر بالقراءة في نفس الموضوع مرتين في أول الآية وفي آخرها. وهكذا في آيات الصيام في قوله تعالى: (أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ). (185_ البقرة)، فنجده ذكر الرخصة للمريض والمسافر مرتين في نفس الموضوع في آيتين متتابعتين.

أرأينا كيف يحرف القرءانيون الكلم عن مواضعه، وكيف يسعون في آيات الله معاجزين، وكيف يجادلون في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، ليضلوا عن سبيل الله بغير علم، ولا نرى من يصفق لهم ويهتف لهم سوى الملحدين واللادينيين والعلمانيين وأهل الأهواء والشهوات.

نهرو طنطاوي
كاتب وباحث في الفكر الإسلامي _ مدرس بالأزهر
مصر _ أسيوط
موبايل : 01064355385 _ 002
إيميل: [email protected]
فيس بوك: https://www.facebook.com/nehro.tantawi.7
مقالات وكتابات _ نهرو طنطاوي:
https://www.facebook.com/pages/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D9%86%D9%87%D8%B1%D9%88-%D8%B7%D9%86%D8%B7%D8%A7%D9%88%D9%8A/311926502258563



#نهرو_عبد_الصبور_طنطاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القرءانيون وخرافة تواتر القرءان – الحلقة الثانية
- القرءانيون وخرافة تواتر القرءان – الحلقة الأولى
- من بدل دينه فاقتلوه
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (13)
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (12)
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (11)
- الأزهر يصادر كتبي ويوقفني عن أعمال التدريس مؤقتا ويحيلني للم ...
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (10)
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (9)
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية –ثورة 25 يناير- 8
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (7)
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (6)
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -25 يناير- (5)
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (4)
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (3)
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (2)
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية –ثورة 25 يناير- (1)
- -العلمانية- على الطريقة المسيحية الأرثوذكسية المصرية
- السنة ما لها وما عليها: الفصل الرابع عشر: (هل حفظ الله كتاب ...
- السنة ما لها وما عليها: الفصل الثالث عشر: (أثر عقيدة التجسد ...


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) رد على المهندس -محمد شحرور-