أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - كوميديا / سوداوية / عبثية / واقعية (2)















المزيد.....

كوميديا / سوداوية / عبثية / واقعية (2)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4492 - 2014 / 6 / 24 - 10:44
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كوميديا / سوداوية / عبثية / واقعية (2)
طلعت رضوان
الأديب الكبير توفيق الحكيم (1898- 1987) أخذ شهرته من رواياته وخاصة روايته البديعة (عودة الروح) وكذلك دوره المهم فى المسرح ، الذى تنوّع بين المسرح الاجتماعى والمسرح التاريخى والمسرح الذهنى ، ولكنه جرّب أيضًا كتابة مسرح العبث أو مسرح اللامعول مثل (مصير صرصار) و(طالع الشجرة) وهذا العنوان مُـستمّد من أغنية شعبية مجهولة المؤلف ضمن الفولكلور المصرى ومطلعها ((يا طالع الشجره.. هات لى معاك بقره.. تحلب وتقسينى.. بالمعلقه الصينى)) ولكنه لم يكن يتوقع أنْ يتعرّض لتجربة شخصية ، ينطبق عليها الحالة الكابوسية / العبثية التى أنتجها (بالأدق) أفرزها الواقع الناصرى .
فبعد هزيمة بؤونة ، يونيو67عيّن عبد الناصر الصحفى الأوحد (هيكل) محل ثقته وزيرًا للارشاد (إرشاد عن ماذا؟ وعن من؟ العلم عند الرئيس أو عند هيكل) وبالتالى نقله من منصبه كرئيس تحرير لصحيفة الأهرام . ولأنّ الحكيم (رغم كبر السن وتجارب السنين) كان يحكمه عقل طفولى (بريىء وساذج) فهداه (= عقله) إلى ضرورة كتابة رسالة إلى عبد الناصر (ينصحه فيها بمراجعة قراره) حتى يبقى هيكل فى الأهرام . وجاء فى الرسالة ((سيدى الرئيس.. دفعنى للكتابة إليكم ما علمتُ به فى أمر تعيين الأستاذ محمد حسنين هيكل وزيرًا للإرشاد. ولثقتى الوطيدة بسداد رأيكم فقد تقبلتُ الخبر بشىء من التفكير (وقلتُ) أنّ جريدة الأهرام باستقلالها.. الأهرام الحر)) ويستمر الحكيم فى كتابة الكلام غير الحكيم فقال ((وكان الناس فى مصر والعالم العربى بل وخارج هذه البلاد ينتظرون كل جمعة مقال (بصراحة) ليعرفوا حقائق ما يجرى من خلال أسطر لا تنتمى إلى جهة رسمية.. ولكنها تكشف عن الصدق الذى يُريده الناس)) وإذا كان فاوست بطل جوته باع روحه للشيطان فإنّ (الحكيم) باع قلمه مجانـًا للسلطان ، فهل كتابات هيكل ((لا تنتمى إلى أى جهة رسمية)) ؟ إنّ ما كتبه الحكيم عن مقال هيكل الأسبوعى (بصراحة) غير صحيح وأنّ أغلب كتاباته فيها الكثير من التضليل ، فمثلا كتب ((إنّ طاقة مصر وحدها لا تستطيع إحراز النصر المُرتجى فى الصراع الراهن فى أزمة الشرق الأوسط)) (أهرام 6/7/73) أى قبل حرب أكتوبر73 بثلاثة شهور. وتلك النغمة البائسة هى السائدة فى معظم كتاباته (هدم مبدأ الاعتماد على الذات) وهو لم يكتف بإنكار قوة مصر الذاتية وإنما وصفها فى نفس المقال بأنها ((شظية اسمها مصر)) ونظرًا لإيمانه بما يُسمى (الوحدة العربية) رغم فشل الوحدة المصرية السورية قال ((لا مستقبل للكيانات الشظايا ، شظية اسمها السعودية وشظية اسمها ليبيا.. الخ)) وفى الأسبوع التالى كرّر نفسه ولكن بمزيد من الهدم لمبدأ الاعتماد على الذات لأى دولة فكتب لو أنّ ((كل بلد عربى وجد الوسيلة لتنمية مستقلة ، فمعنى ذلك أننا سندخل فى عصر من المنافسة الطاحنة بين الضعفاء)) فما النتيجة فى رأى الأستاذ المقدس لدى حوارييه البؤساء؟ كتب ((شظايا تصطدم بشظايا فتات يأكل الفتات)) ولشدة ولعه باللعب بالألفاظ أضاف ((إننا إذا لم ننجح فى التنمية المستقلة وقعنا فى الخطر. وإذا نجحنا فى التنمية المستقلة وقعنا فى الأخطر)) فهل هناك كوميديا بائسة أكثر من ذلك ؟ وهل ينكر أى عاقل أنّ هذا الكلام يصب فى مصلحة الرأسمالية العالمية؟
وفى عام 2009 قال فى تسجيلاته مع قناة الجزيرة ((يستحيل الدفاع عن الأمن الوطنى المصرى بدون حزام قومى عربى)) ونال هذا الكلام إعجاب القناة فأصرّتْ على إعادة هذه الفقرة بالذات ضمن فواصلها الإعلانية لعدة أيام. لقد أضحكنى هيكل عندما سمعتُ كلامه وقلتُ لنفسى لماذا لا أربطه بمقالاته فى الأهرام ، فهو إذ يرى فى عام 2009 أنّ مصر لا شىء بدون العرب، كتب فى عام 73 أنّ ((الأمة العربية أمامها فترة محدودة – ثلاث سنوات أو خمس على أكثر تقدير- فإذا لم تستطع خلالها أنْ تبدأ بنوع من العل العربى وتختم بنوع من الوحدة العربية، فإنّ هذه الأمة سوف تفقد مكانها على الخريطة السياسية للعالم الجديد ، بل أكاد أقول إنها مُهدّدة بفقد مكانها على الخريطة الجغرافية لهذا العالم أيضًا ، وسوف تكون عاجزة عن مواجهة التحدى الإسرائيلى القائم فعلا) (أهرام 13/7/73) فإذا أخذنا الحد الأقصى الذى حدّده هيكل لفقدان الأمة العربية لمكانها (الأدق لغويًا مكانتها) فإنّ المدة انتهتْ عام 78، فما حالته العقلية وهو يبيع بضاعته القديمة لقناة الجزيرة عام 2009عندما أصرّ على أهمية العرب لحماية مصر، بعد أنْ فقدوا مكانتهم حسب قوله؟
وبسبب العروبة التى يرى هيكل أنها الحامية لمصر، تمّ قتل المصريين واليمنيين فى (بالوعة) اليمن حسب وصفه (أهرام 1/6/73) وأنّ إيمان عبد الناصر بالعروبة جعله يستهين بحديث الحبيب بورقيبة الذى ذكر أنّ الأمير فيصل قال ((إذا لم ينسحب الجيش المصرى من اليمن ، فنحن على استعداد لأنْ نجعل منها مقبرة كبيرة له)) (نقلا عن كتاب هيكل – الانفجار- ص62) وبالطبع فإنّ المقبرة كانت للمصريين الشرفاء الذين ماتوا فى اليمن وفى عام56، 67 وليستْ المقبرة لعبد الناصر الذى استمرّ حتى يُجَهّز لمقبرة الجيش المصرى فى بؤونة / يونيو 67. وسبب العروبة تم تبديد موارد مصر على سوريا واليمن والجزائر(لمن يود التفاصيل عليه قراءة كتاب ضابط المخابرات المصرى- فتحى الديب المولع بالعروبة والناصرية "عبد الناصر وتحرير المشرق العربى- مركز الأهرام للدراسات عام 2000- أكثر من صفحة)
وهيكل 2009 يتجاهل ما كتبه على لسان عبد الناصر الذى قال يوم 29/8/65 أنّ العرب يُـتاجرون بالشعارات ((وبالتالى فإنّ ج. ع. م (أى مصر) ستجد نفسها مُضطرة إلى الانسحاب من مؤتمرات القمة (العربية) لتحل مسئوليتها التاريخية وحدها)) وعن فلسطين قال عبد الناصر ((نحن جميعًا لا نملك خطة لتحرير فلسطين ولا نملك الوسائل لتحقيق ذلك)) (الانفجار- ص 107، 108) وهيكل يتجاهل أنه أثناء العدوان الثلاثى على مصر، فإنّ الطائرات البريطانية انطلقتْ من مطار الحبانية بالعراق لتضرب بورسعيد (صحيفة الشعب 25/11/56) ويتجاهل أنّ نبى العروبة (عبد الناصر) قال لإيدن ((إذا اعتديتم علينا سنستعين بالاتحاد السوفيتى)) (صحيفة الشعب 29/11/56) فلماذا لم يقل سنستعين بالعرب ؟ هل لأنّ نبى العروبة أكثر واقعية من الصحابى الأول ؟ وهيكل 2009 يتجاهل ما كتبه هيكل عام 98 إذْ ذكر أنّ الجيوش العربية سلــّمتْ قيادتها للجنرال جلوب الإنجليزى . وأنّ بعض الجيوش العربية تخلــّـتْ عن مساعدة الجيش المصرى فى معارك النقب وغيرها فى شهرىْ نوفمبر وديسمبر48(هيكل- العروش والجيوش – دار الشروق- عام 98- ص445) وهيكل الذى يُروّج لمقولة : أنّ مصر بدون العرب (شظية) هو الذى كتب أنّ ((الصراع العربى الإسرائيلى فى جوهره بين (الكم) العربى و(الكيف) الإسرائيلى . قد يكون العرب مائة مليون ولكنهم بعيدون عن روح العصر ولهذا لا يلحقون به)) (أهرام 8/6/73) لذا لم تكن مفاجأة أنْ يقوم الطيران الإسرائيلى يوم 7/6/81 بتدمير المفاعل العراقى (رغم محطة الإنذار المبكر فى الأراضى السعودية) ويقوم فى العام التالى (يونيو82) بغزو لبنان . فإذا كانت الميديا العروبية تـُروّج لمقولة اعتماد مصر على العرب ، يكون السؤال : بماذا قدّم العرب للعرب ؟ فعندما غزا جيش صدام دولة الكويت ، فإنّ الكويت استعانتْ بأمريكا لتحرير أراضيها. وذكر فتحى الديب أنّ قاعدة الظهران الأمريكية التى أقامتها بالسعودية كانت بديلا مأمونـًا وبعمق المشرق العربى)) (مصدر سابق- ص181) ولكنه لم يذكر الهدف من إقامة تلك القاعدة العسكرية الأمريكية وأنّ إقامتها ضد من ؟ وباعتراف هيكل فإنّ السعودية بها 1600خبير عسكرى بريطانى وأمريكى (الانفجار- ص241) وهيكل الذى كتب كثيرًا عن (الاستعمار الأمريكى) وعن (الكيان الصهيونى) فى وصفه لإسرائيل ، كان دائم الحديث فى فضائية الجزيرة التى تقع على بـُعد عدة أمتار من أكبر قاعدة عسكرية أمريكية فى (الخليج العربى) وعلى بـُعد عدة أمتار من المكتب التجارى الإسرائيلى بالدوحة. فكيف تصوّر أنْ يُصدقه أحد غير البهاء حسنى النية ؟ أم أنه يعتمد على المـُـشاهدين العروبيين ودراويش الناصرية وحدهم؟
وتبدو الكوميديا السوداء فى أنّ توفيق الحكيم الذى يتباكى (بطفولة ساذجة) على ترك هيكل للأهرام نسى (أو ربما لم يقرأ ما كتبه هيكل عن كارثة يونيو67 إذْ أنّ إسرائيل دمّرتْ كل الطائرات المصرية فى مدة قدّرها هيكل نفسه ب ((ثلاث ساعات ونصف)) (الانفجار- ص 710) ومن بين الكوميديا السوداء التى يتغافل عنها المبدعون المصريون أنّ هيكل (الذى يُدافع الحكيم عنه) كتب أنّ ((إسرائيل لا مستقبل لها فى المنطقة)) (أهرام 8/6/73) كما قرّر العرب فى بيان القيادة السياسية الموحدة فى شهر مايو65 أنّ ((الهدف العربى القومى هو القضاء على إسرائيل)) (فتحى الديب- مصدر سابق- ص688) ثم تكون المفارقة الكوميدية السوداء أنّ إسرائيل (المزعومة) فى الميديا العروبية ضربت 11قاعدة جوية مصرية فى وقت واحد من العريش إلى الأقصر- هيكل- الانفجار- ص713)
فلماذا سلــّم الحكيم عقله للعاطفة وحشر نفسه بين نبى العروبة والصحابى الأول ؟ هل الصداقة أو الزمالة أحد الأسباب ؟ ولكنه أجاب عن هذا السؤال فى رسالته لعبد الناصر فكتب ((صدقنى يا سيادة الرئيس أنا لا أدافع عن زميل)) ثم يأتى الفصل الثانى من تلك الكوميديا السوداء ، فالرسالة تنضح ببراءة الأطفال ، وكلها دفاع عن هيكل (الصحابى الأول والصحفى الأوحد) فلماذا غضب عبد الناصر وأمر بالتحقيق مع توفيق الحكيم واستدعاء الشهود ؟ هنا كوميديا سوداء كاملة الأركان . فتمّ استدعاء عطية البندارى (زوج السيدة نوال المحلاوى سكرتيرة هيكل) وسأله المحقق ((هل ذكر أحد أمامك أنّ السيد توفيق الحكيم قد عرض الخطاب الذى أرسله للسيد الرئيس عليه قبل أرساله؟)) { ليعذرنى القارىء فى أننى لن أذكر الإجابة إلاّ فى حالات نادرة لتوضيح سؤال لاحق ، لأنّ ما يهمنى هو أسئلة المُحقق الشبيهة بأسئلة المحقق فى رواية كافكا المحاكمة) سؤال : ألم يتحدث لطفى الخولى عن الحريات عند عرضه لأمر الخطاب فى حديثه معك ؟ س: لماذا كانت السيدة زوجتك تخشى السيد سامى شرف كما ذكرت؟ س : هل تذكر أنه جرى حديث بشأن السيد حاتم صادق أمامك على لسان زوجتك أو لطفى الخولى؟ هل ذكر أحد أنّ السيد حاتم صادق كان يعلم مضمون الخطاب أو أنه اطلع عليه ؟ س : هل فهمتَ من الحديث الذى جرى أنّ السيد حاتم كان مؤيدًا لما كتبه الأستاذ توفيق الحكيم ؟ س : ألم يذكر أحد أمامك أنّ السيد حاتم صادق مرشحًا لرئاسة تحرير مؤسسة الأهرام؟ س : ألا تذكر أنه فى يوم توجهك لزيارة لطفى الخولى فى منزله أنه تكلم عن الرقابة. وأنه دار حديث بين لطفى الخولى والأستاذ توفيق الحكيم عن انعدام الحريات فى البلاد؟ وبعد أنْ أجاب (أيوا) سأله الحقق : لماذا لم تذكر ذلك عند سؤالك ؟ س : هل فهمتَ من حديث لطفى الخولى إلى مَنْ أبدى السيد خالد محيى الدين رأيه فى قبول الأستاذ هيكل الوزارة ؟ س : ورد فى الحديث المُسجّـل على لسان لطفى الخولى أنّ الأستاذ توفيق الحكيم أختير لكتابة الرسالة ، فهل ذكر مَنْ الذى طلب منه كتابة هذه الرسالة من الأشخاص الذين اجتمعوا به وتحدثوا معه فى شأنها ؟ (هنا الكوميديا السوداء معجونة بلغة التجسس البوليسية) ولما أجاب أنّ لطفى ونوال وهيكل كانوا عارفين رسالة الحكيم قبل إرساله سأله المحقق : معنى ذلك أنك فهمتَ أنّ زوجتك كانت على علم بهذه الرسالة؟ فقال: أيوا بحكم عملها كسكرتيرة للأستاذ هيكل. فضيّق المحقق عليه الحصار وسأله : ولكنك قرّرت أنها لم تتحدث بشىء أمامك عن هذه الرسالة. وثبتَ من التسجيل على لسان لطفى الخولى بعد مغادرتك المنزل أنّ الأستاذ هيكل طلب منهم أنْ يُقسموا يمينـًا على عدم البوح بهذه الرسالة لأحد ، فبماذا تـُعلل أحاديثهم أمامك عن هذا الأمر؟ س : ما الذى تقصده من عبارة كذا..؟ س : ورد فى التسجيل على لسان زوجتك أنّ السيد محمد فايق ذكر للسيد الرئيس عند حلفه اليمين أنّ الأستاذ هيكل أحق بوزارة الإرشاد منه. وأنّ تماضر( أى تماضر توفيق المذيعة بالتليفزيون) حادثتها فى أمر تعيين الأستاذ هيكل وزيرًا (فهل هذا حدث؟) س : مَنْ هو مصطفى الباز الذى ورد اسمه على لسان زوجتك ؟ س : ورد بالتسجيل على لسانك عبارة : سواء قعد أو ما قعدش (= هيكل) ح يضرب الأربعه اللى قعدو. فما الذى تقصده من هذه العبـارة ؟ ج : أقصد إنْ الريس ح يتدايق من هذه الرساله وح يضرب الأربعه اللى اتناقشو فيها وهمّ لطفى ونوال وتوفيق الحكيم . ولما سكت سأله المحقق : ومين هوّ الرابع ؟ ج : أنا زى ما قلت الأربعه اللى كانو موجودين همّ لطفى ونوال والحكيم وهيكل . ومش فى ذهنى إنْ الريـــــس ح يضرب هيكل . إنما قلت إنْ الريس ح يتدايق ويضربهم ومش هيكل . وأقصد إنه يضربهم لإنهم سمحو إنْ الرساله دى توصل له ودى جليطه (لهذه الدرجة الرعب من عبد الناصر- مجرد رساله للتمسك بهيكل فى الأهرام (جليطه) وهذه الكلمة تعنى باللغة العربية قلة ذوق وعدم تقدير الخ) س : لماذا إذن كان القــَسم على عدم البوح ؟ ولماذا صوّرتْ السيدة زوجتك الرسالة قبل إرسالها ؟ وما هى أزمة مايو التى تعنيها زوجتك ؟ ج : فى مايو1968 كان حصل هجوم فى اجتماعات الاتحاد الاشتراكى على الأستاذ هيكل.. فكان هيكل واللى معاه خايفين أحسن يكون فيه تعليمات بذلك.. ولكن الريس أنصفه وأوقف هذا الهجوم . س : وما دخل زوجتك فى هذا الأمر؟
وتتوالى المشاهد العبثية / الكوميدية / الواقعية باستدعاء لطفى الخولى . والأسئلة من ذات الأسئلة السابقة من قاموس الدولة البوليسية : س : ما قولك فيما ذكره فلان عن خطاب الحكيم إلى السيد الرئيس؟ ونظرًا لأهمية رد لطفى الخولى أنقله للقارىء : ماذا تعنى الرسالة؟ هل تعنى نقدًا لتعيين هيكل وزيرًا ؟ هل تعنى انتقاصًا من كرامة أحد ؟ هل تعنى تطاولا على الرئيس؟ هل تعنى خيانة للوطن ؟ ورغم تلك الإجابة فإنّ المُحقق سأله : هل كان هناك اجتماع فى منزلك حضره عطية البندارى وزوجته ؟ س : ما قولك إذا ثبتَ أنّ هناك خطابًا أرسله توفيق الحكيم للسيد الرئيس؟ س : هل تذكر أحاديث دارتْ بينك وبين توفيق الحكيم بخصوص هذا الموضوع؟ ج : لا أذكر. وإنى أقول مرة أخرى ما وجه الجريمة المنسوبة إلىّ ؟ ثمّ أملى المُحقق على كاتب الجلسة ((وأقفل المحضر عقب إثبات ما تقدم حيث كانت الساعة 55ر12يوم 13/5/1970 وقررنا ما يلى أولا: حبس المتهم أحمد لطفى الخولى حبسًا مطلقــًا على ذمة القضية ويودع بسجن القناطر للرجال . ثانيًا : ندب السيد رئيس القسم الفنى بإدارة المباحث العامة لتفريغ شريط التسجيل المُـقدّم من هيئة الأمن القومى)) وفى نفس اليوم تمّ استدعاء السيدة نوال المحلاوى لأخذ رأيها فيما قاله زوجها فى التحقيق . والحديث الذى دار بينها وبين ولطفى الخولى . ج : هوّ حر. والصوت اللى فى التسجيل مش صوتى.
ولكى تكتمل فصول تلك الكوميديا السوداء تمّ استدعاء لطفى الخولى من السجن . والتحقيق تمّ فى مبنى المباحث العامة وليس فى النيابة. والأسئلة تكرار للأسئلة السابقة مثل : ألم تسمع أو تعلم أنّ توفيق الحكيم أرسل خطابًا للسيد الرئيس؟ ومتى أبدى الحكيم رغبته فى إرسال الخطاب ؟ وهل عرض عليك الحكيم مضمون الرسالة ؟ ألم تكن أنتَ صاحب فكرة إرسال الخطاب للسيد الرئيس ؟ مَنْ الذى اشترك معكم فى الحديث ؟ ألم تكن نوال المحلاوى موجودة أثناء الحديث ؟ هل دار فى الزيارة التى تمّتْ يوم 28/4/70 من عطية البندارى وزوجته لك حديث بخصوص هذا الخطاب ؟ هل تناولتم فى هذه الزيارة حديثــًا عن الحريات ؟ ج : جايز ولكن لا أذكر. س : قرّر عطية البندارى أنك ذكرتَ فى هذه الزيارة أنّ حديثــًا دار بينك وبين توفيق الحكيم عن انعدام الحريات فى البلاد؟ ج : لا أذكر. أقفل المحضر. ثمّ تمّ استدعاؤه من السجن للمرة الثانية يوم 20/5/70والأسئلة تكرار للأسئلة السابقة - خاصة عن انعدام الحريات فى مصر. وكيف أرسل الحكيم الرسالة. وعدم البوح بسرها . وماذا كان الحكيم يقصد برسالته. وهل علم أحد بمضمونها ؟ ولماذا وافقته على إرسالها ؟ وأخيرًا ((أقفل المحضر. وكلفنا الرائد فلان بإدارة المباحث العامة لإحضار جهاز التسجيل وسألنا المتهم عما إذا كان الصوت الذى سمعه خاص بنوال المحلاوى فقرّر أنّ الصوت غير واضح . وتساءل عن مشروعيته القانونية؟
هذه الكوميديا / العبثية لا تكتمل إلاّ باعتراف الحكيم عن ندمه عندما كتب (قبل 30سنة من الخطاب) أنّ مصر((كانت تنتظر هذا الرجل- عبد الناصر) وبعد الرسالة والتحقيق مع الشهود وسجن بعضهم كتب الحكيم ((طبعًا أنا المسئول . أنا أدين نفسى لأنه ما كان يصح لمفكر حر أنْ يكتب ويقول ما يُشجّع على ظهور زعيم معبود)) وتعقيبًا على التحقيقات كتب ((وهكذا استمر التحقيق كما هو مبيّن فى الوثائق الرسمية المنشورة فى هذا الكتاب . وهى واضحة الدلالة على حقيقة الحكم البوليسى المُسيطر على البلاد . وكل هذا الضيق والتضييق لمجرد رسالة شخصية ودية مُهذبة إلى الرئيس عبد الناصر، حاولتُ أنْ أجعلها فى طى الكتمان على قدر ما أستطيع ، حتى تؤدى الغرض منها - فى هدوء – وهو توصيل رأيى إلى الرئيس وإسداء النصح إليه... وكانت النتيجة عدم احتمال ذلك . ووُضعتْ الرسالة الناصحة موضع التحقيقات . وأدّتْ إلى سجن الذين ضُبط عندهم شريط التسجيل الذى سُجّـل به هذه الأحاديث والمناقشات حول الرسالة. حتى السيدات وُضعنَ فى السجن مع أزواجهن . فقد سُجنتْ نوال المحلاوى سكرتيرة هيكل وزوجها عطية االبندارى كما سُجن لطفى الخولى وزوجته. ودام سجنهم أكثر من ستة شهور بدون محاكمة. ولولا الحياء على الأقل لكبر سنى لكنتُ قد وُضعتُ معهم فى السجن)) (فى طريق عودة الوعى- الوثائق- دار الشروق- عام 75)
000
عندما قرأتُ تلك الملهاة / المأساة / العبثية / الواقعية بفصولها السوداوية ، سألنى طفلى المُشاغب داخل عقلى بسذاجته الفطرية : لماذا لم تـُنجب مصر مبدعًا واحدًا (واحدًا فقط) فى قامة كافكا أو يوجين يونسكو أو صمويل بيكت أو أى مُبدع من مبدعى مسرح العبث أو مسرح اللامعقول؟
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كوميديا / سوداوية / عبثية / واقعية
- الحقوق الإنسانية والإسلام (3)
- الإسلام وحقوق الإنسان (2)
- الإسلام وحقوق الإنسان (1)
- التعصب العرقى والدونية القومية
- الشعر والثقافة العربية / الإسلامية
- عبد الوهاب المسيرى والمدرسة الناصرية / العروبية
- المعيار العلمى للهوية الثقافية
- حدود العلاقة بين التراث والإبداع
- الدين والحياة
- الديانة العبرية ومعتقدات الشعوب القديمة
- الديانة العبرية وأساطير بعض الشعوب (3)
- الديانة العبرية وأساطير الشعوب القديمة (2)
- حق الأقليات الثقافية فى الدفاع عن خصوصياتها
- الديانة العبرية وأساطير الشعوب القديمة (1)
- معوقات الحداثة المصرية
- صناعة النجوم فى الميديا المصرية (5)
- صناعة النجوم والميديا المصرية (4)
- صناعة النجوم والميديا المصرية (3)
- صناعة النجوم والميديا المصرية (2)


المزيد.....




- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...
- الأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو بسبب قانون ...
- 45 ألف فلسطيني يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى ...
- استعدادا لذبحها أمام الأقصى.. ما هي قصة ظهور البقرة الحمراء ...
- -ارجعوا إلى المسيحية-! بعد تراكم الغرامات.. ترامب يدعو أنصار ...
- 45 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - كوميديا / سوداوية / عبثية / واقعية (2)