أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ابو الحسن الجبريني - قصة ابراهيم في القران















المزيد.....



قصة ابراهيم في القران


ابو الحسن الجبريني

الحوار المتمدن-العدد: 4491 - 2014 / 6 / 23 - 21:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هذه المقالة ليست في الدين الاسلامي ولكنها في التاريخ الاسلامي. وهي وان ارتكزت على بعض الايات القرانية, فذلك من اجل محاولة فهم التطور التاريخي للسيرة النبوية, وبهدف محاولة ربط الامور بعضها ببعض, خاصة وان الترتيب الحالي التسلسلي لسور وايات القران- المحفوظ بعهد رب العالمين- لم يراع ترتيب اسباب النزول او ترتيب النزول ولم يراع تاريخ السيرة والدعوة المحمدية تبعا لحدوثها, وليس هنا المجال طبعا للبحث في اسباب ترتيب القران كما هو متداول بيننا, مع ما بخصوص ذلك من حديث واسع.

اذن مقالتنا هذه هي في تاريخ السيرة النبوية بالاعتماد على ايات قرانية, وسور قرانية, رتبناها وتتبعناها وفقا لتاريخ نزولها وليس وفقا لترتيبها الحالي في القران, ما ساعدنا ويساعدنا على فهم اعمق لتطور الدعوة والسيرة وبالتالي الوصول الى نتائج واستخلاصات من شأنها ان توضح الكثير من الامور والحيثيات والعلاقات بل والتشريعات التي اجتهد علماء الاسلام وكتاب السيرة نقلها لنا عبر مئات كثيرة من السنين.

نلفت النظر هنا, أن قضية ترتيب السور والايات في القران الكريم, هي ايضا محل خلاف بين علماء الدين, أي الايات واي السور نزلت قبل الاخرى, وهذا ايضا نقاش لن نخوض فيه في هذه المرحلة ايضا.

من هو ابراهيم/ اب رام :

اختلف المؤرخون بأصل ومولد ومنبت "ابراهيم"(اب رام, ابراهام, براهما..), لدرجة جعلت بعضهم يشكك بوجوده اصلا, واعتباره شخصية اسطورية, في ظل غياب أي مستند او اثر او نقش او أي دليل اثري, سواء في بلاد الرافدين او وادي النيل او ارض كنعان, او الجزيرة العربية يثبت عكس ذلك. - اللهم سوى بعض المواقع التي أُطلق عليها اسم مقامات, أضافة الى ما يسمى ضريح ابراهيم في الحرم الخليلي, حبرون الكنعانية-

والمصدر القديم الاول الذي ذكره كان كتاب التوراة, وجاء القران ليثبت وجوده وقصته, وان اختلف "الكتابان السماويان" بتفاصيل هذه القصة..

تقر التوراة ان أصل "ابراهيم" يعود للعراق القديم (الهلال الخصيب), وأنه هاجر منها الى ارض الكنعانيين, ومنها الى "ارض فاران", ليعود بعدها الى ارض الكنعانيين ويموت فيها.

اما الكتب التاريخية, قديمها وحديثها, فقد انطلقت من حديثها عن "ابراهيم", استنادا لما ورد بالتوراة, معتبرة اياه نصا مقدسا لا يقبل المراجعة, وبنت على اساسه العديد من الروايات والاساطير والخرافات, تلقفها – رواة التاريخ العربي-الاسلامي,(الاخباريين) دونما فحص او تمحيص, ضمن ما كان يعرف بأسم "الاسرائيليات"..

غير ان بعض الكتاب والباحثين الغرب والعرب بدأوا يبحثون قصة "ابراهيم" على اسس علمية, غير ملتزمين بالرواية التوراتية, محاولين الربط بين "ابراهيم" والجزيرة العربية والعرب, سيما وان التوراة غيبت ونفت اية صلة له بالعرب وجزيرتها معتبرة اياه ابا للعبرانيين واليهود وحدهم, وبالتالي فأن "الصراع على ابراهيم" أخذ منحنى سياسي وتاريخي وليس فقط ديني, وهو ما بدأ – باعتقادي- مع صراع النبي محمد مع اليهود في المرحلة الثانية من الدعوة المحمدية – مرحلة المدينة, وهو ما سنحاول اثباته في القادم من هذه المقالة.
ويظهر من الدراسات التي قام بها بعض المؤرخون, ان السنين المفترضة لولادة "ابراهيم" او بأسمه الاول (التوراتي) "اب رام", امتدت ما بين 2175ق.م. وبين 1800ق.م. حيث كان مولده في منطقة الهلال الخصيب,1 وهو بذلك – ابراهيم- عاصر الحكم الاكدي/السومري- البابلي,2 ليكون بذلك اكاديا/سومريا او بابليا, وليس عبرانيا او يهوديا, او حتى عربيا, 3 ونحن هنا بهذه المرحلة لا يهمنا ما اذا كان عربيا ام لا,(انظر لاحقا) بقدر ما يهمنا ان نوضح بأن شبه ألاجماع بين المؤرخين هو أن "ابراهيم" عراقي المنبت والولادة والاصل, مع التأكيد هنا ان القران لم يذكر مكان مولد ابراهيم, ولا أسم ابيه الحقيقي ولا أصله او قبيلته...
وتبقى قضية هجرة ابراهيم الى الجزيرة العربية, وليس ولادته او منبته, هي احدى محاور الخلاف الرئيسية والاولى بين الديانيتين "اليهودية و"الاسلامية", وبالتالي محور الخلاف بين مؤرخي المجموعتين, وما ترتب على ذلك من محاولات احتكار ابراهيم لهذه الفئة او تلك, ومن ثم الاختلاف حول "الوعد الالهي" لامتلاك ارض كنعان بل ومناطق أوسع منها, وفقا للوعد التوراتي. ففي حين لا تذكر التوراة وصول ابراهيم للجزيرة العربية, يؤكد "الاسلام" ان ابراهيم وصلها وبنى فيها بيت الله الحرام الذي اصبح يُعرف فيما بعد بأسم "الكعبة". وأن من نسل ولده "اسمع ايل"(اسماعيل) تكونت القبائل التي أُخذت تعرف لاحقا بأسم "العرب المستعربة", العدنانيين /القيسيين.
ابراهيم في الشعر والادب العربي قبل الاسلام:
هل عرف العرب قبل الاسلام, وخاصة في العصور التي سبقت الدعوة المحمدية بمئات السنين, هل عرفوا ابراهيم؟ هل ذكروه بأشعارهم وخطبهم وادبياتهم؟!
من دون الخوض بقضية الشعر الجاهلي, حقيقيا كان او منحول, فأن مصادرنا وكتب الاخباريين الذين نقلوا كل شاردة وواردة, من قصص حقيقية او خرافية او اساطير, ونسبوا بعض القصائد الشعرية لبعض الرموز العربية قبل الاسلام, نقول بالرغم من كل ذلك, فأننا لم نستدل ولم نستهد ولم نجد أي شعر عربي قديم ذكر فيه اسم ابراهيم (ولا اسماعيل ايضا), لا في المعلقات ولا في غيرها من القصائد العربية المعروفة لدينا, كما وانهم وعندما ذكروا "البيت" لم يقرنوه مع ابراهيم, بل مع "جرهم" بُناتها وهم من القبائل العرب اليمنية القحطانية, او عمرو بن لحي, الذي زعموا, ظلما, انه أول من ادخل عبادة ألاوثان والاصنام على الجزيرة العربية والبيت.
ومن ذلك ما أشار الأعشى في شعره إلى بناء سيّد جُرْهم للكعبة، وإلى ما فعله قُصَيُّ بن كلاب من تجديد أيضاً، وذلك في معرض القسم وتوكيد القول:
فإنَّي، وثوبَيْ راهبِ اللُجِّ والتي بناها قُصيٌّ والمضاضُ بنُ جُرْهُمِ
كما ذكر زهير بن أبي سلمى بناء جُرْهُم، ومن بعدهم قريش، للكعبة، في معلقته، مؤكداً كلامه بالقسم أيضاً، على نحو ما مر بنا من قوله
فأقسمت بالبيتِ الذي طاف حولَهُ رجالٌ بَنّوهُ من قريشٍ وجُرْهُمِ
ويذكر عبدالله بن الزّبعْرى جرهماً وعاداً على أنهم من الأقوام الذين كانوا في مكة قديماً، وذلك في قوله
كانتْ بها عادٌ وجُرْهُم قَبلَهمْ واللهُ من فوقِ العِبادِ يُقيمُها
وفضلاً عن عاد وجرهم فإن ثمة روايات تشير أيضاً إلى العماليق الذين نزلوا بمكة، وقدَّسوا الكعبة، بل يقال إنهم جددوا بناءها، وثمة شعر يُنسب لرجل من جُرْهم مع قبيلة عاد؛ مخاطباً فيه عمْرو بن لُحي الذي أتهم بأنه غيّر ما كان عليه العرب من توحيد:
يا عمرو لا تَظلُمْ بمــــ ـــكّةَ إنها بلدٌ حرامُ
سائلْ بعادٍ أيْن همْ وكذاك تُخْتَرَمُ الأَنامُ
وبني العماليق الذيـْــ ــنَ لهم بها كان السَّوامُ

كم ذكرتها سُبيعَةُ الأحبّ في معرض حديثها عن مجيء الملك تُبَّع إلى الكعبة وكسوته إياها بالبرود اليمنية:
ولقد غزاها تُبَّعْ فكسا بنَّيتها الحَبيْر
وأذَلَّ ربّي مُلْكَه فيها فأوفى بالنُّذور

وقد ألمحت بعض الأشعار الجاهلية إلى الطواف، كما رأينا ذلك عند زهير بن أبي سلمى، وأنه كان على زمن جرهم:
فأقسمتُ بالبيتِ الذي طافَ حولَهُ رجالٌ بَنَوه من قريشٍ وجُرْهُمِ

ومن ذلك ما افتخر به عمرو بن الحارث الخُزاعي من ولاية البيت بعد جُرْهُم، والدفاع عنه، وحفظ ما يقدم له من الأموال، وعدم المساس بها، خشية من الله وعقابه:
ونحن وَلِينا البيتَ من بعد جُرْهُمٍ لَنَمْنَعَهُ من كلِّ باغٍ وآثِمِ
ونقبلُ ما يُهْدى له، لا نَمُسُّهُ نخَافُ عِقابَ اللهِ عند المحارِم

ولاول مرة ورد ذكر "نابت" الذي عدته كتب السيرة وكتب الانساب على انه ابن اسماعيل بن ابراهيم , فيما نسب إلى عمرو بن الحارث بن مضاض الجُرْهمي في قوله:
وكُنا ولاةَ البيت من بعد نابِتٍ نطوفُ بذاك البيت والخيرُ ظاهرُ

ومن كل هذا الشعر مما وصلنا نجد وللمرة الاولى, وفي عهد قريب من ظهور "النبي الذي اظل زمانه", نجد شعرا منسوبا لزيد بن عمرو بن نفيل، يناجي الله قائلاً:
عُذْتُ بما عاذَ بِه إبراهيمْ مُسْتَقْبِل القِبلَةِ وهْوَ قَائمْ
أنْفي لكَ اللَّهُمَّ راغِمْ مَهْمَا تُجشَّمْني فإنّي جاشمْ

وهذه هي اول مرة نجد فيها ذكر "ابراهيم" بشعر منسوب الى احد اهم "الحنفاء" – انظر لاحقا- قبل ظهور الاسلام بوقت وجيز. ولم نجد من الشعر سوى ذلك شيئا..
حتى ان قصة حفر بئر زمزم في عهد عبد المطلب, كما روتها غالبية كتب السيرة لا تذكر ابراهيم, ونجدها في رواية تذكر "اسمعيل" وفي الاخرى تتجاهله, ثم اننا نجدهم يذكرون "ابراهيم" في قصة الفيل وابرهة الاشرم, حينما قال عبد المطلب لمبعوث ابرهة: "هذا بيت الله الحرام وبيت خليله ابراهيم عليه السلام", مع أن الشعر المنسوب لعبد المطلب في هذا الموقف لا يذكر ابراهيم, فيقول:
"لا هم (اللهم) أن العبد يمنع رحله فامنع رحالك
لا يغلبن صليبهم ومحالهم غدوا محالك
أن كنت تاركهم وقب لتنا فأمر ما بدا لك
.... وطبعا نحن لا نعول كثيرا على هذه الروايات لانها جاءت في سياق متأخر لكتابة او اعادة صياغة السيرة النبوية بما يتلائم مع ضروريات الزمان والمكان, زد على ذلك, بأنه أذا صحت هذه الرواية يكون عبد المطلب-الذي مات مشركا- هو الذي اطلق لقب "الخليل" على ابراهيم, قبل نزول القران, انظر لاحقا!!
وعن هزيمة ابرهة أنشد الشاعر العربي عبدالله ابن الزبعرى السهمي يقول-قبل الاسلام:
تنكلوا عن بطن مكة أنا كانت قديما لا يرام حريمها
سائل امير الحبش عنها ما رأى فلسوف ينبى الجاهلين عليمها
كانت بها عاد وجرهم قبلهم والله من فوق العباد يقيمها
ومرة اخرى لا ذكر لابراهيم ولا اسماعيل.....

ابراهيم و"بنيه" – اسماعيل واسحاق في القران:
نزل القران على محمد طوال 18 عاما, وفق اغلب الروايات, كانت في مكة والمدينة, وتم ترتيب القران (العثماني) كما هو معلوم وفقا للسور المكية واخرى السور المدنية, (مع ما تم فيهما من خلط لايات مدنية وضعت في سور مكية وبالعكس) وتم ترتيب السور على الاغلب وفقا لطول السورة وليس وفقا لتسلسل نزولها على النبي محمد, الامر الذي يصعب على الباحث ان يتتبع الرواية التاريخية واحداث السيرة الجسام التي مرت بهذه الدعوة وبصاحبها, كما انها لا تعطينا صورة واضحة لتطور الفكر والتشريع الاسلامي على مدى سنوات النزول, طبعا هذا دون ان نتطرق لقصة الناسخ والمنسوخ....
في بحثنا هذا, ومن اجل الوصول الى اقرب تصور لقصة ابراهيم و"ولديه" في القران, كان لا بد من ترتيب اخر للسور والايات, وهو ترتيب وفق تسلسل النزول- حسبما يرويه كتاب السيرة والمفسرون ومحققو اسباب النزول- دون التدخل من جانبنا بالخلاف فيما بينهم حول ترتيب السور حسب النزول, وقد اختلفوا في ذلك ايضا- هذا الترتيب الذي اعتمدناه يعطينا صورة اوضح لتطور قصة ابراهيم واسماعيل في القران, ويصل بنا الى نتائج واستخلاصات هامة وجديدة.
..كانت المرة الاولى التي يذكر فيها اسم ابراهيم في القران, في سورة "الاعلى", وهي السورة الثامنة حسب ترتيب النزول, في قوله:
( إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى )
ولم يذكر بهذه السورة او الايات شيئا عن ابراهيم, من هو؟ ما هو؟ من اين هو؟..اما بالنسبة لموسى فقد ذُكر من قبل في سورة "المزمل",(ورقمها 3 في ترتيب التنزيل) دون ذكر أسمه,4 وقد اجمع علماء التفسير ان المقصود بالصحف هي الكتب او الصحيفة التي نزلت على ابراهيم والتوراة التي نزلت على موسى والتي تؤكد ما جاء في هذه السورة – الاعلى- بالذات.
اما صحف ابراهيم فلا نعرف عنها وعن وجودها شيئا الا ما نقل عن حديث على لسان ابو ذر الغفاري, قال:
قلت يا رسول اللّه، فما كانت صحف إبراهيم؟ قال: كانت أمثالا كلها: أيها الملك المتسلط المبتلى المغرور، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم. فإني لا أردها ولو كانت من فم كافر. وكان فيها أمثال: وعلى العاقل أن يكون له ثلاث ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، يفكر فيها في صنع اللّه عز وجل إليه، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب. وعلى العاقل ألا يكون ظاعنا إلا في ثلاث: تزود لمعاد، ومرمة لمعاش، ولذة في غير محرم. وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه، مقبلا على شأنه، حافظا للسانه. ومن عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعينه. قال: قلت يا رسول اللّه، فما كانت صحف موسى؟ قال: كانت عبرا كلها: عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح! وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف ينصب. وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها! وعجبت لمن أيقن بالحساب غدا ثم هو لا يعمل!. قال: قلت يا رسول اللّه، فهل في أيدينا شيء مما كان في يديه إبراهيم وموسى، مما أنزل اللّه عليك؟ قال: نعم اقرأ يا أبا ذر: « قد أفلح من تزكى. وذكر اسم ربه فصلى. بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى. إن هذا لفي الصحف الأولى. صحف إبراهيم وموسى » . وذكر الحديث5 . وقد ورد في احدى الروايات ان "سويد بن الصامت", "وكان سويد إنما يسميه قومه فيهم الكامل لجلده وشعره وشرفه ونسبه", أراد ان يحاج "محمد" في كتابه خلال موسم الحج:
"فتصدى له رسول الله حين سمع به فدعاه إلى الله والإسلام، فقال له سويد: فلعل الذي معك مثل الذي معي.
فقال له رسول الله : وما الذي معك؟
قال: مجلة لقمان - يعني: حكمة لقمان -.
فقال رسول الله : أعرضها علي»، فعرضها عليه.
فقال: «إن هذا الكلام حسن والذي معي أفضل من هذا؛ قرآن أنزله الله عليّ هو هدىً ونور"..
لاحظ أن معه مجلة لقمان وليس صحف ابراهيم!!!
وتمضي الدعوة المحمدية في مكة, والجدل والممانعة والمعارضة القرشية (المتدرجة) لمحمد ودعوته, ولا نجد ذكرا لابراهيم الا بعد مضي قرابة 15 سورة قرانية, ومرة اخرى يذكر القران ابراهيم في سورة "النجم" (وهي السورة رقم 23 حسب ترتيب التنزيل) ولكن هذه المرة يسبق موسى ابراهيم في ترتيب الذكر:
) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى)..
وتمضي الايات والسور, وابراهيم لا يُذكر, لا في السور القرانية ولا حتى في النقاش الدائر بين محمد والقرشيين في مكة, ففي هذ الفترة كانوا يسألونه عن الساعة والحساب, والجنة والنار, ويصدونه ويستهزئون به ووو... ولا ذكر لابراهيم في نقاشاتهم او اسئلتهم, كما لا نجد ذكر لابراهيم او دين ابراهيم في النقاش الذي دار بين النجاشي ووفد المهاجرين المسلمين ومحدثهم جعفر بن ابي طالب...
يبدأ بعض التحول في التوسع بقصة وذكر ابراهيم في السورة المكية ورقمها 38حسب التسلسل في التنزيل : سورة "ص", فمن هذه السورة واياتها وصولا الى صورة "الصافات"(56), مرورا بسور :"مريم" (44), "هود" (52), "يوسف" (53), الانعام" (55), نجد ان القران ربط ذكر ابراهيم بولده, بكره من زوجته "سارة" عراقية الاصل, "اسحاق" وكذلك ب"يعقوب", أما ولده البكر من زوجته "هاجر", مصرية الاصل, "اسماعيل" فنراه يُذكر في بعض هذه السور ولكن دون الاقتران بابراهيم ولا في ذريته, بل نراه يأتي بعيدا عنهم في تسلسل "الانبياء" و"الصادقين" و"الاخيار", ونجده طوال هذه السور مقرونا أما مع "ذو الكفل", الذي أحتار علماء التفسير بمعرفته وبمن يكون, وأما مقرونا ب"اليسع", او "ادريس" او "يونس"..
لا يتوقف الفرق بين "المجموعتين" الاولى :(ابراهيم واسحاق ويعقوب) والمجموعة الثانية : (اسماعيل) عند مجرد عدد وموقع واسبقية الذكر في القران, بل يتعداه الى ما هو اعمق واكبر, يتعداه الى حد التفضيل في هذه المرحلة المكية من الدعوة المحمدية,
" واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار * إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار * وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار * واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار" ...
وتستمر السور المكية واحدة تلو الاخرى بذكر ابراهيم واسحاق (ويعقوب) الذي وهبه له الله, والذي بشرت به الملائكة عدة مرات, ولم تبشر الايات باسماعيل بالاسم مطلقا, اللهم سوى مرة واحدة دون ذكر اسمه مكتفيا بوصفه على حد قول المفسرين "بالغلام الحليم", ليميزه عن اخيه اسحاق "الغلام العليم", انظر لاحقا.. ان ورود هذه الايات بهذه الكيفية توحي وربما اوحت للمكيين – مسلمين ومشركين واهل كتاب,(وهم هم المقصودون باعتقادي من هذا الترتيب وهذه النصوص القرانية, انظر لاحقا) أوحت لهم وكأن اسحاق هو الابن الوحيد لابراهيم, رغم ان اسماعيل مولود قبله ب13 سنة على الاقل حسب الروايات, لانهم حتى هذه المرحلة لم يسمعوا بعد السور المدنية!! ..الى ذلك فاننا نجد ان اسماعيل ظهر في بعض السور المكية, وليس في كل السور المكية, التي ذُكر فيها ابراهيم واسحاق, وهو وان ذُكر فاننا نجد ان اسمه وموقعه بعيد عن الاثنين, وفي ايات بعيدة عن الايات التي ذُكرا فيها:
سورة ص :
وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ
إنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ
وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ
وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ الأَخْيَارِ

سورة مريم:
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا....
...فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلا جَعَلْنَا نَبِيًّا
وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولا نَّبِيًّا
وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا
وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَّبِيًّا
وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا
سورة هود:
وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلامًا قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ
فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ
وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ
لم يذكر اسماعيل مطلقا في هذه السورة.

سورة يوسف:
...وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.....
.....وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ
لم يذكر اسماعيل مطلقا في هذه السورة ايضا...
سورة الحجر:
وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ
إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلامًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ
قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ
وقال علماء التفسير ان "العليم" هو اسحاق, ومرة اخرى لا ذكر لاسماعيل بهذه السورة.
سورة الانعام:
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ
وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ
وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ
وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
سورة الصافات:
...فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ.....
.... سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ
كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ
....وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ
وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ
وهذه هي البشرى الاولى والوحيدة بالقران التي تبشر بولادة اسماعيل, هذا اذا اعتبرنا ووافقنا على تفسير المفسرين بان "الحليم" هو اسماعيل, مع الملاحظة ان البشرى لا تذكر اسماعيل بالاسم! وبنفس الوقت فأن السورة تعيد البشرى الواضحة والصريحة باسم اسحاق!!
سورة الذاريات:
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ
فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ
فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ
فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ
فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ
قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ
مرة اخرى بشرى باسحاق تحت مسمى "غلام عليم"... ولا ذكر لاسماعيل!

سورة ابراهيم:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء
رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء

يلاحظ هنا - في سورة ابراهيم- تحول في التسلسل العام لترتيب ولصلة ابراهيم باسماعيل واسحاق, كما بينا من قبل, وهو امر يخالف ايضا ما جاء بعد ذلك من السور المكية, - انظر ادناه سورة "الانبياء" و"العنكبوت"- حيث الربط الواضح والبارز بين ابراهيم واسحاق, في حين ظل اسماعيل بعيدا, حتى جاءت السور المدنية التي ربطت اسماعيل بابراهيم بل وسبق اسمه اسم اسحاق على طول السور المدنية, – انظر لاحقا- من هنا اعتقادنا ان هذه الايات – اعلاه- هي ايات مدنية تم وضعها في سورة "ابراهيم" المكية, وهذا امر كان متبعا, حتى بالنسبة لسورة ابراهيم نفسها, حيث قالت بعض كتب التفسير انها تحوي ايات مدنية.
سورة الانبياء :
......وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلا جَعَلْنَا صَالِحِينَ
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ...
ثم يذكر اسماعيل في نفس السورة في الاية 85, بعيدا عن اسحاق ب 13 اية,
وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ
وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ....

سورة العنكبوت:
.....فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ......
لم يذكر اسماعيل مطلقا في هذه السورة ايضا...

التحول الدراماتيكي في السور المدنية:
لا هدف لنا بهذه الدراسة ان نبحث بطبيعة وتطور العلاقة بين محمد واهل الكتاب بشكل عام وباليهود بشكل خاص, ولكن ما يمكننا ان نقره ان طبيعة العلاقة تغيرت جذريا في المدينة – مرحلة الاستقواء- , فبعد ان كانت القاعدة في مكة :
"وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ"..(العنكبوت)(وهذه المرة الوحيدة التي يذكر فيها مصطلح "اهل الكتاب" في مكة)
بدأ في المدينة باتباع ما يمكن ان نُطلق عليه اسم المحافظة على "الساتوس كفو" القائم في يثرب, شمل توقيع ما سُمي بصحيفة "عهد الامة", (التي وبالمناسبة لم يرد ذكرها بالقران ابدا) وتطور "الخلاف" وصولا الى الحروب ضدهم واجلاء معظمهم في عهده واجلائهم كليا في عهد عمر.
ومع ذلك فان معرفة طبيعة تطور العلاقة بين محمد واليهود, تمنحنا القدرة والمعرفة على تطور قصة ابراهيم و"ابنيه" اسماعيل واسحاق بالقران المدني بعد ان رأينا طبيعة هذ العلاقة بمرحلة مكة.
وقد لاحظنا من قبل ان ابراهيم كان بالايات والسور المكية "مجرد" نبي, لا دخل له بالعرب او بالكعبة او مكة او الجزيرة العربية, بل ان علاقته ب"ولده" اسماعيل كانت محل شك, اذ ان الايات لم تربط بينهما ولم تبشر به كما فعلت مع اسحاق الذي اقترن اسمه مع ابراهيم على طول الايات والسور المكية وبشرت به الملائكة باكثر هذه السور, في حين لم تبشر باسماعيل – الذي من المفترض انه الجد الاكبر لمحمد الا مرة واحدة وبدون ذكر اسمه, بعكس اسحاق..
غير ان هذا الوضع تغير جذريا في السور المدنية, وتطور بشكل مطرد وفقا لتطور ولطبيعة العلاقة بين محمد واليهود, وتحول اسماعيل الابن الاول لابراهيم واخذ يسبق اسحاق في جميع الايات المدنية التي ذكر فيها الاثنان, ودخلت قصة بناء البيت على الخط, واقحمت قضية "ابوة" ابراهيم للعرب, كما سنرى لاحقا.
بدأ خلاف محمد مع اليهود في المدينة خلافا عقائديا في الاساس, وكثر النقاش والسجال الفكري والمذهبي والتاريخي بينهما, بل ودخل "بيت مدراسهم" (ב-;-י-;-ת-;- מ-;-ד-;-ר-;-ש-;-) الذي كان بالمدينة يجادلهم ويحثهم على الاعتراف به نبيا كما ورد – افتراضيا- بكتابهم, التوراة..6
لكن اليهود رفضوا باغلبيتهم الساحقة الاعتراف به نبيا, فبدأ الخلاف العقائدي, على كل شيء, حتى ان اليهود تنبهوا لذلك وصاروا يقولون ان محمد يخالفهم بكل ما عندهم, فكان اول خلاف على القبلة, وهو عمليا رد فعل من محمد مناكفة باليهود الذين رفضوا الايمان به بعد هجرته, وكان يأمل بذلك كثيرا, (وكان اول ما نسخ من القران هو موضوع القبلة) كان الخلاف على "الذبيح" – اسحاق ام اسماعيل, وخلاف على الصلوات , والصوم, والاذان , والمسيح المنتظر (المهدي) ... وتبنى محمد (القران) بهذه المرحلة قصة "المسيح عيسى ابن مريم", نكاية باليهود – عدوهم اللدود بعد جبريل- وأعلن ردا على "قولهم", بانهم لم يقتلوه ولم يصلبوه, وقد لاحظت خلال اعداد هذه الدراسة ان لفظ "المسيح" لم يرد مطلقا بمكة ولكنه اخذ يرد بالمدينة وبكثرة...
وكانت قضية "تبني" ابراهيم واعتبار انه, محمد والمسلمين "اولى" به من اليهود, من اهم القضايا التي اخذ القران يحاجج فيها اليهود, وكل ذلك في السور المدنية, بعد نشوء الخلاف العقائدي - السياسي الذي تطور بين محمد واليهود.
ثم كانت قضية "ابوته" لاسماعيل محل جدل وتأكيد متكرر من القران في هذه المرحلة المدنية, وذلك بهدف اثبات اسبقية دين محمد على دين اليهود وبأنه الدين السماوي الاول وبأنه صاحب الرسالة الاولى والاخيرة والاصح ("خاتم النبيين" التي وردت مرة واحدة فقط بالقران في سورة الاحزاب المدنية, ولاحظ القول خاتم النبيين ولم يقل و"الرسل") وذلك استنادا الى "ابوة" ابراهيم لجد العرب وجد محمد – اسماعيل, واستنادا الى كون ابراهيم "حنيفا مسلما"....
ولنتابع معا الايات وفق ترتيب النزول في السور المدنية, لنرى تطور علاقة ابراهيم مع اسماعيل وتراجعها مع اسحاق:
سورة البقرة:
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود... ِ125

﴿-;- وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ﴾-;- البقرة‏127‏ ـ‏129].‏

أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون –البقرة. 133
[وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ] (البقرة: 136)
[أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى] (البقرة: 140)
سورة آل عمران:
[قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ] (آل عمران: 84)
سورة النساء:
[ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى ] (النساء: 163)
اذن اصبح اسماعيل هو المقدم وهو المقترن مباشرة بابراهيم, ليتنحى اسحاق الى المكان الثاني, وطبعا كما ذكرنا سابق, على عكس ما كان في مرحلة مكة....

"النسب" النبوي و"ملة ابيكم ابراهيم":
ينقسم نسب محمد إلى ثلاثة أجزاء‏:‏ جزء اتفق عليه كافة أهل السير والأنساب، وهو الجزء الذي يبدأ منه وينتهي إلى عدنان‏. وجزء آخر كثر فيه الاختلاف، حتى جاوز حد الجمع والائتلاف، وهو الجزء الذي يبدأ بعد عدنان وينتهي إلى إبراهيم فقد توقف فيه قوم، وقالوا‏:‏ لا يجوز سرده، بينما جوزه آخرون وساقوه‏.‏
ثم اختلف هؤلاء المجوزون في عدد الآباء وأسمائهم، فاشتد اختلافهم وكثرت أقوالهم حتى جاوزت ثلاثين قولًا .
أما الجزء الثالث فهو يبدأ من بعد إبراهيم وينتهي إلى آدم ، وجل الاعتماد فيه على نقل أهل الكتاب، وعندهم فيه من بعض تفاصـيل الأعمـار.‏
وتحدث كتب السير ان محمد كان إذا انتهى في النسب إلى عدنان امسك، ثم يقول:
"كذب النسابون" .
وقالت عائشة : "ما وجدنا من يعرف ما وراء قحطان إلا تخرصا".
وقال عمر بن الخطاب: "إنما ننتسب إلى عدنان، وما بعد ذلك لا ادري ما هو".
قال ابن جريح عن القاسم بن أبي بزة عن عكرمة: "أضلت نزار نسبتها من عدنان".
وقال محمد بن احمد بن حميد القرشي ألعدوي: "لا اعلم احد من الشعراء بلغ في شعره عدنان إلا لبيد بن ربيعة، وعباس بن مرداس السلمي.
قال لبيد:
فان لم تجد من دون عدنان والدا ودون معد فلترعك القبائل
وقال عباس بن مرداس:
وعك بن عدنان الذين تلعبوا بغسان حتى "طردوا" كل مطرد
وقال أبو الأسود يتيم عروة: "سمعت أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة، وكان اعلم قريش بأشعارهم وأنسابهم، يقول: "ما وجدنا أحدا يعلم ما وراء معد بن عدنان في شعر شاعر ولا علم عالم".
وروى ابن لهيعة، عن أبي الأسود انه سمع عروة بن الزبير يقول: "ما وجدنا أحدا يعرف ما وراء معد بن عدنان."
واخرج ابن سعد من حديث ابن عباس أن النبي كان إذا انتسب لم يجاوز في نسبه معد بن عدنان.
قال القضاعي في عيون المعارف في أخبار الخلائف: وقد روى أن النبي قال: "لا تجاوزوا معد بن عدنان, كذب النسابون, ثم قرأ: "وقرونا بين ذلك كثيرا" ولو شاء أن يعلمه علمه".
وذكر التوزي في شرح الشقراطية: انه كرر: "كذب النسابون" مرتين أو ثلاثا قال: والصحيح انه قول ابن مسعود.
ويحكى عن مالك بن انس – رضي الله عنه – انه سئل عن الرجل يرفع نسبه إلى ادم عليه السلام، فكره ذلك. فقيل له فإلى إسماعيل: فأنكر ذلك. وقال : ومن يخبر به!.

..مما تقدم يتضح أن نسب محمد الى "اسماعيل" غير مؤكد وغير مثبت, بدليل الاحاديث والروايات, ونضيف فوق ذلك, بدليل القران نفسه, وقد رأينا مما سبق من الايات ان اسماعيل بعيد عن ابراهيم في السور المكية ثم يصبح قريبه في المدنية, ومع كل ذلك لا نجد اية واحدة تثبت نسب محمد او العرب اليه, وهو اساسا ليس عربي المنشأ او اللغة, ولكنه تعلمها من العرب الجرهميين الذين سكنوا البقعة التي اطلق عليها لاحقا اسم مكة, وفقا للروايات, وكانت لغته الاصلية مصرية فرعونية, كلغة امه "هاجر" المصرية, او كمثل لغة والده "ابراهيم" على ابعد تقدير ...

أما ما ذهب اليه البعض في محاولة اثبات "ابوة" ابراهيم وابنه اسماعيل للعرب, فقد اعتمدوا على الاية التي قال فيها القران :
"وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة ابيكم ابراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس". الحج.
ومعنى "الابوة" هنا لا يمكن باي حال من الاحوال ان تكون "الابوة البيولوجية", لأنه , حتى ولو افترضنا ان اسماعيل ابن ابراهيم هو ابو العرب العدنانية, فهو بالتاكيد ليس ابو العرب القحطانية, فكيف يمكن للقران ان "يخطىء" ويقول عن ابراهيم انه ابو كل العرب, كما حاول البعض تفسير ذلك, اقصى ما يمكن القول في ذلك ان ابراهيم هو بمثابة "الاب الروحي" للمسلمين, وليس هناك أي دليل على كونه الاب البيولوجي للعرب, سواء العدنانية وبالتأكيد القحطانية....


ابراهيم واسماعيل وبناء البيت:

لا توجد اية صريحة واحدة في القران تثبت ان ابراهيم وابنه اسماعيل بنيا "البيت" الذي يعرف الان بأسم "الكعبة", كما لا توجد اية واحدة صريحة تثبت أن البيت المذكور بالقران هو "الكعبة" الموجودة في مكة!
واليك كل الايات التي ذكر فيها البيت و"بناءه" ...
سورة ابراهيم (وهي التي قلنا من قبل اعتقادنا انها "مدنية" وليس "مكية"):
.."وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ
..رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ
لاحظ معي أنه حتى في ايات هذه السورة, وعلى فرض انها مكية, الا انها لا تذكر بناء ابراهيم واسماعيل للكعبة, بل لا تشير لا من قريب ولا من بعيد الى مكة بالاسم ولا الى الكعبة التي نعرفها, بل ان التفسير البسيط والمباشر للايات يشير الى وجود "بيتك المحرم" قبل سكن ابراهيم المزعوم فيها, وسترى لاحقا ان ايات اخرى (مدنية, البقرة والحج) تحدثت عن طلب الله من ابراهيم واسماعيل بأن "طهرا بيتي.... ولا ذكر "لرفع قواعده" الا في اية واحدة فقط (اواخر سورة البقرة) يقول فيها :"واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل....انظر لاحقا.
سورة البقرة (مدنية):
1. وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ
2. وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ
3. وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ
4. وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

سورة ال عمران (مدنية):

1. قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
2. إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ
فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ

سورة الحج (مدنية) :

1. وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ
2. وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ

مما تقدم من الايات اعلاه نرى ان اقحام اسم ابراهيم وابنه اسماعيل في بناء الكعبة جاء متاخرا وفي خضم الصراع السياسي والديني مع اليهود فيمن هو "اولى بابراهيم ابو الانبياء, "إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ"
وفي خضم الصراع معهم, فيمن هو الدين الصحيح, الاول والاخر, الاسلام طبعا – دين ابراهيم وولده من بعده محمد....
وجاء في كتب التنزيل ان سبب نزول اية "اول بيت", هو نقاش دار بين محمد وبين اليهود حيث تفاخر اليهود ببيت المقدس وانه اعظم من الكعبة لانه مهاجر الانبياء وفي الارض المقدسة , وقال المسلمون: بل الكعبة افضل, فنزلت الاية...7 لتعلن ان مكة اهم من بيت المقدس, ولتقطع الطريق على اليهود الذين حاولوا استدراج محمد ليهوديتهم اكثر فاكثر, حيث اتخذ قبلتهم نحو بيت المقدس قبلة له, بل وهم بالرحيل من المدينة الى بيت المقدس – مهاجر الانبياء- في محاولة منه لارضاء اليهود لاتباعه...8
اما قصة مقام ابراهيم, فقد اوردتها كتب السيرة فيما روت عن عمر بن الخطاب الذي سأل محمد عن "مقام ابراهيم" وكان لا يعرف مكانه, واشار عليه ان يتخذه مصلى, فنزلت الاية موافقة لرغبة عمر, وهو ما أفرحه حين قال: " وافقت الله في ثلاث ، أو وافقني ربي في ثلاث قلت : يا رسول الله لو اتخذت مقام إبراهيم مصلى ؟ فأنزل الله تعالى : "واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى".....
ابراهيم "الحنيف المسلم" و"الحنفاء":
كانت المرة الاولى التي ورد فيها لفظ "حنيفا" بالقران, حينما خاطب القران محمدا بالقول:
" وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَك لِلدِّينِ حَنِيفًا" (سورة يونس ورقمها 51 حسب التنزيل)
وجاء في كتب التفسير َمَعْنِى قَوْلِهِ : أَقِمْ وَجْهَك لِلدِّين, اي أَقِمْ نَفْسَك عَلَى دِين الْإِسْلَام حَنِيفًا مُسْتَقِيمًا عَلَيْهِ, غَيْر مُعْوَجّ عَنْهُ إِلَى يَهُودِيَّة وَلَا نَصْرَانِيَّة وَلَا عِبَادَة وَثَن.9
ويقول الشعراوي : والحنف أصله ميل في الساق، وتجد البعض من الناس حين يسيرون تظهر سيقانهم متباعدة، وأقدامهم مُلْتفَّة، هذا اعوجاج في التكوين.
أما المقصود هنا بكلمة (حنيفاً) أي: معوج عن الطريق المعوج، أي: أنه يسير باستقامة.
وهذا يعني ان القران خاطب محمد وطالبه ان يكون حنيفا قبل ان يصف ابراهيم بالحنيف, رغم ذكره لابراهيم في ايات وسور كثيرة قبل سورة يونس, ولم يقترن اسم ابراهيم بلفظ "حنيف", الا في سورة الانعام.(سورة رقم 55 حسب التنزيل) ولم يقترن أسمه ب"حنيفا مسلما" الا مرة واحدة في القران في سورة "ال عمران" المدنية في معرض نقاش محمد مع اليهود (والنصارى)10 حول الدين الحق والاساسي, فجاءت الاية :
مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
وكانت اغلب الايات من قبل تصفه بالحنيف, وبأنه ليس من المشركين, حتى جاءت هذه الاية التي وصفته بالحنيف المسلم, للمرة الاولى والاخيرة, ولم يقل عنه انه "اول المسلمين".
ومن اجل تعزيز الادعاء ان "الدين عند الله الاسلام", وفي حديث "الحنيفية السمحة"(أي دين ابراهيم) وليس اليهودية او المسيحية جاءت ايات مدنية اخرى في سورة البقرة لتؤكد هذا الادعاء:
إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ
وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ

من الواضح ان وصف ابراهيم بالمسلم يتناقض مع الايات التي وصفت محمد بأنه "اول المسلمين", تناقض اجتهد المفسرون والمأولون كثيرا لحله, مع ان تفسيره واضح في ظاهر الايات وفقا لسياقها الزمني , فهذه الايات التي وصفت محمد بأول المسلمين, هي ايات مكية, ولم ترد مثلها في الايات المدنية, حينما تحول الصراع مع اليهودية حول "ملكية" ابراهيم, فكان وصفه بالمسلم, قبل محمد, بهدف تثبيت ادعاءه بان دينه الاسلام الذي هو دين "ابيه" ابراهيم, والذي هو "اولى الناس" به, سبق ويسبق الديانات الاخرى, وقد ورد في الحديث:" أن لكل نبي ولاة" من النبيين, وأنا اولى منهم بابي الخليل ابي ابراهيم" 11...ناسيا انه قال سابقا عن نفسه انه "اول المسلمين"....







ملحق :

ايات نزلت في اليهود – كلها مدنية, ما عدا الاعراف (اية تصف حالهم زمن موسى)

- نقض العهود :
{ أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريقٌ منهم بل أكثرهم لا يؤمنون } البقرة آية100
{ فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم و جعلنا قلوبهم قاسيه } المائدة آية 13
{ الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة و هم لا يتقون } الأنفال آية 56

- الخيانة :
{ ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم } المائدة آية 13

- تحريف الكتاب :
{ من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه } النساء آية 46
{ يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه و هم يعلمون } البقرة آية 75
{ فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم و ويل لهم مما يكسبون } البقرة آية 79

- قتل الأنبياء :
{ و يقتلون النبيين بغير الحق } البقرة آية 61
{ لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل و أرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا و فريقا يقتلون } المائدة آية 70

- قتلهم المتعمد للدعاة إلى الله :
{ و يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس } آل عمران آية 21

- سوء أدبهم مع الله :
{و قالت اليهود يد الله مغلولة، غلت أيديهم و لعنوا بما قالوا } المائدة آية 64
{ لقد سمع الله الذين قالوا إن الله فقير و نحن أغنياء سنكتب ما قالوا و قتلهم الأنبياء بغير حق و نقول ذوقوا عذاب الحريق } آل عمران آية 181
{ قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت و ربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون } المائدة آية 24

- جبنهم الشديد :
{ لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر…} الحشر آية 14
{ ولتجدنهم أحرص الناس على حياة … } البقرة آية 96

- قلوبهم شديدة القسوة :
{ ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة … } البقرة آية 74
{ لعناهم و جعلنا قلوبهم قاسيه } المائدة آية 13
{وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون } البقرة آية 88
{ و حسبوا ألا تكون فتنة فعموا و صموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا و صموا كثير منهم و الله بصير بما يعملون } المائدة آية 71

- شدة كراهيتهم للمسلمين :
{ لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود … } المائدة آية 82
{ و لا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دبنكم إن استطاعوا } البقرة آية 217
{ ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء } النساء آية 89
{ ولن ترضى عنك اليهود و لا النصارى حتى تتبع ملتهم } البقرة آية 120

- اتباعهم للسحر و استعانتهم بالجن و الشياطين :
{ واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان و ما كفر سليمان و لكن الشياطين كفروا. يعلمون الناس السحر …} البقرة آية 102

- ترويجهم للإشاعات الكاذبة و رد القرآن عليهم :
{وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل اتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم يقولون على الله ما لا تعلمون } البقرة آية 80
{ وقالت اليهود و النصارى نحن أبناء الله و أحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق) المائدة آية 18
{ وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } البقرة آية 111
{ وبكفرهم و قولهم على مريم بهتانا عظيما (*) و قولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله و ما قتلوه و ما صلبوه و لكن شبه لهم } النساء آية 156،157
- حرصهم على إيقاد الحروب و الفساد في الأرض :
{كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله و يسعون في الأرض فسادا } المائدة آية 64









هوامش:
1- هذا اذا اعتمدنا الرواية التوراتية وليس بعض الابحاث الجديدة لباحثين عرب, ابرزهم د.كمال صليبي ود.سيد القمني, الذين افترضوا ان "ابراهيم" مولود في الجزيرة العربية او على الاقل عاش فيها)
2- انتقل الحكم السومري إلى مدينة (أور) وتكونت فيها سلالة عرفت بسلالة (أور الثالثة) أسسها الملك (أور- نمو) الذي تعد أيامه من عهود العراق المجيدة وآخر عهد في حياة السومريين السياسية (2113-2006ق.م.). لقد استطاع ملوك هذه السلالة الخمسة أن يعيدوا إنشاء إمبراطورية واسعة على غرار الامبراطورية الأكدية شملت جزءا كبيرا من أقاليم الشرق الأدنى. وانتشرت مع التجارة والفتوح حضارة العراق القديم تماما كما كان عليه الحال في العصر الأكدي. لقد اشتهر ملوك هذه السلالة بأعمالهم العمرانية الفذّة وامتازت دولتهم بالتنظيم وحسن الإدارة في الداخل والخارج وأصبحت العاصمة (أور) في زمنهم قبلة الشرق القديم ليس من النواحي العمرانية والفنية والاقتصادية فحسب بل إنهم سنّوا الشرائع بحسب العرف الاجتماعي و وحّدوا الشؤون القضائية في البلاد. وفي أوائل الألف الثاني قبل الميلاد قامت في العراق أسرة حاكمة جديدة عرفت بسلالة بابل الأولى (1894 – 1595ق.م.) اشتهرت بملكها السادس حمورابي (1728 – 1686ق.م.) الذي جمعت في شخصه خصالا فذة جعلت منه القائد والسياسي والمصلح والمشرع فاستطاع بهذه الخصال أن يوحّد البلاد. ومن أعماله المهمة سنّ شريعة واحدة تسري أحكامها في جميع أنحاء المملكة عرفت بقانون حمورابي التي تعد من أولى الشرائع المتكاملة في العالم حيث تجمع بين القانونين المدني والعقوبات فضلا عن الأحوال الشخصية.
3-(اللهم الا اذا اعتبرنا ان أصل قبائل الهلال الخصيب وشعوبها من الجزيرة العربية, كما أعتقد بعض المؤرخين)
4- تجدر الملاحظة هنا ان موسى الذي ذكر اسما وقصة اكثر من ابراهيم بمرات ومرات, أشار اليه القران على امتداد السور المكية الاولى, "المزمل" (3) ثم "الفجر"(10) ثم "البروج(27) ومن ثم "القمر"(37), ولم يُذكر اسمه وتفصيل دعوته الا في سورة "الاعراف"(39), اللهم سوى ذكر "صحف موسى في سورة "الاعلى" كما تقدم معنا...
5-(تفسير القرطبي) تجدر الاشارة هنا ان كلمة "صحف" وردت في الايات والسور القرانية المكية, "المدثر"(رقم4 بترتيب التنزيل) و "التكوير"(7).
6- (النيسابوري ص 86, السيوطي , ص 61)
7-(النيسابوري, ص 98-99)
8-(النيسابوري,ص, 244)
9- (تفسير الطبري)
10-(السيوطي , ص, 62-63)
11-(النيسابوري ص 93)



#ابو_الحسن_الجبريني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- لوموند: المسلمون الفرنسيون وإكراهات الرحيل عن الوطن
- تُلّقب بـ-السلالم إلى الجنة-.. إزالة معلم جذب شهير في هاواي ...
- المقاومة الإسلامية تستهدف تحركات الاحتلال في موقعي المالكية ...
- مكتب التحقيقات الفيدرالي: جرائم الكراهية ضد اليهود تضاعفت ثل ...
- قناة أمريكية: إسرائيل لن توجه ضربتها الانتقامية لإيران قبل ع ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ابو الحسن الجبريني - قصة ابراهيم في القران