أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عائشة مشيش - بعد منتصف الليل...














المزيد.....

بعد منتصف الليل...


عائشة مشيش

الحوار المتمدن-العدد: 4488 - 2014 / 6 / 20 - 21:33
المحور: الادب والفن
    



بعد منتصف الليل بكثير ، وأنت لا تنتظر غير لحظةٍ تغيبُ بها عن الوعي، لحظة لا ندري كيف ندخل إليها رغم ترقبنا لها إلا أنها تصطادنا على حين غرة فلا نعرف أننا كنا ضحية لها إلا حين نستفيق منها.
قبل هذا الغياب القسري رنَّ جرس الهاتف في غير موعد وفي غير ساعة الرنين،رنَّ وصوته يحمل خبراً جعل القلب يدق متعجلاً الرد أو الموت إيقاعًا ، في هذه اللحظة والتي كانت سنة وربما دهرًا، هرب الدمُ فزعًا من وجوهنا، وارتعشت الأطراف خوفًا من المجهول وآذاننا وقفت كآذانِ كلاب الحراسة.
امتدت يدٌ لا أعرف يدُ مَنْ كانت هي ؟! يدي أم يد أحدٍ آخر ممن كانوا في البيت ، صديق لنا أحببناه كأنه منا ، دمث الطباع ، راقي السلوك أخذ ممَّا جاءت به كلُّ الإنسانيّة من أخلاق قبل الأديان وبعدها ،كانَ مكانه في القلب ثابتًا لا تغيره شوائب ولا عواصف ولا صروف الدهر ، كان صوت حبيبته ورفيقة دربه وتوأم روحه وروحنا يُخبرنا عبر الهاتف عن قرب نهايته ، بينما لم نكن على علم ببدايته فقد آثروا إخفاء الأمر عنا.
صوتها بالكاد كان يصل من فرط جزعها وارتباكها وحزنها،لم نكن نعلم بأول الخبر ، ففاجأتنا بنهاية الخبر ،لم تكن تريد أن تضيف إلى حزننا السابق حزنًا آخر،إلا أنها أخطأت، فعنصر المفاجأة كان أقوى وأشد.
أخذتْنا الطائرة إليه لكي نلحق ما تبقى منه، كان في المستشفى يعاني من آثار السرطان الذي لم يُعطِهِ سوى سنة ، سنة قضينا قبلها معًا وقتًا رائعًا ، نهلنا من ثراء صداقتنا الشيء الكثير ولم نشبع ، حين دخلتُ غرفته كان الصمت مخيمًا على المكان إلا صوت أنفاسه التي كان يلتقطها بصعوبة بالغة وهي ذاتها الأنفاس التي نلتقطها بكل سهولة ولا نلقي لها بالاً ، إلا أنها بالنسبة له كانت صعبة ثقيلة ، بل ثقيلة جدًا.
كانت ملامحه متغيرة جذرياً عن آخر مرة رأيته فيها، ما أشدَّ سرعة الهدم في جسد الإنسان ! فقد كانت ملامحه ممتلئة متناسقة حلوة، كيف أصبحت عظامه خارجة وبشرته سوداء بفعل الأشعة ؟! كان اللون الأصفر يتقاسم الأسود على ملامحه ،جلست بجانبه و قبلته على جبينه، ربتَ بيديه الواهنتين على يدي كأنه يصبرني رغم أنه مَنْ يحتاج إلى أن أربتَ على يديه.
كانت عيناه تبيَّضان ويختفي بؤبؤهما تحت جفنيه ، ثم لا تلبث أن تعود إلى حالتهما الطبيعية، نظراته شاردة تدور حولنا ثم تستقر في سقف الغرفة،أحسستُ ببدء حزن يلفني رغم أنَّ حزناً آخر كان في سبيله إلى التراجع وبدأت نعمة النسيان تنتابني، إلا أنَّ حلمًا آخر بل كابوسًا سيئًا جدًا تدخل ليبدأ مسلسلاً حزيناً آخر، من محاولة التغلب على هوية الحزن الأصيلة فينا إلى نسيان ولو مؤقت نختبئ فيه من فراق حتمي تفرضه قوانين الحياة والكون.
بعد حين بدأت عملية الانتظار، فالنهاية محتومة ، لكن كم هي قاسية ساعات انتظار تلك النهاية! كم قاسية لحظات انتظار مَنْ سيأخذه دون موعد لعودته ! ما أقسي انتظار فراق صديق العمر تاركًا ذكرياته معك ! وما أقساه من صمت!.
توقفتِ الألسن عن الكلام، حتى الدموع توقفت ولم يبقَ غير ساعات أو ثوانٍ، لا أدري ، أتساءل ...ترى، هل ينتظر كما ننتظر ..؟ ربما ينتظر أكثر منا ، فقد سئم لعبة الموت الخفية وسئمناها، فهلّا جئتَ وأرحته وأرحتنا ؟ لندخل حلقة ثانية من استدعاء النسيان ومراوغته .
أيُّ حكمة وأيُّ معنى وأيُّ قيمة لهذه الحياة التي بعدها موت أحباء يجود عليك الزمن بهم فتفقدهم وتفقد بذلك جزءًا منك ؟! ترى، هل يكفي ما يتبقى منا لصناعة حياة كاملة جيدة؟ ... أشك ، فشيءٌ ما يتحطم تدريجيًا بداخلنا لنعيش مكسورين خائفين على البقية الباقية منا ومن أعزائنا الذين يحيطون بنا.
كثيرًا ما أرى في منامي حقائب مقفلة مرصوصة إلى جانب بعضها البعض وكأنها تنتظر بلوغ ساعة الرحيل تنضم إلى يدي مسافر أتت لحظته العبثية في لعبة الموت و الحياة...
لم تأتِ النهاية بعد ... سأكمل إلى حين تأتي ...
من واقع معاش آني....
عائشة مشيش



#عائشة_مشيش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السائل الأسود المُر ....
- في الغيبوبة سلام..
- 8 /مارس تمردٌ ونجاح
- عبءُ السؤال..
- كيف نحب .....؟
- حرمان وحنين....
- إختيار....
- أريد أن أكون كاتبا ...
- الغوص في الذاكرة ..
- ماسح أحذية ...
- صفحة بيضاء ...
- المحاولة الثانية لنبش الداكرة ..
- محاولة النبش في الذاكرة ...
- الحرية .. الحلم الدائم .
- شهرزاد والحكاية ..


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عائشة مشيش - بعد منتصف الليل...