أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - نايل دافيدسون - أوكرانيا و الربيع العربي: عودة -الثورات السياسية-















المزيد.....


أوكرانيا و الربيع العربي: عودة -الثورات السياسية-


نايل دافيدسون

الحوار المتمدن-العدد: 4487 - 2014 / 6 / 19 - 08:21
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    




تعيد الحركات الشعبية الجماهيرية المؤدية، في السنوات الأخيرة، إلى إطاحة أنظمة قائمة في بلدان عديدة بالمنطقة العربية وفي أوكرانيا إعادة إطلاق النقاش حول مسائل نظرية عديدة.

هل بوسعنا الحديث عن ثورات بهذه البلدان؟ وإن أمكن، فمن أي نوع هي؟ هل شكلت تلك البلدان "حلقات ضعيفة" في النظام العالمي، ولماذا؟ وما دلالة وجود هام أحيانا لتيارات اسلاموية من جهة، وفاشية من جهة أخرى؟

استجوبت مؤخرا مجلة أوكرانية المؤرخ وعالم الاجتماع الماركسي الاسكتلندي نايل دافيدسون حول هذه المسائل.



- كيف يمكنكم، باستعمال مفاهيم النظرية الاجتماعية المادية التاريخية، توصيف إطاحة نظام فيكتور يانوكوفيتش في أوكرانيا ؟

السيرورة الثورية في أوكرانيا لم تنته بعدُ، وعلى نحو ما تتوقف الكيفية التي نعرف بها "الثورات" على نتائجها النهائية. لكن مفهوم "الثورة السياسية" يبدو هو المتيح بأكبر قدر من الدقة لوصف النتيجة المحتملة على المدى القصير. أقصد بهذا ثورة لا تغير على نحو أساسي طبيعة المجتمع، أي نمط الإنتاج.

بعبارات أخرى، إنها ليست "ثورة اجتماعية"، لكنها تغير مِـلاك النظام وحتى طبيعته. وتتمثل طريقة أخرى في النظر إلى الأمور في قول إن الثورات السياسية تحدث داخل الدولة بدل أن تحول هذه الدولة. لا يرمي هذا إلى تقليل شأن شجاعة أو إبداعية الجماهير في "ميدان" أو في الثورات المماثلة –فبعض كبريات أحدات القرن العشرين مثل الثورات المكسيكية أو الإيرانية كانت سياسية بهذا المعنى. يتعلق الأمر بنقاش حول النتائج و العواقب و ليس حول السيرورة.

- هل السيرورة الجارية في أوكرانيا شبيهة في هذا الصدد بانتفاضات أخرى حدثت في أثناء الربيع العربي و التي أفضت إلى تغيير أنظمة؟

نعم إنها شبيهة جدا! سواء فيما يخص قدرة هذه الثورات الكامنة على أن تصير ثورات اجتماعية (اشتراكية)، أو فيما يخص كيفية بقائها محتواة في إطار ثورات سياسية. ثم إن الثورة السياسية كانت أفضل نتيجة لتلك السيرورات، كما الأمر في تونس؛ أما في حالة مصر فقد كانت ثمة ثورة مضادة حقيقية. في كلتا الحالتين ( في أوكرانيا وفي الربيع العربي) تمثلت الصعوبة في ضعف الاشتراكية بما هي مبدأ منظم، ومجموعة أفكار وهدف- لكن انتم تعلمون ذلك طبعا بشكل أفضل مني بكثير.

حتى سنوات 1980، كانت كل حركة ثورية تقريبا "يسارية" آليا،من نواح، حتى بأوربا الشرقية كانت مختلف الحركات الثورية، لا سيما بهنغاريا في 1956 وحتى في بولونيا، تناضل من أجل طراز حقيقي من الاشتراكية.

إن غياب كل منظور اشتراكي هذا يمثل ضعفا خطيرا و يبرز أن مجرد كون الطبقة العاملة أكثر عددا من أي وقت مضى تاريخيا ليس جوابا كافيا. إن مجرد وجود استغلال لا ينتجا على نحو آلي الوعي الاشتراكي: إنه يجعله ممكنا ليس إلا. فلا غنى أيضا عن التدخل الواعي لمناضلين اشتراكيين منظمين.

- هل تعتبرون مفهوم "الثورة البرجوازية الديمقراطية" ملائما لتحليل الثورات السياسية من هذا النوع (وهل سبق أن كان كذلك)؟

أنا بالغ الحذر إزاء هذا المفهوم. كان له معنى قبل الثورة الروسية لتصور هذه بما هي في الآن ذاته ثورة برجوازية ( رغم وجوب قيادتها من قبل الطبقة العاملة في تحالف مع الفلاحين) و ديمقراطية ( بمعنى أن عليها خلق نظام برلماني وفق النموذج الأوربي الغربي). لم يصمد هذا المفهوم بعد ثورة أكتوبر 1917 التي وصلت، كما توقع تروتسكي بنظريته حول الثورة الدائمة، إلى السلطة و انتقلت مباشرة إلى بناء دولة عمالية قائمة على مجالس (العمال والفلاحين –سوفييتات باللغة الروسية) و ليس على ديمقراطية برلمانية.

بعد سحق الثورة الروسية من قبل البيروقراطية الناشئة – الذي حدث في 1928 بأقصى تقدير- جرى استعمال مفهوم الثورة البرجوازية-الديمقراطية من طرف النظام الستاليني و مفكريه بطريقتين من أجل خداع واع.

كانت الطريقة الأولى، في صلة مع التاريخ، تتمثل في ترويج أن كل ثورة برجوازية يجب أن تكون "ديمقراطية" – إن لم تكن كذلك فالمطلوب وجوب انجاز "المهام" المزعومة للثورة البرجوازية ( سأعود بتفصيل أكثر إلى تلك "المهام" لاحقا). الآن الديمقراطية مستحسنة، لا سيما أنها تحسن قدرة الطبقة العاملة على التنظيم و على المشاركة في الحياة السياسية، لكنها ليست مرتبطة إلزاميا بالثورة البرجوازية.

الطريقة المخادعة الأخرى التي استُـعمل بها هذا المفهوم متعلقة بنضال الطبقة العاملة، بالأقل حتى عهد قريب جدا. الفكرة هنا هي وجوب مرور كل ثورة خارج الغرب المتقدم بمرحلة "برجوازية-ديمقراطية" – أي بحقبة تطور رأسمالي غير محددة المدة في إطار نظام برلماني برجوازي- قبل وضع الاشتراكية على جدول الأعمال. نتج عن هذا نسف من داخل لثورات اشتراكية ممكنة (كما في اسبانيا في العام 1936) أو استعمل ببساطة غطاء لمحاولات الستالينيين الوصول إلى السلطة ( كما في الصين في العام 1949). تكمن الأهمية التاريخية لنظرية الثورة الدائمة في كونها تعطي بديلا لهذا.

طبعا لم يعد معظم الشيوعيين السابقين يعتقدون بوجود "مرحلة" اشتراكية بعد الرأسمالية، ومن ثمة لم يعد ممكنا بنظرهم سوى جعل هذا النظام الرأسمالي "ديمقراطيا" أكثر.

- ما درجة أهمية التعريف الصائب لهذه الأحداث من زاوية الإستراتيجية السياسية لليسار المناهض للرأسمالية في مختلف البلدان هذه؟

إنه يستمد أهميته من وجوب معرفة الثوريين لما هي النتائج الممكنة، وبالتالي كيف يتعين عليهم أن يحاججوا وكيف يجب عليهم أن يتنظموا. عصر الثورات البرجوازية انتهى –ابرز أكتوبر 1917 أن ثمة ، حتى حيث توجد دولة قبل رأسمالية، إمكان بدء سيرورة إطاحتها و التقدم نحو الاشتراكية دون عبور اي طور "برجوازي" كان. بيد أن هزيمة الثورة الروسية و النتائج السامة للستالينية على الطبقة العاملة أدت إلى عدم انجاز أي سيرورة مماثلة بنجاح في مكان آخر.

في الواقع، كانت الثورات "الشيوعية" المزعومة الشكل المعاصر للثورات البرجوازية، مفضية إلى إرساء أنظمة رأسمالية دولة انهارت في أوربا والاتحاد السوفييتي بين عامي 1989 و 1993. من الأهمية بمكان فهم هذا الأمر لأن استعمالنا تعبير " الثورة الاشتراكية" واعتقاد الناس أننا نسعى إلى إعادة خلق أنظمة ستالينية يضعف إمكان إقناعهم بضرورة ذلك.

طبعا ، لا أقول إن النضال من أجل أهداف أقل من ثورة اجتماعية لا قيمة له- سيكون هذا غباء فوق يساري. في حالة قيادة الدولة من قبل ديكتاتوريات، أو عندما تكون الحقوق مقلصة على هذا النحو أو ذاك، يتعين على الثوريين النضال، في الحالة الأولى، من أجل إطاحة النظام وفي الثانية من أجل إصلاحات ديمقراطية. لكن يتعين عليهم القيام بذلك مع استهداف تغيير اجتماعي أعمق. كما يبرز المثال المصري، ما لم يكن الهدف الواعي ثورة اجتماعية فلن تحصل القدرة حتى على ضمان بقاء ثورة سياسية.

- ما الدلالة الحقيقية لمفهوم الثورة البرجوازية في التراث الماركسي؟ وما هي الاتجاهات الرئيسة في التنظير له؟ وهل صمد هذا المفهوم بوجه تحدي نزعة المراجعة، سواء خارج الماركسية أو داخلها؟

كان مفهوم الثورة البرجوازية (لكن ليس تحت اسمه الراهن) موجودا قبل الماركسية. يمكن إيجاده أولا في أعمال الجمهوري الانجليزي جيمس هارينغتون في سنوات 1650، قم في أعمال الاسكتلندي سير جيمس ستويارت في 1760، ثم في أعمال الثوري الفرنسي انطوان بارناف في سنوات 1790؛ والاسم الراهن ابتدعه الفرنسي لويس بلان في 1839.

يبدو، من خلال أبحاثي الخاصة، أن ماركس و انجلز لم يستمدا المفهوم من هذه المصادر، بل من تطويرهما لمفهوم الثورة الاجتماعية في أثناء تفكيرهما حول هيغل في منتصف سنوات 1840.

ينبع قسم كبير من اللبس المحيط بالمفهوم من الكيفية التي أصبحت بها صيغة خاصة من الثورة البرجوازية أرثوذكسية داخل الاشتراكية-الديمقراطية بعد العام 1889و بوجه خاص داخل الستالينية بعد العام 1928. اتخذت تلك الصيغة بشكل أساسي الثورة الفرنسية، وبدرجة اقل الثورة الانجليزية، نموذجين وكانت ميالة إلى اعتبار الثورات البرجوازية مستتبعة لجملة "مهام" يتعين إنجازها من قبل الجماهير بقيادة طبقة برجوازية ذات وعي طبقي واضح. وغالبا ما جرت مماثلة تلك المهام مع الإصلاح الزراعي، والتوحيد القومي وطبعا صديقتنا القديمة، الديمقراطية (انظر أعلاه تعليقاتي على المستتبعات السياسية لهذا كله).

أثار المراجعون الانتباه إلى أن معظم البلدان لم تشهد أي سيرورة مماثلة للتجربتين الانجليزية و الفرنسية – وكان عدد كبير منها ، مثل ألمانيا، دولا رأسمالية بالغة التصنيع على نحو جلي – و إلى أن التجربتين الفرنسية والانجليزية ذاتيهما كانتا اشد تعقيدا والتباسا مما كانت توحي به معظم التحاليل الستالينية.

كان المراجعون طبعا، بشكل رئيسي، مناهضين للماركسية لكن هجمات أخرى جاءت من مصادر أكثر جذرية، أي من نظرية الأنظمة-العوالم المرتبطة بوالرشتاين Wallerstein من جهة والماركسية السياسية المرتبطة ببرينر Brenner من جهة أخرى.

رغم دفاع هذه النظريات عن مواقف متباينة جدا وحتى متناقضة بصدد أصول الرأسمالية وطبيعتها، فإنها تعتبر الأحداث التي نميل إلى النظر إليها بما هي ثورات برجوازية مجرد ثورات سياسية، و ترى أن السيرورة الدالة فعلا كانت هي تطور قبلي للعلاقات الرأسمالية في الإنتاج (بالنسبة للأولى) وللملكية (بالنسبة للثانية).

يتعين إذن على كل نظرية ترمي إلى الدفاع عن الثورة البرجوازية أن تستطيع تفسير القاسم المشترك بين أحداث بالغة التباين من قبل التمرد الهولندي ضد الإمبراطورية الاسبانية في القرن 16، وتوحيد ألمانيا في القرن 19، والثورة المصرية في القرن 20 (1952). لا يمكن بنظري إيجاد الجواب سوى باعتبار نتائجها – أي خلق دولة-أمة مكرسة لتراكم الرأسمال، باستقلال عن مدى إنجاز "مهام" أخرى مزعومة. يمكن العثور على هذا الموقف في كتابات الماركسية الكلاسيكية – انجلز حول ألمانيا، لينين حول روسيا، غرامشي حول إيطاليا، ولوكاش بشكل أعم – لكنها لم تصغ إلا حديثا (غالبا دون إحالة إلى التراث الماركسي ) في أعمال إسحاق دويتشر، ثم في أعمال كريستوفر هيل Christopher Hill حول انجلترا (بدءا من 1974 تقريبا)، وكتابات جيوف إيليي Geoff Eley حول ألمانيا، وتأملات أعم لدى أليكس كالينيكوس و أعمالي الخاصة حول اسكتلندا و في مؤلفي بعنوان : إلى أي حد كانت الثورات البرجوازية ثورية؟

- ما دلالة مفهوم "التطور المتفاوت و المركب" الذي ترجعون إليه في بعض دراساتكم النظرية الحديثة ؟ وهل يلاءم هذا المفهوم الوضع الأوكراني و الوضع بأوربا الشرقية في سياق أشمل؟ وإن كان ملائما فكيف يمكن ربط هذا المفهوم بالتغيرات الاجتماعية الراهنة و المقبلة في تلك البلدان؟

قبل التطور المتفاوت والمركب، كان ثمة التطور المتفاوت. يشمل هذا الأخير عددا من الظواهر المختلفة، لكن الأساسي منها هو مفهوم "مزايا التأخر" – يعطي التطور المتفاوت البلد المتأخر إمكان التطور بتبني أشكال التكنولوجيا والتقنية والعتاد العسكري، الخ الأكثر تطورا بدلا عن وجوب عبور كل مراحل التطور التي اجتازها السابقون الأكثر تقدما.

ليس في الأمر شيء ماركسي على نحو خاص، ولا حتى اشتراكي–فالسيرورة لاحظها أولا ليبنيتز Leibniz و تورغو Turgot في القرن 18، و سير والتر سكوت Sir Walter Scott و الشعبويون الروس في القرن 19 و شخصيات متنوعة مثل هيلفردينغ و غرامشي و فبلن Veblen في مطلع القرن 20. وأضاف تروتسكي مفهوم "التركيب". جرى في الأصل تصور قانون التطور المتفاوت والمركب من قبل تروتسكي لتفسير شروط إمكان إستراتجية الثورة الدائمة في روسيا القيصرية كما أشار إلى ذلك في كتاباته في أثناء ثورة 1905 وما بعدها مباشرة مثل "نتائج وتوقعات" و " 1905".

وبدءا من العام 1930، لما برز التطور المتفاوت والمركب كمفهوم إجرائي له اسم – وليس كمجرد جملة ملاحظات ثاقبة لكن ناقصة- شرع تروتسكي يتبين السيرورة ذاتها في بلدان أشد تأخرا من روسيا القيصرية، ما يجعل إذن الثورة الدائمة ممكنة – أساسيا عندما يظهر التصنيع و التمدين في مجتمع إقطاعي أو خراجي مع عجز هذا المجتمع عن انتقال ناجح إلى حداثة رأسمالية – ومن ثمة الطابع "المركب" والتفجري اجتماعيا الذي يمزج "العتيق بالحديث".

تتبع معظم تحاليل التطور المتفاوت والمركب الخط الأساسي لفكر تروتسكي وتطرح أن هذا المفهوم كان ، بعد سقوط الإمبراطوريات الاستعمارية في نهاية الحربين العالميتين، قبلا للتطبيق بشكل رئيسي على مناطق العالم التي جرى وصفها تباعا بالمستعمرات – العالم الثالث- ثم بشبه مستعمرات – الجنوب الإجمالي.

لكن، يمكن بنظري فهم التطور المتفاوت والمركب ليس كمجرد سيرورة مقتصرة على المناطق المتأخرة أو ناقصة التطور ذات التفاوتات التي هيكلتها الامبريالية، بل كسيرورة ناتجة إجمالا عن تسرب الحداثة الرأسمالية في شكل تصنيع وتمدين.

في إطار القراءة هذا، شهدت كل البلدان التي تعرضت لتأثير المصانع والمدن الحديثة تطورا متفاوتا ومركبا بدرجة معينة. الفرق بين ألمانيا و اليابان من جهة وتركيا والصين من جهة أخرى متمثل في أن الأوليين مرتا بسيرورة التطور المتفاوت والمركب، وبرزتا كقوى صناعية كبرى قبل بدء الامبريالية في وضع المحددات على المدى الطويل لما هو "متقدم" وما هو "متأخر". إذن لا يشير التطور المتفاوت والمركب إلى تمييز مكاني مطلق بين الغرب والشرق أو بين الشمال والجنوب بل بالأحرى إلى فرق في الدرجة حيث يمكن للأولى أن تكون موضوع عمليات تنقيب تاريخية بدلا من بحث سوسيولوجي.

إذن ليس التطور المتفاوت والمركب حتما نتيجة تأثير التصنيع والتمدين الرأسماليين على مجتمعات قبل رأسمالية، بل لتأثيرهما على مجتمعات زراعية مستقرة من قبل، حتى لو خضعت لقوانين التطور الرأسمالي. لهذا السبب، يلاءم المفهوم أيضا التطورات الحديثة في الصين مثلما كان ملائما في سنوات 1920. أما قابلية تطبيق هذا المفهوم على بلدان مثل أوكرانيا فتلك مسألة يتعين أن تكونوا في موقع أفضل مني للإجابة عليها – لا اعتقد ذلك لأن التصنيع جرى في العهد الستاليني، لكن الثورات يمكن أن تتسبب فيها عوامل أخرى غير التطور المتفاوت والمركب، وإلا سيواجه من يعيش منا في أوربا، حيث بات إلى حد بعيد ظاهرة تاريخية، مستقبلا قاتما جدا.

- ثمة مؤخرا تنامي جوهري للدعم الشعبي لليمين المتطرف ببعض بلدان أوربا الشرقية ( بخاصة في أوكرانيا). هل يطابق هذا الميل نموذجا عالميا ما؟ ما الروابط بين العولمة النيوليبرالية وصعود أقصى اليمين؟

ثمة في الآن ذاته انبعاث إجمالي للأحزاب لفاشية وللأحزاب اليمينية المتطرفة غير الفاشية، من انجلترا حتى الهند. الأمر هو جزئيا رد يميني على العولمة النيوليبرالية، وبخاصة على النيوليبرالية "الاجتماعية" – التي تدافع عن الأجندة الاقتصادية الأصلية، لكنها عازمة أيضا –فيما يتعلق بالطبقات الوسطى بالأقل- على التصدي للعنصرية ولمختلف أشكال الاضطهاد. بوجه هذا، يقف "اليمين الجديد" للدفاع عن الأمة وعن السكان "الأهالي" ضد تأثير الهجرة المعتبر "مدمرا"، سواء بسبب حركات السكان داخل الاتحاد الأوربي أو على نطاق أوسع. يراهن هذا الشكل من الشعبوية اليمينية على الاستياء الشعبي والانهيار الاجتماعي والاستلاب إزاء النخب السياسية باتهام المهاجرين أنفسهم ( يمثل هذا النوع من العنصرية طبعا العنصر المهيمن في جملة عريضة من المواقف ذات الطابع المحافظ أو الرجعي اجتماعيا) و"المؤسسات" التي يُعتبر أنها أتاحت للمهاجرين تلويث صفاء الجسم الوطني.

لقد أضفت أزمة 2007-2008 مزيد مصداقية على ما تقول تلك القوى. وطالما لم يفلح اليسار في أقناع العمال بالأسباب الحقيقية لمشاكلهم، ستجد هذه الأحزاب جمهورا. لذا من القاتل مطلقا – وهذا جرم ضد الاشتراكية- أن يقوم ساسة اليسار بأي تنازل لدعاوة اليمين المتطرف المعادية للإسلام وللمهاجرين في سباق انتخابي. النتيجة الوحيدة لذلك هي إضفاء شرعية على حجج اليمين المتطرف.

بالعكس، يجب على اليسار أن يستند على تعبئات جماهيرية، لا سيما على مشاركة السكان المضطهدين وضحايا التهديدات، بقصد التنديد بأقصى اليمين ومنح الناس الثقة الكافية للتصدي له. إن احد أسباب ضعف نسبي لأقصى اليمين الانجليزي، قياسا بفرنسا، هو نجاح الحركة الاجتماعية المنظمة من قبل ’Anti Nazi League / Rock Against Racism في متم سنوات 1970 ومطلع سنوات 1980.

من المهم التمييز بين أقصى اليمين الفاشي و ذاك غير الفاشي، بسبب تباين التكتيكات اللازمة لمحاربتهما: في بريطانيا يجب على مناهضي العنصرية أن يحولوا ميدانيا دون تظاهر الحزب الوطني البريطاني الفاشي وتنظيمه مسيرات؛ لكن يجب ألا يطبق هذا التكتيك إزاء الحزب من أجل استقلال المملكة المتحدة، فهو حزب أقصى يمين لكنه غير فاشي، رغم انه يجب طبعا أن نتظاهر ضدهم.

- كيف تتموقع أحزاب أقصى اليمين وحركاته السياسية إزاء مصالح الرأسمال الهيكلية؟ كيف يمكن تفسير مقدرة أقصى اليمين السياسية على التعبئة الشعبية ؟

أسدت الفاشية الكلاسيكية خدمتين للرأسمال الألماني والايطالي فيما بين الحربين، ألا وهما سحق طبقة عاملة مصابة بضعف وإطلاق دينامية توسعية امبريالية للظفر بأراض جديدة. فائدة تلك التجربة محدودة اليوم قياسا بالوجهين المذكورين، إذ ليست الطبقة العاملة اليوم كفاحية على نحو يخيف البرجوازية، كما أن الدول حيث أقصى اليمين أقرب إلى السلطة – اليونان بالمقام الأول- ليست قوى امبريالية قادرة على السعي إلى السيطرة على القارة كما فعلت ألمانيا وحتى ايطاليا.

الواقع أن كل ما يمكن أن يبقى في الوضع الراهن (من تجارب الفاشية التاريخية) هي أوجه برنامج أقصى اليمين اللاعقلانية بالنسبة للرأسمال، بخاصة في مظهره النيوليبرالي الراهن. مثلا، حرض المحافظون البريطانيون قبل العام 1997 على موجة قومية امبريالية ضد "أوربا" ليس لأن الاتحاد الأوربي قد يعادي بأي شكل النيوليبرالية – انه بالعكس آلة لتطبيقها- كما سيكتشف الأوكرانيون عما قريب وعلى حسابهم- بل بالأحرى كمناورة إلهاء إيديولوجي بوجه إخفاق النيوليبرالية في تحسين موقع الرأسمال البريطاني.

لكن النزعة الوطنية المحفزة لهذه الغاية تمثل اليوم عقبة كبيرة بوجه مسيري الدولة والساسة البريطانيين الساعين إلى مواصلة إستراتيجية اندماج أوربي أكبر، أيا كانت عقلانية هكذا إستراتيجية من وجهة نظرهم. كان المستفيد الرئيس من الهستيريا المناهضة لأوروبا هو حزب استقلال المملكة المتحدة اليميني المتطرف، وشجع نجاحه الجناح اليميني لحزب المحافظين، رغم تنافر السياسات التي يدافع عليها كلاهما. ولا واحد من كبار رأسماليي بريطانيا يريد مغادرة الاتحاد الأوربي، إنهم يريدون فقط إعادة التفاوض على المعاهدة، لكنهم قد يكونون إزاء استفتاء يفضي فعلا إلى الانسحاب البريطاني.

يمكن قول الشيء عينه بصدد حزب الشاي و تأثيره على الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة الأمريكية.

رغم ما لبعض أوجه سياسة أقصى اليمين من نتائج عكسية بالنسبة لحاجات الرأسمال، لا يترتب عن ذلك أن تنامي الفوضى التي قد تنتج عن تطبيق تلك السياسات سيفيد حتما، وحتى مداورة، اليسار. الدفاع عن النظام هو دوما هدف البرجوازية الرئيسي، حتى بمقابل اختلال مؤقت لسير هذا النظام. سيجري، في وضع قد يفضي فيه اليأس الاقتصادي والاجتماعي إلى اضطرابات، استعمال أحزاب أقصى اليمين لحرف الانتباه عن السبب الحقيقي للقلق الاجتماعي نحو أكباش فداء محددين مسبقا، أيا تكن عواقب ذلك على الصعيد السياسي.

- ما هي الآثار الأخرى الوازنة للنيوليبرالية على الهويات العرقية و الطبقية ؟

تزعم إيديولوجيا النيوليبرالية أنها" عمياء عرقيا"، وأن الأسواق لا تقييم تمييزا (سوى فيما يخص الثروة والسلطة، طبعا). قد يصح ذلك لنسبة 1% أو المستويات العليا للطبقة المتوسطة الجديدة (15% الذين في الأعلى)، لكن النيوليبرالية فاقمت،بالنسبة للجميع تقريبا، التوترات العرقية بثلاثة طرق.

أولا، في التنافس للاستفادة من نفقات عامة هي في انخفاض قوي، تغدو المطالبة بمساعدة خاصة على أساس عرقي بديلا عن النضال: من يتمكن من البرهنة على أن "عرقه" قد عُـومل على نحو أسوأ من آخرين،أو انه محروم أكثر، يحق له الحصول على تمويل تعويضي من الدولة ، بخاصة على الصعيد المحلي- ما يشجع طبعا الناس على اعتبار أنفسهم منتمين في المقام الأول إلى عرق.

ثانيا، ترفع النيوليبرالية بشكل كبير مستويات التقسيم الاجتماعي، على نحو يجعل التمسك بنوع من الهوية العرقية ، حتى وإن كانت مخترعة حديثا قادرا–بغياب وعي طبقي قوي-على منح التماسك الاجتماعي المتاح بوجه التسليع الفظ للعلاقات الإنسانية. وهذا يغذي طبعا اليمين المتطرف.

ثالثا: تلعب الأنظمة النيوليبرالية بالغرب لعبة ثلاثية الأبعاد: دعم شكلي للتعدد الثقافي –في بريطانيا و الولايات المتحدة الأمريكية بجميع الأحوال، أما حالة فرنسا فمغايرة شيئا ما)؛ وتشجيع ضمني للهجرة بمستويات أجور أدنى؛ والتشهير في الآن ذاته بالمهاجرين بما هم طفيليين يسرقون العمل و/أو المزايا الاجتماعية – تشهير يضخمه طبعا اليمين المتطرف كما أشرت آنفا.

لم ُتضعف النيوليبرالية حتما الوعي الطبقي، لكنها أضعفت تمثيل العمال الطبقي عبر الاستسلام التام للاشتراكية الديمقراطية و تراجع الانخراط النقابي. ولهذا طبعا عواقب، لا سيما جعل إدراك كيفية أخرى لتنظيم المجتمع أمرا بالغ الصعوبة على العمال الأشد عرضة للاستغلال وللضغط. ربما تتمثل أكبر الأمور أهمية ضمن تلك الواجبة على اليسار ( النضال ضد الاضطهاد، وإرساء التضامن، وبناء أحزاب ونقابات)، أي تلك التي يتعين أن تكون خيطا موجها للباقي، في ضرورة إعادة تأكيد ضرورة وإمكان بديل اشتراكي للأزمة الراهنة- وفق شعار 1999: إن عالما آخر ممكن.

نشرت هذه المقابلة بتعاون المجلة الأوكرانية (كومومنس –مجلة نقد اجتماعي) وLeftEast, وهو موقع يساري مناضل مخصص للتحليل و النقاش حول أوربا الشرقية.

طرح الأسئلة يوري ديرغونوف. أرسلت يوم 28 فبراير و ووصلت الأجوبة يوم 2 مايو 2014.

المصدر هنا

نقل المقابلة إلى الفرنسية لموقع Avanti4.be : جان بولتييه

وإلى العربية: موقع المناضل-ة






نايل دافيدسون مؤرخ وعالم اجتماع اسكتلندي، أستاذ بمدرسة العلوم الاجتماعية والسياسية بجامعة غلاسكو. تشمل مجالات أبحاثه نظريات الثورة و التنمية منذ عصر الأنوار، والنزعة القومية والعرقية، وعلاقة الاقتصاد الرأسمالي بالدولة-الأمة، والنيوليبرالية والحركات الاجتماعية اليمينية، ويهتم أيضا بالجانب الاسكتلندي لهذه المواضيع.

له مؤلفات عديدة منها :

• أصول الأمة الاسكتلندية -2000

• في اكتشاف الثورة الاسكتلندية - 2003

وقد حصل بصدده على جائزة دويتشر التذكارية لأفضل كتاب ماركسي بالانجليزية

• إلى أي حد كانت الثورات البرجوازية ثورية ؟ - 2012،

• مجموعة نصوص حول مختلف المفكرين الماركسيين بعنوان هيئة سريعة لصورة من الماضي -2014

• مؤخرا، أنهى دراسة هامة حول علاقة التحويل النيوليبرالي للرأسمالية العالمية و التغير في الوعيين العرقي و الطبقي، ويحضر حاليا لنشر كتابين :

• ما هي النيوليبرالية ؟

•في خرق لكل قوانين التاريخ: التطور المركب و الدول-الأمم والرأسمالية النيوليبرالية



#نايل_دافيدسون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...
- للمرة الخامسة.. تجديد حبس عاملي غزل المحلة لمدة 15 يوما
- اعتقال ناشطات لتنديدهن باغتصاب النساء في غزة والسودان من أما ...
- حريات الصحفيين تطالب بالإفراج عن الصحفيين والمواطنين المقبوض ...
- العدد 553 من جريدة النهج الديمقراطي بالأكشاك
- التيتي الحبيب: قراءة في رد إيران يوم 13 ابريل 2024
- أردوغان: نبذل جهودا لتبادل الرهائن بين إسرائيل والفصائل الفل ...
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 551


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - نايل دافيدسون - أوكرانيا و الربيع العربي: عودة -الثورات السياسية-