أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - فيليتسيا لانجر أكثر من محامية














المزيد.....

فيليتسيا لانجر أكثر من محامية


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 4485 - 2014 / 6 / 17 - 22:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


فيلتسيا لانجر، أكثر من محامية
جواد بولس
في معرض استكمال هيكلة لجان "التحالف الأوروبي لمناصرة الأسرى الفلسطينيين"، أعلن القيّمون على هذا النشاط عن تسمية المحامية فيليتسيا لانجر رئيسةً فخريةً للتحالف.
هذا ما نشرته وكالات الأنباء التي نقلت، كذلك، أن تسميتها جاءت تقديرًا وعرفانًا لدفاعها طيلة عشرات السنين عن الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال الاسرائيلي وأمام محاكمه العسكرية. لقد كانت فيليتسيا لانجر أكثر من محامية وأكبر.
سمعت باسمها قبل وصولي، في بداية سبعينيات القرن الماضي، إلى القدس لأنضم طالبًا إلى  كلّية الحقوق في الجامعة العبرية، وعرفتها قبل أن ألتقيها. كانت امرأة جميلة، شقراء، جبينها عريض يحرس عينين حالمتين غائرتين تخبّئان وجعًا وحنينًا، وجهها كوجوه البولندّيات، يذكّر بثلج تلك البلاد، تكسوه حمرة خفيفة كالفجر هناك، تتوسّطه شفتان، تحرص، دائمًا، على الاعتناء بهما وتلوّنهما بما يليق بنهارها. تحب فيليتسيا الجمال والشعر والبشر.
أحببتها وكثيرين من زملائي في الجامعة، فكان اسمها، كلّما ذكر، يستفز الطلّاب اليهود العنصريين، والبعض منهم كان يشتمها بأقذع المسبّات والأوصاف النابية، ويؤكدون أنها شيوعية وتحب العرب- أعداء اسرائيل. كانت امرأة كثيرة الإنسانية. 
 شهدتْ تلك السنوات، أواسط  وأواخر السبعينيات أعنف الصدامات بين الطلّاب العرب وحلفائهم من الطلّاب اليهود التقدميين، وبين مجموعات من الطلّاب اليهود العنصريين الهمجيين.
 كنّا نهتف ضد الاحتلال الاسرائيلي، ونؤكد كذلك أن "الفاشية لن تمر". 
قادت لجان الطلّاب العرب، حديثة الولادة آنذاك، النضالات والتظاهرات، ومن خلالها بدأنا، كناشطين،التعرّف إلى قيادات ذلك الزمن؛ فقابلنا "التوفيقين" و"الإميلين" ورفاقهما. بعض اللقاءات بهم التأمت في مكتب المحامية فيليتسيا لانجر رفيقتهم، في شارع كورش 14 في غرب القدس، فصرنا إليها أقرب، وعرفنا لماذا أحببناها قبل أن نلقاها. كانت مخلوقة مطبوعة بحس أمومة آسر.  
لم يبلغ الاحتلال عقده الأول. كان العالم مأخوذًا بـ"داود" العصر وقضائه على "جوليات" وتحقيقه وعد الرب لشعبه وحمايته لمملكة إسرائيل من عثار وغزوات عرب متوحّشين. فمن يتذكّر اليوم كيف تجلّت غطرسة محتل قضى بنزهة صيفية على أحلام أمّة وقصع رقبتها؟
 من يستعيد اليوم كيف عششت الخيبة في صدور من آمنوا بـ "الظافر" و"القاهر" وصلاح الدين الجديد؟
من يسترجع اليوم كيف كان الإسرائيلي الفاتح يتمختر بخيلاء "مقدونية" جعلته يعربد، ويصيح داعيًا: تعالوا وانظروا، فأنا إسرائيل ابنة السماء صانعة العدل والرأفة، أقيم، ولأول مرّة في تاريخ البشرية، احتلالًا يقطر إنسانيّة ورحمة وتنويرًا! كم بكت إسرائيل في اليوم السابع فصدّقها وبكى عليها ومعها "العالم الحر".
صدّقوها فمضت لتنجز ما يعرف محتل انجازه ويجيد.
 بدأت تعتقل الأحرار في فلسطين وتملأ بهم سجونها، وعلى جلودهم تحفر تعاليم قايين وشرائع يوشع وكل الفاتحين.
 وأمّا العرب، فلقد انسلّوا، بخفة مهزوم، وطفقوا يفتشون عن رطل "شبّة" تعيد لشواربهم، التي انتكست، انتصابها وبريقها.
من هذه الحلكة أطلّت فيليتسيا كنجم "سهيل"، وهي الناجية من فك الوحش النازي الذي غزا وطنها وقتل ملايين البشر، والخبيرة كيف تُغتصب الإنسانية ويستقوي غاصبها؛ وذلك عندما يسكت الضمير وتخرس الألسن، وعندما يتحول صمت البشر مهاميز لبساطير المحتلين والغاصبين ينتعلونها، فيمتطون ظهور الأحرار.    
ابنة الحرّية اختارت أن تقف في صف الضحية وتذود عنها، أخت الفَرَاش مضت إلى حيث  المقموعون يتعذبون فسمعت أنينهم وزمجرت: احتلالك يا إسرائيل أسود ومقيت، فها أنا، بأم عيني شاهدة على أجساد تمزقها سياطكم وعيون تفقؤها قبضاتكم.
محاميةً بدأت تمثل الفلسطينيين وتزورهم في معتقلاتهم. مثابرة كالمحبّة نفسها، لا تعرف يأسًا ولا كللًا. تشاهد، تساند، توثّق، تكتب، تنشر وتفضح. في البداية، رفض العالم تصديقها وحاولت إسرئيل، بكامل عدّتها وسطوتها، أن تكذبها، تهزأ بها وتشكك برواياتها، لكنّها، وهي سليلة من سقوا الفولاذ، آمنت فعاندت فانتصرت. كانت فيلتسيا لانجر سيفًا من نار ونور. 
بعد فترة تدريب قصيرة في مكتب شيخ المحامين حنا نقارة انتقلتُ إلى مكتب فيليتسيا لأكمل تدريبي قبل أن أجاز محاميًا. في بداية الثمانينيات صرت جزءًا من مكتبها الذي لم يكن مجرد مكتب تجتمع فيه القيادات وتنطلق، بل، هكذا تبيّن لي، كان عنوان كل مظلوم فلسطيني وكل قضية مفصلية، لا يتغيّر شقّا معادلتها؛ ممارسات احتلالية قامعة ظالمة والضحيّة فلسطينية متظلّمة. 
في مكتبها بدأت أتعرف إلى معنى الوقوف بوجه المحتل ومقارعته. عندها قابلت من صاروا إخوتي وقد كانوا، من قبل، إخوتها: بسام الشكعة، وحيد الحمد الله، بشير البرغوثي، إبراهيم الدقاق، جورج حزبون، خلدون وعباس عبدالحق، جريس خوري، فهد القواسمة، كريم خلف، تيسير العاروري ومحمد ملحم وآلافًا مؤلفة من زنابق وورود فلسطين المقاومة. 
رافقتها خمس سنوات أو أكثر. كانت تخاطب محدّثيها بلغة عربية تعتمد على كثير من الغين وأخواتها، وتعمّدت، دائمًا، إظهارالاحترام لهم بكل حالة وموقف. كانت صبورة وتلتمس لهم الأعذار إن هم  قسوا عليها وجاروا.
حاول الجنود الاعتداء عليها في أكثر من موقع ومعسكر. فالمحاكم العسكرية والسجون كانت مقامة داخل معسكرات جيش الاحتلال، وكنا نمشي على أقدامنا كي نصل إلى مبتغانا، لقد سمعتهم، مرارًا، يشتمونها بأقذر الشتائم ويبصقون عليها. في البداية كنت أثور وأجيبهم بصاعين من صراخ، لكنّها أقنعتني بضرورة إهمالهم، فصرنا "نخطو على مهل"؛ بسماتنا لا تنقطع، صدورنا مندفعة كالحق، رقابنا شاهقة إلى فوق كسنان، وخبطات أقدامنا ندقها بشدّة كأن تحتها رأس أفعى.
معها، معك يا "فولا"، جُبت فلسطين المحتلة ومارست الوجع وقابلت الحب. تعرّفت إلى الفلسطيني الحر والفلسطينيات الأصايل، ففيليتسيا لانجر ليست مجرد محامية دافعت وأعطت لفلسطين، بل هي إنسانة فريدة ونادرة، إنّها المختلفة. 
 



#جواد_بولس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لن يهزم المحتلُّ أسرانا ! ولكن..
- اختلال ! ماذا يعني احتلال؟
- في الرملة سيفرحون بنجاح حمدي
- أهلًا حزيران
- عندما يصبح أولمرت خائنًا
- توفيق زيّاد البعيد القريب
- الشعب لا يريد- دفع الثمن-
- التغيير والاصلاح في المحكمة العليا
- أحبوا بعضكم بعضًا - كانت الوصية -
- محامون تحت نارين
- في القدس، ألهوية الزرقاء إن حكت
- حين نتقاتل على السماء نخسر البلد
- أعدلٌ وناصرة عليا؟
- تاريخ أخرس
- لكُنَّ في آذار السلامة والحب
- لماذا وُلدّتَ يا عمر ؟
- ليت الفتى إمرأة
- لا للتجنيد: صرخة أو صرختان
- حق إضراب ألأسرى عن الطعام لا يمس
- بين كيري وقدسنا بندقية


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - فيليتسيا لانجر أكثر من محامية