أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - سعد محمد رحيم - الكتاب الإلكتروني والمكتبة الإلكترونية ومجتمع المعرفة: تحديات عصر العولمة وما بعد الحداثة















المزيد.....



الكتاب الإلكتروني والمكتبة الإلكترونية ومجتمع المعرفة: تحديات عصر العولمة وما بعد الحداثة


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 4476 - 2014 / 6 / 8 - 13:37
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


مدخل:
وُجد الكتاب الإلكتروني مع تطور الحواسيب وأنظمتها وبرمجياتها المتقدمة، وانتشر مع بزوغ عصر الإنترنت، حيث صار فضاء الشبكة العنكبوتية المجال الحيوي له.. إنه موجود هناك، كما في اللامكان، في العالم الافتراضي، وتستطيع أن تحصل عليه من غير عناء يُذكر، وأحياناً بلا مقابل. فقط عليك ان تعرف بعض مبادئ وقواعد التعامل الضرورية مع حياة الشبكة، والولوج إلى تفرعاتها التي لا تُعد ولا تحصى.. إنه عمل أشبه بالسحر؛ أن تكتب اسم الكتاب، في سبيل المثال على محرّك بحث ما ( google مثلاً، وتضغط على زر الدخول. وإذا كان الكتاب موضوعاً في موقع ما، ومعروضاً بالمجان فما عليك إلا ان تعثر على مكان التحميل حتى يكون الكتاب مخزوناً وجاهزاً لديك خلال ثوان أو دقائق قليلة. أما إذا كان الكتاب معروضاً للبيع ( بسعر أقل بضعفين او أكثر من سعر النسخة الورقية ) فعليك ان تجد الطريقة التي تحوِّل بها ثمن الكتاب للجهة البائعة حتى يأتيك بلمح البصر على بريدك الإلكتروني.. وفي الحالتين تستطيع الاحتفاظ بالكتاب في زاوية متناهية الصغر من حاسوبك وتعود إليه في أي وقت تشاء، تقلّب صفحاته مثلما هو الحال مع الكتاب الورقي، وتشرع بالقراءة.
إن الكتاب الإلكتروني لا يشغل حيّزاً في الفراغ مثل الكتاب الورقي، فآلاف الكتب يمكن خزنها في جهاز القراءة الإلكترونية أو في جهاز الحاسوب، واللذين يمكن حملهما في حقيبة صغيرة. وإذن، منْ كان يتخيل قبل عقود قليلة أن بإمكانه التنقل عبر مسافات شاسعة مع مكتبة تضم آلاف الكتب، من غير جهد بدني عالٍ؟.
إن التقنية فائقة التطور تغيّرنا.. تغيّر نمط حياتنا، منظومة قيمنا، حدودنا، رؤيتنا إلى أنفسنا وإلى العالم، ثقافتنا، اقتصادنا، علاقاتنا الاجتماعية وبيئتنا، ناهيك عن طرق معيشتنا والوسائل والأدوات التي نستخدمها لإشباع حاجاتنا الضرورية الأولية منها، والمعرفية والجمالية السامية.. غير أنه ليس التغيّر السلس، التلقائي، الناعم والشفّاف والمنتظم، بل الصعب والمضطرب والعشوائي أحياناً. إن جزءاً من اختلالات عالمنا مردّها إلى مقاومة القديم الذي يتحدى الموت، في مواجهة الجديد الذي تعسر ولادته أحياناً. مع التأكيد على فرضية أنْ ليس القديم كله فقد ضرورات استمراره، وليس الجديد كله صالح للحياة ونافع لمعيشة البشر وسلامهم ورفاهيتهم.
لقد ولجنا قبل أقل من عقدين مرحلة جديدة في تاريخنا البشري حيث "استكملت الثورة الصناعية مع بداية القرن التاسع عشر بالثورة المعلوماتية عند نهاية القرن العشرين. أدت الأولى إلى انفتاح سياسي للحدود، وإلى دخول الحضارات الكبرى محور الغرب وإن قسرياً. أما الثورة الثانية فقد أدت لانفجار الحواجز الأخيرة، الطبيعية أو التاريخية التي كانت تفصل البشرية منذ آلاف السنين".
تتلخص فرضيتي في هذه الدراسة بفكرة أن المكتبات تشكِّل كياناً معرفياً، وجزءاً من البنية التحتية لإقامة مدن المعرفة ومجتمع المعرفة واقتصاد المعرفة، في عالم يتعولم فيه كل شيء. لذا فإن الخطوة الأولى للخروج من مأزقنا الوجودي والحضاري يبدأ من الاهتمام بالكتاب وتشجيع التأليف وتطوير صناعة الكتاب وإقامة المكتبات بصيغتيها الورقية والإلكترونية.
تتضمن الدراسة فضلاً عن المدخل، مباحث تبدأ بتقديم تعريفات أولية بالمفاهيم الأساسية المستخدمة في المتن، مثل الكتاب الإلكتروني والمكتبة الرقمية وقارئ الكتب الإلكترونية والعولمة وغيرها. ونبذة مختصرة عن تاريخ الكتب الإلكترونية، والأنساق المستعملة في الكتب الإلكترونية، وتحديد بعض مزايا الكتاب الإلكتروني وعيوبه. ومقارنة سريعة بين الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني. وثمة مبحث عن مستقبل الكتب والمكتبات، وآخر عن المكتبة الإلكترونية ومجتمع المعرفة. وأخيراً يطرح الباحث جملة تساؤلات في الخاتمة تتعدى موضوعة الكتاب الإلكتروني، إلى حقائق تخص واقع مجتمعاتنا العربية المتخلف تقنياً ومعرفياً؛ مجتمعاتنا التي تبدو تائهة وعاجزة في عصر العولمة.
تعريفات أولية:
بحسب الموسوعة الحرّة ( ويكيبيديا ) يعرّف ( الكتاب الإلكتروني بالإنجليزية: E-Book ) بأنه: "نشر إلكتروني فيه نصوص وصور، ينتج وينشر ويقرأ على الحواسيب أو أجهزة إلكترونية أخرى. قد يكون الكتاب الإلكتروني هو مقابلٌ إلكتروني لكتاب مطبوع، وقد يكون الكتاب قد أُلّف بصورة إلكترونية منذ البداية، وقد لا يكون هناك كتاب مطبوع مناظر له". ويحدد كافانوف مفهوم الكتاب الإلكتروني مصطلحاً دالاً على ثلاثة أشياء: "إما أن يكون جهازاً مخصصاً لعرض المواد المقروءة إليكترونياً ، أو برامج مصممة لعرض تلك المواد، أو أن يكون ملفاً إليكترونياً للكتاب يعرض محتوى الكتاب في شكل إلكتروني". ويمكن تعريف الكتاب الإلكتروني من حيث التصميم أو الإنتاج أو الاستخدام. فيما تُعرِّف الموسوعة العالمية لعلم المكتبات والمعلومات «Encyclopedia of information an library Science» الكتاب الالكتروني بأنه "مصطلح يستخدم للدلالة على نص أشبه ما يكون بالكتاب التقليدي غير أنه عبارة عن «فورمات» رقمي يتم عرضه وقراءته باستخدام الشاشات الحاسوبية. وعملية نشر الكتاب في «الفورمات» الرقمي لا تخضع للخطوات التقليدية لإنتاج الكتاب المطبوع، حيث تستطيع الأقراص الليزرية أن تحمل كمّاً هائلا من الكتب في شكلها النصي، فضلا عن الصور، والرسوم المتحركة، والصوت".
استناداً إلى هذه التعريفات المتقاربة بمدلولاتها نفهم أن الكتاب الإلكتروني لا يختلف عن الكتاب الورقي الاعتيادي من حيث كونه نصاً مكتوباً. لكن الاختلاف يكمن في شكل الحفظ، أي في الصيغة الرقمية التي يتخذها الكتاب الإلكتروني والذي يُخزن بوساطة الحواسيب سواء في ذاكرة الحواسيب نفسها أو على أقراص ليزرية مرنة أو ضوئية، وتُقرأ على شاشات الحواسيب، أو أجهزة القراءة المحمولة باليد.
يقودنا مفهوم الكتاب الإلكتروني إلى مفهوم المكتبة الإلكترونية، والتي هي بتعريف ويكيبيديا؛ "مجموعة من المواد ( نصوص وصور وفيديو وغيرها ) مخزّنة بصيغة رقمية ويمكن الوصول إليها عبر عدة وسائط. أهم وسائل الوصول لمحتويات المكتبة الرقمية هي الشبكات الحاسوبية وبصفة خاصة الإنترنت". وهكذا لا تقتصر المحتويات المخزونة للمكتبة الإلكترونية على الكتب الإلكترونية المتضمنة للنصوص المكتوبة بل تتعداها إلى الصور وأشرطة الفيديو التي يمكن الاحتفاظ بها في العالم الافتراضي الرقمي.. وهناك من يصف شبكة الإنترنت بأنها المكتبة العالمية الكبرى.
أما قارئ الكتب الإلكترونية E-Book Reader فهو "عبارة عن جهاز يستخدم لقراءة الكتـب الإلكترونية والمجلات الإلكترونية وغيرها. وخاصية تصفح الإنترنت فيها محدودة بالقراءة وتحميل الملفات النصية والصوتية كالبي دي إف والنوتة والإم بي ثري والepub وغيرها".
ولأن ظاهرة الكتاب الإلكتروني والمكتبة الإلكترونية برزت مع تطور تقنيات الحاسوب والبرمجيات، وتوسّع شبكة الإنترنت، فإنها تتصل بعصرنا الذي بات يكنّى بعصر العولمة. وهو العصر الذي يبتدئ في تحديدات معظم المختصين منذ نهايات عقد الثمانينيات من القرن الماضي. والعولمة لغوياً هي أن يكون لشيء ما بعده العالمي، انتشاراً وتأثراً وتأثيراً. فيما لم تستقر بعد الأدبيات السياسية والاقتصادية والفكرية عموماً على تعريف قار جامع مانع متفق عليه للعولمة اصطلاحاً.. غير أن المفكرين قد تشعبوا في وصفها بمستوياتها السياسية والاقتصادية والقانونية والإيديولوجية. وهي تتصل بالثورة الحادثة في مجال الاتصالات والمعلوماتية والرقمنة والحوسبة، وبانفتاح الأسواق بعضها على بعض، وحرية التبادل التجاري، وتخطي الشركات العالمية لمراكزها القومية، والتي انعكست على عمليات التصنيع وانتقال رؤوس الأموال والخبرات والتكنولوجيا بسرعة فائقة فيما بين الدول.
يعد الدكتور جون توملينسون العولمة كحالة تجريبية للعالم وينحت اصطلاحاً جديداً يطلق عليه بـ ( المرتبطية المعقّدة: Complex Connectivity ) ليشير في ضوئه إلى العولمة بوصفها "الشبكة سريعة التطور، ومتزايدة الكثافة دوماً من الترابطات Interconnections والعلاقات المتبادلة interdependences التي تميّز الحياة الاجتماعية الحديثة". ويعرفه Dunnong بأنها "عبارة عن زيادة الروابط وتعميقها بين المجتمعات والدول بشكل ينظم ويرتب نظام الاقتصاد الحالي، كما أنها تصف العمليات التي من خلالها تفرز القرارات والأحداث والأنشطة التي تحدث في أحد أجزاء العالم نتائج مهمة للأفراد والمجتمعات في بقية انحاء العالم". وكانت نتيجة ذلك أن أصبحت الحدود الدولية أكثر هشاشة وتعرّضاً للاختراق، لتتآكل معها سيادة الدول السياسية التقليدية. وتخرج مجتمعات كانت معزولة، أو شبه معزولة، من نطاق عزلتها الخانق.
إذا كانت الثورة الصناعية والرأسمالية الاحتكارية مرتبطة بالحداثة فإن العولمة والرأسمالية المتأخرة ارتبطت بما بعد الحداثة على الرغم من أن الاصطلاح الأخير قد سبق زمنياً ظهور اصطلاح العولمة. ويفوق اصطلاح ( ما بعد الحداثة Post – Moddernism ) ضبابية ومراوغة الاصطلاحات الأخرى. ويراها بعضهم مجرد موضة سطحية عابرة ولا معنى لها. وقد ارتبط بالفنون كالموسيقى والرسم والنحت والمعمار، والأدب والنقد والفلسفة.. ولقد طار الاصطلاح سريعاً حتى بات "أحد المعاني التي يمكن فيها أن يتحدث المرء عن كوكبية الثقافة". كما يقول مايك فيزرستون. ويؤكد جيمسون "أن ما بعد الحداثة مؤسسة على الدور المركزي لإعادة الإنتاج في شبكة العمل الكوكبية اللامركزية في الوقت الحاضر، والرأسمالية المتعددة القومية التي تؤدي إلى الانتشار الهائل للثقافة خلال كل المجال الاجتماعي إلى الحد الذي يمكن أن يُقال فيه أن كل شيء في حياتنا الاجتماعية اصبح ثقافياً". وفي السياق ذاته يتحدث بودريار عن عالم التصنع ما بعد الحديث مفترضاً "أن تطور الإنتاج السلعي مرتبط بتكنولوجيا المعلومات، ( وهو ما أدى) إلى انتصار ثقافة المعنى التي تعكس أو تقلب اتجاه الحتمية. لذلك اصبحت العلاقات الاجتماعية مشبعة بالرموز الثقافية المتغيرة إلى حد أننا لانستطيع الكلام عن طبقة أو معيار، ونواجه نهاية ( الاجتماعي )".
تاريخ الكتب الإلكترونية:
تقول موسوعة ويكيبيديا أن مشروع غوتنبرغ شكّل لحظة البدء لصناعة الكتاب الإلكتروني والذي قام به Michael S. Hart في العام 1970.
أما أولى النماذج للحاسوب المحمول Dynabook فقد وضعت في شركة بارك في السبعينيات كاقتراح لتمكين القراءة على الشاشة الإلكترونية. لكن فكرة الكتاب الإلكتروني بصيغته الحالية بدأت أوائل التسعينيات وأحد مبتكريها هو ( بوب ستاين ) الذي عقد مقارنة بين الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني، وأكد على تفوّق مزايا القراءة على الشاشة، وواجه اعتراضات جمّة في حينه. وفي هذه الآونة كانت عمليات خزن ونشر الوثائق إلكترونياً تتطور بصورة مذهلة.
الأنساق المستعملة في الكتب الالكترونية:
هناك أنساق عديدة جرى تطويرها من قبل شركات عالمية تستعمل في الكتب الإلكترونية منها أولاً الكتاب المصوّر، حيث يتم مسح صفحات كتاب ( ورقي ) بوساطة الماسح الضوئي. وهناك نسق CHM: "ويستخدم لصناعة الملفات المساعدة في البرامج. وهو في الأصل ملف واحد مكوّن من عدة صفحات مصنوعة بلغة برمجة المواقع HTML، لكن يمكن استخدامه أيضاً لصناعة كتاب إلكتروني، وفي هذه الحالة فإن الملف قد يحتوي على نصوص بالإضافة إلى صور رقمية".
أما "نسق PDF: فهو نوع من الملفات يُفتح بوساطة برنامج Adobe Acrobat المصنّع من شركة أدوبي. وهذا النوع من الملفات له صفات غير موجودة في الأنواع الأخرى من ملفات الكتب الإلكترونية ومنها: إمكانية تشفير النص بحيث لا يستطيع أحد نسخه كما هو مكتوب. وإمكانية إضافة توقيع أو شهادة رقمية من مؤلف الكتاب. وإمكانية طباعة كامل صفحات الكتاب، وهناك خيار لتعطيل هذه الإمكانية عند صنع الملف".
وأخيراً نسق DjVu: والذي "يُفتح بوساطة برنامج يضاف إلى متصفح الانترنت. ( وهو ) عبارة عن نوع من المفات مخصص لجمع صور كتب مأخوذة بواسطة الماسح الضوئي".
مزايا الكتب الإلكترونية وعيوبها:
مثل كل ابتكار تقني جديد وظاهرة حضارية لافتة نستطيع تأشير مزايا للكتاب الإلكتروني وعيوباً؛ وبهذا الخصوص تشير موسوعة ويكيبديا إلى مجموعة مزايا له، منها؛ سهولة نقله وتحميله على أجهزة متنوعة، وسهولة الوصول إلى محتوياته، وقراءته باستخدام الكومبيوتر أو أجهزة القراءة أو الهواتف المحمولة. وقراءته في الظلام أو مع الإضاءة الخافتة. وإمكانية ربطه بالمراجع العلمية وترجمته إلى لغات مختلفة باللجوء إلى الترجمة الفورية التي توفّرها برامج خاصة. فضلاً عن إمكانية تكبير حجم الكلمات وتغيير خط الكتاب، وتلقّي فصول الكتاب بالاستماع في حالة وجود تسجيل صوتي له. والبحث عن كلمات معينة، والعثور عليه بيسر. ووضع علامات على الكتاب بمساعدة تقنيات وبرامج خاصة متطوِّرة.
كذلك يوفر نشر الكتاب إلكترونياً تكلفة الطباعة والتوزيع، وبالمستطاع استنساخ عدد لا نهائي من الكتاب الواحد، فالكميات لا تنفد. ويستطيع هذا الكتاب عبور الحدود الجغرافية والسياسية القائمة وتخطي تعقيدات الرقابة التي غالباً ما أعاقت عبور الكتاب الورقي, فأنت لا تحتاج إلا إلى لحظات لترسل كتابك إلى أقصى المسافات. كما يستطيع القارئ قراءة ملفات HTML حيث تُضاف في هوامش صفحات الكتاب عنوانات مواقع على شبكة الإنترنت التي لها علاقة بموضوع الكتاب.
وحين يحلّ الكتاب الرقمي والصحيفة الرقمية محل الكتاب الورقي والصحيفة الورقية فهذا يعني التوقف عن إنتاج ملايين كثيرة من أطنان الورق، مما يعني التقليل من قطع الأشجار ومن النفايات التي تخلِّفها استخدامات الورق، والمحافظة على سلامة البيئة ونظافتها.
ومن المزايا الأخرى: "عدم الحاجة للتواجد الفعلي في مكان وجود المواد الرقمية، وسهولة إتاحة نسخ من المواد الموجودة في مكتبة ما في مكتبات أخرى بلا مقابل يُذكر وبالجودة نفسها كالمادة ألأصلية. وسهولة البحث اللامتناهية في المواد الموجودة بصورتها الرقمية. والحفاظ على تحديث المواد أصبح سهلاً، خاصة بالنسبة للأماكن التي تعتبر بعيدة عن مراكز النشر وتوزيع المعرفة".
كذلك يمكن تأشير عيوب لهذا النمط منها أن القراءة على الشاشة تكون مجهدة ومضرة للعين. وعدم توفر أجهزة الحواسيب والقراءة الإلكترونية لكل الناس والطبقات لارتفاع أسعارها. كذلك ليس كل الكتب متاحة في صورة إلكترونية.
كما أن أجهزة الحواسيب والقراءة الإلكترونية تتطور بسرعة حيث يغدو الجهاز الذي تشتريه اليوم قديماً بعد شهور أو اسابيع قليلة.. ويشكو الناشرون والمؤلفون من عمليات القرصنة وانتهاك حقوق الملكيات الفكرية بسهولة. وتضيف موسوعة ويكيبيديا جملة عيوب أخرى تلصق بالكتب الإلكترونية منها: "أن الكتب المطبوعة أكثر تحمّلاً للأضرار ( كالسقوط مثلاً ) من جهاز قارئ الكتب الإلكترونية، والذي قد يعطب أو يفقد بعض البيانات. وبسبب إدارة الحقوق الرقمية لا يمكن لمستخدم الكتاب الإلكتروني إعارته لشخص آخر، باستثناء ما صدر مؤخرا من ميزات الإعارة لكتب متجر أمازون وبارنز أند نوبل وغيرهما".
وفيما تتعلق بحالة الخصوصية تقول الموسوعة أنه "يمكن للكتب الإلكترونية وبرمجياتها مراقبة استعمال بيانات المستخدم". وعن الكتب المصوّرة تقول أن "الكتب المصوّرة - مثل كتب الأطفال- أو التي تحتوي على أشكال تكون مطالعتها أفضل في الكتب المطبوعة". وتبرز مع الكتب الإلكترونية مشكلات من قبيل؛ "تقادم المواد المادية، وتقادم المواد تقنياً. إنشاء معايير موحدة للرقمنة، وإيداعها في ملفات، وصيانة المواد لإتاحتها بسهولة بصورة موحدة". ويبقى التعويل على التطور التقني السريع في هذا المجال، والمجالات المجاورة، في تجاوز العيوب المؤشرة، أو معظمها، وإيجاد مزايا أخرى لا تخطر الآن على بالنا.
الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني:
للروائي الإيطالي الكبير إمبرتو إيكو كتاب بعنوان دال ( لا تأملوا بالتخلص من الكتب )، ويقول بهذا الصدد في مقابلة صحافية ترجمتها ونشرتها جريدة ( القدس العربي 11/ 3/ 2013 ) أنه "لا وجود لتكنولوجيا اغتالت سابقتها". ويستحضر أمثلة من قبيل أن الفوتوغرافيا لم تقضِ على فن الرسم، ولم يختفِ القطار مع اختراع الطائرة.. ويضيف "أعتقد انه بإمكاني أن أتخيل مستقبلاً حيث بإمكان الناس أن يقرأوا الكتب في الأيباد ( IPad/ اللوحة الإلكترونية ) أما فيما يتعلق بالكتاب فبقاؤه حياً يقوم على الارتباط الحسّي ( الجسدي )". هنا يعرّج إلى العلاقة الحميمة بين الإنسان والكتاب الورقي بوصفه كينونة مادية لها حياتها ونبضها السرّي.. يقول: "إذا وجدتم في الدور التحتي لبناياتكم كتباً كنتم قد قرأتموها عندما كان سنّكم ثمانية أعوام، ستجدون أنها لا زالت تحمل أيضاً بصمات أصابعكم، وأثر الخربشات التي كنتم تقومون بها. الكتاب هو موضوع يذكِّركم بطفولتكم. إذا كان محمّلاً على جهاز للتخزين USB فلن يكون له نفس الدلالة". فإيكو لا يُراهن على ما في الكتاب من محتوى وموضوعات بل يهتم، إلى جانب ذلك، بالذاكرة التي تحملها في نسيجها العضوي، في كيمياء تكوينها. ذاهباً إلى حد توصيف الارتباط بالكتب بالشهواني. غير أن ايكو يعود ويعترف بأنه يستخدم اللوحة الإلكترونية Tablette ويحمِّلها بعشرات الكتب الإلكترونية لأنه لا يستطيع حملها معه كتباً ورقية في أثناء سفرياته.
إن حالة إمبرتو إيكو هي حالة ملايين الناس، ممن تعدوا الأربعين من أعمارهم، في أنحاء العالم، الذين فوجئوا بالثورة الرقمية وفتوحاتها ومنجزاتها فأقبلوا عليها مضطرين، لكن ما زال يعتمل في دخائلهم الشغف بما هو قديم معتّق بالمعنى الروحي، وله علاقة بذاكرتهم وطفولتهم وتاريخهم.
انتزع الكتاب الإلكتروني وكذا المكتبة الإلكترونية الهالة الرومانسية التي تحيط بالكتاب الورقي والمكتبة المحتوية على الكتب الورقية في نظر عشّاق القراءة.
إن غياب تلك المتعة التي نستشعرها ونحن نمسك بجسد الكتاب الورقي ونتلمس جلده، ونتحسس حافاته ونعومته وخشونته، وأكاد أقول ارتعاشاته الخفية ونبضه. لن يعوِّضه الحضور الضوئي الباهر للكتاب الإلكتروني. ولكن ربما خلق هذا الكتاب بشكله الرقمي مُتَعًه التي تستجيب لها ذائقة جيل جديد تتكوّن في مناخ اجتماعي وثقافي وحضاري مختلف عن المناخ الذي تكوّنت فيه ذائقة الأجيال السابقة. فالعالم الآن غير العالم بالأمس الذي عرفناه، والذي أفل أو كاد في نهايات القرن العشرين، وإن لم يختف إرثه الجبّار، والذي لن يختفي تماماً كما يظن بعضنا.
وفيما عدا البعد الرومانسي في الكتاب الورقي، واعتياد الناس عليه هناك أيضاً أمور تتعلق بسهولة تصفحه وقراءته في وضعيات جسدية مختلفة بالنسبة للقارئ، وكتابة هوامش في فراغاته وحواشيه، وإن كانت التقنيات الحديثة قد أوجدت الكتاب الإلكتروني الذي نستطيع التأشير عليه وإجراء الخطوط والخربشات، وكتابة الملاحظات عليه باستخدام برامج معينة.
يقول الدكتور أحمد أبو زيد، وهو عالم أنثربولوجي مهتم بالمستقبليات: "لقد كان الورق أحد الأبواب العريضة الكبرى المؤدية إلى الحاضر والتي سوف تقود خطانا نحو المستقبل". ويورد مؤشرات رقمية عن ازدياد حجم المستهلك من الأوراق بعد التطور في مجال الحاسبات.. يقول: "وليس أدل على صدق ذلك من أنه في التسعينيات من القرن الماضي كان يتم طباعة حوالي مائة وخمسة عشر مليون ورقة في المتوسط سنوياً. فإذا بالرقم يقفز الآن إلى ما يزيد على ترليون ورقة في الولايات المتحدة وحدها، ولا تزال كل الإدارات الحكومية والمنشآت الخاصة تستخدم الورق على الرغم من الثورة الرقمية". ويتباين حجم استخدام الورق الذي هو مقياس للتقدّم الحضاري بين الدول والمجتمعات المختلفة، ففي الولايات المتحدة يصل استهلاك الورق "إلى حوالي ثلاثمائة كيلوجرام في السنة بالنسبة للفرد الواحد، ولكنها تنخفض إلى ثمانية عشر كيلوجراماً للفرد في المجتمعات النامية بشكل عام، ثم تنخفض مرة أخرى إلى أربعة كيلوجرامات فقط في الهند لكي تتدهور إلى أقل من كيلوجرام واحد في أفريقيا".
في محاضرة لأمبرتو إيكو في مكتبة الإسكندرية في العام 2008 يورد مقارنة بين قراءة الكتاب الورقي والإلكتروني من ناحية الاقتباسات، وإيجاد الصلات بين المعلومات الموجودة في كتب عديدة، أو في الكتاب الواحد بين الصفحات المختلفة فيأتي بمثال عن شخص ما يحاول اكتشاف فيما إذا كان الفيلسوف إيمانويل كانط قد التقى بنابليون وكيف أن الأمر يكون مرهقاً بدنياً حين نبحث في الموسوعات والمصادر الورقية.. يقول؛ " اما لو كان لدي نص ذو روابط الكترونية ‘hypertexts فإنني أستطيع أن أبحث واتجوّل في جميع أنحاء الموسوعة، ويمكنني أن أربط بين حدث يأتي ذكره في البداية وأحداث أخرى مشابهة له يأتي ذكرها عبرالنص، ويمكنني ان أقارن بين البداية والنهاية، كما يمكنني أن أعطي أمراً بتكوين قائمة بجميع الكلمات التي تبدأ بحرف ‘ألف’ أو بجميع المواقف والأحداث التي يأتي فيها ذكر اسم نابليون مرتبطا باسم كانط، ويمكنني أن أقارن بين تاريخ ميلاد كل منهما وتاريخ وفاته، أي أنه يمكنني القيام بمهمتي في غضون ثوان أو دقائق معدودة".
هذه الخاصية في الكتب الإلكترونية تمنحها امتياز السرعة والدقة. حيث تعد "شبكة الإنترنت العالمية (www) أم جميع النصوص ذات الروابط الإلكترونية (Hypertexts)، فهذه الشبكة عبارة عن مكتبة تغطّي العالم وتنتشر فيه بأسره، ويمكنك عن طريقها وفي وقت قصير أن تحصل علي كل الكتب التي ترغب في الحصول عليها. فشبكة الإنترنت هي النظام العام الذي يحوي في إطاره جميع النصوص ذات الروابط الإلكترونية (Hypertext) الموجودة في العالم".
أغرقت تكنولوجيا المعلومات، ووسائل الإتصال الحديثة العالم بالرموز والصور.. إن طابعاً ثقافياً مغايراً قد طرأ على المجتمع الإنساني الذي بات مجتمعاً استهلاكياً موجَّهاً بقنوات الإعلام وطرقات الإعلان. وقد حصل الأمر غالباً على حساب الكلمة، على حساب الللغة والكتابة، وسادت بلاغة الصور مزيحة إلى حد ملموس بلاغة الكلام، وبلاغة المكتوب. بيد أن هذا لا يعني، بأية حال، أن اللغة الإنسانية في خطر. فاللغة هي مستودع العلوم والمعارف، وأداة التفكير في الفهم والتفسير والتحليل والتركيب والتأويل. وحتى الصور بحاجة لإدراكها إلى كلمات مصاغة في جمل لها معنى، أي إلى وسيط لغوي.
أن تحل الصورة محل اللغة الإنسانية تؤدي إلى ضمور مَلَكة في غاية الأهمية عند الإنسان كانت السبب في تطوره العلمي والفني والفكري ألا وهي التخييل.. هذا ما يحذِّر منه الدكتور عبد السلام المسدّي.. ويقول:
"إن ثقافة الصورة تدفع إلى كسل الجهاز اللغوي عند الفرد وبين أطراف المجموعة، ثم إنها بما توفره من تشخيص للحركة وما تعين على إبرازه من تجسيم للواقعة، ورسم تشكيلي للظواهر، قد حالت دون تبلور وظيفة أساسية من وظائف اللغة لدى الإنسان كانت الحاجة إليها في الماضي قوية عندما كانت الكلمة ـ منطوقة، فمسموعة، أو مخطوطة فمقروءة ـ هي القناة الفريدة في التواصل الثقافي، وهذه الوظيفة التي نقصدها هي وظيفة التخييل". فهل أن التطوّر في مجال ثقافة الصورة سينتهي بالإنسان إلى انكماش القدرة على الخيال ومحدودية الذكاء، أم أن لثقافة الصورة آلياتها وممكناتها التي بها ستعين الإنسان على تنمية ملكات التفكير والخيال والإبداع عنده بشكل يفوق ما تعارفنا عليه؟.
بعد توسّع استخدام الإنترنت، وارتفاع تكلفة المطبوعات الورقية شرعت صحف ومجلات عديدة في العالم وفي البلاد العربية بالتوقف عن النشر الورقي والاستعاضة عنه بالنشر الإلكتروني، وكان آخرها مجلة نيوزويك الأمريكية الشهيرة التي صدر عددها الأخير في نهاية ديسمبر 2012، بعد أكثر من سبعين سنة على صدور عددها الأول ( 1937 ) فغدت مطبوعة رقمية. وعربياً تحوّلت مجلة الآداب العريقة هي الأخرى، قبل أكثر من عام ( 2012 ) إلى النشر الإلكتروني بعد عقود من المساهمة الفعالة في دنيا الثقافة العربية.. وتعد دار قَدمُس السورية للنشر أول دار نشر عربية تكف عن النشر الورقي وتشرع بنشر كتبها رقمياً على الشبكة العنكبوتية.. وتعوِّل الدار على زيادة عدد مستخدمي الإنترنت العرب الذين وصل عددهم إلى "65,4 مليون مستخدم وهي تقريباً نسبة تعادل خمس عدد سكان الوطن العربي". ويورد مدير الدار زياد متي الأسباب التي دعته لاتخاذ هذا الإجراء منها المزايا التقنية التي تمتاز بها الكتب الإلكترونية، ونمو عدد مستخدمي الإنترنت العرب بنسب عالية ( 2500 في المائة خلال الفترة من العام 2000 وحتى 2011 )، فضلاً عن المشكلات والمعوِّقات التي تعترض سبيل انتشار الكتاب العربي.. يقول؛ "من أكبر المشكلات التي تواجه الكتاب العربي إضافة إلى ضعف محتواه وضحالة الأبحاث العلمية، عدم وجود شركة توزيع كتب في بلادنا". وهي المشكلة ذاتها التي تحول دون وصول الكتاب العراقي إلى القارئ العربي، وحتى العراقي في أحايين كثيرة.
لم يتراجع تأليف الكتب، بل ازداد.. لم يتراجع نشر الكتاب الورقي بل تضاعف. فيما توسعت بالمقابل، وإلى حد بعيد صناعة الكتاب الإلكتروني سواء ذلك الذي يحوِّل نسخة ورقية إلى نسخة إلكترونية. أو ذلك الذي يؤلف على جهاز الحاسوب ويُنشر عبر الشبكة العنكبوتية، ويبقى في نسخته الإلكترونية متاحاً للقارئ بوصفه نصاً لغوياً يشبه المخطوطة القديمة والكتاب الورقي التقليدي من نواحٍ كثيرة، إلا أنه مهيأ لأن يُستنسخ إلى ما لا نهاية، ويجري تداوله من قبل جمهور واسع جداً. فيما أتاح التقدم التقني صناعة الكتاب حسب الطلب، أي أن القارئ يستطيع أن يحدد نوع الخط وحجم الكلمة فلو "تم القيام بعملية المسح الضوئي للكتب الموجودة في العديد من المكتبات أو دور النشر، يمكن للقاريء أن يختار الكتاب الذي يحتاجه، ويقوم العامل بالضغط علي زر ما فيقوم الجهاز بطباعة نسخة واحدة من الكتاب، وللقاريء أن يختار نوع الخط المستخدم عند طباعة الكتاب، وبعد ذلك يتم تغليفه". هذا المثال يورده إيكو في محاضرته، التي أشرنا إليها، بمكتبة الإسكندرية.
يورد الدكتور إسماعيل سراج الدين خمس وظائف خاصة ستقوم بها المكتبات في الألفية الجديدة، هي: "أولاً: ستستمر في الاحتفاظ بالنسخ الأصلية، وستظل المخطوطات والطبعات الأولى لها السحر نفسه علينا... ثانياً: ستصبح المكتبة ملتقىً لأصحاب الأفكار المتشابهة ومن لهم اهتمامات بموضوعات معينة... ثالثاً: ستظل بعض المواد ـ لأسباب مادية ومؤسسية ـ بعيدة المنال بالنسبة لأغلب الناس مقابل مبالغ رمزية توفرها المكتبات فقط داخل المكتبة... رابعاً: ستكون المكتبة بمثابة جسر مناسب بين أفراد الشعب خاصة الباحثين منهم، ونظام الأرشيف الوطني... خامساً: ستستمر المكتبات في إقامة برامج خاصة، يشترك فيها الأطفال والشباب وآباؤهم من خلال مشروعات اجتماعية وتعليمية رائعة ستبقى ما بقيت المجتمعات".
يكاد يكون الكتاب وصناعته بمراحلها المختلفة نواة التقدّم في مجالات الحياة كافة. والكتب بمجرد ان تؤلف وتنشر لا تموت بل تدخل في إنتاج كتب جديدة لتستمر دورة حياة المعرفة وإلى الأبد.. وما زال الكتاب وسيبقى المصدر الأهم لاكتساب المعارف والمعلومات بعد أن صار مستودع أفكار البشر وعلومهم وخبراتهم وتجاربهم. وأي بحث في أي حقل علمي أو إنساني لابد من أن يستند إلى مصادر من كتب وبحوث ودراسات مكتوبة.
مستقبل الكتاب والمكتبات:
لا أحد يستطيع التهكن بمسارات تطوّر التقنيات بدقة كافية، على المديين المتوسط والبعيد، لاسيما تلك المرتبطة بالحوسبة والرقمنة والمعلوماتية. فخلال سنوات قليلة حصلت فتوحات مذهلة في هذه الجوانب أطاحت بتوقعات حتى العلماء والمختصين. وفيما يتعلق بالكتاب ومستقبله يتفق معظم الناس بأن المؤلفين سيبقون يؤلفون الكتب سواء بشكلها الورقي أو بصيغتها الرقمية/ الإلكترونية. وأن لا بديل للغات البشرية كوسيط للتفكير وتدوين مخرجات المعارف والعلوم والخبرات البشرية. وستبقى الكتابة الإبداعية حاجة إنسانية. ولا شك أن نطاق استخدام الكتاب الإلكتروني سيتسع كثيراً. وستبقى هناك حاجة للكتاب الورقي أيضاً، لا لدوافع عاطفية ورومانسية فقط، وإنما لأسباب نفعية كذلك. وما زال الكتاب الورقي في ضوء التقنيات الحالية أطول عمراً بما لا يُقاس بالكتاب الإلكتروني، لكننا لا نعرف الآن احتمالات التقدم الذي يمكن أن يتحقق في مجالات صناعة الورق والطباعة التقليدية والإلكترون. وربما سيكون هناك في السنوات القادمة الكتاب الورقي ـ الإلكتروني الذي تستطيع ان تربطه بالشبكة العنكبوتية، وأن ترى بين صفحاته صوراً متحركة كما في فيلم ( هاري بوتر ) الذي موضوعته السحر.. والعلم اليوم يجترح طرقاً وينجز أعمالاً أشبه ما يكون بالسحر، ويقدّم أشياءً لم تخطر على بال أوسع السحرة خيالاً في القرون الماضية.
وربما عاش الكتاب الورقي إلى جانب الكتاب الإلكتروني طويلاً بالاستناد إلى فرضية أمبرتو إيكو التي مؤداها "أنه في تاريخ الثقافة لم يحدث أن قام شيء ما بقتل شيء آخر، ولكن كان هناك شيء يغيّر بصورة جذرية شيئاً آخر". ولعل إيكو من أكثر المتفائلين بشأن الكتاب الورقي.. وها هو يقول: "وربما تحقق الكتب الالكترونية نجاحا كمصادر للبحث عن معلومات ما، شأنها في ذلك شأن المعاجم أو الوثائق المميّزة، وربما تعين الطلاب الذين يكون لزاماً عليهم أن يحملوا عشرات الكتب عندما يذهبون الى المدرسة، ولكن الكتب الإلكترونية لن تصلح كبديل للكتب التي نحب أن نصطحبها معنا الى الفراش عند النوم".
لم يضمر الميل إلى القراءة عند الناس، والدليل على ذلك هو حجم المبيعات من الكتب. ففي عام 2010 "أعلنت شركة أمازون أن مبيعات الكتاب الإلكتروني قد تخطت للمرة ألأولى مبيعات الكتاب المجلّد Hardcover، وإن كانت مبيعات الكتاب المجلد نفسها قد زادت بنسبة 22 في المائة على العام السابق". فهل أن القراءة الإلكترونية ستفضي أخيراً إلى زيادة اقتناء الكتب الورقية؟.
وخلال السنوات الأخيرة ارتفع عدد المواقع التي تقوم بدور مكتبات رقمية على شبكة الإنترنت أضعافاً مضاعفة.. سواء تلك التي تقوم بعمليات بيع الكتاب الإلكتروني أو تلك التي تعرضه مجاناً. وقد يفوق عدد الكتب المعروضة بالمجان اليوم رقم الستة ملايين عنوان.. "منها ما يقرب من ثلاثة ملايين كتاب إلكتروني متاحة للتحميل المجاني وبصورة قانونية حسب قوانين الملكية الفكرية". ومن المواقع العالمية المشهورة بالنشر المجاني "موقع أرشيف الإنترنت http://www.archive.org ويحتوي على ما يزيد عن مليونين ونصف مليون كتاب إلكتروني مجاني، وموقع المكتبة المفتوحة http://www.openlibrary.org ويحتوي على ما يزيد على المليون كتاب مجاني".
ويبدو أنه كلما ارتفع عدد مستخدمي الإنترنت في العالم كلما توسع احتمال ازدياد عدد القراء للكتب الرقمية. وكانت إجابة موقع google عن آخر الإحصائيات عن عدد المستخدمين للشبكة كالآتي؛
"إجمـالي عدد مستخدمي النت بالعالم كله بلغ 2 مليار مستخدم بداية 2011 أي ما يعادل ثلث سكان العالم، وأكبر عشر دول يستخدم سكانها الإنترنت هي؛ الصين 420 مليون مستخدم، أمريكا 240 مليون، اليابان 100 مليون، الهند 82 مليون، برازيل 76 مليون، ألمانيا 65 مليون، روسيا 60 مليون، إنجلترا 52 مليون، فرنسا 45 مليون، نيجيريا 45 مليون".
توصي شركة صن مايكروسيستمز، وهي من الشركات الرائدة في إنشاء المكتبات الرقمية في الولايات المتحدة، بأخذ مجموعة نقاط بنظر الاعتبار عند الشروع بإنشاء المكتبات الرقمية، منها؛ "اعتماد نسق موحد للمعلومات. ( إيجاد ) أسلوب النفاذ إلى المكتبة الرقمية ( هل هي مفتوحة للعموم عبر شبكة الإنترنت أم تقتصر على فئة معينة من المستخدمين. الأمان والتحقق من هوية المستخدمين. برمجيات حماية حقوق الملكية الفكرية. البنية التحتية للمشروع من برمجيات وقواعد بيانات ومدى قدرتها على التوسع واستيعاب الأعداد المتزايدة من المستخدمين. محرّك البحث المستخدم، فالمكتبة الرقمية لا تفيد بشيء إذا ما لم تستخدم محرّك بحث قوي. ووسائط التخزين وحفظ البيانات وقدرتها على التوسع، وأساليب التخزين الاحتياطي التي تعتمدها".
المكتبة الإلكترونية ومجتمع المعرفة:
ينتمي الكتاب الإلكتروني لمناخ حضاري جديد تأكد مع ثورة الإتصالات والمعلوماتية والرقمنة، لذا لا يمكن الحديث عنه بمعزل عن البيئة التي وجد فيه، والمنظومة التقنية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية الحديثة التي هو عنصر في بنيانها.
لا تغير التقنيات الجديدة ظروف الإنسان الاجتماعية والاقتصادية وأنظمته المؤسساتية فقط وإنما ثقافته ومفاهيمه ورؤيته إلى نفسه وإلى العالم أيضاً. ومع ولوجنا عصر المعلوماتية والثورة الرقمية بتنا نتحدث عن اقتصاد المعرفة وإدارة المعرفة والحكومة الإلكترونية والحكومة الذكية ومدن المعرفة ومجتمع المعرفة وغيرها من المفاهيم التي دخلت حقلنا العلمي والثقافي لتوسِّع من نطاق فهمنا، وتعمِّق منظورنا إلى الحياة، وإلى محيطنا الحيوي وممكناته، وإلى الإنسان وما يمكن أن يفعل لتحسين شروط معيشته، واستثمار طاقاته الذهنية والبدنية بطرق مبتكرة تحقق له أعلى المردودات الاقتصادية والمعرفية الممكنة.
واليوم، ارتفعت نسبة مساهمة المعلومات والمعارف في تكوين الدخل القومي والثروة بشكل كبير، وصار لها دورها في خلق القيمة المضافة. ولم يعد الاقتصاد القائم على المعرفة والمعلوماتية متداخلاً بشكل عضوي مع الاقتصاد التقليدي فحسب بل راح يوجِّهه أيضاً. وبذا لن تكون هناك تنمية اجتماعية واقتصادية وثقافية، مركّبة، حقيقية في عصرنا من غير قاعدة متماسكة غنية للمعرفة وقنوات مفتوحة وفعالة للمعلومات. بعدما أصبح الحصول على المعلومات أقل كلفة بكثير مما كان عليه الأمر قبل عقود قليلة، مثلما هو الحال مع منظومات الاتصالات التي يسّرت عملية تدفق المعلومات وتبادلها وتداولها واستثمارها وتنميتها بسلاسة وغزارة غير معهودتين. غير أن هذا لا يعني غياب ظاهرة احتكار المعلومات المهمة من قبل شركات ودول رأسمالية تفكر بعقلية القوة والهيمنة. على الرغم من أن العلوم والمعارف هي إرث الإنسانية جمعاء شاركت المجتمعات كلها في خلقها بالتراكم والتبادل والتطوير.
وبالعود إلى موضوعة الكتاب الإلكتروني والمكتبة الإلكترونية نقول أن المكتبة الإلكترونية بمادتها الأولية ( الكتب الإلكترونية ) تعد كياناً معرفياً معروضاً لاشتغال وتفاعل عميل المعرفة ( القارئ ). وبحضور كلا الطرفين يحصل ما يسمى بالحدث المعرفي والذي لن يكتمل من دون وجود سياق المعرفة، وهو "الذي يعطي المعنى والقيمة. والذي يبني تفاعلاً معيناً بين الكيان والعميل من عدد لا نهائي من الاحتمالات الممكنة". ويوضح كاريللو شكل العلاقة بين مكونات الحدث المعرفي بحسب المخطط التالي؛
السياق

المعرفة

الكيان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العميل

ولكي تتوفر الخصائص الداعمة لإتمام الرابطة المعرفية، وضمان قدرتها على الإنتاج "يجب أن تكون كل الكيانات مدركة، ويجب أن يكون العميل فاعلاً، ويجب أن يكون السياق واضحاً وملحوظاً".
إن المكتبات الإلكترونية موجودة على النت بوصفها كيانات معرفية. وكل مكتبة إلكترونية تشبه مؤسسة مادية قائمة في العالم الواقعي. فإذا كانت لكل مؤسسة أهدافها المعلنة والخفية، ووظيفتها المحددة في المنظومة الاجتماعية، وشبكة علاقاتها فإن المكتبة الإلكترونية لا تشذ عن هذه القواعد. وغالباً ما تتدخل الموجِّهات الإيديولوجية لمنشئ المكتبة في اختيار وعرض أنواع الكتب التي تخدم هدفه. وفي التوجه إلى جمهور ( عملاء ) بعينهم في ضمن سياق قيمي وإيديولوجي خاص.
يمكن لأي فرد يمتلك جهاز قراءة إلكترونية أو حاسوب أن تكون له مكتبة إلكترونية فردية. وكذلك الحال مع المؤسسات. وثمة مكتبات إلكترونية كثيرة جداً موجودة على شبكة الإنترنت مفتوحة لأعضاء معينيين أو للجمهور العام، بعضها تجارية تبيع نسخاً إلكترونية من الكتب للراغبين بالشراء. وبعضها الآخر تعرض كتبها بالمجان. وفي الأحوال كلها فإن المكتبة الإلكترونية تمثل قاعدة معلومات وبنية تحتية معرفية، ويمكن أن تكون المفتوحة منها فضاءً للتواصل الاجتماعي والثقافي، وللتفاعل المعرفي الخلاّق عبر حوارات جادة وتبادل حر للآراء والأفكار والمعلومات. فيما تقود القراءة التي تستدعي عملية انتقاء للمقروء من بين فيض مهول من الكتب المتاحة إلى تحقيق إنتاجية القراءة وزيادتها، ومن ثم توظيف المقروء في البناء الفكري والإبداع.
توصلنا هذه الحقائق إلى الحديث عن مجتمع المعرفة، وهو "المجتمع الذي يستغل بشكل كبير تقنيات المعلومات والاتصالات ويزيد من مهارات ومعرفة سكّانه لتحقيق التنمية الفردية والمجتمعية". غير أن الأمر يكون بحاجة إلى تفاعل مستمر ومثمر بين عقل الفرد والعقل الآلي والعقل الجمعي، وبيئة تفاعل العقول هذه، في عصرنا الحالي، هي الإنترنت، وآلياتها هي التفكير النقدي والتفكير الخلاّق، فيما تتمثّل منتجاتها في العلوم الصورية والعلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية ومعرفة الفنون.. ويتحدث الدكتور نبيل علي عن أزمة مثلث العقول، فالعقل الفردي "جرى تهميشه، وضمر إنتاجه، وتفشت أوبئة العقل، من شبه علمية، وزيف علمي، ولا علمية إلى حدّ الخرافة". وهو عقل نخبوي، منفصل عن واقعه، والدراسات عنه "انشغلت بعقل الصفوة الصانع للعقول وأهملت دراسة عقول باقي الفئات الاجتماعية". ويرى الدكتور علي أننا حتى في مجال تكنولوجيا اللغة العربية قد تم استبعادنا تدريجياً لتقوم بالمهمة مؤسسات علمية أجنبية، وهذا يشكِّل جانباً من أزمة استثمارنا للعقل الآلي. وأخيراً يحدد عقبات ظهور العقل الجمعي العربي بـ "ارتفاع نسبة الأمية والتشرذم الفكري وتعددية نظم التعليم، إلى جانب ضعف مهارات التواصل، وما ترتب عليها من ضعف المشاركة". وإذن يمكن التركيز، فيما يتعلق بموضوعتنا على مسألة مهارات التواصل وضعفها، وهي المهارات التي تجد فرصة تنميتها عبر الاستفادة القصوى من الفتوحات العلمية في حقل العقل الآلي. حيث تكون مواقع التواصل والتفاعل المعرفيين على شبكة الإنترنت مجالها الحيوي. إذْ تُعرض المعارف والمعلومات وتنتقل بين الأفراد، وتتحاور العقول، وتتلاقح الأفكار وتتخصّب، وتتوسع احتمالات الإبداع والإنتاج في جوانب العلوم والفنون كافة.
ويتطلب مجتمع المعرفة أن تصبح المدن نفسها مدن معرفة من خلال عمل وتفاعل مؤسساتها التربوية والتعليمية والبحثية والإعلامية والإدارية والخدمية والإنتاجية، ناهيك عن مكتباتها ومنتدياتها الثقافية والعلمية إلى جانب الأحزاب والتيارات السياسية ومنظمات المجتمع المدني العاملة في نطاقها. ومدينة المعرفة هي "المدينة التي تستهدف التنمية القائمة على المعرفة، عن طريق تشجيع الإبداع والتشارك والتقييم والتجديد والتحديث المستمر للمعرفة. ومن معايير التقويم التي في ضوئها تُطلق على مدينة ما تسمية مدينة معرفة؛ "ضرورة وجود شبكة من المكتبات العامة". التي لا غنى عنها إطلاقاً لأية مدينة عصرية، فالمكتبات "ليست أماكن لأرشفة الإنجازات الفكرية للأجيال الماضية فحسب، ولكنها أيضاً مكان للابتكار. ويمكن لهذه المكتبات أن تكون أماكن نشطة وحيوية، يمكن فيها خلق المعرفة وتبادلها. حيث يمكن للأفكار أن تتولد والابتكار أن يحدث من خلال الأحاديث البينية لرواد هذه المكتبات".
إن شرط الإبداع والابتكار هو أن يجد المبدع والمبتكر بيئة حاضنة تتوفر على منظومة متكاملة من القوانين والمؤسسات والتقنيات الداعمة والمشجعة والمنتجة. حيث يجري العمل غالباً بروح الفريق المتعاون الذي يمتلك الإرادة والقدرات والمهارات والاستعداد للتطور والتحديث. وإذا كنا قد لعنّا العولمة لمدة طويلة بوصفها مرحلة متقدمة للتغوّل الرأسمالي وسيطرة الشركات والدول الكبرى على الدول والمجتمعات الأضعف فإن العولمة بالمقابل تمتلك وجهها الإيجابي أيضاً لأنها تعطي فرصاَ أكبر للمشاركة في البناء المعرفي والاقتصادي والحضاري قياساً بأية مرحلة سابقة في التاريخ. وقد استطاعت دول حظيت بطبقة سياسية واعية تمتلك إرادة التغيير والتطور كما في ماليزيا وسنغافورة والهند والصين وغيرها أن تنخرط بقوة تنافسية عالية في التنمية العالمية. وبناء اقتصاديات قائمة على المعرفة، حيث ترتفع نسبة مساهمة الأصول غير الملموسة والمنتجات الناعمة في تكوين الدخل القومي والثروة والتنمية المستدامة. وهذا ما يفضي إلى ترصين أسس إدارة المعرفة ومن ثم، اقتصاد المعرفة والذي فيه يحصل الانتقال "من النظم الإنتاجية المعتمدة على قيمة المواد إلى نظم إنتاج تعتمد على قيمة المعرفة".
خلاصة القول أن الغاية الحضارية لأي مجتمع معاصر هو أن يتحوّل إلى مجتمع معرفة، وأن يحوّل مدنه لتكون مدن معرفة بإدارة كفوءة لها منظور إستراتيجي بهذا الخصوص. وأولى الخطوات بهذا الاتجاه هي في إقامة بنية تحتية معرفية وتطوير القائمة منها كمؤسسات التربية والجامعات والمعاهد ومراكز الدراسات والبحوث والدوائر الخدمية والمؤسسات الإنتاجية. وأخيراً، وربما أولاً؛ المكتبات.
إنها الخطوة الأولى بالمسار الصحيح. وأرى أن تشرّع، عراقياً، قوانين تلزم المؤسسات الوطنية كافة لتكون لها قاعدة معلوماتها وقنوات اتصالاتها في المجال المعلوماتي والمعرفي، وعلاقاتها البينية مع المؤسسات الأخرى للتواصل وتبادل المعلومات والخبرات. وهذا يستلزم بالضرورة أن تنشئ مكتاباتها الخاصة الورقية والإلكترونية. والأخيرة، كما هو معروف، تحتوي فضلاً عن الكتب على الدراسات والأطروحات الجامعية والخرائط والصور وأشرطة الفيديو مما يتعلق بحقل اختصاصها ومجالها العلمي والمعرفي. وكلها مصادر للمعلومات ومخزونات لها. والتأكيد على أن تتحول المكتبات نفسها إلى إطار للتفاعل المعرفي وتبادل المعلومات والأفكار، مع تهيئة مناخ ملائم للإبداع والابتكار.
الخاتمة:
قاد التطور التكنولوجي المتسارع الإيقاع إلى توفير شروط حياة أفضل للكائن البشري، قلل من معاناته وجهده في العمل فحلّت المكائن والأجهزة والمعدات محل الجهد العضلي، وحتى العقلي، غير المجدي والمرهق، ليتفرغ العقل لما هو أكثر فائدة وإنتاجاً. وتقلصت المسافات، إلى حد مذهل، بين البشر، وتوفرت وسائل رفاه لا تحصى لنسبة كبيرة من سكان الأرض، وقضت على أمراض مستعصية، ليرتفع معدل عمر الإنسان في بقاع كثيرة من المعمورة. ولكن بالمقابل كانت ثمة أثمان باهظة دفعها الإنسان نتيجة تمادي المؤسسات الرأسمالية في تعزيز سلوكها الأناني من خلال شركاتها العابرة للقارات المالكة للتكنولوجيا، والتي سخّرتها في كثير من الأحايين للهيمنة وشن الحروب، وإيذاء المجتمعات الأخرى، غير الغربية. فتضررت البيئة الطبيعية إلى حد مريع، وصار السلام العالمي مهدداً في الصميم، وبات الإنسان أكثر قلقاً وحيرة وتشاؤماً مما كان قبل قرن أو أكثر.
في هذا الخضّم.. ومع المفارقة الحاصلة نتيجة التناقض بين انفجار معرفي غير مسبوق وبقاء مجتمعات ( ومنها مجتمعاتنا العربية ) في حالة من الوهن الحضاري، واللافاعلية العلمية والإبداعية، والتخلف الكارثي. لا بد من طرح أسئلة جوهرية، منها؛ كيف نكون جزءاً من عصر المعلوماتية والإعلامياء والثورة الرقمية واقتصاديات المعرفة؟. كيف نتواصل ونبدع لنكون مشاركين لنا مساهماتنا الجدّية في التحولات التقنية والمعرفية والثقافية والفكرية في العالم؟. وكيف لنا أن نمتلك الأدوات والوسائل التقنية والإدارية والمعرفية للتكيف مع العصر كي نكون جزءاً منه؟ وهل عقلنا ( العربي ) بحالته الراهنة، بممنوعاته وممتنعاته، ومحرماته ومخاوفه، قادر على فعل المشاركة والمساهمة؟ كيف لنا ان نحرِّر عقولنا مما يكبح فيها طاقة التفكير الخلاق المبدع؟.
وأيضاً؛ هل لنا رؤيتنا الدقيقة الناضجة حول هذه الإشكالية التاريخية، وهل بدأنا بتصميم إستراتيجية وسياسات، وطرق قابلة للتطبيق، أي ابتكار وسائل فعالة لتحقيق تلكم الإستراتيجية والسياسات، كي نتجنب هول أن نجد أنفسنا خارج التاريخ؟!!.
نعيش، في الوقت الحاضر عصر ثقافة الاستهلاك؛ الثقافة التي تحتفي بما هو متشظٍ، وعابر، وغير مؤكد.. بما هو محلي وشعبي وعادي.. بما هو هش، غير راسخ، نسبي، ومعرّضّ للاختفاء بسرعة، وللنسيان. إنها الثقافة التي تستهين بالنخبوي والرفيع، وتشكك بمعاييرهما. تحيل الواقع إلى طوفان من الصور وتذيب الحدود بينهما، إلى حد أن تحل الصورة محل الواقع نفسه. وتجعل من الزمن حاضراً لحظوياً مقطوع الصلة بما كان وبما سيأتي، مطيحة بذلك بفكرة التاريخ. تقيم حساباً للمنفعة واللذة، لا للمعنى.. إن المعنى يزوغ في النهاية فيبدو كما لو أنه لا ضرورة له.. إن المعنى الوحيد الذي يتخايل في هذه الفوضى هو نبذ المعنى.
"إن ثقافة مثل هذه تحقق غرضين في آن معاً، الأول؛ هو إضعاف الحس النقدي لدى الجمهور، والآخر؛ إدماج هذا الجمهور من ضمن البعد الواحد للمجتمع الراهن. وفي هذا تلعب وسائل الإعلام والثقافة الجماهيرية دورها في صناعة الخادع والمزيف لجمهور يستسيغ أن يُخدع وأن يُغوى، كما يرى بورستين، أو أن الأمر يُصوّر كما لو أن الإعلان والإعلام هما فوق الصواب والخطأ".
تغدو ثقافة الصورة الوجه الآخر لمجتمع الاستهلاك, ويهيمن على صناعة الصورة منطق رأسمالي/ براغماتي، هدفه مخاطبة عقول سلبية بآليات تسهِّل عمليات الرقابة والضبط والسيطرة والتحكم. لكن صناعة الصور من جانب آخر فتحت "الأبواب أمام تنويع المعلومات وتدفقها واتاحتها لشرائح عريضة من الناس، في مختلف أنحاء العالم" لكن مع الإشارة إلى أن المؤسسات الرأسمالية تسعى لاحتكار المعلومات وتسويقها بالشكل الذي يخدم مصالحها في النهاية.
ما ذكرناه من عيوب وسلبيات التقنيات الرقمية وهيمنة مجتمع الاستهلاك يشكِّل النصف الفارغ من الكأس، وربما ربعها الفارغ فيما النصف الآخر أو ثلاثة الأرباع الأخرى لاشك يمنحنا بارقة أمل بشرط ان نتمعن فيه ونثق به. ففي هذا الخضم يقف الكتاب وكأنه يقاوم كي يستمر وكي يؤسس لعالم بديل.. إنه من بقايا العالم القديم، لكنه قادر على التكيف وعلى البقاء. والتكنولوجيا نفسها صارت تحميها من خلال اختراع ما يسهل عمليات طبعه ونشره والترويج له وتوزيعه وتداوله والتعاطي معه. ومن خلال حفظه في الذاكرة الرقمية ( المكتبة الإلكترونية ) في صيغة مبتكرة أسموها ( الكتاب الإلكتروني ).
المصادر
الكتب:
1ـ ( مدن المعرفة: المداخل والخبرات والرؤى ) تحرير؛ فرانشيسكو خافيير كاريللو.. ترجمة؛ خالد علي يوسف.. سلسلة عالم المعرفة 381.. أكتوبر 2011.. الكويت.
2ـ ( العولمة الثقافية: الحضارات على المحك ) جيرار ليكلرك.. ترجمة؛ جورج كتورة.. دار الكتاب الجديد/ بيروت.. ط1/ سبتمبر 2004.
3ـ ( العقل العربي ومجتمع المعرفة؛ مظاهر الأزمة واقتراحات بالحلول ) د. نبيل علي.. جزءان.. سلسلة عالم المعرفة/ 369، 370.. نوفمبر وديسمبر 2009.. الكويت.
4ـ ( ثقافة الاستهلاك وما بعد الحداثة ) مايك فيزرستون.. ترجمة: أ.د. فريال حسن خليفة.. مكتبة مدبولي/ مصر 2010.
5ـ ( العولمة والثقافة: تجربتنا الاجتماعية عبر الزمان والمكان ).. د. جون توملينسون.. ترجمة: د. إيهاب عبد الرحيم محمد. سلسلة عالم المعرفة/ 354.. أغسطس 2008. الكويت.
6ـ ( عولمة الإعلام وثقافة الاستهلاك ) سعد محمد رحيم.. سلسلة الموسوعة الثقافية/ 97 ـ 2011.. دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد.
7ـ ( ما وراء اللغة ـ بحث في الخلفيات المعرفية ) الدكتور عبد السلام المسدّي ـ مؤسسة عبد الكريم بن عبد الله للنشر والتوزيع ـ تونس ـ بلا تاريخ.
الصحف والدوريات:
1ـ جريدة القدس العربي 11/ 3/ 2013.. حوار مع أمبرتو إيكو: لا تأملوا بالتخلص من الكتب!. تر جمة وتقديم: سعيد بن الهاني.
2ـ جريدة البيان التونسية 9 مارس 2012.
3ـ مجلة ( العربي ) الكويتية.. العدد 638 ـ يناير 2012.. مقالة ( مستقبل المكتبات ) د. إسماعيل سراج الدين.
4ـ مجلة ( العربي ) الكويتية.. العدد 629 ـ إبريل 2011.. مقالة ( الورق بوابة الحضارة الحديثة ) د. أحمد أبو زيد. ومقالة ( مستقبل الكتاب الإلكتروني ) د. رشا عبد الله.
5ـ مجلة ( العربي ) الكويتية.. العدد 652 ـ مارس 2013.. مقالة ( مستقبل الصحافة المكتوبة وفن الخط ) إبراهيم فرغلي.
المواقع الإلكترونية:
1ـ موقع موسوعة ( ويكيبيديا ). مفهوما الكتاب الإلكتروني والمكتبة الرقمية.
2ـ موقع؛ ملتقى العقيدة والمذاهب المعاصرة.. ( قارئ الكتب الإلكترونية e-Book Reader ).
3ـ موقع جامعة الإسكندرية.. نص محاضرة أمبرتو إيكو في مكتبة الإسكندرية – مستقبل الكتب 3 فبراير 2008.
3ـ موقع مـ، غرب.. ( الكتاب الإلكتروني ).
4ـ موقع دنيا الرأي.. الكتاب الإلكترونى بين المزايا والعيوب (مستقبل العلاقة بين الكتاب الورقى والكتاب الالكترونى).. إعداد الكاتب: مجدى شلبى.. تاريخ النشر: 23/3/2009.
5ـ موقعhttp://e-thamer.blogspot.com/2012/02/blog-post.html ( تعريف الكتاب الالكتروني ).
6ـ موقع إجابات google
http://ejabat.google.com/ejabat/thread?tid=5081afacd1d75ec0



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السلطة، هوية الجسد، والاغتراب 3 جنسنة الشرق
- السلطة، هوية الجسد، والاغتراب 2 الاستعمار والجسد
- السلطة، هوية الجسد، والاغتراب 1 الفاشية والجسد
- جدل الهوية الطبقية والهوية الوطنية
- الجماعات والهوية الطبقية
- الاقتصاد الريعي وتعثر نمو المجتمع المدني
- المجتمع السياسي بين المجتمع الأهلي والمجتمع المدني
- هوية الدولة والسردية التأسيسية
- وهم الهوية الواحدة: الفردانية، العزلة، والعنف
- الهوية والنزوع إلى العنف
- تعددية ثقافية متفاعلة أم تعددية ثقافات منغلقة على نفسها؟ الق ...
- قراءة في كتاب: إشكالية الغياب في حروفية أديب كمال الدين.. أن ...
- تعددية ثقافية متفاعلة أم تعددية ثقافات منغلقة على نفسها؟ الق ...
- الهوية وإشكالية التمثيل: صورة الذات.. صورة الآخر
- معضلة الهوية ورهانات الثقافة العراقية: مدخل
- قراءة في رواية ( الأمريكان في بيتي )
- قراءة في مجموعة شريط صامت للشاعر عبد الزهرة زكي
- لا بد من أن تكون للنخب الثقافية مشاركة فعالة في بناء الدولة ...
- أناييس والآخرون
- يوميات أناييس نن


المزيد.....




- قُتل في طريقه للمنزل.. الشرطة الأمريكية تبحث عن مشتبه به في ...
- جدل بعد حديث أكاديمي إماراتي عن -انهيار بالخدمات- بسبب -منخف ...
- غالانت: نصف قادة حزب الله الميدانيين تمت تصفيتهم والفترة الق ...
- الدفاع الروسية في حصاد اليوم: تدمير قاذفة HIMARS وتحييد أكثر ...
- الكونغرس يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا بقيمة 95 مليار ...
- روغوف: كييف قد تستخدم قوات العمليات الخاصة للاستيلاء على محط ...
- لوكاشينكو ينتقد كل رؤساء أوكرانيا التي باتت ساحة يتم فيها تح ...
- ممثل حماس يلتقى السفير الروسي في لبنان: الاحتلال لم يحقق أيا ...
- هجوم حاد من وزير دفاع إسرائيلي سابق ضد مصر
- لماذا غاب المغرب وموريتانيا عن القمة المغاربية الثلاثية في ت ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - سعد محمد رحيم - الكتاب الإلكتروني والمكتبة الإلكترونية ومجتمع المعرفة: تحديات عصر العولمة وما بعد الحداثة