أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - أحمد سعده - مصر .. كابوس الانهيار!!















المزيد.....

مصر .. كابوس الانهيار!!


أحمد سعده
(أيمï آïم)


الحوار المتمدن-العدد: 4475 - 2014 / 6 / 7 - 17:45
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


مصر .. كابوس الانهيار!!
الآن وبشكل رسمي بات السيسي رئيساً "فعلياً" لمصر، أمر لا يعدو أكثر من أن يكون فرصة للتأمل وإنعام التفكير في مستقبل البلاد المنظور، غير أن قدرة بصرنا وبصيرتنا على الرؤية لا تتجاوز أكثر من الغد القريب، وكالمعتاد فإن إسقاط حاكم وتولي آخر، تتبعه حالة من التفاؤل والمشاعر الإيجابية، تسيطر على عقول وقلوب وأرواح المصريين، مستبشرون بكل وعود وعهود الحكم الجديد.
ومنذ يناير 2011 ظلت الأزمات والمعاناة ومعارك الكر والفر من أجل النفوذ والقوة هي لغة الصراع بين الفرقاء، ولم تسلم الثورة من مكائد وفخاخ الثورة المضادة، وشرورها الجهنمية، وعجزت للآن رغم ضخامة مظاهراتها، مليونياتها، اشتباكاتها، مذابحها، دمائها، وإسقاطها المتكرر لحكامنا الاستبداديين؛ في نقل المجتمع إلى نمط إنتاج حقيقي، ولم تنجح في إحداث تغيير جذري في مناحي الحياة المختلفة، الفكرية، التكنولوجية، والجمالية، فلهذا النجاح شروط أساسية، تتحقق حينما يكون المجتمع القديم "ما قبل الثورة" حاملا بمجتمع جديد، فتأتي الثورة "كالداية" التي يأتي على يدها مولود التغيير، فهل كان هناك من الأساس "جنين"، أم أنها أضغاث حمل كاذب؟!!
ولأن الثورات بشكل عام يتبعها ما يسبقها، يغدو من الأهمية إدراك طبيعة وآفاق الثورة المصرية وسياقها التاريخي الذي يأتي في ظل الإفقار والتخلُف والفساد والتبعية الاقتصادية، في بلد غابت عنه أي تطورات اجتماعية - سياسية تراكمية استباقية، وعانى ككل بلدان العالم الثالث من سيطرة الغرب الرأسمالي، الذي سبق عالمنا الثالث أميالا، محتكرا لإنجازاته التاريخية دون أدنى رغبة في نقلها لبلدان العالم الثالث بعد أن حولها كملحقات تابعة، والسبب باختصار: أن الأقوى دائما يسعى لأن يبقى الأقوى، دون توزيع أسباب قوته على مُنافسيه المُحتَمَلِين، فيبقى عالمنا الثالث يرقُص المستحيل على سلم التطور التاريخي. وعدم التقدم للأمام، لا يعني في هذه الحالة ثباتا في المحل؛ إنما يعني تقهقرا للخلف، وعجزا حتى عن تأمين مجرد البقاء ذاته؛ ولذا تأتي ثورات شعوب العالم الثالث وتذهب، وتترك الرأسمالية التابعة. الثورة المصرية إذن ذو طبيعة محدودة، ونتائجها بالتالي تتواضع كثيرا أمام كل ما أطلقته "ثورة توقعات" أصحاب الجملة الثورية.
وكالمعتاد هناك المُتفائلون وهناك المُتشائمون بعد تولي السيسي بخلفيته العسكرية رئاسة البلاد، فهناك من يرون أنه "بُشرة خير" لحياة جديدة تتحقق فيها آمال وطموحات المصريين، وهناك من يرون أنه كابوس مُفزع سَيشِلَّنَا بمزيد من الانكسارات والتدهور وانهيار الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية؛ فهل يكون السيسي "السيف المُبصر" الذي يمنحنا بصيص من الأمل في "تنمية" مصر؟ أم أن الثورة المصرية تَمَخَّض جبلها فأنجب فأرا يُنذر بالطاعون الأسود، والويل، والثُبور، وعظائم الأُمُور للمصريين؟.
ورغم أنه ليس من التهذيب في مثل هذه الأجواء الاحتفالية الحديث عن كوارث فيما سيأتي، غير أنه من أوجب الواجبات على كل كاتب جاد أن يحاول مجتهداً التدقيق والتأمل لكشف واستكشاف حقيقة ما يُهدد مستقبلنا من أخطار، بل ومنحها ثِقَلِهَا التاريخي بشكل يساعدنا على إدراك حجمها المستقبلي، وبالتالي الوقوف على إمكانية تفاديها، والإفلات بالمجتمع من المصير المرعب لبلد تهدده الأخطار، بدلا من المبالغة الغير مبررة في التغني بالإيجابيات، وتحييد السلبيات فيما يتعلق بالمشكلات ليس فقط على المستوى السياسي؛ لكن على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ورغم ادعاءات الأنظمة والحكومات المتلاحقة امتلاكِها برامج وخطط للحل؛ إلا أننا لم نرى أي حلول، ولم نرى غير استمرار مُعاناة وشقاء وبُؤس المُواطن المصري في سياق علاقات القهر والاستغلال. إن تعدد الأخطار بهذا الشكل، وتراكُمها يوما بعد يوم، يُؤدي حتما لتلاحمها، فتصير خطراً كبيراً متوحشاً يفترس المُجتمع، ويضعنا في نقطة يصعب معها العودة، مع العلم: أن هنالك فعليا ما يسمى نقطة "اللاعودة".
وأنا هنا لا أدَّعي أنني أمتلك حلولا، ولا أكتب بقصد زرع الإحباط في النفوس، لكن أحاول مجتهدا الارتفاع إلى المستوى المطلوب "لمجرد" إدراك أبعاد الأزمة؛ فإنْ كان هناك شعاع أمل فلن يدنو إلا بتفكير جاد وبحث دقيق، وسأكتفي بإشارات سريعة يمكن الارتكاز عليها، بعيدا عن أي عرض منهجي منتظم, وبعيدا عن أي حماس ساخن وتفاؤل كاذب.
أهم الملفات المطرُوحة منذ فترة تتعلق بوضع حد حاسم للإرهاب في مصر، والحل الأمني للآن هو الحل الوحيد الذي تعتمده الدولة، ولا يُنكر عاقل أهميته المباشرة والحالية في صد عمليات الاعتداء والتفجيرات، غير أنه لم يعُد كافياً لتأمين المستقبل، ومصيره الحتمي هو الفشل، فعبدالناصر في خمسينات القرن الماضي استخدم الحل الأمني بقساوة ضد الإخوان المسلمين، إلا أنهم عادوا بقوة وتطرف أشد، فالخلاص من التطرُّف يقتضي شروطاً لا غنى عنها تتمثل في: توفير صراع فكري حقيقي ضد الرجعية والتطرُف لا تأتي إلا من خلال إطلاق الحريات من محبسها، والقضاء على متلازمة الفقر والجوع والمرض التي تمثل الأرض الخصبة والبيئة المُلائِمة لرعاية وإنتاج العُنف والتطُرف. غير أن الواقع المؤلم لعقود من اللصوصية والفقر والفساد والتهميش دفع ما يقرُب من سبعة ملايين مواطن للسكن في العشوائيات والقبور، في استسلام للأمراض والأوبئة والفيروسات الكبدية التي تفترس الملايين منهم سنويا بسبب سوء التغذية وضعف الرعاية الصحية. وتقبع نسبة غير قليلة من الفقراء تحت خط الفقر المدقع، في صراعات مخيفة مع الحرمان والبطالة وتراكم الديون؛ مواطنون جردتهم الحياة من إنسانيتهم، وصاروا ينظرون لأنفسهم أحيانا على أنهم أفضل قليلا من الحيوانات؛ إنها فعلا ظروف مثالية للغاية لنمو العنف والجريمة والإرهاب، نحن لسنا بحاجة لحلول أمنية بقدر ما نحن بحاجة لحلول تعمل على "أنسنة" هؤلاء البشر، بدلا من قمعهم وتهميشهم؛ وفي سياق هذا المسار من التردي والتدهور، تتفشى الأصوليات الدينية والحركات السلفية باسم الدين، وبدعم خارجي ترتدي ثوب "المُنقذ" كما تُصَوِّر لها أوهامها، رغم أنها في الحقيقة ترتدي ثوب الانهيار السريع والهلاك والخراب العاجل.
وتتخذ الحركات الأصولية والتنظيمات الجهادية من سيناء معقلاً ومركزاً تشن منه هجماتها، مستغلة عجز الدولة والجيش في فرض السيادة على هذه المنطقة التي حولتها ترتيبات وبنود "اتفاقيه السلام" إلى أرض عازلة بين مصر وإسرائيل، لا يدخلها الجيش إلا بتنسيقات حول العدد والعتاد، وهذا الحصار لا يمكن كسره إلا بإلغاء معاهدة السلام، وهو مالم تُلَوِّح به مصر الرسمية أبدا، باستثناء بعض المطالبات الخجولة بتعديلها، وهو أمر مفهوم بحكم علاقات القوة الحالية بين مصر وإسرائيل. وأخشى ما أخشاه؛ أن تلجأ التنظيمات الإرهابية بمُعاونة حركة حماس الإخوانية لاستفزاز عُدوانية إسرائيل على الحدود، وتضع مصر في موقف مُحرِج للغاية، تعجز معه عجزا مخزيا إزاء أي رد فعل عسكري إسرائيلي "وارد" في هذه الحالة، يكبُر أو يصغر وفقا للضرورة، دون أن ننسى الأطماع الإسرائيلية في أرض سيناء "المقدسة" كخطر تاريخي واستراتيجي لن يختفي إلا بتعمير وتنمية سيناء، واتخاذ خطوات جريئة نحو إلغاء مُعاهدة السلام.
ومن المعلوم أن من أهم الملفات التي تحتاج "الآن" للتركيز عليها قبل فوات الأوان، هي سد النهضة، ومن المعلوم أيضا أن أي مساس بحصة مصر من مياه النيل تعني تهديد الزراعة والثروة الحيوانية، وقبل كل ذلك: تعريض حياة البشر للخطر؛ فماذا سيفعل الحكم الجديد في مواجهة خطر الفقر المائي لمياه النيل في ظل الأزمة الحالية والتعنت الإثيوبي؟ خطر من شأنه مضاعفة معاناة انقطاع الكهرباء، وربما المأساة الأكبر في مواجهة العطش، بل ووضْع شعب بأكمله تحت تهديد "عملية إرهابية" يُموِّلها خصوم سياسيين أو أطراف دولية لضرب السد، فتغرق السودان ومصر. والحكم الجديد معنيٌّ هنا دون إبطاء بإثبات قدرته على إدارة الأزمة بكل ما تتطلب من حكمة وإرادة وعزم، للخروج بسلام من هذا المأزق الراهن، الذي تفاقم في عهد "مرسي" عقب مهزلة اجتماع الأمن القومي السري "العلني" وعنترية وغباء ساستنا ومقترحاتهم بتهديد الأمن الداخلي والخارجي للشعب الإثيوبي، وغيرها من حماقات أصبحت أدلة موثقة صوتاً وصورة، من شأنها إضعاف موقف مصر حال اللجوء للأمم المتحدة ومجلس الأمن. ومع غياب أي بدائل، فإن مصر لا تملُك رفاهية أن تتخلى عن قطرة ماء واحدة من مياه النيل في ظل استهلاك كامل المياه الجوفية والآبار، إضافة لتدني مستويات استخدام الأساليب الحديثة في الزراعة واستمرار الاعتماد على الأساليب التقليدية والترع والقنوات؛ ما يتسبب في إهدار جائر لمياه الري، وإلى أن تمتلك مصر مصادر أخرى للماء من خلال تحلية مياه البحر بالطاقة الشمسية؛ فليس أمامنا على الأقل حاليا سوى الدفاع عن حصة مصر من مياه النيل كاملة وتأمينها بكافة الوسائل القانُونية والدبلوماسية، دون "المُقامرة" والانقياد خلف جنون العظمة لدى حكامنا، والتورُط في "مغامرة" حربية برية داخل أدغال وتضاريس أثيوبيا، نعود بعدها بهزيمة مُؤكَّدة، خاصة في ظل دعم دول الجوار ومنها السودان للموقف الإثيوبي.
ومع ارتفاع أصوات تحذير علماء البيئة في العالم، وتقاريرهم المُرعِبة عن خطورة التغييرات المناخية والاحتباس الحراري في العالم والتي ستؤدي بدورها لارتفاع في درجات الحرارة، وارتفاع في منسوب مياه البحار بمعدل يصل حتى متر ونصف، ما سيُغرق 15% من دلتا مصر بحلول عام 2020، وتكون الكارثة أفدح في حالة ذوبان ثلوج القطب الشمالي بشكل يُهدد بغرق كامل للدلتا؛ فماذا ستفعل حكوماتنا لمواجهة هذا الخطر؟ وما الخطة التي سيتم اعتمادها لتأمين 80 مليون مواطن مصري هم سكان الدلتا من خطر التهجير للصحاري والواحات؟ وما البديل الاقتصادي في حالة التدمير الكامل للزراعة المصرية؟
الزراعة المصرية لا تزال ونحن في الألفية الجديدة تعتمد على أساليب بدائية، ووسائل إنتاج تقليدية، لا تُحقق سوى إنتاجية مُتَدَنِّيَة تطحن معها مجهُودات ملايين الفلاحين، وفقراء الريف وتدفعهم للنُزوح الضخم إلى المدينة ما يُهدد الاستقرار الاجتماعي؛ وأصبح من الصُعوبة أن تُغطي الزراعة احتياجات السوق الداخلي الذي يسجل مصر كأكبر مستورد للقمح في العالم، وتزداد الكارثة بالتعدي الإجرامي على الأراضي الزراعية سواء بالبناء أو التجريف، لتفقد مصر أكثر من 30% من المساحة المنزرعة، بمعدل فقد يصل إلى 5 أفدنة كل ساعة من بعد ثورة يناير بحسب تقرير مركز بحوث الصحراء، وحتى الأراضي التي باعتها الدولة لكبار رجال الأعمال بهدف استصلاحها، تحولت لمنتجعات ومنشآت بهدف الربح الفاحش، لتبقى الزراعة المصرية تُعاني تخلُفاً شديداً لا يتوقف.
وفي سياق التخلف على كل المستويات؛ تغدو الصناعة الحديثة حلماً بعيد المنال؛ رغم أنها عصب أي اقتصاد، فلا حديث عن بنية أساسية، أو خدمية، أو زراعة متطورة دون الحديث عن صناعة تُغذِّي وتُطور تلك العناصر، وتحد من صادرات المواد الأولية والنفطية، ومصر إلى الآن لم تمتلك صناعة ثقيلة حقيقية، بل تركت أرضها مرتعا وسوقاً للشركات العابرة للقارات، وعرضت البترول المصري للشراكة الأجنبية خلال تسعينيات القرن الماضي في استسهال غريب بسعر متدني للبرميل يبلغ 17 دولار دون تغيير يتناسب مع الأسعار العالمية التي تجاوزت المائة دولار للبرميل، ودون اتخاذ خطوات تذكر في طريق استخراج وتكرير وصناعة البتروكيماويات؛ وبالتالي استمرار إهدار ثروات الشعب، واستمرار أزمات الطاقة كالكهرباء، البنزين، السولار، والغاز الطبيعي الذي يجري تصديره بصورة مُذَّلة مُهينة في حق الشعب، ويستلزم إجراء حاسم لتعديل أسعار بيعه بما يتناسب مع الأسعار العالمية. ويستمر الإهمال في إدارة الثروة "المحجرية" لتفقد مصر سنويا ما يقرب من 25 مليار جنيه، كعائدات مُتوقعة في حالة إعادة هيكلة رسوم استغلال الثروة المحجرية، فمن غير المعقول أو المقبول أن تكون رسوم طن الطَّفْلَة أو الحجر الجيري قرشان، وطن الجرانيت عشرون قرشا، كرسوم تم تحديدها منذ أكثر من خمسين سنة ولم تتغير. ورغم كل نداءات الاستغاثة لوقف سلب ونهب "منجم السُكَّري" إلا أن الدولة تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا الإهدار الفاضح.
وتقف الدولة عاجزة أيضا عن اتخاذ قرارات إدارية وقانونية لإصلاح النظام الضريبي، واستحداث نظام متعدد الشرائح على الأرباح الرأسمالية والطفيلية، وتقليل أسعار فائدة سندات الخزانة. وقُوبلت كل محاولات إقرار ضريبة على أرباح البورصة، بهجوم شرس من أصحاب الأموال والأعمال والإعلام، بشكل أرهب الدولة لتعود أدراجها بعيدا عن المساس بأرباحهم الفاحشة، وظل الاعتماد الكسول على الاقتراض الخارجي دون خطة برنامجيه للاستثمار في مشروعات مُتناهية الصغر، أو غيرها؛ ما أغرقنا في بحر من الديون الثقيلة التي تُنذِر بكارثة حقيقية؛ لن تشفع معها مُساعدات دول الخليج أو قرض صندوق النقد، وطوال عقود مضت تخلت مصر عن طموحاتها في التصنيع بتبني سياسة اقتصاد تصديري أولي تقليدي، يشكك وبعمق في قدرة الدولة على إصلاح المشكلات الاقتصادية، رغم كل "كلام الليل" عن خطط تنموية واستثمارية كما أرى الآن أمامي وأستمع لحديث عبر إعلام الدولة عن مشروع "الحلم" الخاص بتنمية محور قناة السويس.
وبلا شك؛ قناة السويس هي أهم مجرى ملاحي في العالم، هي الكنز المفقود للآن، لا يدخل لمصر من إيراداتها سوى ما يتم تحصيله كرسوم مرور للحاويات التجارية، ويجري الحديث دوماً عن تأجيرها عبر استثمارات أجنبية، رغم كونها إقليما مُتكاملاً يمكن للدولة تطويره وتحويله لمركز عالمي للخدمات اللُوجستية والصناعية العالمية، كما أن إهمالها المُستمر يُهدر أرقاما "مليارية" تكفي لتغيير وضع مصر الاقتصادي، وتوفير معيشة كريمة، وحياة لائقة للمصريين، من خلال تبني خطة محددة الأجل لإقامة إنشاءات ومشروعات استثمارية وتكنولوجية وصناعية ضخمة، بحكم تميزها بتوافر كل مُقَوِّمات جذب الأنشطة والمجالات الأكثر نمواً في العالم كالطاقة، الاتصالات، والسياحة.
وتبقى السياحة المصرية أزمة جديدة قديمة، رغم امتداد سواحل البحر الأحمر، والبحر الأبيض، وامتلاك مصر لأقدم آثار العالم فرعونية، إسلامية، وقبطية. وتعاني السياحة تخلفا شديدا في أرقام وأعداد السياح وتراجُع حجم الإشغالات الفندقية، مقارنة بدول لا تملك معشار ما نملكه، ويكفي الإشارة إلى أن عائدات برج "إيفل" فقط في فرنسا حسب دراسة إيطالية تساوي 54 ضعف عائدات السياحة في مصر، وتساوي ضعف الناتج المحلي لمصر كلها، وبالطبع فإن وضع السياحة يزداد سوءاً في ظل تذبذُب الحالة الأمنية أمام الهجمات الإرهابية المُتلاحِقَة، وضعف الخدمات والبنية الفُندقية، والسياسة الخاطئة في الترويج الداخلي والخارجي، ومافيا سرقات وتجارة الآثار، وارتفاع الأسعار، إضافة للموروثات الدينية التي تتعامل بحساسية مع السياحة والسياح، حتى السياحة الداخلية تصطدم بعشوائية التنسيق بين شركات الحجز السياحية والفنادق، وندرة فنادق الثلاث نجوم الملائمة لقدرة الفئات المتوسطة من المواطنين، وبالطبع فإن تَرَدِّي حالة السياحة في مصر كان لها أثراً بالغاً في زيادة معدل البطالة بالتوازي مع معدلات الزيادة السكانية.
الزيادة السكانية في مصر إذن نقمة، وليست نعمة، تحولت فعلياً من مشكلة إلى كارثة، في بلد لا يُجِيد غالبية سُكانه سوى إنجاب أجيالا من البشر دون تأمين مُسبق لمستقبلهم، لتُولد أجيال تُعاني من سوء التغذية، وسوء التعليم، وتَحَوَّلت لشماعة تُعلَّق عليها كل إخفاقات وفشل الحكومات. ومليونيات الثورة وضخامتها كانت دليلا وشهادة فقر وبؤس للانفجار السكاني الذي أطلقه جحيم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المُتردِّيَة، ولأن الهجرة إلى أُوروبا وغيرها ليست باباً مفتوحاً أمام المصريين؛ يُوَاجه شبابنا شبح الموت غرقاً، في مُغامرات بائسة للهروب من قُبح الواقع وشبح الضياع، أو يلقى حتفه رمياً برصاص قوات السواحل الأجنبية.
أمامنا جبال من المجهودات الصعبة، لن تتحقق إلا بتضافر جهود المصريين. غير أن هناك عدواً لدودا يزيد من الصعوبات؛ إنه الزمن!؛ الذي صار يُحاصرنا ويوشك بنفسه على أن يُحدد مصيرنا، مع "احتمال" ضعيف أن يترك لنا وقتاً كافياً لاستيعاب ما فَقَدْنَاه، وهنا تغدو لكلمة "الاحتمال" أهمية بالغة، حيث تُعطي بصيصاً من الأمل في النجاة من قطار الموت الذي تجري عجلاته بسرعة مُدَوِّخَة، شرط أن نبدأ قبل فوات الأوان، فالأمل يتراجع مع كل يوم يفوت، والوقت يُداهمنا؛ فإما اخترنا الخروج عبر دروب خلفية شاقة إلى آفاق التحديث والتصنيع، وإما هبطنا على الجانب الآخر من التل، نحو مُستَنقَع الفوضى والحرب الأهلية والهجرات والانهيار الشامل.



#أحمد_سعده (هاشتاغ)       أيمï_آïم#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعريف موجز بفيلم الخروج للنهار.
- قراءة في مستقبل مصر ما بعد الانتخابات الرئاسية.
- انتبهوا .. مصر على أعتاب جهنم
- أُمي الغالية, أفتقدك جدا .. وسأظل أفتقدك للأبد.
- النساءُ .. الجاريات المعتقات
- المعطف الأحمر (قصة قصيرة)
- مسجد الرحمة
- الديمقراطية .. الكنز المفقود
- رسالة إلى امرأة غائبة
- مِنَ العشيرةِ إلى الدولة... استغلالٌ لا ينتهي.
- حتى لا تصبحَ الثورةُ المصريةُ في ذمّة التاريخ
- الانقلاب العسكري
- مصر الدولة .. أم الثورة!! ؟
- النقابة العامة للبترول تعتمد اللجنة الإدارية لشركة ابسكو
- أسطورة الجيش والشعب أيد واحدة
- - حبيبتي -
- إلى أين يأخذنا الصراع.؟
- الثورة المصرية قد تمرض لكن لا تموت


المزيد.....




- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - أحمد سعده - مصر .. كابوس الانهيار!!