أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد غريب - حظوظ الرئاسة















المزيد.....

حظوظ الرئاسة


أحمد غريب

الحوار المتمدن-العدد: 4475 - 2014 / 6 / 7 - 07:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مبروك للرئيس السيسي. وصوله إلى منصب الرئاسة هو اختيار أغلبية الشعب، وهو أيضاً وصول مظفّر، لأن الأغلبية التي تدعمه على استعداد لدعم عملية إزاحة أي صوت معارض له يعيقه عن مواجهة المهمة الكبرى. ثمة أشياء يقولها كل صندوق انتخابات، ولا يمكن أن يخطئ متابع هذا المعنى، وقد جسدته النتائج المعلنة، سواء كان حجم المشاركة حقيقياً أو مبالغاً فيه. هناك اتفاق بين الداعمين للنخبة السياسية التي يتزعمها السيسي، وبين هذه النخبة، على توصيل ذلك المعنى
هناك موافقة على السكوت الجماعي، بعد فترة طويلة من صراخ المظاهرات والصراعات السياسية، وعصف الأيديولوجيات العتيقة التي أنهكت الحلم المولود كبيراً مع ثورة 25 يناير. وقد اختارت الأغلبية السكوت، ليتحرك بطل واحد على المسرح، وقبلت تقييد كل ما يمكن أن يعيقه.

لاشك أن نسبة الرضا من قوانين مرحلة الحكم الانتقالي كبيرة، كانت تلك القوانين تحت إشراف السيسي نفسه -باعتباره فارس خارطة الطريق- على الرغم من أنها قوانين لم يجرؤ مبارك على تمريرها، واكتفى بأن يحمي نفسه بالقوانين الاستثنائية (الطوارئ).

لم يجرؤ مبارك على زيادة راتب الرئيس، على الرغم من أن الراتب الرسمي لم يكن مقنعاً، لأنه اختار الطرق الجانبية للتكسب، لكن تمت مضاعفة راتب الرئيس الجديد لأكثر من 20 ضعفاً، حتى لا يكون هناك مبرر للسرقة، ولا للتحايل، ويكفي أنه فوق الراتب المقبول يستفيد الرئيس من كل تسهيلات الحكم، وبروتوكولاته.

لم يجرؤ مبارك على تمرير قانون يمنع الطعن على الإجراءات التعاقدية، من بيع وشراء وتأجير واستئجار، التي تتم بين الحكومة والقطاع الخاص، لكن الحكم الانتقالي أزاح ذلك الكابوس الذي كان يسمح أحياناً بمقاضاة قرارات مبارك وحكومته، واستعادة
بعض الشركات التي تباع برخص التراب.

نظام السيسي حصل على ثقة مطلقة في وطنيته، وبالتالي على حق مَلَكِي في التصرف في مقدرات البلد، دون رقيب، أو حتى نافذة لمراجعة وتصحيح بعض القرارات. مبروك للسيسي.

سيتولى السيسي الحكم بعد دستور قلّص صلاحيات الرئيس، لكن نظراً لتبديل موعد انتخابات الرئاسة لتسبق البرلمان، سيكون السيسي أيضاً هو البرلمان، ولن يشعر أحد بأنه ظالم لو خالفت قوانينه الدستور، لقد فعلها رئيس المحكمة الدستورية نفسه (عدلي منصور)، وأصدر قانون "منع" التظاهر، وقانون منع الطعن على تعاقدات الدولة، وهي قوانين تخالف روح الدستور إن لم تخالفه نصاً. مبروك للسيسي، حيازته السلطة التشريعية والتنفيذية معاً، مع رفع العتب في حال الخطأ؛ حتى العتب مرفوع بحكم أسبقية عدلي منصور في الوقوع في الخطأ!

المعارضة التي ترفض النظام الذي تولّد عن 30 يونيو في السجون. ولا توجد محاكمات قريبة، معظم المعتقلين إما حصلوا على حكم لمخالفة قانون التظاهر يبعدهم عن الساحة سنتين على الأقل، أو يحصلون على تأجيل من النيابة بعد تأجيل بعد تأجيل، ويمكن أن يقضوا مزيداً من الأشهر والسنوات بهذه الكيفية، إلى أن يتعرض النظام لضائقة تضطره إلى حلحلة الأمور. محظوظ هذا الرئيس؛ مبروك!

لا يحتاج الرئيس مواجهة القوى الاستعمارية كما كان على عبدالناصر أن يفعل؛ فالرئيس السيسي على رأس نظام حليف قوي لأمريكا والغرب، وفوق ذلك تغازله روسيا أيضاً لأسباب تتعلق بدعمها النظام السوري، وأهم من ذلك تدعمه القوى التقليدية في الشرق الأوسط التي كانت على خصام مع عبدالناصر، واستنزفه الصراع معها في حرب اليمن، وجعله لقمة سائغة في فم إسرائيل. وفوق الأهمية أهمية أخرى أنها تدعمه مادياً ولديها القدرة المالية على عمل ذلك فعلاً.

محظوظ هذا الرئيس، فإسرائيل نفسها ترحب بالتعاون معه فوق كل ذلك، وتعتبره بطلاً يقف في وجه الرجعية، ولا يجد هو ما يتحفظ به على علاقته بإسرائيل إلا عملية السلام، التي يعتبر النفخ في روحها صناعة إسرائيلية، تحركها أو تميتها كيفما ووقتما تشاء. لا خلاف في الحقيقة بين الطرفين، لقد استقر السلام حقيقة بين هاتين القوتين الإقليميتين: مصر وإسرائيل، وما بينهما تانجو يتحركان وفق إيقاعاته للحفاظ معاً على أوضاع المنطقة.

المسرح كله مهيأ للبطل لينتشل الوطن من التخلف الإقتصادي، وآثاره الاجتماعية والفكرية والنفسية على الشخصية المصرية. مبروك للسيسي. لا أحد من الأغلبية الداعمة له يشكك في قدرات الرجل أيضاً، لا أحد يذكر أنه عندما كان رئيساً للمخابرات الحربية، استطاع أشخاص من حماس دخول سيناء، وعبور صحرائها، ثم عبور قناة السويس، وصولاً إلى مناطق السجون، وإخراج المساجين، والعودة سالمين. ولا أحد يشكك في وطنيته بعدما تم اعتبار انحيازه للشعب يوم 30 يونيو عملاً بطولياً فائقاً. مبروك للسيسي هذه الثقة الشعبية الكبرى، إنه إعجاز في الحقيقة.

حتى الضوضاء الإعلامية والضجيج الذي تبع ثورة يناير تفكك، استسلام باسم يوسف مثلاً نموذج معبر عن استسلام المناخ النقدي الذي يولد مع أي تحول ديموقراطي.

إذا كان قطاع معتبر ممن يشكلون المزاج الشعبي غير راغب في أن تظل أبواب السخرية النقدية مفتوحة على مصراعيها -كما جسدها برنامج البرنامج- وأصبح غضبهم مهدِداً لحياة صاحب البرنامج، أو مسوِغاً لتهديد سلامته، إذن ليصمت هذا المستوى من المعارضة. حتى لا يشوش على خطوات الزعامة وقفزاتها بتنمية الوطن. مبروك للسيسي.

المسرح كله مهيأ للبطولة؛ كل معاني البطولة تتهيأ للتجسُّد: الزعامة، القيادة الاستثنائية، التفوق، الإنجاز، الرئاسة الأسطورية، الحكم العبقري، السلطة الرشيدة، الوطنية في أبلغ صورها.

الأغلبية اختارت ثقافة المخلّص، لأنها شعرت بخذلان كبير من شيئين: الديموقراطية التي أوصلت إلى الحكم شخصاً مثل مرسي أفرط في الوعود الكاذبة، ثم بدا عبارة عن دمية في يد المرشد بديع ونائبه خيرت الشاطر. والانهيار الأمني المنظّم الذي أشاعته مؤسسات الأمن نفسها احتجاجاً على خلخلة الموازين السياسية بعد الثورة.

تم الاستسلام لرغبات المنظومة الأمنية بالكامل، وتشجيع عمليات إسكات أي معارضة لهذا الاختيار. والجميع في انتظار المسرح. ألف مبروك.. حكماً رشيداً.

كان لدى عبدالناصر إسرائيل والاستعمار والقوى الرجعية، عوائق أمام التنمية. وكان لدى السادات غضب الاتحاد السوفيتي عليه، وتركة الحروب الثقيلة، والهزيمة اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً بعد 67، وأطماع الدول الإقليمية الصاعدة والتي تجسدت في تنظيم المقاطعة العربية، وشراهة أمريكا في الإمساك برقبة الحليف الجديد، وغباء الحليف الإسلامي (التنظيمات التي أحياها السادات) الذي انقلب عليه بعد أن أطلقه من السجون، واغتاله بعد أن شعر ببعض القوة.

وكان لدى مبارك عداوة الإسلاميين التي تجلت في اغتيال السادات، وعدم قدرته على الزج بهم في السجون مرة ثانية، والمقاطعة العربية، وتهالك نظام الدولة وبنيتها الأساسية، وعدم رغبة الأصدقاء قبل الأعداء في استعادة مصر دوراً ريادياً في المنطقة.
للسيسي خصومة مع الإسلاميين، لكن معظمهم في السجن أو هاربين في المنافي، أو مختبئين في جيوب صحراوية داخل سيناء؛ والأهم أنهم بلا ظهير شعبي أو دولي على الإطلاق ولأول مرة، فقطر في النهاية خزنة أموال بلا ثقل سياسي.

لا يوجد رئيس توفرت له كل هذه العناصر الداعمة من البيئة الدولية والإقليمية والمحلية. المسرح كله مهيأ لأداء غير مسبوق لانتشال الوطن من التخلف وتجديد نظام الدولة. حتى المنافسين الإقليميين يتمنون أن ينجح قائد مصري في تصحيح مسار الإنهيار، لأن أضرار الانهيار أصبحن تهدد الجميع: أوروبا بهجرات غير شرعية وتطرف غريب على بيئتها الثقافية. والأنظمة التقليدية مهدَّدة بنموذج صعود رجال الدين أنفسهم إلى الحكم كما جسده صعود الإخوان المسلمين، ما يهدد تركيبة هذه الأنظمة القائمة على تحالف بين عائلات سياسية مالكة ورجال الدين الوهابي، لذلك تريد أن تبعد شبح صعود رجال الدين بأية طريقة. وأمريكا حاولت أن تبعد عن نفسها شبح الحروب مع تنظيمات إرهابية تكلف مواجهتها أكثر مما تكلف الحروب النظامية، لكن شعوب المنطقة المتطلعة إلى التحديث لم تبتلع ذلك، فليس أمام أمريكا سوى قبول التعاون مع ضابط الأمن الذي يحكم قبضته على هذه التنظيمات.

حتى الشارع نفسه استسلم للقوى الأمنية التي تبين أنها الأقوى من كل أشكال المعارضة. استسلم الجميع للفكرة، وشاركوا في تأييدها. مبروك للبطل.

لحظة وصول السيسي للسلطة تاريخية بامتياز، ودلالاتها الثقافية أكبر من السياسية، والاحتفال بها وتوثيقها أمر طبيعي. بالطبع السياسة حدث وممارسة يومية، لكن ستظل هذه اللحظة مرجعاً للنظام الجديد الذي اكتمل تأسيسه منذ 30 يونيو وحتى تنصيب السيسي رئيساً.

لمبارك صورة تجمعه بالرموز السياسية التي أفرج عنها عند توليه السلطة، بعدما كان السادات قد أفرغ الحياة السياسية واعتقل الجميع. ظلت هذه الصورة مرجعاً تأسيسياً لنظام مبارك باعتباره النظام الذي استوعب الجميع، وترك لكل طرف هامش صغير، حتى رفض الشعب أسلوب إداراته، ولم يعد قابلاً لعبة الإلهاء. للأمانة توفرت لحظة بداية جديدة لمبارك عقب حرب الخليج الأولى وإسقاط جزء معتبر من الديون، والتفاف القوى الإقليمية والدولية حوله؛ كان بإمكانه تأسيس نظام سياسي جديد، وفتح مساحة تدريجية لمشاركة ديموقراطية في السلطة تحت إشراف الجيش، حسب النموذج التركي الذي كان مقبولاً وقتها، لكنه استأثر باللحظة لنفسه ولمشروع توريث ابنه، وأضاع الفرصة.

صورة السيسي في لحظة تأسيس نظامه تختلف. لقد أزاحت كتلة شعبية رئيسية الهوامش والروافد التي تتصارع على الحكم. كل السلطة في يد الرئيس بإرادة شعبية، لا بوصاية أبوية. صحيح أن هذه الإرادة خائفة من الإنهيار، لكنها كانت قادرة على أخذ مبادرة واضحة للالتفاف حول قيادة متجانسة، ومنحها كل السلطة، وإزاحة المعوقات من طريقها. والتقى الخوف الداخلي من الانهيار مع خوف خارجي دولي وإقليمي من نفس الأمر. هذه صورة لم يحظ بها زعيم مصري من قبل.

يقولون إن سقف التوقعات العالي هو العدو الأول للرجل؛ لكن وما المانع؟ ألا يكفيه كل هذه الحظوظ؟




#أحمد_غريب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن سباق الرئاسة: السياسي والموظف
- السياسة بعد الاستفتاء
- شهادتي عن -دولة مدنية-
- عورة طالب الأزهر وعورة علياء المهدي
- القفز في فراغ السياسة المصرية
- ملاحظات على اقتراح استبعاد الأميين من التصويت
- الشرعية الدينية والغاز الطبيعي
- عاصفة 30 يونيو: الإسلام السياسي والتحالف الجديد
- هل الديموقراطية سيئة؟
- النموذج التركي!
- تمرّد
- هواجس عن التدين كوسيلة خروج على القانون!
- دولة مدنية.. أحلام الثورة مستمرة
- دورة العنف.. الرصيد لا يسمح!
- من سيتكلم باسم الشعب؟
- الجماهير أسبق من السياسيين: هذه دولة الإسلاميين.. فماذا عن د ...
- الإسلام السياسي ونزعة الخصومة
- دستور الإخوان:المقاطعة.. والشرعية
- مليونية 27 نوفمبر.. الكتلة الحرجة
- الإسلام السياسي.. الحاكمية.. والبطولة الغائبة


المزيد.....




- اخترقت غازاته طبقة الغلاف الجوي.. علماء يراقبون مدى تأثير بر ...
- البنتاغون.. بناء رصيف مؤقت سينفذ قريبا جدا في غزة
- نائب وزير الخارجية الروسي يبحث مع وفد سوري التسوية في البلاد ...
- تونس وليبيا والجزائر في قمة ثلاثية.. لماذا غاب كل من المغرب ...
- بالفيديو.. حصانان طليقان في وسط لندن
- الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد لواءي احتياط جديدين للعمل في غ ...
- الخارجية الإيرانية تعلق على أحداث جامعة كولومبيا الأمريكية
- روسيا تخطط لبناء منشآت لإطلاق صواريخ -كورونا- في مطار -فوستو ...
- ما علاقة ضعف البصر بالميول الانتحارية؟
- -صاروخ سري روسي- يدمّر برج التلفزيون في خاركوف الأوكرانية (ف ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد غريب - حظوظ الرئاسة