أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - فالح عبد الجبار - في استشراء العنف الأصولي















المزيد.....

في استشراء العنف الأصولي


فالح عبد الجبار

الحوار المتمدن-العدد: 1267 - 2005 / 7 / 26 - 11:19
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


بدا مشهد الدم في محطات المترو في قلب لندن (كنغز كروس – يوستن، آلدغيت، ليفربول واجوار رود) تكراراً مصغراً للتفجيرات المتكررة في العراق ولبنان، أو مدريد وباريس. وحين نتذكر التفجيرات المماثلة في مصر أو السعودية، أو باكستان وماليزيا، وأندونيسيا، نجد ان القائمة تطول.
ثمة اخطبوط شبحي يمد أذرعه في زوايا المعمورة، معلناً عن نفسه باسم ايديولوجيا «سامية»، تقرر، بداهة، حق الحياة والموت، والرائح والغادي، ملغية العالم كله باعتباره الشر المطلق، بازائها هي بوصفها الخير المطلق.
استقبل بعضنا نحن ا لعرب هذا الحدث بإشهار الغضب على التفجير، والعطف على الضحايا المدنيين، باعتبار ان لندن هي أكثر المدن عطفاً على قضايانا. (المضمر في هذا القول: لا ضير من استهداف المدن التي لا تبدي مثل هذا العطف!).
ومال بعضنا الى ابداء التشفي تحت يافطة ان هذا القتل الجمعي، البربري بكل المقاييس، شبيه بعنف الدولة (الغربية طبعاً)، فاتحين الباب على مصراعيه أمام تعميم العنف وسيلة مثلى للسياسة. وعمد بعضنا الآخر الى تحميل الضحية أوزار العنف، على قاعدة الفعل ورد الفعل، وبالذات ان تفجيرات لندن هي رد اسلامي على مساهمة بريطانيا في احتلال العراق، علماً ان جلّ العراقيين، وهم أصحاب القضية قبل غيرهم، يرون في بناء القوى الذاتية للجمهورية الخامسة، المشرعنة بصناديق الاقتراع (8.5 مليون ناخب) هي السبيل لخروج قوات الاحتلال.
أجد في الكثير من ردود الفعل العربية، وبخاصة «خبراء» الفضائيات في صناعة الكلام، اسرافاً في العاطفة، وإيغالاً في التبرير، وفقراً أخلاقياً، لابساً أسمال تحليل مهلهل.
نحن بازاء عنف ديني ما يني يتسع منذ عقدين. ففي 1980 لم تكن هناك سوى بضع منظمات دينية ميالة الى العنف. بعد عقد تقريباً نما العدد الى ثلاثين حركة عنف نصفها من اصول دينية. أما في 1995 فبلغ عدد الحركات الدينية العنيفة ستة وعشرين حركة جلها إسلامية.
ينبغي التنويه بأن كل الأديان ساهمت في هذا العنف. وان عدداً من الايديولوجيات الدنيوية قامت أيضاً مقام حاضنة لهذه البربرية الجديدة. إلا ان الحركات ذات المنشأ الاسلامي احتلت مركز الثقل في هذا الانقلاب. وتؤلف القضايا التي تشكل المهماز المحفز لهذا العنف تؤلف تشكيلة واسعة، تبدو متنافرة: فثمة قضايا ذات طابع قومي (فلسطين) ونزاعات حدودية – دينية (كشمير)، وقضايا أقليات (مسلمة) تعارض التهميش السياسي (الشيشان، البوسنة، الفيليبين، الصين)، وثمة حركات احتجاج على حكومات استبدادية أو اصلاحية، وثمة عنف طائفي (سني أو شيعي في الباكستان وغيرها)، وثمة أصولية ثقافية، تعارض الانفتاح، مثلما تعارض السياحة، والانترنت، وما شاكل، وثمة أصولية فكرية غارقة في عبادة ماض مثالي، مجرد في الخيال من كل شائبة، وثمة رُهاب من كل ما هو غريب وأجنبي، وثمة، وثمة...
في وسع هذه القائمة ان تطول، وان تتداخل عناصرها تداخلاً غريباً ينتج لنا توليفة من مصادر تكوين أصوليّ العصر الحديث: سفاح يضع قدماً في الماضي وقدماً في الحاضر، تائهاً بين عالم يمضي بسرعة جنونية قدماً، وأوطان ما تني تبتعد في أفكارها وقيمها عن ملامسة الحاضر.
يبغض هذا السفاح المرأة، ويرتعد من كل وسائل الاتصال الحديثة (التلفزيون، الانترنت، السينما)، ويصاب بالدوار والغثيان لدى سماع الموسيقى، ويفزع من أي تلاقٍ بين الجنسين، ولا يطيق مناقشة أو رأياً في تراثه، أو في تفسيره لهذا التراث. وعلى رغم انه غارق حتى أذنيه في كل منتجات الحضارة الحديثة، من ساعة اليد، الى النظارات الطبية، ومن الانترنت، الى الهاتف النقال، ومن السيارات، الى الصواريخ، ولا يكف عن استعمالها ليل نهار، فإنه يشجب الحضارة الحديثة باعتبارها صنماً. وهذا البكّاء على أطلال الماضي انما يخشى الحاضر. والماضي الذي يستدعيه الى الوجوه ملقياً بقداسته في وجه كل الخصوم، إنما هو وهمه الذاتي عن هذا الماضي.
ويجد هذا الايديولوجي القادم من كهوف العصر الحجري، أو من البوادي الفكرية القاحلة، فئات غاضبة، مهمشة، أو مثالية، في خدمته.
كان أسامة بن لادن، على قول أخيه يسلم، يبغض الراديو والتلفزيون ولا يسمح لأولاده بأي تماس مع هذه المخترعات. ولم يجد هذا الأصولي المنغلق خيراً من الأميين الأفغان، وثفالات المجتمعات العربية، جمهوراً لمواعظه الفارغة. انه شأن صنيعته الزرقاوي، رجل العودة الى الماضي، والمجتمع الذكوري المنغلق، والطهرية الفارغة. وأدعياء القداسة اولئك هم الابناء المحبطون للايديولوجيات الصحراوية، التي لم تجد من صحراء في عالم الحواضر سوى قفار أفغانستان، حيث 90 في المئة من السكان في البوادي، وحيث الخرافة، والانغلاق السرمدي. وتمد هذه الايديولوجيا اخطبوطها الى ما وراء هذه القفار بفضل الهجرة التي حملت الكثيرين الى شواطئ أوروبا التي ترفض تسليمهم الى حكومات بلدانهم استناداً الى قانون انساني يحظّر طرد اللاجئ الى موطنه ان كانت حياته في خطر.
لا مراء في ان الإعلام أسهم في صنع هذه الأصنام وتحولها الى نوع من «روبن هود». يمجد هؤلاء «القديسون الدمويون» العنف لخواء خطابهم، وهو عنف يفتك بالمسلمين قبل غيرهم. في العراق وحده بلغ ضحايا هذا العنف الأصولي من المدنيين زهاء 24 ألفاً. ونحن بالطبع ميالون الى البكاء من العنف ان طاولنا مباشرة، والتباكي عليه ان طال غيرنا.
وبالعودة الى الحركات الاسلامية العنيفة، نجد في خلائطها اربعة أنماط اساسية من الاسلام العنيف: ثمة الاسلام القومي (النزوع الى الاستقلال)، وثمة الاسلام الاجتماعي (الاحتجاج على التهميش والاقصاء) وثمة الاسلام الثقافي (المعادي للقيم الحديثة، للمرأة، للتلفزيون، للسينما) وثمة الاسلام الكوني المحارب الذي يرى وجوب خوض حرب الحضارات.
وعلى رغم ان هذه الأنماط تشترك في صفات عدة، إلا ان صنفها الأخير هو الأخطر عالمياً، في حين ان اصنافها الثلاثة الأولى هي الأعنف محلياً (في محيط العالم العربي – الإسلامي). ويعاني العراق من هذه الأصناف كلها مجتمعة، زائداً علاوات اخرى غير سارة.
ويرى هؤلاء في التدمير الوسيلة الوحيدة: بحرق دكان، أو نسف قطار، أو تدمير محطة كهرباء، أو قتل حلاق (لأنه يقص الشعر على الطريقة الغربية!) أو حرق محطة كهرباء، أو تدمير مسجد، وقتل أئمة صلاة.
ماذا يريد الاسلام الكوني المحارب الذي هاجم لندن وغيرها من عواصم غربية وعربية؟
ذات مرة قرأت وثيقة أصولية أدهشتني لشدة ما فيها من إيهام ذاتي ووضوح الغاية. تقول الوثيقة، الصادرة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي إثر انسحابه من أفغانستان: الآن وبعد أن دحرنا (؟) الجناح الكافر من الحضارة الغربية، سنعمل على دحر جناحها الصليبي، وإقامة حكم الإسلام. يتوهم هذا البنّاء، الذي لا يعرف غير الهدم، انه هو الذي هزم الاتحاد السوفياتي، وهو موقن كل اليقين ان فرقته «الناجية» كفيلة بهزيمة العالم بأسره.
هناك تفسيرات عدة لهذه الحركات أغلبها ظرفي، يرتبط بهذا الحدث أو ذاك. والمشكلة، كما أظن، تكمن في توتر، بل قل فشل، المنطقة العربية – الاسلامية في الانتقال من عالم ما قبل الحديث، وتكمن أيضاً في التوترات الناجمة عن تطور الغرب، مثلما تكمن في العلاقة بينهما.
ان «الاسلام الكوني المحارب» يريد العودة بنا الى عصر الحروب الدينية التي استهلكت قرنين من جهود أوروبا في بناء نفسها. وأجد ان المسؤولية تثقل كاهلنا بالدرجة الأولى، فلا نزال في منزلة وسطى بين عالم التراث الغابر، وعالم الحضارة الذي ندخله منذ قرن على وجل.





#فالح_عبد_الجبار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المؤسسات الاجتماعية والمجتمع المدني في العراق
- علي الوردي وعلم الاجتماع
- برلماناتنا وبرلماناتهم
- تجاوز الخوف من الماضي
- العراق: دولة دينية، دولة مدنية...؟
- الأضحية والضحية - أقانيم في ثقافة التعارض
- المشروطة أم المستبدة؟
- الأفندية والملائية بين قرنين
- كرنفال الديموقراطية: حقيقة الأشياء أم مظاهرها
- العراق: مصادر العنف ومآله
- نحن والغرب من إدوارد سعيد إلى محمد عبده
- تأملات في العنف, لا سيما عنف أولئك الذين يفجّرون العراق
- في انتظار البرابرة... في وداع البرابرة
- تأملات في الماركسية
- العراق حيال مسألة الفصام بين الأمة والدولة
- عراق غامض المآلات مُقلق, لكن البعث... لن يعود
- التوتاليتارية، الكلمة الغائبة الحاضرة
- من يقف وراء الهجمات على الأمريكيين في العراق؟
- القتال، التمرد او التلاشي
- بين الحزب والقبائل والعشائر التوازن الهش للنظام العراقي


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - فالح عبد الجبار - في استشراء العنف الأصولي