أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الله عنتار - باراكاااااا














المزيد.....

باراكاااااا


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 4472 - 2014 / 6 / 3 - 21:04
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أرحل إلى الكتابة لأنني أجد ذاتي فيها، كما أسجل هزائمي المتلاحقة، إضافة إلى اللحظات المنقضية التي تمر دون أن أستفيد منها . أحس أن كل لحظة تمر، فأنطلق للإمساك بها، لكنها تنفلت من رقابتي، فأجر ذيول الخيبة . أسعى لكي أعيش الحاضر، أحاول أن أتحرر من الماضي، كما أحاول تكسير المستقبل وما يحمل في طياته من أحلام جميلة تبرر فشلي الذريع في هذا الحاضر المنفلت، وبعد تفكير طويل، وجدت أن شخصيتي لا تساوي شيئا غير ركام مقذوف على قارعة الزمن . كنت دائما أفكر لأخرج من هذه الورطة، غير أن جهودي تذهب سدى . إن التنشئة القمعية التي تلقيتها في طفولتي مازالت تلاحقني، فكلما حاولت أن أقول : لا ، إلا ووجدت حاضرا يحول دون نطقي لهذه الكلمة التي تتكون من حرفين، مع العلم أنني أستطيع أن أنطق كلمة أخرى تتكون من ثلاثة حروف بكل سلاسة، إن الأمر يتعلق ب نعم ، تلك الكلمة العزيزة على المعلم الذي درسنا في المدرسة، فلطالما روضنا على قول ذلك في الصف .
أذكر أنني توددت إلى فتاة في قريتنا، وما كان منها إلا أن اشتكت إلى أمي، فشتمتني هذه الأخيرة بكلمات قدحية مازال جرحها لم ينزف بعد في أعماق شخصيتي، إنني لم أسئ إلى شخصية تلك الفتاة، بل توددت إليها معبرا عن حبي لها، وامتناني العميق إلى شخصيتها، لكن لا هي فهمت قصدي، ولا أمي فهمتني، فهي لم تعش الحب في حياتها، بل أجبرت على الزواج صغيرة من طرف والدها . إنني ألوم المجتمع الذي أوكل إلى شخصية كأمي أن تربي طفلا طموحا يناشد الحياة . إن هذه التنشئة القمعية كسرت طبيعتي، وقمعت طاقتي الحيوية، وجعلت مني إنسانا معاقا . منذ طفولتي علموني أن الموسيقى حرام . أن التودد حرام . ولم تتوان أسرتي في تعليمي الصلاة، ولم يفتها أن تذكرني بالعذاب الأليم، وخاصة عذاب القبر وسؤال منكر ونكير ، والحديث المسهب عن الحية التي تلتهم الموتى . إن تلك الآية التي تتطرق إلى عذاب الكفار وتبديل جلودهم بجلود أخرى في إشارة إلى تأبيد العذاب . مازالت تلاحقني إلى اليوم، ناهيك عن تلك النار المستعرة . إن هذه المشاهد المفزعة تعبير عن طفولة افتقدت للحياة . كانت طفولة مهجوسة بالموت، أو بتعبير أدق كانت هذه الطفولة معاقة، لم تتذوق الحياة بأزمنتها وتفاصيلها وأحلامها، بل كان زمنها متوقفا مرددا : "نعم" . إنه صوت لا يعلو على صوت القمع، وما يتضمن لنكران الذات على حساب الغريزة الحية التي تعانق الحياة .
وإذا كانت الطبقات الراقية تتجرع الحياة من ينابيعها، فإن طبقات الريف الكادحة لم يبق أمام أبنائها إلا البقايا من "جوطية" نتنة ملؤها "تعلم الوضوء في عشرة أيام ؛ النجاة من عذاب القبر وسؤال منكر ونكير ؛ حفظ العفة . وإذا كانت هذه الخزعبلات الفارغة تدل على شيء، فإنها تدل على حرب شعواء يشنها استعمار ديني يسعى إلى شل الحياة، وزرعها بألغام الخوف والموت، وتجريد الإنسان من طاقاته الحية، وتوقه إلى عيش حياة سليمة، فكم من أسرة دمرتها هذه الكتيبات التدجينية، وكم من الأطفال أعدمت حياتهم في مهدها، وتحولت إلى حياة معاقة تعادي كل معانقة للحياة . وإذا كان الأطفال في الدول الديمقراطية ينفتحون منذ نعومة أظافرهم على العلم والفلسفة، فإن الكادحين في أنظمتنا القمعية مازالوا يقرؤون كتب الشفاء بواسطة بول البعير وجناح ذبابة، وذلك مرضاة لعقلية تسلطية مازالت تستعبد مخيلتنا وعقولنا، وتأسرنا في ماض قطيعي يميز بين الإنسان والإنسان كسيد وعبد ....
إن كلا من العلم والفلسفة يعلمان الإنسان كيف يفكر انطلاقا من ذاته بانيا حقيقته المتغيرة وفق آليات الشك والسؤال والدهشة ...لكن هذه الجوانب تغيب، وتحارب في مجتمعاتنا المتسلطة، وفي أسرنا القمعية، فالطفل يتعرض لغسيل دماغ يشل كل حركاته وسكناته، فبمجرد ما يسأل حتى يتم تخويفه سواء من الناحية الرمزية أو المادية، ومن ثمة فالتنشئة الاجتماعية لا تعلمه تحمل المسؤولية، بل تجعل منه تابعا – خاضعا لا يقوى على اتخاذ قرار معين، فلا يستفيد الطفل من لحظات حياته، ولا يتصرف إلا ويتمثل صورة الأب القامع، أو الأم القامعة، إنه لا يعيش زمانه، بل زمان الآخرين، لا يقوى على التحكم في حاضره، فينفلت منه متحسرا على ماضيه، ومتطلعا إلى مستقبله الذي ما فتئ يكبر سرعان ما يتبدد حينما يتحول إلى حاضر . هكذا تتحول الحياة إلى موت وفق التنشئة المعطوبة . تنشئة الرعاع الذين يكرهون الحياة، ويتوقون إلى الدار الآخرة، وإذا ما حصل هذا فعلا، فإنهم سيحملون معهم بؤسهم الذي لن أشاركهم إياه، لأنني سأبدأ في التمرد على قطيعيتي . لن أقبل العيش معطوبا . مريضا . تعيسا . مرتعدا . خائفا . ولن ألقن أبنائي أمراضي، ولينطلق موسم الشفاء الذي يردد الحياة، قاذفا في الآن نفسه مرضا سحيقا عمر طويلا بين أدران الكادحين .

عبد الله عنتار / 03 حزيران 2014 / الرباط – المغرب



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سنابل و أغلال
- سوسن
- منزلنا الريفي (49)
- منزلنا الريفي (48)
- منزلنا الريفي (47)
- سخرية في صحراء الحمى
- منزلنا الريفي (46)
- منزلنا الريفي (46)
- منزلنا الريفي (45)
- منزلنا الريفي (44)
- هواجس ساخرة
- غدا سأولد من جديد
- الوداع
- مشاهد من المستشفى
- أريدها
- تمرد
- منزلنا الريفي (43)
- كلمات من دماء
- خوالجي الباكية
- شاعرة الافتراضي


المزيد.....




- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة
- تمثل من قتلوا أو أسروا يوم السابع من أكتوبر.. مقاعد فارغة عل ...
- تنبأ فلكيوهم بوقت وقوعها وأحصوا ضحاياها بالملايين ولم تُحدث ...
- منظمة يهودية تطالب بإقالة قائد شرطة لندن بعد منع رئيسها من ا ...
- تحذيرات من -قرابين الفصح- العبري ودعوات لحماية المسجد الأقصى ...
- شاهد: مع حلول عيد الفصح.. اليهود المتدينون يحرقون الخبز المخ ...
- ماذا تعرف عن كتيبة -نتسيح يهودا- الموعودة بالعقوبات الأميركي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الله عنتار - باراكاااااا