أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد ادم بوش - دارفور : جدلية العلاقة بين العوامل البيئية والنزعات في















المزيد.....


دارفور : جدلية العلاقة بين العوامل البيئية والنزعات في


احمد ادم بوش

الحوار المتمدن-العدد: 4471 - 2014 / 6 / 2 - 08:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تميل بعض التفاسير الى ارجاع النزاعات والحروب الاهلية في افريقيا الى البنى الاجتماعية والبيئية والاختلافات السياسية والعرقية، التى تتميز بها مجتمعات افريقيا تلك المجتمعات التى تعاني من حالة غياب الامن والاستقرار السياسي مع نزعتها الى التفتت والتشرزم والتخلص من قيم التضامن الاجتماعي التي يمكن فهمها من خلال سياق التهميش الذي تعيشه او تدفع اليه هذه الكيانات الاثنية.
ويعد السودان واحدا من اكبر الدول التى تعاني من استمرار حروب ونزاعات داخلية امتدت لاكثر من ربع قرن من الزمان مما اعاق عمليات التنمية والبناء الاجتماعي والنزوع نحو السلم. ومن خلال القراءة التاريخية لتركيبة هذه النزاعات يلاحظ الباحث ثمة علاقة وثيقة بين النزاعات والخلل البيئ الناتج عن علاقة الانسان بالموارد في ظل وجود سياسات اقتصادية واجتماعية هشة وفاشلة وقاصرة لم تستوعب حاجيات المجتمع وتطلعاته. وتمثل منطقة دارفور بغربي السودان مثالا شاخصا لهذه الجدلية بين البيئة والنزعات وهو ما عرف اخيرا بعلم الايكولوجي السياسي.(1)
تمثل دارفور البوابة الغربية للسودان وتقع بين خطي طول 22 و27 درجة شرقا وخطي عرض 10 و16 شمالا. وتبلغ المساحة الكلية لدافور حوالى 549 الف كلم2 ويقدر عدد سكانها بحوالى 7 مليون نسمة وتشارك عددا من الدول في حدود مشتركة وهي ليبيا، تشاد وافريقيا الوسطى وهي حدود مفتوحة الامر الذي سهل من عملية التواصل الاجتماعي والثقافي مع هذه الدول.(2) وقد كانت دارفور دولة ذات سيادة مستقلة تسمى سلطنة دارفور وتميزت بنظام حكم اداري قوي مستقل حتى عام 1916 عندما خضعت للاستعمار البريطاني بعد مقتل السلطان علي دينار. ولم تشهد طيلة الفترة السابقة منذ الاستعمار الى الان مشاريع تنموية جادة باستثناء مشروع جبل مرة المعني بادخال الحزم المستحدثة بالبستنة و تطوير الغابات ومشروع تنمية غرب السافنا الخاص بتطوير الريف الرعوي بجنوب دارفور وقد تمت تصفية هذين المشروعين لاحقا ابان حكم الانقاذ.
يتكون الانتاج الاقتصادي في دارفور من الزراعة التقليدية والثروة الحيوانية ويساهم قطاع الثروة الحيوانية بنصيب الاسد من الاسهام الكلي للثروة الحيوانية في السودان وتكمن مساهمة دارفور في الاقتصاد القومي عبر الصمغ العربي والثروة الحيوانية والمحاصيل النقدية الاخرى كالسمسم والفول السوداني. وتسهم دارفور ضمن القطاع التقليدي بأكثر من 35% من صادرات السودان غير النفطية ( السمسم 15%، الماشية واللحوم 22%، الصمغ العربي 15%، الكركدي 5% وحب البطيخ 9%) ويتم هذا الاسهام دون ادنى تكلفة لان هذه النتجات لا تتطلب مدخلات انتاج كبيرة بالاضافة الى عملية الري المطري.(3)
تتمتع دارفور بتنوع بيئي ومناخي متدرج عبر امتداده من ليبيا الى منطقة بحر الغزال في الجنوب، مما عدد من انماط الانشطة الاقتصادية اذ تقل الامطار شمالا حيث المناخ الجاف وتكثر جنوبا حيث تسود السافنا الفقيرة والغنية. هذا التباين في الاقاليم الناخية عمل على وجود تداخل بيئي بين الحدود البيئية المناخية والحدود الاجتماعية بمعنى ان الحدود البيئية المختلفة تتطلب انظمة اجتماعية واقتصادية مناسبة ومحددة بمعنى ان المناطق الجافة تتلائم مع حرفة الرعي بينما المناطق المطرية تتلائم مع ممارسة الزراعة. وعبر حقب زمنية قديمة ظهرت وتبلورت السمات الاساسية الثقافية والاجتماعية فالرعاة امتازوا بالترحال بحثا عن موارد المياه والمرعي بينما المزارعون امتازوا بالاستقرار.(4) ومن خلال حركة ترحال الرعاة والتداخل بين الحدود البيئية من مناخ جاف ومناخ ماطر مع الحدود والخصائص الاجتماعية والثقافية "رعاة رحل" و"مزارعون مستقرون" تحولت هذه الحدود البيئية تلقائيا من خلال هذا التداخل والتمايز في انماط الانتاج الى تمايز عرقي وثقافي هذا التمايز قاد في احايين كثيرة الى التعاون والحرب معا(5) وتاريخا نجد ان مسألة التداخل بين الحدود البيئية والاجتماعية والعرقية قد ارخت واسست لانماط تعاون وتعامل مستقر ومشاركة في الهم ولكن تنامي التردي البيئي والاستغلال البشع للموارد ادخل الرعاة والمزارعين في مواجهات مسلحة(6) وتدرج من مرحلة السلم الى مرحلة الاقتتال.
وتنشأ عادة مثل هذه المواجهات والنزاعات من خلال التنافس على اشباع الرغبات المادية والمعنوية في ظل وجود مصالح متعارضة ومتناقضة(7) وهذه النزاعات في حد ذاتها نزاعات تراكمية متغيرة وليست ساكنة تتنوع في اهدافها وغاياتها على سلسلة من العمليات المترابطة من تحييد فئة الى التفوق عليها وهزيمتها وبالتالى السيطرة على مواردها(8) وبالتالي تتناقص الثروات والموارد محل النزاع نتيجة للزيادة في معدلات الاستهلاك الانساني والحيواني وبالتأكيد في مثل هذه الاوضاع يدخل الرعاة والمزارعين في بؤرة من الصراع وهم في الاصل مكون لمجتمع واحد.(9)
ونتجة لهذا الخلل البيئي والاصطراع حول الموارد نشأت نزاعات طاحنة راح ضحيتها الالاف من الابرياء وقد شهدت دارفور صراعت دامية "الرزيقات والمعاليا 1968، السلامات والتعايشة 1980، البني هلبا والمهرية 1980، الزغاوة والقمر1990، والزعاوة والبرقد1990" ولكن افظع هذه النزاعات تلك التي اخذت طابعا جهويا "عرب وزرقة" العرب والفور- العرب والمساليت والمحرك الاساسي لهذه الحروب هي المصادر الطبيعية والتحلل الاداري مع غياب التنمية مع انتشار الاسلحة والمليشيات والنهب المسلح الذي اصبح اقصر طريقة لحسم الخلافات الشخصية والقبلية.
والملاحظ ان الصراع حول الموارد في احايين كثيرة يدرج توصيفا بانه نزاع عرقي بين الاثنيات "عرب وزرقة" وهو توصيف وتصنيف مخل اذ انه في اصله صراع بحث حول الموارد على الرغم من استناده على اسس وخلفيات عرقية وجهوية(10) على الرغم من التكتلات والحوزات القبلية التى ظهرت مؤخرا "عرب وزرقة" الا ان المحرك الاساسي للحرب هي الموارد والا لما حدثت صراعات وحروب قبلية بين قبائل من اصل اثني واح "المهرية والبني هلبا، التعيشة والسلامات، الرزيقات والمعاليا، الكبابيش والميدوب، الزغاوة والبرتي، الزغاوة والبرقد" الخ...
واحدة من الانعكاسات الخطيرة لمسالة التوصيف العرقي للصراعات هو انتقالها لداخل المدن ولا نعني بذلك حرب المدن والعصابات والشوارع بل العدوات داخل المؤسسات السياسية والتنفيذية ومؤسسات المجتمع المدني بل حتى المؤسسات الامنية.
زمن هنا تكمن مشكلة الموارد وفلسفة التعامل معها باعتبارها محفزا قويا للحروب بيد ان الادارة الجيدة لها يؤدي الى ايجاد مفاهيم وقواسم مشتركة تبعا لمصلح الرعاة والمزارعين. ونجد ان مسألة الندرة التي نتجت جراء الجفاف والتصحر الذي ضرب مناطق افريقا شمال الصحراء والتي تقع دارفور ضمن منظومته الجغرافية في فترة الثمانينات وما قبلها والتردي البيئي سواء من استغلال الانسان والحيوان للموارد او بفعل الكوارث الطبيعية كان محفزا اخرا على الهيمنة على هذه الموارد ولا نستثني تعاظم الاحساس لدى الاثنيات بالتهميش وعدم وجود فرص عدالة في مسائل توزيع الثروة والسلطة كمحفز لحمل السلاح في الوقت الذى لا تذعن فيه الحكومة الا لمن يحمل السلاح.(11) وهنا يتداخل التحليل البيئي للنزاعات مع منظومة العوامل الاخرى السياسية والاقتصادية والعرقية والتاريخية المسئولة عن النزاعات في دارفور "مطالب سياسية واقتصادية الخ..."
ان الوعي باشكال النزاع ليس بالضرورة ان يفسر اسبابه لذلك التحليل البيئي لا يفرق بين الوعي باشكاله والتجليات والاسباب وانما يستوعب معه الماضي والارث باعتباره عملية ديناميكية وبالتالي تتيح للاسباب والمحصلات ان تتبادل المواقع لكي تتحول نتائج اليوم واشكال وعي النزاع الحالي الى اسباب لنزاعات المستقبل.(12)
ان العوامل البيئية ومدى امكانية استغلالها بين الاطراف من ناحية وبين المركز والاطراف في دارفور من ناحية اخرى في ظل وجود تداخل قبلي مع دول الجوار لهو محفز قوي للحروب وهي مسألة معقدة ومتداخلة ودونها جهد وبحث. لذلك نركز هنا على عاملي الامطار والمسارات واثرهما على النزاعات في دارفور باعتبارهما ادق مثالين غلى جدلية العلاقة بين العوامل البيئية والنزاعات واثرهما علي مستقبل دارفور.
ان العلاقة التبادلية بين الامطار ونشوب النزاعات في دارفور اشار لها د/ محمد سليمان في بحثه القيم "السودان حروب الموارد والهوية" فمن خلال تتبعه وملاحظاته لمنسوب الامطار خلال السنوات 1950-1990 لاحظ وكشف عن وجود ثلاثة فترات جفاف طويلة وقعت احداها في الستينات من القرن الماضي وتميزت بجفاف خفيف نسبيا والفترتان الاخريان وقعتا خلال 1972-1974 و1981-1986 وتميزتا بجفاف شديد(13) وقد لازمت تلك الفترتين مناوشات واشتباكات وقعت اسوأها في الثمانينات من القرن الماضي لازمت واتخذت شكل صراع مسلح حاد امتد على مساحات واسعة من دارفور. وهذا يعني ببساطة ان الزيادة في حدة النزاعات تتناسب طرديا مع تناقص معدلات مناسيب الامطار "الجفاف" بمعنى ان الحد الادنى لسقوط الامطار يتأخر عن الحد الاقصى للنزاعات بفترات متقاربة وهي فترات تفاعل كامن الى ان يصل تأثير الجفاف مداه. وقد تميزت فترة الثمانينات بحروب اشد ضراوة من سبعينياته من القرن الماضي على الرغم من ان تأثير الجفاف على الفترتين يعتبر متساوي في وطأته واثرة البيئي والايكولوجي ورجح د/ محمد سليمان ذلك الى ان فترة الثمانينات كان الانتاج الغذائي موجها نحو الصادر بينما فترة السبعينات كان للاستهلاك المحلي فلم تكن هناك ندرة وشح بالاضافة الي قرار الرئيس السابق نميري بحل الادارة الاهلية في الثمانينات الامر الذي نتج عنه فراغ اداري محلي كبير. وكذلك لازمت فترة الثمانينات الحرب الليبية التشادية من ناحية والحرب الاهلية التشادية من ناحية اخرى (14) فالحرب في تشاد ادت الى لجوء اعداد كبيرة من مواطنيها الى دارفور بالاضافة الى التدهور في البيئة وشح الموارد ادي الى نزوح اعداد كبيرة من شمال دارفور الى جنوبه مثل الزغاوة والبرقد والميما وقد بدأت هذه الهجرات ابان موجة جفاف وتصحر 1973 التي ضربت المنطقة مما شكل ضغطا على المرعي والمياه مما زاد من الاحتكاكات القبلية كنتاج مباشر للضغط على الموارد فلم تعد يجدي حل المنازعات عبر الجوديات والديات لأن الامر اكبر من مسألة التعويض الاني فالمسألة اكبر واعمق.


اضف الى ذلك خروج اعداد كبيرة من المزارعين والرعاة من دائرة الانتاج والدخول في دائرة الفقر مع وجود السلاح وانتشاره باسعار زهيدة مما سهل وبسط من مهمة دخول بعض العناصر لممارسة النهب المسلح كأقصر طريق للكسب ومن ثم تدفق السلاح عبر الحدود التشادية بالاضافة الى دخول عناصر من القبائل التشادية والمعارضة التشادية لممارسة النهب المسلح مما زاد من حدة النعرات القبلية وطغيان الاستعلاء العرقي والجهوي. هذه الامور مجتمعة ومتلازمة ادت الى انهيار كامل للريف بالاضافة لهجران الاهالى للزراعة والرعي والاعتماد على فتات الاغاثات وعم الفقر وبدأت الهجرة نحو المدن وهجرات الرعاة نحو المناطق التى لم تتأثر نسبيا بموجة الجفاف لتبدأ مرحلة جديدة من الصراع نصطلح عليها مجازا "حرب المراحيل والمسارات"
تعارف اهل دارفور منذ القدم على فتح ممرات وطرق للرعاة عبر المزارع لترحالهم في مواسم الجفاف على امتداد عرضي حوالى 2-6 ميل بعيدا عن القرى وذلك لتجنب دخول المواشي للزراعة وعدم انتهاك الرعاة لحرمات القرى وعرفت هذه الممرات بالمراحيل والمسارات(15) ولكن مع مرور الزمن اصبحت هذه المسارات مصدر اصيل للنزاعات بين الرعاة والمزارعين وذلك لندرة المياه والعشب في مواسم الجفاف من ناحية وندرة الاراضي الزراعية من ناحية اخرى نتيجة للزحف الصحراوي فقد انحسر نطاق الرعي والزراعة حول الوديان والخيران بيد ان الزيادة الطبيعية المطردة في الماشية ادت الى تجاوزات لحدود المراحيل في بعض الاحيان الى حدود القرى وبذلك يدخل الرعاة ومواشيهم القرى مما يتلف المحاصيل فتثور حفيظة المزارعين وتبدأ المناوشات.
كما ان استقرار النازحين حول القرى والزيادة في النسبة السكانية والحوجة الملحة الى اراضي للزراعة حعل التوسع على حساب المراحيل احمر حتمي، مما افقد المراحيل معالمها او تلاشيها تماما فيأتي الرعاة ويضطرون الى استغلال الاراضي المزروعة وتبدأ الصدامات(16) اضف الى ذلك ضعف الرقابة الادارية والامنية على تتبع مسار المراحيل وتحديد مسارها وتجديد الاتفاقيات في ظل وجود اداريون وتنفيذيون لايستوعبون طبيعة مشاكل المراحيل فتصدر عنهم قرارات وسياسات انفعالية تكون هي في حد ذاتها سببا في تأجج الصراعات واتهامهم بموالاة قبيلة على اخرى مما يخرجهم من حيز الحياد كما ان ضعف الرقابة الامنية على تتبع مسار الرعاة وضبط حركتهم خاصة وان بعض الرعاة يعملون على فتح المسارات بالعنف لا بالعرف مع عدم احترامهم للاعراف المحلية(17) لعدم وجود زعيم او شيخ او حكيم من القبيلة مع الرعاة في ترحالهم كما كان في السابق.
وقد زادت حدة المناوشات و النزاعات بين المزارعين والرعاة عندما تم حل شرطة المراحيل والمسارات في فترة حكم نميري مع ضعف السلطة المركزية ابان الديمقراطية الثانية وجأت الطامة الكبرى مع حكومة الانقاذ التى عملت على حل الاحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني رغم ضعفها فقد كانت تستوعب طاقات وتوترات عرقية عبر استيعاب المواطنيين وتنظيمهم عبرها وعند حل هذه المؤسسات والاحزاب بدأ الناس تلقائيا التنظيم والتكتل عبر القبيلة من اجل المشاركة السياسية والاجتماعية وتلك طبيعة البشر كما اشار ابن خلدون في مقدمته عن العصبة والقبيلة ودورها في الحراك السياسي.
ان الحروب والنزاعات في دارفور تعبر اساسا عن الموارد وندرتها بمعنى ان الرعاة الذين يعانون من ويلات الجفاف والمرارعةن اللذين اكتووا بنيران التصحر بدأت تنشأ عند كل منهم نزعة السيطرة والتملك للموارد في الوقت الذي تعني فيه دارفور من فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية مع عدم وجود اهداف وبرامج سياسية واضحة لدى المركز لاستيعاب هذا الجزء من الوطن الامر الذي جعل محاولات ايجاد حلول لهذه النزاعات امرا مشلولا اذا لم يعطى العامل البيئي حيزا مقدرا واعتبارا يذكر وحصر الحلول في مجالس الديات والتعويضات فهي لا تعدو ان تكون مناورات سياسية حول اقتسام الثروة والسلطة في الاقليم تبعا لابعاد جهوية الامر الذي عجل من بروز حركات مطالب سلمية كجبهة نهضة دارفور في منتصف الستينات من القرن الماضي ليتطور الامر الى حركات تمرد مسلحة كحركة بولاد 1991 وحركة العدل والمساواة وتحرير السودان اخيرا والتي تنادي جميعا عبر منفستوتاتها الى قسمة عادلة للموارد والثروات بين مكونات دارفور من ناحية وبين دارفور والمركز من ناحية اخرى وهو تطور طبيعي لاهمال العومل الايكولوجية في توصيف الصراع مما اخرج الصراع من الحيز البيئي الى دائرة اكبر متعددة الاطراف دخل فيها البعد السياسي في ظل التدهور السياسي والتخلف الاقتصادي والتنموي فالازمة في دارفور بعد ماشاكوس تمثل الوجه الثاني للازمة في الجنوب بل ازمة كل السودان بكل اتجاهاته الجغرافية بلا استثناء الا وهي قضية التنمية المتوازنة والعدالة في التوزيع وقد عرف اعلان الامم المتحدة للتنمية 1986 بان التنمية هي حزمة ومجموعة عمليات وخطوات متكاملة ذات ابعاد ودلالات سياسية واجتماعية وثقافية تهدف في محصلتها النهائية الي التحسين المتواصل لرفاهية كل السكان والتى يمكن عن طريقها اعمال وتطبيق حقوق الانسان وحرياته الاساسية.
ان الدعوات لاقتسام السلطة السياسية والاقتصادية سابقا تبدو نلبعة من النخب الحضرية التى تنتمي لاطراف النزاع اكثر من مما تنتمي لاصوات البسطاء المتأثرين بويلات الحرب اليومية ولكن لاحقا وتبعا للتجاهل المستمر لهذه الدعوات تطور الامر واصبحت اصوات البسطاء هي المتحكم والمحرك والمنادي بما هو اكبر ومنها بدأنا نجني الهشيم والثمر المعطوب ونقص في الارواح بلا هوادة. والملاحظ ان ظاهرة الانقسام بين النخب السياسية والقيادات المتمردة سواء كان على المستوى المحلى او القومي لا يعدو خطرا على دارفور فحسب بل على السودان ككل حيث تلجأ هذه النخب الى اسهل الطرق لحسم خلافاتها عبر الاثنيات. لذلك لابد من وجود حد ادنى من الاتفاق والاجماع الوطني والقومي عبر النخب والانتلجنسيا السياسية الذي يعتبر متراس وصمام امان لمنع تفجر الصراعات واهدار موارد البلاد وازدياد الاوضاع سواء على سوء في اقليم منقسم اصلا على اسس عرقية وجهويةز
ولا يمكن ايجاد حلول ناجزة لهذه النزاعات والازمات الانسانية الا في ظل سياسات تنموية مباشرة تعلج الشح الحاصل في المياه والموارد من خلال اعتماد خطط ومشاريع تنموية لاستثمارالانسان اولا و الارض ثانيا واستصلاحها واعادة تاهيلها والاتجاه نحو مؤسسات المجتمع البشري لاستيعاب الطاقات البشرية بدلا من الانغماس في بؤر القبلية النتنة واشراك مؤسسات المجتمع المدني في عمليات التنمية وبرامج اعادة التاهيل البيئي والاستخدام الامثل للارض والاقتسام العادل للثروات المتاحة والسعي لحل مشكلة الرحل من خلال توطينهم في قرى نموذجية مهيأة تتوفر فيها سبل العيش الكريم وتفير الخدمات الاساسية في كل القيعان مثل المياه بأقامة السدود وحفر المياه الجوفية في حوض البقارة والحوض الرملي النوبي وانشاء المراكز الصحية والبيطرية والمدارس، ويلازم ذلك عمل جاد لاعادة اعمار القرى المنهوبة والمحروقة والمهجورة وتأمينها. بالاضافة الى اعادة تقييم دور الادارة الاهلية الحالى واعادة ترتيبها للقيام بدورها الامثل والاهم مع قيام مشاريع تستوعب العمالة وفائض البطالة وفائض المزارعين والرعاة لان الاوضاع الاقتصادية المتردية تعتب رعناصر فاعلة لزيادة العنف والعدوان والانسان بفطرته مرغم على الكفاح والصراع من اجل البقاء(18).
ان احياء مشروعي جبل مرة وهيئة تنمية غرب السافنا وايجاد التميل الازم واعادة تأهيل مشروع ساق النعام وتطوير وتوسيع دائرة مشاريع المناطق المختارة في كبكابية، ام كدادة، كتم وعد الفرسان وتأسيس مؤسسات مجتمع مدني قوية في كل مناطق دارفور يعني رفع وبناء القدرة التنموية لتطوير قدرات المنتجين المحليين وادخال الحزم الارشادية وتجميع المنتجين في جمعيات تعاونية يعني ذلك ببساطة المحافظة على البيئة ومن ثم الاهتمام بالطرق لانه لا تنمية ولا تطوير بمعزل عن حركة المواصلات وربط الاخر. كما ان دعم التعليم يجب ان يتصدر الاولويات وكل الاستراتيجيات والبرامج وان يكون دعما لامحدودا لان الامية والجهل اس البلاء فلا يمكن التحدث عن تطوير وتنمية البنيات الاساسية بمعزل عن تنمية الانسان وترقيته وتأهيله معرفيا لان التحول نحو النتء والتنمية تعني من مشاكل سوء الادارة والجهل كما ان انتشار الاسلحة يزيد من عامل الرهبة والخوف وخلق احساس دائم بعدم الامان وهذا الوضع يؤثر على فرص المشاركة في صنع القرار السياسي السليم ضد استخدام الاثنيات كأدوات سياسية(19) وعلى الرغم من ان المرأة تمثل غالبية في المجتمع الا ان حقوقها مهضومة وهي الاكثر عرضة للعنف الجسدي والمعنوي وليست لديها اي ضمانات رغم اهمية دورها في عملية البناء واعادة التعمير والمرأة مازالت بعيدة عن مواقع اتخاذ القرار ولا تحظى بدور قوي في الوقت الذي اصبحت فيه مسئولة بحكم القتل والحرب عن الاسرة واعاشتها.
وخلاصة القول انه كلما كان الوضع البيئي والايكولوجي مترديا يكون النسيج الاجتماعي هشا وعرضة للدمار فالاهتمام بالبيئة امر حتمي لوقف النزاعات والتوترات لا في دارفور فحسب يل في كل بؤر الصراعات الكامنة والمستترة بالسودان.وقبل ذلك وبعده يتوقف الامر على مواجهة ابناء دارفور لقضاياهم بأنفسهم والاهتمام بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والايمان بان العنف ليس الا وصفة لزيادة الالام وان هناك طائفة من الاجراءات كفيلة بتحقيق المطالب والغايات بثمن اقل.

الاحالات المرجعية
1- صالح آل بندر: ثلاثة هموم تتحدى اهل السودان في القرن الـ 21، 4/1/200
2- التيجاني مصطفى محمد صالح، الصراع القبلي في دارفور اسبابه وعلاجه، شركة مطابع العملة السودانية الخرطوم 1999، ص 25
3- نفس المرجع
4- محمد سليمان محمد، السودان حروب الموارد والهوية، دار كيمبرج للنشر المملكة المتحدة الطبعة الاولى 2000م ص 76
5- نفس المرجع
6- War in Darfur in Environmental Degradations cause of war edited by G.Bachler & Spillman, ENCOP vol 2 VR Zurich Switzerland 1996
7- نفس المرجع
8- نفس المرجع
9- محمد سليمان :مرجع سابق ص 96
10- نفس المرجع
11- احمد ادم بوش: الية فض النزاعات في منطقة البحيرات العظمى بحث مقدم لنيل درجة الماجستير، معهد الدراسات الافريقية والاسيوية جامعة الخرطوم 2002 ص 113
12- نفس المرجع ص 118
13- G.Bachler & Spillman مرجع سابق
14- محمد سليمانن مرجع سابق ص 339
15- نفس المرجع ص 400
16- التيجاني مصطفى مرجع سابق ص 89
17- El.Tigani Mustafa, The position of the Baggara in Jebel Marra Rural Development Project Area, paper presented to Monitoring & Evaluation Development of Jebel Marra Rural Development Project, Zalingei 1982.
18- Rights & Democracy, International Center for Human Rights & Democracy Development, Joint statement and plant for action from the conference in support of democratic opportunities in Africa, Montreal Jan 1997
19- نفس المرجع



#احمد_ادم_بوش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دارفور : جدلية العلاقة بين العوامل البيئية والنزعات في


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد ادم بوش - دارفور : جدلية العلاقة بين العوامل البيئية والنزعات في