أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بشارة - ومضات من وراء الحدود















المزيد.....



ومضات من وراء الحدود


جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)


الحوار المتمدن-العدد: 4469 - 2014 / 5 / 31 - 22:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ومضات من وراء الحدود
تعقيبات عن بعض أحداث العالم المعاصرة
اليمين المتطرف يستعد لغزو البرلمان الأوروبي

من مفارقات الديموقراطية الغربية وغرائبها أن اليمين المتطرف أو اقصى اليمين كما يسمونه اليوم في أوروبا هو ألد الأعداء والمعارضين للبرلمان الأوروبي وللاتحاد الأوروبي ومع ذلك تقول استطلاعات الرأي بأن هذا اليمين المتطرف هو الذي سيفوز بالانتخابات التشريعية الأوروبية للبرلمان الأوروبي التي ستجرى في 25 آيار ـ مايو الجاري وهي في أغلبها أحزاب قومية شوفينية وعنصرية تتصدر برامجها أطروحات تعبر عن كرههم للأجانب والمهاجرين. ففي فرنسا يتوقع المراقبون طغيان الموجة الزرقاء ، وهو تعبير عن النجاح المتوقع لحزب الجبهة الوطنية ذات الشعار الأزرق البحري ، برئاسة ماري لوبين في برلمان ستراسبورغ الأوروبي القادم. فبعد النجاح الذي حققه هذا الحزب العنصري اليميني المتطرف في الانتخابات البلدية الأخيرة في فرنسا، يعلن طموحه اليوم لكي يكون على رأس الأحزاب الفرنسية التي ستخوض الانتخابات التشريعية الأوروبية القادمة. والحال أن حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف هو من أشد المعارضين للوحدة الأوروبية وللبرلمان الأوروبي وهذه مفارقة في التاريخ السياسي الفرنسي وسابقة غير معروفة من قبل لكنها تبدو اليوم ممكنة كما تشير استطلاعات الرأي ونوايا التصويت، حيث يتوقع أن يتقدم حزب الجبهة الوطنية على الحزب الاشتراكي الموجود في السلطة اليوم وعلى حزب اليمين اتحاد الأغلبية الرئاسية اليميني السابق برئاسة نيكولا ساركوزي . فقبل خمس سنوات لم تفلح الجبهة الوطنية سوى في إيصال ثلاثة نواب للبرلمان الأوروبي بينما يتوقعون اليوم الفوز بما لا يقل عن عشرين مقعداً نيابياً أوروبياً. والهدف المعلن للجبهة الوطنية حسب تصريحات رئيستها ماري لوبين، ليس خدمة البناء الأوروبي بل على العكس. فالاستراتيجية المخطط لها هي تشكيل كتلة برلمانية كبيرة من جميع الأحزاب اليمينية المتطرفة الأوروبية الشعبوية داخل البرلمان هي من أجل شل عمل البرلمان من الداخل وتعطيله ومنع التصويت على مشاريع القوانين المقدمة إليه أو المقترحة من داخله من خلال الطرق القانونية والشرعية التي تتيحها لهم الديموقراطية الأوروبية . وتلتقي الأحزاب اليمينية الأوروبية المتطرفة حول موضوعين هما تفكيك الاتحاد الأوروبي والعودة لسيادة الدول ، وموضوع المهاجرين وغلق الحدود المفتوحة حالياً بين الدول الأوروبي مما يساعد على تسلل المهاجرين غير الشرعيين الذي يرهقون اقتصاديات دول أوروبا حسب زعمهم. كل الأحزاب اليمينة المتطرفة ذات نزعة عنصرية ضد العرب والمسلمين والمهاجرين الأجانب لكنهم يختلفون في عدائيتهم للسامية ، فمنهم من هو معادي شرس للسامية مثل الجبة الوطنية ومنهم من لا يجرأ في الإعلان عن معاداته للسامية ، وآخرون ينددون بمثل هذا الموقف كحزب الشعب اليميني الدانماركي وحزب فنلندا الحقيقية اليميني المتطرف وحزب أقصى اليمين البريطاني UKIP بزعامة نيغل فاراج، وهم يتحسسون من مواقف الجبهة الوطنية الفرنسية المعادية للسامية بصراحة لأن ذلك يسبب لهم الإحراج بين مناصريهم . وينتظر أن يضم البرلمان الأوروبي أكبر عدد من نواب اليمين المتطرف الأوروبي منذ سنة 1979. ويبدو إن فلول البعث البائد في العراق يستلهمون الدرس ويخططون للتسلل إلى داخل البرلمان العراقي لتدميره ونسفه من الداخل وشل عمله وإفقاده لمصداقيته فعلينا أن نحذر وننتبه لهذه الثغرة الديموقراطية المميتة.

الانتخابات التشريعية الأوروبية وحظوظ اليسار الأوربي فيها

تحدثنا في عمود سابق عن طموحات اليمين المتطرف الأوروبي للاستحواذ على غالبية المقاعد النيابية الأوروبية وتشكيل أكبر كتلة برلمانية من أقصى اليمين الأوروبي، في الانتخابات النيابية الأوروبية القادمة، بغية نسف البرلمان الأوروبي من الداخل أو على الأقل عرقلة عمله ومنع التصويت على القوانين والمشاريع التي تقدم إليه للتصويت عليها. ولكن ماذا عن اليسار الأوروبي؟ هل لديه حظوظ في الفوز؟ وهل يمكن أن تمثل له هذه الانتخابات فرصة لفرض رؤيته الأوروبية لمجتمع أوروبي عادل ومتماسك ومزدهر؟
تتمنى الأحزاب اليسارية الأوروبية أن يكون لها صوت مسموع داخل البرلمان الأوروبي القادم وتثوير الممارسات السياسية داخل المجتمعات الأوروبية التي تتسم عموماً بالنزعة المحافظة اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً. فالناخب الأوروبي يفضل الانتخابات المحلية والبلدية والوطنية ولا يتحمس للاقتراع الأوروبي لعدم إحساسه بفعالية الانتماء الأوروبي بسبب ضعف البناء الأوروبي وتشرذم الأداء الأوروبي خاصة من الناحية السياسية والعسكرية والاقتصادية تجاه الملفات الأوروبية والدولية. فهناك أزمة ثقة لدى المواطن الأوروبي بمؤسساته الأوروبية وعلى رأسها البرلمان الأوروبي. فالأزمة الديموقراطية وانعدام الثقة بين القواعد الشعبية والفعاليات السياسية المختلفة، تعتبر قضية جادة يجب على الزعماء السياسيين أن يأخذوها على محمل الجد، لأنها تعكس تنامي وتفاقم الهوة بين الناخب والمرشح مما يقود إلى شيوع الخطاب الشعبوي والديماغوجي، إذ أن الديموقراطيات الأوروبية باتت ملغومة بمستوى متعاظم، ويتزايد يوماً بعد يوم، من اللاعدالة الاجتماعية، وسوء عمل آليات السلطة، وتردي مستوى الخدمات العامة، الاجتماعية والصحية وغيرها. لذا يتعين على قوى التغيير السياسية أن تجعل هذه المسألة في صلب برامجها وعلى رأس خطابها السياسي وإعطاءها معناً ملموساً على صعيد التطبيق الميداني والسلوك الواقعي المتمثل بالاحتكاك اليومي بالمواطن وتلمس معاناته وتفهم احتياجاته ومخاوفه وتقديم الإجابات التي ينتظرها المواطن الأوروبي عن كافة المساءل الحساسة وعلى رأسها البطالة والمهاجرين والتأمين الصحي والتنمية الاقتصادية، وعدم ترك الساحة مكشوفة ليتسلل من خلالها اليمين المتطرف الذي يجيد أساليب الخطاب الشعبوي ويسعى لتعبئة الأذهان بالحلول الديماغوجية وغير الواقعية التي تدغدغ مشاعر البسطاء من الناس . إن جماهير العامة ،خاصة الطبقات والفئات الشعبية والفقيرة، ترفض الأنظمة السياسية الفوقية التي يمارسها اليمين الأوروبي، والتي تنحاز لصالح أصحاب رؤوس الأموال والمؤسسات المالية العالمية التي باتت ترهق كاهل المواطن الأوروبي في أبسط احتياجاته اليومية من خلال التضخم وارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية. على اليسار الأوروبي أن يقتنص فرصة الانتخابات التشريعية الأوروبية ليفتح نقاشاً حقيقياً مع المواطنين بشأن الإصلاح المؤسساتي والدستوري وفتح قنوات التواصل والاستماع لأصوات ومطالب الناخبين الراغبين في التغيير الحقيقي محلياً وأوروبياً. فالصيغة القديمة المبنية على تعاطي الأحزاب السياسية مع الجمهور لإقناعه بصحة وصلاحية أطروحاتها، لم تعد مقبولة أو ناجعة. المهمة العاجلة أمام اليسار الأوروبي هي أن يعيد للمواطن الأوروبي الرغبة في العمل السياسي والتفاعل مع العناوين السياسية التي تحترم رغباته ومقترحاته لكي يكون جزءاً منها ويشعر بأهميته الشخصية وبإسهامه الفردي وفائدته في سياق المساهمة الجماعية. فالانتخابات التشريعية الأوروبية في 25 آيار القادم، هي أولاً وسيلة لاختيار نواب أوروبيين لبرلمان أوروبي له دور مهم في سير الحياة الأوروبية المشتركة. فبإمكانه أن يعيق أو يمنع تمرير قرارات المجلس الأوروبي، الذي هو بمثابة الحكومة أو السلطة التنفيذية الأوروبية، إذا شعر النواب أن هذا التوجه من قبل المجلس يتنافى مع مصالح المواطن الأوروبي. ولا ننسى أن البرلمان الأوروبي هو الذي يقوم باختيار وتعيين رئيس المجلس الأوروبي. كما ستكون الانتخابات الأوروبية مناسبة لكي يدلي المواطن الأوروبي برأيه ويقول كلمته بشأن السياسيات الأوروبية، خاصة في المجال الاقتصادي، حيث ينوي اليمين الأوروبي فرض سياسات تقشفية على مواطني الاتحاد الأوروبي بالرغم مما سيترتب على مثل هذه السياسة من تبعات وإنعكاسات دراماتيكية أو مأساوية على حياة المواطنين لاسيما من ذوي الدخل المتواضع. فعلى اليسار الأوروبي أن يقدم برنامج يساري لأوروبا التقدمية، وأن يعارض سياسة التقشف وهيمنة ألأوساط المالية، ويدعو لسياسة التضامن والتكامل الأوروبي، وتحويل المجال الأوروبي إلى ساحة للتعاون السياسي والاقتصادي العادل والمتكافيء، ويكافح النعرات الوطنية الانعزالية والشوفينية خاصة تلك التي تدعو للخروج من منطقة اليورو والعودة للعملات المحلية والتخلي عن عملة اليورو، لأن من شأن ذلك الدخول في كوارث وتعقيدات لا حصر لها. كما يجب أن يتضمن برنامج اليسار الأوروبي الانتخابي الدعوة إلى أوروبا قوية ومتكافلة وموحدة في المفاوضات الدولية لخلق الثقل الموازي للهيمنة الأمريكية اقتصادياً وسياسياً ومالياً، أي إيجاد القطب الأوروبي المنافس والكفء للنزعة الأحادية القطبية التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على العالم، مما يعني إعادة تأسيس الكيان الأوروبي على أسس جديدة يسارية وتقدمية.

كييف وموسكو بين استحقاقات التاريخ والواقع الجيوستراتيجي

بدت كييف العاصمة ألأوكرانية الخائفة عازمة على استرداد شرق البلاد ذو الأغلبية الناطقة بالروسية والراغب في الانفصال عن الأم الأوكرانية، بعد أن شنت هجوماً عسكرياً ضد الانفصاليين الروس واختارت طريق التصعيد والتحدي للعملاق الروسي الجار بالرغم من مخاوف اندلاع حرب أهلية أوكرانية سوف تأتي على الأخضر واليابس في هذه البلاد الخارجة حديثاً من الطوق السوفيتي الحديدي. وكان أشد الاشتباكات والمواجهات دموية قد وقعت في مدينة سلافيانسك قتل فيها أكثر من خمسة من المتمردين الانفصاليين وعشرات الجرحى، وسرعان ما انسحبت الآليات المدرعة والدبابات الأوكرانية من مسرح الاشتباكات خوفاً من تعرضها لنيران نظيرتها الروسية المتمركز بالقرب من الحدود الأوكرانية الروسية، بعد أن استبد الغضب بروسيا ووجهت إنذارا خفيا من وراء الكواليس لحكومة كييف. ولقد تسلحت أوكرانيا بقرار الاتحاد الأوروبي الذي أيدها في حقها بالدفاع عن سيادتها ووحدة أراضيها ، في حين اعتبر الروس أن هذه العمل العسكري ضد السكان المدنيين الروس هو بمثابة جريمة خطيرة وذات عواقب وخيمة، وأوعز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى قواته بالقيام بمناورات عسكرية بالقرب من الحدود الفاصلة بين الشقيقين اللدودين.
لقد انغمس الشرق الأوكراني في الفوضى والمجهول والخوف من شبح غزو روسي مفاجيء، وكرر الرئيس الروسي بوتين تحذيره مطالباً بأوكرانيا محايدة وفيدرالية، هذا باللغة الدبلوماسية ، ولكن المقصود بذلك فعلاً ، كما يفسر الغرب أقوال الزعيم الروسي، المطلوب أن تكون أوكرانيا دولة ضعيفة ورخوة أو هشة قابلة للاختراق وخاضعة دوماً لضغوط وإملاءات موسكو ومن الممكن اعادتها في يوم ما للحضن الروسي. من الناحية الجيوستراتيجية والجيو سياسية من الخطأ إرسال الدبابات والمدرعات الروسية لاحتلال الشرق الأوكراني. فلقد كانت كلفة ضم شبه جزيرة القرم عالية حيث وضع الاقتصاد الروسي الهش أمام امتحان مواصلة النمو بسبب ردة الفعل الدولية المناوئة للمبادرة الروسية بضم القرم وفرض عقوبات اقتصادية ومالية مهمة على موسكو وإيقاظ حلف الناتو والاتحاد الأوروبي من سباتهما الاستراتيجي وشحذ المنافسة ضد المنتوج المدني الوحيد الذي تنتجه وتصدره روسيا ويوفر لها العملات الصعبة ألا وهو الغاز الطبيعي، كما أثار سلوك موسكو حفيظة وخشية أوروبا الشرقية التي تخلصت قبل بضعة عقود من هيمنة الغول السوفيتي كما يسمونه. لكن بوتين لا يأبه لمثل ردود الأفعال هذه، ويعتقد أنه يستطيع أن يضع هذه الدول المجاورة في قبضة يده، ووجه تهديداً مبطناً لبولونيا حاملة راية التمرد على روسيا، واحتل إقليمين في جيورجيا وشن حرباً إلكترونية ضد إستونيا وبدا مستحكماً بحاجة الكثير من دول أوروبا الشرقية والغربية للغاز الروسي، وحاثاً الأقليات الناطقة بالروسية في دول الاتحاد السوفيتي السابق على التمرد والمطالبة بالانفصال أو الحكم الذاتي. ولقد تعاظمت شعبية بوتين بعد رفعه شعار الوطنية الروسية أولاً مما قد يخلق في نفسه بعض من جنون العظمة ويدفعه لتصرفات يخال أنها قدر عليه تحقيقه لاستعادة مجد روسيا التليد الذي ضاع بعد انهيار الاتحاد السوفياتي .
فعلى كييف أن تعرف حجمها الحقيقي ولا تقع في أحابيل المناورات والمخططات الغربية الدنيئة والماكرة والسيئة الصيت لأنها هي التي ستدفع الثمن لوحدها وتدمر نفسها وشعبها . وعلى موسكو أن تعرف حدودها لأن الذهاب إلى أبعد ما هو مسموح به دولياً يعني حرباً عالمية ثالثة لا محالة لن تكون قادرة على كسبها حتماً، سيما وأن العالم يحكمه اليوم مجموعة من المجانين الذين لم يتعلموا من دروس التاريخ شيئاً يذكر.



العربية السعودية والمعضلة الإيرانية في صراع النفوذ الإقليمي

منذ ثلاثة عقود تقريباً بدأ نجم المملكة العربية السعودية يتصاعد كلاعب إقليمي مهم خاصة في منطقة الشرق الأوسط بالرغم من وجود أقطاب إقليمية منافسة أقوى منه عسكرياً وبشرياً لكنها أضعف منه مالياً وهي إيران وتركيا والعراق ومصر وإسرائيل، ومع مرور الوقت وتفاقم التحديات والمشاكل الداخلية، خرجت من حلبة التنافس قوى كانت ذات شأن فيما مضى مثل مصر والعراق، بينما ازداد نفوذ دول أخرى بالرغم من مواجهتها لنفس التحديات والمشاكل الداخلية كإيران التي خاضت حرباً إستنزافية فرضت عليها ، دامت ثماني سنوات مع العراق بدعم وتمويل من السعودية ودول الخليج بغية إضعاف واستنزاف إيران كهدف منشود ومرسوم إقليمياً ودولياً وبدفع وتخطيط من الولايات المتحدة الأمريكية. لم تعلن إسرائيل أبداً أنها خصماً أو طرفاً منافساً للمملكة العربية السعودية، ولم تفعل تركيا الشيء ذاته لأسباب اقتصادية ومذهبية خاصة بعد وصول حزب العدالة والتنمية الإسلاموي للسلطة. لم يبق أمام السعودية سوى منافس واحد على النفوذ الشرق أوسطي ألا وهو إيران. ففي زمن الشاه لم تتجرأ المملكة العربية السعودية على تحدي إيران الحليفة الأقوى في المنطقة للولايات المتحدة الأمريكية بل كان هناك تفاهم وتنسيق وتبادل أدوار متفق عليه سلفاً كما رأينا في القضية العمانية ودحر ثورة ظفار هناك بفضل التدخل العسكري الإيراني المباشر. بيد أن الأمر اختلف جذرياً منذ الثورة الإيرانية الخمينية سنة 1979 وطموح إيران للتأثير في مجريات الأمور في المنطقة من خلال ما سمي بمبدأ تصدير الثورة حيث جندت العربية السعودية كافة إمكانياتها لمنع حدوثه.
تمكنت إيران من إعادة بناء قوتها الذاتية العسكرية والاقتصادية لتبرز مرة أخرى كلاعب إقليمي مهم وفاعل ومؤثر مما أثار حفيظة وخشية السعودية التي قررت محاربة إيران بالوكالة من خلال تحريك أتباعها من القوى الإسلاموية السلفية التكفيرية التي تسمى اليوم القوى الجهادية، واللجوء إلى أسلوب الإرهاب وحرب العصابات كما نرى اليوم من جانب تنظيم القاعدة الإرهابي الدولي وامتداداته المتمثلة بجبهة النصرة وداعش وطالبان وبوكو حرام وغيرها من التنظيمات والتسميات المختلفة، في حين امتد التأثير الإيراني في المناطق ذات الأغلبية الشيعية، أو فيها أقليات شيعية كأفغانستان وباكستان ولبنان والعراق والبحرين، وكذلك في سوريا رغم أقلية الشيعة الإثناعشرية فيها، في محاولة لخلق محور طهران بغداد دمشق بيروت المنامة ، والذي أطلق عليه الرئيس المصري السابق حسني مبارك تسمية الهلال الشيعي. من هنا يمكننا القول ، وننحن نتتبع خيوط الأزمات الشرق أوسطية الدائمة في قراءتنا الميدانية والسياسية والجيوستراتيجية للمنطقة ، أن هناك حتماً نقاط توتر أو مجابهة وتصادم على نحو أو آخر بين إيران والمملكة العربية السعودية . و يأخذ هذا الصراع الطابع المذهبي والطائفي حيث تدعي السعودية أنها تدافع عن مصالح السنة في المنطقة وتدعي إيران أنها تحمي الشيعة، وبالتالي فإن نقاط الالتقاء والتفاهم والتنسيق باتت شبه مستحيلة. وبالرغم من ذلك هناك لدى الطرفين، لا سيما إيران، نزعة براغماتية ذرائعية وواقعية تدعوها للنظر في مصالحها الحيوية والجوهرية أولاً وإبداء الاستعداد للتحاور والتقارب ولو بحذر حتى مع أخطر الخصوم كالولايات المتحدة الأمريكية، فما بالك مع بلد إسلامي جار مثل السعودية؟
يبدو أن المملكة العربية السعودية واعية أيضاً لأهمية مثل هذا التقارب والتفاهم لو أمكن تحقيقه مع إيران وعلى ضوء ذلك يمكننا قراءة الدعوة التي أرسلها وزير خارجية العربية السعودية الأمير سعود الفيصل لنظيره الإيراني محمد جواد ظريفي للالتقاء ، مما لفت أنظار كافة مراكز القرار الدولية وجميع المراقبين والمحللين السياسيين، خاصة بعد انقلاب السعودية على حلفاء الأمس الإخوان المسلمين ودعمها للنظام المصري الحالي بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي، لأن من شأن ذلك إعادة رسم الخارطة السياسية للمنطقة برمتها. لقد أعرب الطرفان علناً عن رغبتهما في التفاوض والتباحث في كافة الملفات الحساسة ، فهل حصل ذلك بالضد من توجه الولايات المتحدة أم بتحريض منها بعد توصلها لاتفاق مبدئي بشأن الملف النووي مع إيران؟ مهما يكن الأمر، هناك رغبة معلنة لحل المشاكل الإقليمية ورسم نهج جديد للعلاقات الثنائية بين البلدين كما يبدو ظاهرياً. فماهي الحلول لأزمة البحرين ولسلاح حزب الله في لبنان ولصراعات القوى الطائفية في العراق ومستقبل النظام السوري وغيرها من الملفات العسيرة والحساسة؟ لقد ذهبت إيران بعيداً في دعم وتسليح حزب الله فيما تبنت السعودية دعم عائلة الحريري وجماعة 14 آذار ، وفي العراق دعمت إيران النظام القائم منذ سقوط صدام حسين سنة 2003 بينما لجأت السعودية إلى دعم وتمويل وتسليح الجماعات التكفيرية والإرهابية المسلحة في العراق وبعض القوى السنية المشاركة في العملية السياسية إلى درجة دفعت رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي للإشارة إلى السعودية بالاسم الصريح واتهامها بتمويل الإرهابيين في العراق مما تسبب في توتر العلاقات أكثر بين البلدين إذ أعلنت المملكة أن المشكلة ليست بينها وبين العراق بل بينها وبين المالكي. وفي سوريا نجد أن الخلافات بين طهران والرياض هي الأكثر راديكالية وتطرفاً حيث يخوض البلدان هناك حرباً بالوكالة. فالسعودية تدعم وتسلح وتمول علنا الجماعات المسلحة والإرهابية بهدف إطاحة نظام بشار الأسد الذي تدعمه إيران بكل قوتها. ونفس الصراع موجود في البحرين واليمن ومناطق أخرى بين اللاعبين الإقليميين الأخطر في المنطقة وهما إيران والسعودية. إن الحرب غير المباشرة التي يخوضها البلدان تؤثر سلباً العالم الإسلامي برمته. وفي سياق حربها الدبلوماسية، حاولت العربية السعودية تحريض المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، بتوجيه ضربة عسكرية قاصمة لطهران تمولها هي بحجة منعها من امتلاك السلاح النووي، لكن الرئيس الأمريكي أوباما رفض الدخول في مثل هذه المغامرة العسكرية الوخيمة العواقب بالرغم من التحمس الإسرائيلي، مما أوجد حالة من الامتعاض السعودي من الولايات المتحدة الأمريكية، وإبداء خوفها من التقارب والتفاهم الأمريكي الإيراني الجاري حالياً. لقد نجحت إيران ليس فقط بإبعاد الضربة العسكرية عنها بل وعن سوريا أيضاً من خلال تلويحها بمهاجمة الرياض لو تجرأت أمريكا وحلفاؤها الغربيين على ضرب طهران أو دمشق، ، وذلك بدعم وتنسيق من موسكو بالطبع، في إطار الصراع الدولي القائم في العالم اليوم. وهكذا وجدت السعودية نفسها مرغمة على التحرك ولكن بخطوات تراجعية في الساحة الإقليمية بعد تلقيها تحذيرات أمريكية صريحة بهذا الصدد لمنعها من اللعب بالنار التي ستحرق الجميع بما فيهم المملكة العربية السعودية نفسها. ولذلك نلاحظ أن المملكة قامت بالتضحية برأس الحربة في سياسة المواجهة التي اتبعتها خلال السنوات العشرين الماضية ألا وهو الأمير بندر بن سلطان، وانتقاد قطر على سياستها الداعمة للإرهاب وللإخوان المسلمين، ومد اليد للتفاهم مع الجارة اللدودة إيران، خاصة بعد انتخاب الرئيس الإيراني المعتدل حسن روحاني. فهل ما يحصل مجرد تغيير تكتيكي مؤقت أم انقلاب جذري في نمط العلاقات السعودية الإيرانية؟


مطبات السياسة الخارجية الفرنسية أو الدبلوماسية العرجاء

تبدو السياسة الخارجية الفرنسية هذه الأيام وكأنها تعيش في مأزق ودبلوماسيتها تدخل في طريق مسدودة جرتها إليها الولاية السابقة للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي. فخلال فترة السنوات الخمس التي حكم فيها الرئيس اليميني ساركوزي حدث ما سمي في الأوساط الدبلوماسية الفرنسية " بالقضية الليبية" حيث تواجدت بعض الشخصيات الفرنسية ـ عناصر استخباراتية وعناصر عسكرية من القوات الخاصة الخ، في صلب الصراع الليبي ـ الليبي ـ وليست مصادفة أن تتواجد نفس العناصر السالفة الذكر في ساحة الميدان في كييف في أوكرانيا. مما يعني أن الحكومة الفرنسية تجاوزت كثيراً التفويض الممنوح لها من قبل الأمم المتحدة وما ترتب على مثل تلك السياسة، من زعزعة للاستقرار في جنوب الصحراء الأفريقية وتفاقم الأوضاع حالياً في أوكرانيا وغضب ، إن لم نقل حقد فلاديمير بوتين تجاه فرنسا.
فروسيا اللاعب الأساسي في الأزمة السورية لا يمكن أن تنسى الدور التخريبي لفرنسا التي صبت الزيت على لنار وأججت الموقف، بتبنيها لمعارضة مشتتة ومشبوهة في ممارساتها الإرهابية ، وقطعها للعلاقات الدبلوماسية مع دمشق وتغذية المتمردين المسلحين بالسلاح والدعم السياسي والسيكولوجي والمعنوي، متجاوزة تقليداً عريقاً في الدبلوماسية الفرنسية ، على النقيض من الولايات المتحدة الأمريكية ، ألا وهو الاعتراف بالدول وليس بالأنظمة والحركات والتجمعات السياسية ، لكنها انحازت هنا واتبعت نفس اختيارات وزارة الخارجية الأمريكية ، وبذلك سمحت باريس بتخطي حلف شمال الأطلسي لسياسة الاتحاد الأوروبي.
لا يحتاج الأمر إنتظار ما حدث في كييف لكي يلاحظ المراقب للأحداث شن فرنسا لحرب نفسية ـ سيكولوجية ـ حقيقية ضد روسيا، حيث قاطعت فرنسا الألعاب الأولمبية في سوتشي بذريعة معاقبة فلاديمير بوتين ، ولم يتوان المبعوثون الغربيون، وعلى رأسهم كارتين آشتون، في بث الفرقة والاضطراب وتقديم الوعود لحض المعارضين على التمرد، والتلويح لكييف، في حال تحديها لموسكو، بمنحها صفة الشريك المفضل مع الاتحاد الأوروبي وتقديم القروض والمساعدات الاقتصادية والمالية، لكنها كانت كلها وعوداً خاوية مقارنة بما تحتاجه أوكرانيا فعلياً وهي على حافة الإفلاس حيث لايمكن تعويض العرض الروسي والمساعدات الروسية التي تمنح لأوكرانيا خاصة في مجال تزويدها بالغاز والوقود بأسعار خاصة. كان بوتين قد تبنى سياسة ضبط النفس إزاء هذه التدخلات السافرة من جانب فرنسا والاتحاد الأوروبي وأمريكا في الشأن الأوكراني ـ الروسي لا سيما بعد حملتهم الإعلامية الشرسة واعتبارهم الاستفتاء في شبه جزيرة القرم غير شرعي وغير مقبول ومنافي للقانون الدولي وأنهم يعارضون تقسيم البلد، فهل نسي الغربيون ومعهم حلف الناتو، السابقة اليوغسلافية وتفتيتهم لذلك البلد حتى بدون أي تفويض دولي من الأمم المتحدة، ويتجرؤون اليوم على إعطاء الدروس في مجال القانون الدولي، والسيادة الوطنية؟ أين كانت الشرعية والسيادة والقانون الدولي عندما فصل الفرنسيون ومعهم الأوربيون والأمريكيون الكوسوفو عن صربيا وخططوا ونفذوا تقسيم وتشظي السودان؟ وفي عقر دارهم حدثت انفصالات سلمية مثل انفصال سلوفاكيا عن جمهورية التشيك، وتوقع إعلان سكوتلاندا انفصالها عن المملكة البريطانية وإعلان استقلال مقاطعة الكيبيك عن الدولة الكندية وانفصال إقليم الفلاندر البلجيكي عن بروكسيل ، دون أن تنبس المجموعة الغربية والاتحاد الأوروبي عن بنت شفة أو يبدر عنهما أي اهتمام. ألم تفصل فرنسا بنفسها منطقة المايوت عن جزر القمر؟ فعلى من يضحك الفرنسيون والأوربيون؟ ولماذا لم يأخذ الأوربيون وعلى رأسهم الفرنسيون مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها الذي لا يشهروه إلا عندما يخدم مصالحهم ويكونوا بحاجة إليه؟ فالقرم روسية في الأصل تاريخياً في منطقة لم تتوقف عن تغيير حدودها وفق مصالح القوى العظمى وتوازنات القوى فيما بينها. فالسياسة الغربية تنحو، منذ سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفيتي، إلى تطويق روسيا وتحقيق تقدم ممنهج لحلف شمال الأطلسي، من خلال بولونيا وغيرها من دول المنظومة الشرقية المنضوية تحت راية حلف وارشو سابقاً. إن انهيار الشيوعية لا يعني تخلي الروس عن بلدهم وأراضهم، حتى وإن كانت منهجية بوتين تصدم العقلية الغربية فهم المسؤولون عن إيقاظ الشعور القومي الروسي. الأمريكيون يعطون دروساً في الديموقراطية وحقوق الإنسان ويتناسون ما فعلوه في أفغانستان والعراق وغوانتانامو، ولا يجب أن ننسى تصريح مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة عندما قالت إن نشر الديموقراطية في العراق يستحق مقتل نصف مليون طفل. الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند ووزير خارجيته لوران فابيوس يهددان موسكو بالرد على سياستها الأوكرانية وضمها لشبه جزيرة القرم، وهما يعرفان جيداً أن الغرب برمته ساهم في تفكيك الانسجام الداخلي الروسي في أعقاب تفتت الكتلة السوفيتية ولم يساعدوا موسكو على إعادة بناء نفسها في حين أن مصلحة فرنسا تكمن في رؤية روسيا مرممة كقوة أوروبية يمكنها أن تقف إلى جانب الاتحاد الأوروبي في مواجهة الهيمنة الأمريكية ، لكننا نلمس عكس ذلك. فالحكومة الفرنسية الحالية تواصل نفس النهج الذي خطه ساركوزي ووزير خارجيته آلان جوبيه منذ بداية الاضطرابات في سوريا، على الرغم من إدعاء فرنسا أنها دولة قانون لكنها تقف دائما في صف المتمردين والخارجين عن القانون، الذين سرعان ما يخترقهم الجهاديون الإسلامويون من قادة الإرهاب الدولي كالقاعدة وداعش وجبهة النصرة، كما شخص ذلك رئيس الوزراء الفرنسي السابق دومنيك دوفيلبانت . فالاشتراكيون الفرنسيون لم يتحرروا بعد من إعراض وعقد السويس وسياسة الهيمنة على الشرق الأوسط ، ويعملون، ربما دون وعي منهم، على إعادة تأجيج فتيل الحرب الباردة. هناك شعور سائدة بعدم وجود سياسة خارجية فرنسية واضحة ومنطقية في الوقت الحاضر ، وأن هناك ابتعاد عن تقاليد دبلوماسية تتوافق مع أسس التاريخ الفرنسي والخصوصية الفرنسية التي وضع لبناتها الأولى الجنرال ديغول، مما يؤدي إلى أن تفقد فرنسا موقعها على الساحة الدولية كقوة عظمى وتغدو عاجزة عن التأثير في أي ملف دولي، وتختزل إلى مجرد تابع ومنفذ لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية وهذه هي الطامة الكبرى .

ذاكرة ملطخة بالدماء لشعب كامل

بدأ أسبوع من الحداد الرسمي في رواندا بمناسبة الذكرى العشرين على الإبادة الجماعية التي شهدتها البلاد وأودت بحياة نحو 800 ألف شخص عام 1994.
وقد خلفت الحرب الأهلية التي استمرت مدة مئة يوم مئات الآلاف من القتلى وملايين المشردين.
وبهذه المناسبة أنار الرئيس الرواندي بول كاغامي والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون شعلة للتذكير بالإبادة.
يمكننا القول أن حربا أخرى من نوع جديد بدأت في رواندا هي حرب الذاكرة الملطخة بالدم بين قبائل التوتسي والهوتو حيث جروح المجازر لم تلتئم بعد رغم مرور عقدين من الزمن. لقد حان وقت فتح الملفات ومحاسبة المسؤولين المحليين والإقليميين والدوليين الذين كان معظمهم شهود عيان صامتين، إن لم نقل متواطئين، أو مشاركين في هذه الجريمة النكراء التي اعتبرت أحد أهم المجازر البشرية في القرن العشرين وتستحق منا تسليط الضوء عليها اليوم . لم يتردد الرئيس الرواندي بول كاغامي من توجيه أصابع الاتهام إلى فرنسا متهما باريس بالمشاركة المباشرة أو غير المباشرة بتلك المذابح البشعة ضد الأبرياء المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ وكبار السن وكذلك الشباب. لقد أعلن الرئيس الرواندي إنهاء عملية التقارب الدبلوماسي التي قادها الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي وواصلها خلفه الاشتراكي فرانسوا هولاند ردا على اتهامات باريس له بانتهاك حقوق الانسان واغتيال المعارضين السياسيين والانحراف باتجاه الحكم الأوتوقراطي. ومن المفارقات أنه يتهم فرنسا التي تغض الأنظار وتتجاهل متعمدة خروقاته لحقوق الانسان لكن هذا لا يعفي فرنسا من المسؤولية الأخلاقية والقانونية في مأساة سنة 1994 فاتهامات الرئيس الرواندي لفرنسا مشروعة. فبعد عقدين من محاولة استئصال وإبادة التوتسيين أمام أنظار القوات الفرنسية التي ليس فقط لم تتدخل لإنقاذ آلاف المدنيين من الذبح البشع والتمثيل بجثثهم، فحسب بل هناك دلائل على تواطؤ غير معلن من قبل الفرنسيين للتستر على المجرمين من ميليشيات الهوتو التي ارتكبت تلك المذابح البشرية بحق التوتسيين وسلوك الجنود الفرنسيين اللاأخلاقي واللإانساني أثناء تواجدهم ميدانياً على أرض المأساة آنذاك. وكلنا يتذكر تقويمات لجنة التحقيق البرلمانية الفرنسية الشكلية سنة 1998التي أشارت إلى وجود :" أخطاء في التقدير" و :" بعض الخلل المؤسساتي " الذي أعاق عمل القوات الفرنسية فلم تعثر اللجنة سيئة الصيت على أية أدلة ملموسة تشير إلى تورط الجنود الفرنسيين في عمليات القتل، على حد زعمهم. إلا أن أبحاث المؤرخين والخبراء وشهود العيان الموثوق بشهاداتهم أثبت عكس تلك الادعاءات الفرنسية الواهية. فالحكومة الفرنسية كانت متحالفة مع النظام الرواندي السابق الموالي للهوتيين الذين ارتكبوا جرائم الإبادة الجماعية بحق التوتسيين وكانت فرنسا التي كان يحكمها الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران آنذاك تقوم بحماية مصالحها الحيوية في أفريقيا بأي ثمن كان حتى لو كان دماء المدنيين الأبرياء وحاولت منع الهجوم العسكري المضاد بقيادة الجنرال التوتسي بول كاغامي الرئيس الحالي لرواندا وكلنا يتذكر اجتماع العار في السفارة الفرنسية في كانغي بالمتطرفين من الهوتيين ممن ارتكب مجازر القتل والإبادة، وزيف الإدعاءات بحيادية فرنسا في الحرب الأهلية الرواندية كما كانوا يصفونها ، والحماية التي منحتها فرنسا لسنوات طويلة لمجرمي المذبحة بإعطائهم اللجوء على أراضيها. بات على فرنسا اليوم أن تواجه بشجاعة الحقائق المؤلمة وإضاءة صفحات التاريخ المظلم لسلوكها الاستعماري من فيشي إلى حرب الجزائر مرورا بحرب فيتنام وتحمل مسؤوليتها التاريخية فيما حدث فلا يمكن نسيان مثل هذه الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية والكيل بمكيالين في بلد يدعي احترام حقوق الإنسان حيث ما تزال فرنسا تسير في نفس الدرب الاستعماري اليوم في مالي ووسط أفريقيا عبر التدخل العسكري المتحيز وغير المنصف بنفس الحجج والذرائع الواهية.

سياسة لوي الأذرع في أوكرانيا بين روسيا والغرب

لا يشعر المواطن العادي في الدول المطحونة والفقيرة أو المهمشة عادة بثقل الأحداث الدولية وخطورة بعضها لانشغاله بتوفير قوت يومه بالرغم من إنتشار الأحداث في وسائل الإعلام والقنوات الفضائية وشبكات التواصل الاجتماعي، ومن بين هذه الأحداث الخطيرة التي تهز المسرح الدولي وتنبيء بمخاطر لايعلم مداها إلا الله، ما يجري في أوكرانيا وشبه جزيرة القرم اليوم، التي قد تكون منطلقا لحرب باردة جديدة بين روسيا من جهة والغرب الأوروبي والأمريكي من جهة أخرى، وقد تتحول في أية لحظة إلى حرب ساخنة تهدد بتدمير الأرض برمتها لا سمح الله. ما يزال العامل الدبلوماسي هو المسيطر على الحدث بعد استرجاع روسيا لشبه جزيرة القرم بالقوة من أوكرانيا التي انتفضت على رئيسها المنتخب شرعيا والموالي لروسيا وأطاحت به بحراك شعبي وانحازت للغرب بالضد من المصالح الحيوية لروسيا. تدور مباحثات مكثفة بين روسيا وأمريكا على خلفية إيجاد حل يرضي الجميع دون الحاجة للجوء إلى نظام العقوبات الدولية والعزلة والحصار الاقتصادي التي كانت متبعة في حقبة الحرب الباردة، إلا أن وزيري خارجية البلدين الأمريكي جون كيري والروسي سيرغي لافروف لم يتزحزحا عن مواقفهما ولم يقدما أية تنازلات. فروسيا تناور لفرض نوع من الفيدرالية القسرية على أوكرانيا فيما يخص شبه جزيرة القرم التي عادت لروسيا باستفتاء شعبي لم تعترف به المجموعة الدولية، بعبارة أخرى نوع من التقسيم المقنع لأوكرانيا مع وجود مخاطر نزعة إنفصالية أخرى في المناطق الشرقية لأوكرانيا ذات الأغلبية الناطقة بالروسية والتي تطالب بمثل ما حصل في شبه جزيرة القرم، وأمريكا تقاوم ذلك ومعها أوروبا الغربية.
تنوه روسيا لمن يريد أن يسمع أنها ستعمل وبكل الطرق الممكنة، بما فيها القوة، على فرض هيمنتها على التوجهات الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية لأوكرانيا ولن تسمح لهذه الأخيرة بالانضمام لحلف شمال الأطلسي الناتو مهما كلف الأمر، لأن أوكرانيا التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي، ما تزال بالنسبة لروسيا تمثل خاصرتها الرخوة الخطيرة وضمن منطقة نفوذها الاستراتيجي. الأمريكيون والأوروبيون يعرفون ذلك جيداً لكنهم يناورون بكل ما لديهم من وسائل لإعادة توزيع الأوراق وتغيير الخرائط والأنظمة وإثارة الملفات والمشاكل في كل مكان في إطار الصراع الدولي في لعبة الأمم وفرض سياسة القطب الواحد التي تقاومها مجموعة البريكس أي روسيا الصين والهند وجنوب أفريقيا ومعهم البرازيل وفنزويلا وإيران وغيرها من الدول. الغربيون يخشون المواجهة العسكرية ويريدون تحقيق مآربهم عن طريق المناورات والضغوط الدبلوماسية. لذلك يثير هذا الصراع المتأزم خوف دول أوروبا الشرقية التي كانت خاضعة للنفوذ السوفياتي وعلى رأسها بولونيا من عودت النفوذ الروسي للمنطقة كما يؤثر هذا الملف على الصراع الدموي الدائر حاليا في سوريا وهو انعكاس للصراع بين روسيا وأمريكا في المنطقة برمتها وكذلك له تأثير على الملف النووي الإيراني وعلى التنافس العنيف بين العربية السعودية وإيران وتبعات ذلك على المنطقة كلها كما نلاحظ ذلك بوضوح في العراق ولبنان وسوريا. والأخطر من ذلك هو إمكانية نشوب حرب جديدة سلاحها الغاز الروسي الذي تعتمد عليه أغلب دول الإتحاد الأوروبي إلى جانب أوكرانيا ذاتها، الذين ذاقوا طعمها بين 2006 و 2009 عندما مارست شركة غازبروم الروسية ضغوطها ولوحت باستخدم الغاز كسلاح في معركة النفوذ، وهاهي اليوم تلوح من جديد بنفس السلاح وتهدد بقطع إمدادات الغاز عن أوكرانيا ودول الاتحاد الأوروبي إذا ما تمادوا في مساعيهم لعزل روسيا وتطويقها.
هذه هي اللوحة القاتمة التي ترتسم على مسرح الصراعات الدولية والتي لا تشعر بها شعوب غارقة في مآسيها في العالم الثالث كما نلمس ذلك في دول أفريقيا والعالم العربي والكثير من دول أمريكيا اللاتينية التي لاتدرك مدى خطورة ما يجري في أوكرانيا اليوم لأنها تعيش حاليا ما يعتبر أسوء مرحلة تمر في تاريخها المعاصر على كل الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية .

لا شيء بالصدفة في عالم السياسية

لم يتوقع أحد أن يعتلي فرانسوا هولاند، السكرتير العام السابق للحزب الاشتراكي الفرنسي، منصة الرئاسة وينتخب رئيساً للجمهورية الفرنسية، بالرغم من كونه سياسي محترف وأحد أساطين وإفرازات السلطة السياسية. كان هناك كثيرون أكثر هيبة وأعلى منزلة منه في قمة الهرم الاشتراكي ينافسونه على هذا المنصب، ويسميهم الوسط السياسي بالفيلة، من بينهم ميشيل روكار وليونيل جوسبان سكرتير الحزب الاشتراكي العام السابق و المرشح الاشتراكي الأسبق الخائب للرئاسة ولوران فابيوس ومارتين أوبري ودومنيك شتراوس كان، رئيس صندوق النقد الدولي السابق الذي تآمر عليه نيكولا ساركوزي في ترتيب فضيحة جنسية له في أحد فنادق نيويورك لتسقيطه، وعشيقته المرشحة السابقة للرئاسة سيغولين رويال وغيرهم، فهو لم يكن معداً مسبقاً لكي يكون رئيساً للبلاد منذ أن وصل الحزب الاشتراكي لأول مرة لسدة الرئاسة سنة 1981 بشخص الرئيس الأسبق الراحل فرانسوا ميتران، فهو خبير بالمناورات السياسية من داخل كواليس السلطة وليس في الواجهة، لكن الخلل الذي أصاب الجمهورية الخامسة منذ تولي جاك شيراك الرئاسة وأعقبه المهووس بالسلطة نيكولا ساركوزي وتفشي الانقسامات بين مختلف أجنحة الحزب الاشتراكي، خلق الظروف المناسبة لبروز فرانسوا هولاند لواجهة المشهد السياسي. فالسلطة في فرنسا تتألف من واجهة علنية ظاهرياً أو ما يسمى بمظاهر السلطة الخارجية، ومن واقع ملموس مكون من ثلاث جوانب، فمن الناحية الدستورية تعتبر السلطة في الجمهورية الخامسة ممثلة أولا بالسلطة التنفيذية وعلى رأسها رئيس الدولة المنتخب بالاقتراع الشعبي العام من قبل الشعب، حسب وصفة النظام الرئاسي، وإلى جانبه الأغلبية البرلمانية المنتخبة أيضاً بالاقتراع الحر المباشر من قبل الشعب وهي السلطة التشريعية في البلاد وهناك بالطبع السلطة القضائية المفترض أن تكون مستقلة عن باقي السلطات. كانت هناك ثغرة في هذا النظام عندما كانت مدة الرئاسة محددة دستوريا بسبع سنوات قابلة للتجديد، والتي غالباً ما تقود إلى انتخاب سلة تشريعية غير موالية للرئيس المنتخب من المعسكر المنافس، أي أن يكون الرئيس يساري والحكومة يمينية أو العكس الرئيس يميني والحكومة يسارية، ولقد حصل هذا الأمر عدة مرات في عهدي فرانسوا ميتران وجاك شيراك، بسبب التفاوت الزمني بين مدة الرئاسة ومدة البرلمان وما ينجم عنه من حكومة ورئيس وزراء من معسكرين متخاصمين، حيث لا بد من التعايش السياسي وتقاسم الصلاحيات الدستورية والسياسات الداخلية والخارجية والدفاع بينهما. ولقد عالج الفرنسيون هذا الخلل الذي شل الدولة سنين طويلة، من خلال التعديل الدستوري الذي حدد مدة الرئاسة بخمس سنوات لتتوافق مع موعد الانتخابات البرلمانية أو التشريعية. وغالبا ما تكون الحكومة هي التي تقف وراء أغلب مشاريع القوانين التي يصوت عليها البرلمان الموالي لها وتقوم هي بتنفيذها. بيد أن فرانسوا هولاند لم يكن هو الرجل القوي داخل ماكنة الحزب الاشتراكي، بل كان يمثل دور الوسيط للموازنة بين مختلف الأجنحة والشخصيات القوية داخل الحزب الذي كان يشغل موقع سكرتيره العام. ولا ننسى سلطة الصحافة ووسائل الإعلام التي تسلط الضوء على كل هذه الخبايا والحقائق وتكشفها للرأي العام خاصة فيما يتعلق بأصحاب القرار الحقيقيين أي الخبراء والتكنوقراطيين الذين لا يكتفون بتقديم المشورة والرأي بل يتدخلون في صلب عملية اتخاذ القرارات، وكل حزب سياسي فرنسي يمتلك جيشاً من الخبراء والتكنوقراط الذين يبثهم في ثنايا الدولة وفي المراكز السيادية والحساسة التي تتطلب درجة عالية من الخبرة والاحتراف والتخصص لا سيما الأمور الاقتصادية والمالية والصناعية والتقنية، فالحزب هو مصدر تفريخ رجال السياسة ، ليس فقط من أعضاء الحزب والمناضلين العاديين المصفقين، بل الرؤوس المفكرة التي تمسك بماكنة أو جهاز الحزب، فشيراك كان يمسك بجهاز الحزب لذلك تفوق على منافسه إدوارد بالادور الذي لم يفهم سر اللعبة السياسية في ذلك الوقت في حين كان نيكولا ساركوزي أذكى منه وتعلم الدرس وسيطر على جهاز الحزب الديغولي قبل أن يفرض نفسه كمرشح للرئاسة ومن ثم الفوز بها ممثلا عن اليمين. وهذا هو ما رتب له فرانسوا هولاند على مدى أكثر من عقدين من الزمن عندما تبوأ منصب سكرتير عام الحزب الاشتراكي، وعمل على تحييد أفيال الحزب وإبعادهم عن طريقه بهدوء وعلى مر السنين لكي يكون المرشح الوحيد القادر على منافسة الرئيس اليميني السابق نيكولا ساركوزي، وهذا ما يسمح لنا بالقول أن فرانسوا هولاند لم يكن رئيساً بالمصادفة .


الانتخابات وماذا بعد؟

على الكرة الأرضية دون أن تجري فيه، هنا وهناك، انتخابات من نوع ما، سواء أكانت رئاسية أو تشريعية أو بلدية أو مناطقية، ناهيك عن عدد لا يحصى من الانتخابات من نوع آخر على لقب ملكات الجمال والانتخابات النقابية وغيرها.. فلعبة الانتخابات تعني في ذهن الكثيرين الاختيار من قبل الناخب ، ولكن ليس بالضرورة لمن هو أصلح وأنفع وأكثر استحقاقاً وكفاءة. هذا ما نراه هذه الأيام في حملتين انتخابيتين في جزئين مهمين من العالم، تركيا والهند.
لقد حقق رجب طيب آردوغان مؤخرا فوزا واضحاً في الانتخابات البلدية التي جرت في تركيا واعتبر ذلك مناسبة للتذكير بأن الأتراك اختاروه ومن حقه تصفية منافسيه وخصومه بالطرق التي يراها مناسبة وأن يحكم على نحو مطلق وبلا منازع أو رقيب. أيأن النصر الانتخابي كان بالنسبة له بمثابة فوز انتقامي كما صرح هو بنفسه أمام أنصاره وأعضاء حزبه حزب العدالة والتنمية الإخواني النهج والسلوك. لقد وعد رئيس الوزراء التركي أنصاره وتوعد خصومه بمطاردتهم حيثما يتواجدون وسوف يجعلهم يدفعون ثمن تحديهم له، إذ بنظره يعتبر ذلك الموقف بمثابة خيانة تستحق العقاب . وبالرغم من عمليات التزوير المتعمد من خلال قطع التيار الكهربائي أثناء عمليات الفرز وتعداد الأصوات، إلا أن النتيجة كان يمكن أن تأتي لا كما يريدها ويرغب بها آردوغان ، بل كما أدلى بها الناخبون في صناديق الاقتراع، بيد أن للقوة والسلطة شأن آخر، ومشيئة أخرى. فلقد ارتأت السلطة أن يفوز آردوغان مهما كانت النتائج التي تفرزها صناديق الاقتراع وبأي ثمن كان، وهذا ما حصل بالضبط، وسط أجواء من التوتر والتحدي الشعبي لسلطة آردوغان ونزوعه نحو الدكتاتورية والانفراد بالحكم، وفضائح الفساد التي تمس حزبه وأركان حكمه بمن فيهم أقرب المقربين إليه أي إبنه، ولكن عدوانية حملته الانتخابية ضد "الخونة والإرهابيين" ، كما أسماهم، والذين يمسون بالأمن الوطني ، قد أدت أوكلها وحشدت أنصاره لتأمين انتصاره بكل الطرق بما فيها اللاشرعية واللاقانونية. فبالرغم من فضائح دولة آردوغان الإخوانية، فهو ما يزال يواصل سياسة القمع والاضطهاد والاعتقال ضد معارضيه وإبعادهم عن المناصب الحساسة والمؤثرة لا سيما في سلكي الجيش والشرطة والقوى الأمنية والمخابراتية وكذلك داخل القضاء الذي يعتبره مناوئاً له. لقد استغل آردوغان الأطروحة الإسلاموية لتكريس قاعدته الشعبية وحالفه الحظ في تحقيق بعض المكاسب الاقتصادية والتنموية لكنه فشل في تحقيق سياسة خارجية متوازنة خاصة مع جيرانه العرب في سوريا والعراق وها هو يعلن العداء لمصر من خلال دعمه لحكم الإخوان هناك ومعارضته للمشير السيسي وترشحه للرئاسة في مصر ويتدخل بوقاحة في الشؤون الداخلية لهذه الدول. فهذه السياسة ستعرض تركيا للعزلة الدولية، والاتحاد الأوروبي ما يزال يرفض وبشدة انضمام تركيا بالرغم من الضغوط الأمريكية والأطلسية، والمؤشرات الاقتصادية المستقبلية لتركيا لا تبشر بخير، ومع ذلك فهو يعود لمغازلة إسرائيل ويتطلع لتبوأ سدة الرئاسة التركية حيث سيتم انتخاب الرئيس ولأول مرة عن طريق الاقتراع الشعبي المباشر، فالسلطان التركي الجديد يلعب لعبة صناديق الاقتراع الافتراضية ضد القانون والعدالة والقضاء ويناور بأتباعه ضد بقية الشعب التركي فهو يعتقد إنه وحزبه، حزب العدالة والتنمية، يمتلكون تركيا برمتها حيث حان الوقت لتصفية المعارضين والخصوم كما ورد على نحو صريح في برنامجه الانتخابي ضد أتباع غريمه فضل الله غولن الذي اتهمه آردوغان بقيادة حملة التشهير به وبحزبه وفي تسريب ملفات الفضائح التي كشفت عنها وسائل الإعلام التركية والعالمية، خاصة التسجيلات السرية التي تفضحه وهو يخطط للقيام بعمل عسكري ضد سوريا بحجة الرد على اعتداءات يقوم بها النظام السوري ضد بلده وهي في الواقع من تخطيط وتنفيذ القوات التركية ولكن من داخل سوريا ضد تركيا لتأمين الذريعة اللازمة لشن العدوان وضمان تأييد حلف شمال الأطلسي له.


ماذا تعني الانتخابات ، وماذا يريد الناخب منها؟

على الرغم من عراقة التجربة الديموقراطية في الهند، إلا أن الانتخابات التي تجري فيها ، تكون مناسبة للكثير من الصراعات والملابسات، وتغدو ذريعة للبحث عن نفس جديد قد يساعدها للخروج من مأزقها الدائم. فشبه القارة الهندية فسيفساء معقدة في تركيبتها السكانية واللغوية والدينية، وبؤرة للتغيرات والتقلبات الاجتماعية والطبقية التي تتفاعل على خلفية أية انتخابات تجري فيها، فبمناسبة الانتخابات التشريعية التي ستستمر لغاية 12 آيار ـ مايو القادم، وعلى خلفية انخفاض حاد في معدل النمو وصل إلى النصف تقريباً، يتعين على نيودلهي أن تتخطى الصعوبات والعراقيل التي تقف في طريق دينامكيتها التنموية ومواجهة السخط الجماهيري والشعبي الذي يغلي في داخلها. فالهند دولة غريبة في كل شيء ففيها مئات اللغات واللهجات المختلفة ومئات الأديان والطوائف والأعراق الاجتماعية المتنوعة مما يجعل من الصعب حكمها، وهذا هو التحدي الذي يواجهه حزب المؤتمر الهندي اليوم الموجود في السلطة منذ عقد من الزمن. فهناك ما يربو على 814 مليون ناخب هندي سيدلون بأصواتهم في الانتخابات التشريعية التي تستمر من 7 نيسان لغاية 12 آيار وعلى مدى خمسة أسابيع، ومن بين هؤلاء الناخبين ما يقارب المائة مليون ناخب شاب سيصوتون لأول مرة ، ولديهم مطالب صعبة التحقيق. وهناك جيل جديد من القادة الشبان اللذين يأملون بأخذ فرصهم للقيادة والوصول إلى منصب رئاسة الوزراء. فحزب المؤتمر الهندي، وهو الحزب لتاريخي الذي ناضل للحصول على استقلال الهند، والذي عاد للسلطة سنة 2004 برئاسة مانموهان سينغ، يعاني اليوم من فقدان المصداقية، إذ استهلكته السلطة وتفشى في زمنه الفساد والتباطؤ الاقتصادي وارتفاع نسبة البطالة بين السكان والتضخم وغلاء المعيشة، وهو غير واثق من فوزه هذه المرة، وغير متفاءل بتحقيق الأغلبية البرلمانية لذلك فإن أغلب قادته يائسون ويتوقعون هزيمة انتخابية كبيرة. فزعيمه الشاب، ذو الــ 43 عاماً، راهول غاندي، وهو إبن حفيد رئيس وزراء الهند المستقلة حديثاً جواهر لال نهرو، يحتاج لمعجزة ليحقق نصراً لحزب المترهل ، وهو يخوض معركته الانتخابية متسلحاً بإرثه العائلي وإسم غاندي الذي يحمله ووعوده بالتغيير، ضد منافسه الشرس حزب الشعب الهندي القومي بقيادة نارندرا مودي ، ولكن لا شيء مستحيل في بلد العجائب والغرائب، الهند المترامية الأطراف.
لاينبغي أن ننسى أن الهند المعاصرة تعاني من تحولات اجتماعية عميقة فنصف سكانها من الشباب الذين لم تتجاوز أعمارهم الخامسة والعشرين بعد. حيث إن الحكومة الهندية الحالية عاجزة عن توفير فرص عمل ملائمة وكافية لما لا يقل عن 12 مليون شاب في أوج مرحلة الإنتاج والعطاء ممن يريدون دخول سوق العمل في كل سنة. هنالك عنصر جديد دخل على خط المطالب الاجتماعية في أعقاب تظاهرات ديسمبر 2012 إثر إغتصاب وقتل فتاة طالبة شابة مما فجر غضبا اجتماعياً عارماً، وغير المعادلة حيث لم تعد النساء مجرد أقلية صامتة، بل تشكلت جمعيات نسائية صاغت مطاليبها وقدمتها للأحزاب المتنافسة على السلطة لإجبارها على اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المرأة والالتزام بها. وهناك مطالب بتوفير دخل الحد الأدنى ودعم أسعار المواد الغذائية حكومياً وتحديد الأسعار والحد من موجة الغلاء والدعوة إلى الشفافية واللامركزية وغيرها من المطالب التي يتعين على المرشحين أخذها بعين الاعتبار. . ويبقى السؤال المركزي مطروحاً على المرشحين:" كيف يمكنهم إطلاق النمو الاقتصادي للبلاد؟ وهل يمكن التخلص من صيغة حكم الإئتلافات والتحالفات بسبب عدم توفر الأغلبية السياسية الكافية للحكم مما يعني تقديم التنازلات والتوافقات السياسية بغية إرضاء الأطراف المتحالفة في هرم السلطة حتى لو كان ذلك على حساب الشعب واحتياجاته؟ وهل يمكننا نحن أن نتعلم من هذه التجارب ؟



#جواد_بشارة (هاشتاغ)       Bashara_Jawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلة في أعماق الكون المرئي من المنبع إلى المصب
- مقابلة مع د. إسماعيل قمندار
- الحياة ظاهرة كونية وليست أرضية فقط ؟
- الشرق الأوسط في إعصار لعبة الأمم
- حكايات الكوانتا الغرائبية
- الموجود والمفقود في الكون المرئي
- التشققات الكونية
- مفردات الكون المرئي الجوهرية: الصدفة أم الضرورة، الشواش والع ...
- التشيع والدولة: رجال الدين أمام اختبار الحداثة
- دردشة في باريس بين جواد بشارة و الباحث الفرنسي المتخصص بالإس ...
- المليشيات المتشددة في سوريا: الدروس العراقية والليبية
- قراءة في الجذور التاريخية للانقسام الشيعي السني في الإسلام ر ...
- المحطات الخفية في رحلة الكون المرئي
- الجولة ما قبل الأخيرة لمباراة العلم ضد الدين:
- حرب المخابرات سترسم ملامح الشرق الأوسط الجديد
- لبشر وكائنات السماء الأخرى في الكون المرئي : معضلة الاعتراف ...
- مهمة التلسكوب الفضائي بلانك تلقي ضوءاً جديداً على صيرورة الو ...
- برهان شاوي بعيون باريسية
- رؤية بانورامية موجزة لتطور النظريات الكونية من بداية القرن ا ...
- صيرورة الكون المرئي وماهيته من الأصل إلى الكل الحي


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بشارة - ومضات من وراء الحدود