أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رائد الحواري - عشتار ومأساة تموز















المزيد.....

عشتار ومأساة تموز


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 4469 - 2014 / 5 / 31 - 15:58
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


عشتار ومأساة تموز
فاضل عبد الواحد علي
الكتاب من اصدر دار الشؤون الثقافية، بغداد طبعة ثانية عام 1986، يطرح العديد من القضايا المتعلقة بعقيدة الإله تموز والربة عشتار، وبما أن المؤلف أستاذ في علم السومريات ويمتلك معرفة جيدة بعلم الأشوريات، فقد قدم لنا خلاصة علمه في هذا الكتاب، وقد وضعه بطريقة الأستاذ الذي يهتم بطلابه، فكان لا يتناول موضوعا إلا بعد أن يعطه حقه إن كان من خلال تناوله من كافة جوانبه، أم بتحليل الأطروحات والأفكار التي تناولها المفكرين الآخرين، كما أن الكتاب يضم مجموعة من اللوحات والرسومات التي توضح العديد من الأفكار والمعتقدات التي تتعلق بفكرة الملحمة السومرية "عشتار ومأساة تموز" وهناك نصوص مسمارية ترجمها لنا الكاتب لكي يسهل علينا فهم الفكرة التي يرد، وأيضا لإعطائنا المعرفة الأزمة بطبيعة الأسلوب الأدبي الذي استخدمته الحضارات في بلاد الرافدين فما يتعلق بالفكر الديني عندهم، وهذه الترجمة للنصوص المسمارية، جعلت عملية المقارنة بين الفكرة الدينية العراقية المتعلقة بالندب من جهة، والفكرة التوراتية والمسيحية والإسلامية أسهل في فهم الأمور التي تتلاقى بها جميع هذه الأديان مع المعتقد ألرافدي "مـأساة تموز".

إلهة الخصب
في هذا الفصل يتناول الكاتب الفكرة الرافدية عن الخصب، وكيف أنها في الأصل كانت تتناول فكرة الإلهة الأم، التي تتماثل بعطائها مع طبيعة الأم البشرية المعطاءة، وقد اختار اسم "عشتار" بدلا من اسم "انانا" لشهرة الاسم الأول على الثاني، وأيضا لانتشار ـ عشتار ـ في العديد من المناطق المجاورة للعراق.
"ثدياك، سيدتي، حقل معطاء
ثدياك، انانا، حقل معطاء
حقل واسع واسع "يفيض" بالزرع
حقل واسع "يفيض" بالحب
وبالماء الذي يتدفق ـ للمولى ـ من العلى
وبالخبز الخبز من العلى
فاسكبي لي، للمولى، لأشرب منه" ص23، لقد تم إعطاء الإلهة "انانا / عشتار" صفات إنسانية وصفات طبيعية، مما يشير إلى أن الفكرة الرافدية عن الآلهة كانت تجسد بصورة الإنسان، وكانت تعطى في بعض جوانبها الطبيعة الإنسانية. وتم تجسيد الإلهة "عشتار" بجوانب من طبيعة العراق، وجوانب من طبيعة المرأة ـ
وإذا تمعنا في النص السابق نجد بأننا أمام شكل من الابتهالات الدينية، التي تذكر الصفات الخيرة في الإلهة، والقدرات الخارقة لها، وأيضا هناك دعاء واستجداء الاستدامة هذا الخير الذي تغدقه "انانا / عشتار" على المبتهل.
شكل هذه الإلهة يتمثل في نجمة في السماء، وهي تمثل الثالوث السماوي الذي عبده سكان الهلال الخصيب والعرب في الجزيرة العربية، فكان هناك بالإضافة إلى عشتار الإله "سن" القمر، والإله "شمش" الشمس، وهذه الآلهة سماوية، لكن العبادة في بلاد الرافدين لم تقتصر عليها فقط، بل كان هناك مجموعة من الآلهة الأرضية لها صفات تتوافق ـ أحيانا ـ وتتباين مع الآلهة السماوية، فكان هناك الإله "تموزي" والإله "انكي" والإلهة "ارشكيجال" ربة العالم السفلي، هذا بالإضافة إلى العيد من الآلهة الأخرى إن كانت سماوية أم أرضية.
معنى كلمة "عشتار" تعني " الإلهة بصورة عامة وتعني أيضا المعبودة الشخصية أو تمثالها والتي كان يتخذ منها الفرد قديما وسيلة بينه وبين الآلهة الأخرى، واشتق من الاسم الصفة lshtaretu بمعنى "المقدسة" التي أصبحت أحد نعوت الإلهة عشتار" ص22و23، هذا التوضيح المبسط والكامل حول عشتار يجعل المتلقي يأخذ العديد من المعلومات التي تتعلق بعشتار، ويستطيع أن يستوعب العديد من الأفكار التي تتعلق بها، وهذا إحدى ميزات الكاتب الذي يعتمد تناول المواضيع من كافة جوانبها وليس القفز ـ إن كان تهربا أم قناعة بان المتلقي على دراية وعلم وافي ـ، وتم رسم صورتها على شكل قصبتين فيهما انحناءة في الأعلى، وأحيانا أخرى بصورة نجمة ثمانية. حتى أن الكتابة المسمارية استخدمت النجمة الثمانية كتعبير عن كلمة إله أو إلهة، وقد تم تصويرها بصورة
"المفعمة بالحيوية والسحر والرغبة
حلوة الشفتين وفي فمها يكمن سر الحياة
يا من بظهورها يكتمل السرور
قوامها جميل وعيناها مشرقتان
ومن نظراتها تنبعث الفرحة والعظمة والطمأنينة
عسى أن تمنحك انانا زوجة دافئة
الأطراف تضطجع لك
وعسى أن تمنحك أولاد أقوياء السواعد
وان تجد لك منزلا سعيدا" ص45و46و47، على هذه الصورة كانت الربة عشتار، وكأن المجتمع العراقي القديم كان يجعل منها رمزا لكل امرأة جملية، تأخذ هيئنها المثل الأعلى للجمال، وأيضا نجد في الوصف السابق ما هو مادي يشاهد بالعين المجردة، مثل الجمال، وما هو نفسي، يترك أثرا في النفس، ونجد في النص السابق بأنها من يجمع الرجل والمرأة على فراش الزوجية وهي من تجعل البيوت سعيدة وعامرة بالأولاد الأصحاء الأقوياء، فكل ما يتعلق بالأسرة مرتبط بعشتار.
من الصفات الأخرى للربة عشتار أنها ربة الحرب، وهي المسؤولة عنها، وقد أعطاها الأشوريون اهتماما خاصا، ونسبوا العديد من معاركهم التي خاضوها وحققوا فيها الانتصار إلى وقوف عشتار معهم،
"جاءت عشتار التي تسكن أربيل والكنائن تتدلى من جنبيها، كانت تحمل القوس بيدها وتشهر السيف للمعركة، وكنت واقفا أمامها، فكلمتك وكأنها أمك التي ولدتك لقد نادتك عشتار المعظمة بين الإلهة وأعطتك الوصايا التالية "سوف تكمل انجاز أوامري واني سأتقدم حيثما وليت وجهك" ص50، مرة أخرى يتم تقديم عشتار بصفات بشرية وأخرى إلهية، فهي تحن على من يعبدها وتقدم له العون في المعركة، وتنتقم من الأعداء، والنص السابق يمثل تاريخ الحملات الأشورية على المناطق المجاورة، حيث تم ذكر مناطق جغرافية (أرابيل).
وكتأكيد على الأهمية التي أولاها الأشوريون لعشتار فقد سمو العديد من مدنهم مقرونا بعشتار "عشتار بينوى، عشتار أربيل، عشتار بيت كتموري، عشتار دينيتي، عشتار انوناتي" ص78، فلو رجعنا إلى الإلهة التي عبدها العراقيون القدماء لوجدنا بأنهم كانوا يتغيرون باستمرار، ويأتي جليل جديد يحل مكان الجيل القديم، مع بقاء الآلهة القديمة، لكن ليس بذات المكانة التي كان عليها، باستثناء الإلهة عشتار التي استمرت مكانتها في العديد من الدول والحضارات التي تعاقبت، فمنذ عام 3500 ق.م إلى عام 525 ق.م كانت عشتار هي الربة الرئيسية، وهذا يدل على استمرار الفكرة الدينية التي تمثلها، إن كانت إلهة الخصب والنماء، أم إلهة الحرب وتدمير.
المعابد التي أقامها العراقيون للإلهة عشتار كانت تنتشر في العديد من المدن العراقية القديمة، لكن المركز الرئيسي كان في مدينة الوركاء، حيث حصلت عشتار من مدينة اريدو التي يسكنها الإله انكي على نواميس الفن والحضارة، بعدما أسكرته فقدم لها كل النواميس التي يملكها، من هنا تتحدث الأساطير عن المكانة المميزة لعشتار في مدينة الوركاء، وكانت المعابد تتكون من جزأين واحد لعشتار والثاني لتموز، كتأكيد على طقوس الزواج المقدس التي استمرت حتى آخر دولة وطنية عراقية، الدولة البابلية الحديثة، وما بوابة عشتار في مدينة بابل التي خلفها البابليون، والتي تمثل تحفة فنية عمرانية، إلا تأكيد على المكانة العظيمة والمستمرة لها.
الإله عشتار كانت تتمتع بصفات أضافية، تتمثل في منحها حق الملوكية لمن تريد، فهناك سرجون الأكادي، المؤسس الأول للدولة الأكادية والتي توسعت حتى وصلت إلى البحر الأعلى (المتوسط) غربا والبحر الأسفل جنوبا (الخليج العربي) فهذا الملك استمد شرعية الملك من الإلهة عشتار التي التقطته من النهر وربته إلى أن وصل إلى سدة الحكم في أكاد.
قصة زواج عشتار وتموز
هذه الأسطورة تتناول حوار مسرحي يدور بين عشتار وأخيها الإله شمس حول المفاضلة بين الفلاح والرعي، ورغم أنها تميل إلى الفلاح إلا أن شمس يقنعها بالراعي تموز، يبدأ الحوار حول الكتان الذي سينسج ليكون ثوبا لعشتار
"أختاه ساجل لك نبات الكتان
من الذي سيمشطه لي؟
أختاه إني سأجلبه لم ممشوطا
من الذي سيغزله لي؟
أختاه إني سأجلبه لكم مغزولا
من الذي سيبرمه لي؟
أختاه سأجلبه لك مبروما
من الذي سيلفه لي؟
أختاه سأجلبه لك ملفوفا
من الذي سيحكه لي؟
أختاه إني سأجلبه لك محاكا
من الذي سيصبغه لي؟
أختاه إني سأجلبه لك مصبوغا
من الذي سيفترشه معي؟
زوجك سيفترشه معك
اشكمل ـ أنا سيفترشه معك
هو الذي ولد من رحم خصيب سيفترشه معك
الذي انحدر من نسل الملوك سيفترشه معك
كلا إنما فتى قلبي: فتى قلبي
أن الذي حظى بقلبي
انه من يحرث الأرض ويملأ مخازن الغلال
ويأتي بالحنطة إلى المستودعات بانتظام
انه الفلاح، حنطته تملأ المخازن
أختاه تزوجي من الراعي
أيتها العذراء انانا، لم لا تقبلي؟
فسمنه طيب، لبنه طيب
الراعي ـ يداه تجعل كل شيء ناضرا
هو الذي سيأكل سمنه الطيب معك
انه حامي الملك
لم لا تقبلي؟
أنا لن أتزوج من الراعي
وسوف لن البس ثيابه الخشنة
ولن اقبل بصوفه الخشن
إني أنا العذراء، سأتزوج من الفلاح
الفلاح الذي يزرع من الحب أنواعا
يدخل تموز على الخط ويبدأ في الحديث مع عشتار
الفلاح عنده أكثر مني!
إذا أعطاني دقيقه الأسود
فسأعطيه ـ الفلاح ـ نعجتي السوداء
وإذا أعطاني دقيقة الأبيض
فسأعطيه ـ الفلاح ـ نعجتي البيضاء
وإذا سقاني صفوة جعته
فسأسقيه ـ الفلاح ـ لبني الدسم
وإذا سقاني أجود جعته
فسأسقيه ـ الفلاح ـ لبني "الكسيم"
وإذا سقاني جعته المعتقة
فسأسقيه ـ الفلاح ـ لبني الشنين
وإذا سقاني جعته المخففة
فسأسقيه الفلاح ـ لبني الخائر
وإذا أعطاني من فاكهته "الخلخالا" الحلو
فسأعطيه ـ الفلاح ـ لبن "اتردا"
وإذا أعطاني خبزه الجيد
فسأعطيه ـ الفلاح ـ جبني المعسول
وإذا أعطاني القليل من باقلائه
فسأعطيه ـ الفلاح ـ القليل من جبني
ومما أكل، ومما اشرب
سأترك له سمنا فائضا
ساترك له لبنا فائضا
الفلاح عنده أكثر مني، ما الذي عنده أكثر مني؟ 89-94، وهكذا توافق عشتار على الزواج من تموز، وهنا ينشأ ما يعرف بالزواج المقدس عند العرقيين، حيث يكون هناك طقس سنوي يمارس فيه الملك دور الإله تموز والكاهنة دور الإلهة عشتار.
قد يبدو للبعض بان هذا الحوار غير مهم، لكن مثل هذا الحوار إذا نظرنا إليه من خلال العصر الذي كتب فيه نجد أهميته، فهو يخبرنا إلى طريقة صناعة النسيج قديما، فهناك مراحل تصنيع عديدة لا بد أن يمر بها الكتان قبل أن يكون جاهزا للاستخدام، كما يوضح لنا الأصناف العديدة المستخلصة من مشتقات الحليب، والذي كان ينتجها الفلاح العراقي القديم، وأيضا يشير النص إلى حالة من الصراع بين الحضر والبدو، فالراعي يمثل البداوة والفلاح يمثل التحضر، وتأتي أهمية هذا النص، إذا قارناه مع النص التوراتي والصراع بين هابيل الفلاح قابيل الراعي، وكيف أن الرب تقبل القربان من الراعي ولم يتقبل من الفلاح، وهنا نجد التماثل بالفوز بين القصتين، فهناك كان الراعي من حصل على الربة عشتار كزوجة، وفي التوراة كان الراعي هو من حصل على رضا الرب.
وهنا لا بد من التذكير بالإناء النذري المكتشف في مدينة الوركاء والذي يعود إلى بداية الألف الثالث قبل الميلاد، وهو يمثل صورة شخص يقدم قرابين من الحيوانات للعشتار، وآخر يحمل جرار ممتلئة بالخضار يقدمها للإله، وهذا الإناء يمثل قصة القرابين التي قدمها كلا من الفلاح (هابيل) والرعي (قابيل)، مما يجعل قصة التوراة التي تتحدث عن تقديم القرابين من قبل ابني آدم ترجع في أصلها إلى جذور سومرية، وهذا الإناء يؤكد على وجود القصة الدينية عند السومريين قبل العبرانيين، بمعنى أن هناك أنبياء ورسل وجدوا في الحضارة السومرية أو قبلها تحدثوا لأقوامهم عن قصة ولدي آدم، وكيف أن الله تقبل من أحدهم ولم يتقبل من الآخر.
الزواج المقدس
في قصة الزواج المقدس يكون حوار عاطفي مترع بالحب والوله بين المرأة ـ عشتار ـ وحبيبها ـ تموز، وقد كان هذا النص من أهم النصوص التي تتحدث عن الحب وما يتعلق به.
"أيها العريس عزيز أنت على قلبي
ما ألذ وصلك، حلو كالشهد
أيها الأسد عزيز أنت على قلبي
ما ألذ وصلك، حلو كالشهد
لقد أسترتني فها أنا أقف مرتعشة أمامك
أيها العريس ليتك أخذتني إلى غرفة النوم
أيها العريس دعني أقبلك
فقبلتي حلوة ألذ من الشهد
وفي غرفة النوم المملوءة شهدا
دعني أتمتع بجمالك اللطيف
أيها الأسد دعني أقبلك
أيها العريس لقد نلت مني رغبتك
فاخبر أمي لكي تعطيك ما لذ وطاب
واخبر أبي لكي يقدم لك الهدايا
نفسك، إني اعرف كيف ادخل السرور إلى نفسك
أيها العريس تعال وبت عندنا حتى الفجر
وأنت ما دمت تحبي
أتوسل إليك أن أقبلك
يا سيدي الإله يا سيدي الحافظ" ص151
اعتقد بأننا أمام أقدم نص يتحدث عن الحب والعشق، فليس هناك نصوص تتناول حالة العشق بهذه الكيفية، مما يدل على استمرار طقوس الزواج المقدس في العراق القديم، وأيضا على أهمية فعل الحب عند المجتمع العراقي القديم.
وأهمية هذا الطقس تكمن في استمراريته، فقد كان يعمل به حتى نهاية الحكم الوطني في العراق القديم. وبقى حيا في ذهنية المجتمع العراقي منذ أن تم تشكيل مدينة أوراك السومرية 3000 ق.م، فهو يشكل احد العناصر الأساسية في العقيدة الدينية العراقية، والتي تتعلق بالخصب والنماء، فمن خلال تمثيل طقوس الزواج بين الربة الكاهنة "عشتار" والملك "تموز" كان الخير ينتشر ويعم الأرض.
وهذا النص ترك أيضا تأثيرا واضحا في المعتقد التوراتي، فهناك سفر "إنشاد الأناشيد" للملك سليمان، الذي يتماثل في العديد من الأفكار واللغة التي قدمتها لنا الكتابة المسمارية، فالجرأة التي تملكها المرأة تتجاوز المفهوم العادي عنها، فهي من يطالب بالوصل والقيام بعلاقة الحب دون خجل، وكأنها رجل وليس امرأة، وهذا ما جعل من إنشاد الأناشيد ينسب إلى الأدب العراقي القديم، فلا يوجد في المجتمع العبري ما يشير إلى الحرية التي منحت للمرأة، فالعديد من القصص التي تناولتها التوراة كانت المرأة تعلب دورا هامشيا، ومحافظا، وكل الأدوار كانت من نصيب الرجل، من هنا نجد البعض من تحدث عن ـ سرقة ـ هذا السفر من الأدب العراقي القديم.
ندب الإله تموز
تتحدث الأسطورة السومرية عن رغبة عشتار للنزول إلى العالم الأسفل، لمواساة شقيقتها الإلهة "ارشكيجال" ربة العالم السفلي، وقبل نزولها توصي خادمها "ننشوبر" بان يذهب إلى الإله انليل، ويتوسل له لكي يعيدها من العالم السفلي، وإذا رفض أذهب إلى الإله "ننا" وطلب منه المساعدة، فإذا رفض فذهب إلى الإله "انكي" وهو سيقدم العون لعودتي من العالم السفلي، وبعد أن ترجع من العالم السفلي يحضر معها شياطين لكي يأخذو شخصاً بديلا عنها، فتجد في طريقها خادمها "ننشوبر" فيهم الشياطين بأخذه، لكنها تمنعهم فهو من أنقذها من الجحيم، وتستمر في طريقها فتجد "لاتراك" القائد، فترفض أن تسلمه لهم، وتسمر في طريقها إلى أن تصل إلى "كولاب" وهناك تجد تموز جالسا مسترخيا غير مبال لعشتار التي ذهبت للعالم السفلي فتطلب منهم أن يأخذوه، فيبدأ الشياطين بضربه، يحاول الهرب مرتين بمساعدة الإلهة، لكن يفشل حيث تجده الشياطين مختبئا في حظيرة الأغنام عند أخته "كشتن"، وهناك يتعرض لضرب مبرح وتأخذه الشياطين إلى العالم السفلي، وهنا يذكر لنا النص المسماري مشهد تموز أثناء تعرضه للضرب
"فالقوا القبض على دموزي في الحظيرة المقدسة للأغنام
لقد أحاطوا به وقبضوا عليه وراحوا يحدقون به
وشهروا ضد الفتى ال ... والفأس
وجرحوا حجره بالسكاكين
وراحت الأخت، بسبب أخيها تجوب في المدينة مثل طير وتقول
أخي دعني .. الشر، دعني اجلب ..." ص204، من هنا كانت تمارس عملية الندب والحزن على تموز، وقد استمرت هذا الطقس الديني إلى وقت متأخر جدا في العراق القديم والمنطقة، فترك اثأرا واضحا عند العديد من الشعوب التي مرت على ارض العراق.
وهناك من ربط بين حالة تموز أثناء القبض عليه وما تعرض له من تعذيب مع حالة السيد المسيح أثناء القبض عليه وتعرضه للتعذيب بما يسمى "درب الآلام" كما أن من سلم تموز هي اقرب الناس عليه زوجته عشتار، ومن سلم السيد المسيح هو يهوذا احد تلاميذه ومن المقربين.
وهناك من يرجع طقوس الندب التي يقوم بها الشيعة على الحسين، ترجع في أصولها إلى جذور اختفاء تموز، وهي تعد احد الأشكال التي ما زالت مستمرة في العراق رغم اخذها أفكارا جديدة واعتقادا دينيا توحيديا.
إله الخصب
الإله "تموزي" إله ارضي يشارك "عشتار" في مفهوم الخصب، وقد تم تجسيده على شكل ثور الذي يرمز للخصوبة والذكورة والقوة معا، وكما قلنا سابقا بان الأفكار الدينية التي ألبسها المجتمع العراقي القديم للربة "الأم" عشتار، البس صفات الذكر ـ الرجل ـ "لتموزي" وهنا نستنتج بان الأفكار الإنسانية ـ رجل وامرأة ـ والطبيعية المتمثلة في الحيوانات ـ البقرة والعجل ـ كانت تمثل أهم الأسس التي اعتمدها العراقيون القدماء في تشكيل فكرتهم عن الآلهة.
ضمن هذا المفهوم تم الجمع بين الزوجين "عشتار وتموز" فكان لا بد من تجسيد علاقة الزوج وزوجته بعلاقة إنسانية تتمثل في طقوس "الزواج المقدس" الذي كان يتم بين الملك والكاهنة العظمى.
أما لماذا تم اختيار "تموزي" دون غيرة لأخذ إله الخصب، فيقول الكاتب على لسان الأستاذ "كريمر" "ربما كان لبعض الانجازات التي حققها خلال حياته أثر في ذلك" ص37، وقد اعتمد "كريمر" على هذا النص الذي جاء على لسان عشتار كشاهد وتدعيم لفكرته:
"وأمعنت النظر في الناس كلهم
فاخترت من بينهم دموزي لإلوهية البلاد
إنه من تعتز به أمي دائما
ومن يجعله أبي ..." ص38.
ومعنى اسم "تموزي" يعني الابن الصالح لمياه المحيط، ومن صفاته انه الراعي، وقد تحدثت عنه النصوص المسمارية بهذه الصفة، فقد تقدم لخطبة عشتار الفلاح الذي ينتج من الأرض كل ما هو شهي، والراعي تموز الذي ينتج من أغنامه كل مشتقات الحليب، فيكون هناك حوار مفاضلة بين عشتار وأخيها لاختار الأفضل، فيتم الرسوخ على تموز كزوج لعشتار.
رائد الحواري



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظام القرابين في المجتمع السومري
- عقيدة تموز
- البيضة والتمساح
- -في رداء قديم- نسمة العكلوك
- -رسائل قاضي اشبيلية- الفرد فرج
- -|الجبل الخامس- بين الدين والعصر، الصراع وتحقيق الذات باولو ...
- جدلية التطرف
- المناضل والمجاهد
- -عمدوني... فأعدوني اسما- جيروم شاهين
- مسرحية -أبو الهول الحي- رجب تشوسيا
- الجنة والنار
- -مسرحية الايام الخوالي- هارولد ينتر
- -قلب العقرب- محمد حلمي الريشة
- -عودة الموريسكي من تنهداته
- رواية -الدوائر- خليل إبراهيم حسونة
- - في ظلال المشكينو- أحمد خلف
- -الخراب الجميل- أحمد خلف
- -الرجل النازل- علي السوداني
- التفريغ
- الأشهر القمرية لغريب عسقلاني


المزيد.....




- مشهد صادم.. رجل يتجول أمام منزل ويوجه المسدس نحو كاميرا البا ...
- داخلية الكويت تعلن ضبط سوداني متهم بالقتل العمد خلال أقل من ...
- مدمن مخدرات يشكو للشرطة غش تاجر مخدرات في الكويت
- صابرين جودة.. إنقاذ الرضيعة الغزية من رحم أمها التي قتلت بال ...
- هل اقتصر تعطيل إسرائيل لنظام تحديد المواقع على -تحييد التهدي ...
- بعد تقارير عن عزم الدوحة ترحيلهم.. الخارجية القطرية: -لا يوج ...
- دوروف يعلّق على حذف -تليغرام- من متجر App Store في الصين
- أبو عبيدة: رد إيران بحجمه وطبيعته أربك حسابات إسرائيل
- الرئاسة الأوكرانية تتحدث عن اندلاع حرب عالمية ثالثة وتحدد أط ...
- حدث مذهل والثالث من نوعه في تاريخ البشرية.. اندماج كائنين في ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رائد الحواري - عشتار ومأساة تموز