أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - تيسير عبدالجبار الآلوسي - المثقف العراقي و الدستور؟















المزيد.....

المثقف العراقي و الدستور؟


تيسير عبدالجبار الآلوسي
(Tayseer A. Al Alousi)


الحوار المتمدن-العدد: 1265 - 2005 / 7 / 24 - 10:22
المحور: المجتمع المدني
    


مؤسسات المجتمع المدني هي بنت مجتمع المدينة وهي اليوم في أعلى مستوى تطوري لها. ولا تقوم تلك المؤسسات إلا بناء على التراكم المعرفي لخبرات المجتمع الإنساني. ومن الطبيعي أن تتأتى تلك المعارف والعلوم من حال التدوين والكتابة ومن بوابة التثقيف بالتحديد بمعنى التعديل والتطوير المستمرين.
وهكذا فقد كان المعلم فالمفكِّر والفيلسوف فالمخطِّط والمتخصص الميداني أصحاب الباع الأول في تسيير المجتمع الإنساني وتغييره. ومع تعقد آليات التطور والتغيير والبناء فقد صار جميع هؤلاء على رأس قائمة الحراك الاقتصا-اجتماعي ببنيتيه التحتية والفوقية...
ولكن التطور النوعي للمجتمع البشري قد خلق قواعد مختلفة للقيم المتداولة التي ما عادت أساستها مادية بحتى بل صارت من جماليات الحياة وحاجات الإنسان قيما ومفردات روحية ثقافية محضة.. ما جعلنا اليوم بحاجة جدية لفاعلية المثقف والثقافة ودورهما في تلبية جوهر مطالب المجتمع الإنساني المدني..
اليوم صرنا إلى تكوين مجتمعاتنا بناء على أرضية مختلفة عن المجتمع القروسطي الذي خضع لحكم الأكليروس والمرجعيات الدينية البشرية ولكنها التي تُسْقِط على نفسها القدسية الإلهية زورا وبهتانا! واليوم تعاود بعض الدول الخاضعة لنظم الطغيان الدكتاتورية سواء التي ما زالت في دائرة تلك السلطة أم المتحررة منها؛ تعاود بدورة رجوعية لإشهار سلطان حكم المرجعيات التي تدعي تمثيل سلطة الإله على الأرض!؟
وبهذا تحاول إخراج سلطة العقل ومنطقه الإنساني الحكيم الرشيد بمعنى استبعاد المثقف والثقافة على الرغم من أننا اليوم صرنا إلى مجتمعات لا تقوم إلا على أرضية العقد الاجتماعي أو الدستور العلماني التوافقي بين المواطنين على أساس من المساواة والعدل والإخاء وهي المسائل التي لا يمكننا أن نجدها في صيغ دستورية تفرض قسرا رؤى جهة بعينها على حساب الجهات الأخرى في البلاد الواحدة..
ما يريده المثقف إذن من الدستور اليوم هو أن يُنصف ويساوي بين المواطنين عامة من دون استثناء أو تجاوز من طرف على آخر.. لأن مسألة العدالة والمساواة هي أرضية السلام الاجتماعي وهذا الأخير هو أرضية الإبداع والنشاط الفكري الثقافي الحر.. فلا فعالية للثقافة والمثقف من دون تلك القاعدة حيث نجد التعارض المطلق بين الصراعات والحروب والتناقضات من جهة وبين العمل الثقافي وإبداعاته وإمكانات خدمته البشرية بإيجابية وفاعلية...
إنَّ ما ينتظره المثقف العراقي فضلا عن المبدأ العام في إطلاق الحريات ومنع تحديدها بمحددات قسرية من اي نمط بخاصة منها تلك التكفيرية التي تحجب أية حرية للنشاط العقلي الصحيح وللثقافة وحركتها حيث كبح لجام حصان التطور الجامح ومنعه من كل حركة بل تصفية المثقف لا فكريا حسب بل جسديا على وفق منطق التكفير الديني أو المنع الأيديولوجي. وهذا ما يجعلنا نركز على مبدأ الحريات بعامة ومنها الفكرية والأيديولوجية والاعتقادية وهي جميعها المقدمة اللازمة للإبداع ولحياة الثقافة..
ويريد المثقف في ضوء ذلك تثبيت التزام الدستور بمبادئ حقوق الإنسان على وفق الإعلان العالمي والمواثيق الدولية المقرَّة. كما يريد تثبيت قيم إنسانية بالملموس في الدستور، حيث يُنص على دعم الثقافة والإبداع من باب تواشج العلاقات عبر الأجيال المتعاقبة باستدعاء الجذور الحضارية المتفتحة ولدينا منها في عراقنا ما هو تنويري إنساني مشرق بعمق ووضوح منذ سومر وبابل وأكد وآشور...
ومن هنا كانت قضية دعم الثقافة من الضرورة ما يجب تثبيتها بندا واضحا في الدستور يقر للمثقف حقه ومكانته وواجبه تجاه مجتمعه بتكريم المنطق العقلي التنويري والدفع به وبنشاطه عبر وضعه بمواجهة مسؤولياته واجبات وحقوق. ومن ذلك تثبيت رعاية الآداب والفنون وإعلاء شأنها ومنع المساس بها وبحركتها بجعلها من الثوابت الوطنية المقدسة.. إن مجتمعا يضع الثقافة والمثقف في مثل هذا الموضع يعبر عن المستوى التطوري المتفتح للبشرية ويدفع بخدمة مجتمعه خدمة صائبة وموضوعية تطورية ناضجة تتلاءم وما وصلته المجتمعات المتحضرة..
إذن صار لزاما إزالة أشكال المعوقات من أعمال تحريم وتكفير ومنع وحظر ومن أعمال عرقلة مادية الأسباب أو مؤدلجة وجعل الثقافة والمثقف في موضع التكريم والأولوية التي يتطلب عبرها الرفع من شأن الإنسان وقيمه ووجوده الحقيقي وليس بتشييئه وبسحقه لخدمة الماديات السطحية الصرفة.. ومن دون تثبيت هذه الحقائق في الدستور سيظل أمرها في حال من القلق وعدم الاستقرار والقبول بحالات التوازنات السياسية التي تضرب بالثقافة عرض الحائط مقابل حركة المصالح السياسية المعبرة عن الحاجات والمصالح الاقتصادية أو المادية المجردة الساذجة..
ما يريده المثقف يظل رهنا بالارتقاء بصياغة الدستور عن اليومي العابر وعن الأيديولوجي التكتيكي والسياسي البرغماتي وبتجنيب الدستور فلسفة سياسية تخضع لرؤى الأفراد والجماعات المحدودة على حساب الآخر باي حال من الأحوال وهو ما يريد تجنبه المثقف ليغوص في عالمه العميق والكبير الثابت والراسخ في العمق الروحي للإنسان وفي بنيته وكينونته البشرية المتطورة..
إن الاتفاق على القواسم المشتركة روحيا وثقافيا بين مجموع المتعاقدين من المواطنين هو ما يمثل ديمومة الدستور وثباته وهو ما سمثل الابتعاد عن التجاوز من طرف على آخر وفي تثبيت أرضية الإبداع والحراك الثقافي، وبخلافه سنعيد الأوضاع حيث منع الإنسان من الإفادة من المنجز الإنساني المعاصر ومن درجة التطور البشري ثقافيا إبداعيا ..
وإلا متى يمكن لبدوي أو ريفي أو حتى لابن المدينة أن يقرأ ويتثقف ليستوعب آليات التذوق الإبداعي للقيم الروحية الكبيرة للإبداع الثقافي لعصرنا؟ إذا لم نستطع أن نوفر له حقيقة الفرصة المناسبة لمثل هذا التذوق.. إنَّ كتابة الدستور وصياغته صياغة عقلانية تنويرية هي الحقيقة الوحيدة التي تخلق الفرص المؤاتية للمثقف لكي يمارس نشاطه ويتفاعل مع الآخر ويوصل رسالته الإنسانية الحقة إلى المجموع العام..
من جهة أخرى يلزم للدستور العراقي في مرحلة تأسيسية لانطلاقة الحرية أن يوثق مسألة تكوين منظمات الثقافة ومؤسساتها ويشخص كينونتها في مواد واضحة وأن يدعم فلسفة التأسيس الثقافي الوطني والإنساني ويحرم كل ما دون ذلك ويمنع ما يعرقل حركة المثقف ويوطد ما يحفزه للعطاء الموضوعي ليرسخ الصحي الصحيح بدل المرضي المستشري حيث الثقافة بل الامثقف نفسه يُباع في السوق رخيصا!
ما نريده من الدستور التوكيد على التعددي وعلى التنوع وعلى قبول الآخر وعلى إحياء التاريخ المتحضر والعطاء العقلي الناضح ويسمح بكل ما هو بنائي سليم بل يدعم مسيرته ويرسخها.. فالحديث عن الثقافي في الدستور أمر ليس من العابر أو البرغماتي بل هو جوهر العقد الاجتماعي بين المواطنين الممثل لاسم الدستور ووجوده...
فهل سنجد المؤسسة الثقافية محمية دستوريا؟ وهل ستمتلك تلك المؤسسة الحصانة الجدية المسؤولة بدلا من عمليات المصادرة الفكرية، الدينية (حالة التكفير على سبيل المثال) التي تسمح بهدر دماء المثقفين؟ وهل ستجد المؤسسة الثقافية الصياغة الملائمة في الدستور بما يستجيب لحجمها النوعي في حياتنا المعاصرة؟ وهل ستشمل الحصانة الجامعات ومؤسسات الدراسات ومراكز البحث والمعارض والمسارح والمكتبات والروابط والاتحادات الثقافية وهل سنشهد البرلمان الثقافي الحقيقي الوجود؟
....
أسئلة كاثرة ولكننا بحاجة لتفعيل العمل من أجل دستور ينصف الثقافة والمثقف بعيدا عن المزايدة السياسية أو المناقصة الأيديولوجية المتسترة بعباءة الدين والحقيقة في ذلك تظل سياسية بحتة بما يتعارض مع قيم الإنسان الجديدة ودور المثقف بتقديم تلك القيم...



#تيسير_عبدالجبار_الآلوسي (هاشتاغ)       Tayseer_A._Al_Alousi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أولويات الخدمات الحياتية الأهم للعراقي؟
- الوضع العراقي الراهن والبديل المنتظر؟
- بين ما يُنسَب للبصرة العراقية، وما ينتسب لأطماع خبيثة!؟حكاية ...
- ثورة الرابع عشر من تموز العيد الوطني العراقي
- ثورة الرابع عشر من تموز بين أهدافها ووسائلها
- العراق وعلاقاته بين الشعوب العربية و النظم العربية
- حول إرهاب الدبلوماسيين العرب والأجانب ومواقف بعض المسؤولين و ...
- المرأة العراقية في الحياة العامة
- الشعب مصدر التشريع وكاتب الدستور الأول
- ندوة الحوار الديموقراطي الوطني
- كيف نكسب معركة الدستور؟
- الأحزاب الطائفية للإسلام السياسي تناقض ونفي لمصالح الشيعة وا ...
- حق العراقي المقدس في العودة
- حكاية النشيد الوطني والوزارة العتيدة؟
- من أجل جمعية -التكنوقراط- العراقي الألفية؟
- تحذير مختزل من بعض مفردات أداء الجمعية الوطنية؟
- دولة مؤسسات المجتمع المدني أم دولة الميليشيات؟
- الحقوق في الدستور بين الفرد والمجموعة؟
- من أجل تفعيل الحملة من أجل دستور علماني؟
- رفض مصطلح -الأقليات- القومية والدينية في العراق الجديد


المزيد.....




- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...
- اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط ...
- الأمم المتحدة تستنكر -تعمد- تحطيم الأجهزة الطبية المعقدة بمس ...
- يديعوت أحرونوت: حكومة إسرائيل رفضت صفقة لتبادل الأسرى مرتين ...
- اعتقال رجل في القنصلية الإيرانية في باريس بعد بلاغ عن وجود ق ...
- ميقاتي يدعو ماكرون لتبني إعلان مناطق آمنة في سوريا لتسهيل إع ...
- شركات الشحن العالمية تحث الأمم المتحدة على حماية السفن


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - تيسير عبدالجبار الآلوسي - المثقف العراقي و الدستور؟