أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوزية المرعي - أنا والأفعى في بيت الرقة الأورفلي















المزيد.....

أنا والأفعى في بيت الرقة الأورفلي


فوزية المرعي

الحوار المتمدن-العدد: 4467 - 2014 / 5 / 29 - 20:58
المحور: الادب والفن
    




اتصلت ُ بالأستاذ محمود الهادي المسؤول عن البيت الرقي في مدينة أورفا وحاورته بالآتي :
ـ أستاذ محمود .. هل لديكم موطأَ صمتٍ للاجئةٍ عَصَفَتْ بها ريحُ الاغتراب القسري..؟
ـ قال: كلنا أنجال العاصفة ..وهذا البيت مأوى للجميع ...تفضلي أنت سيدةُ البيت ونحن سنكون عندك الضيوف ...
ـ أطربني رده ..وبعد سويعاتٍ وصلتُ الى بيت الرقة المؤلف من طابقين ..صعدَ معي الاستاذ محمود الى الطابق الثاني مشيراً إلى الغرفة التي خُصصتْ لي والتي تفردتُ للإقامة بها بعد ذلك ...
تأملتها ..فوجدتها واسعة بنافذتين تطلان على حديقة تشرئبُ أغصانُها الحبلى بثمار العنــــب والجوز والمانجو وشجرة رمان تزهو بأزهار الجلّنار وتختال بين الأشجار المتشابكة كغانيةٍ لم يَرُقْ لها من الحليِّ سوى الياقوت فازدانَ به جِيدِها وعشرٍ من أصابِعها ...
ورأيتُ سرباً من الحمائم.. تحط وترنق و تهدلُ بنغمٍ أشجاني وأطربني في آنٍ معاً .. رسمتُ لوحة ًلتلك الخميلة على إحدى صفحات الذاكرة بإتقانٍ وأطَرّتهُا بتنهيدة ٍعابقة بسحر المشهد, أغلقتُ النوافــــــذَ فاختفت اللوحة الساحرة ..
ورحتُ أمعنُ النظرَ داخل الغرفة, فوجدتُها خاويةً إلا من فراشٍ اسفنجيٍ وبطانية ووســـــادة وكرسيٍّ ,ألقيتُ بجسدي المُضنى عليه ..أغلقتْ أصابعُ الذاكرة عينيّ فوجدتني أتجولُ في بيتي الذي تركتهُ مرغمة ً ليعششَ فيه الرعبُ والغبارُ والصمتُ والعتمة ُ..وأنا هنا أتسولُ علـــــــى أرصفة الغربة بعيداً عنه وعن رونقه...اختنقتْ روحي بالعبرات ..وتنهدتُ بتنهيدةٍ كادت تطيحُ بأضلاع ِ وجدي ..فجنحتُ إلى نهجٍ فلسفي في الحزن ربما تفرّدتُ به عن سوايَ وهو غنـــــاءٌ تذرفهُ عيونُ قلبي عوضاً عن الدمع الكلاسيكي ..نبراسيَ بيتٌ من الشعر قد يشربُ الخمرَ من تغلو الهمومُ به ...وقد يغني الفتى من شدّة ِ الألمِ) أغلقتُ باب الغرفة ورحتُ أشدو بفاتحة الشجن.. ليه يا بنفسج بتبهج وانت زهر حزين ...وتابعتُ ..مضناك َ جفاهُ مرقدهُ ..وفجأة تجلّت أوتارُ حنجرتي بأداءٍ أذهلني وكنت أظنها تقطعت نتيجة الرعب الذي عانته من دويِّ القذائف والصواريخ والبراميل المتفجرة التي شهدتُها في مدينة الرقة ...وأجبرتني على الفرار لأنقذ ما تيسّرَ لي من بقايا لهاث ٍورعبٍ وحزنٍ لا يعلم بإيقاعاتها سوى السوريين ...ولم أتوقف عن الغناء إلا بعد أن أفرغت ُعَبرَتي الشجنية ...
نهضتُ ..واخترت زاوية ألقيتُ بالفراش عليها بعيداً عن النافذتين لأن النور المبهر في فصل الصيف يصعقني ..فتذبل أغصانُ روحي التواقة إلى الهدوء ..اكتشفتُ في أرض الزاوية فتحة لتصريف ماء الغرفة مغطاة بلوحة معدنية ..توقفتُ ..ترددتُ في التحول الى زاوية أخرى لكني حسمتُ الأمر وغطيّتُ الفتحة بكيسٍ من النايلون ووضعتُ الفراشَ فوقها ....
بعد ثلاثة أيام ٍ من إقامتي.. في وقتٍ يبحثُ فيه جنونُ الليلِ عن مسامرٍ لهُ فيجدني وحيـــدة متأهبة لمشاركته أنخاب ظلمته ..وصمته ..وهدوئه ..بدأتُ أصغي لفحيح ينبثق من الزاوية التي تقبع تحتها تلك الفتحة ...رفعتْ أصابعُ الوساوس الفراشَ بحذرٍ ..تسللتُ بهدوءٍ بعيداً عن الفراش ..أضأتُ مصباح الغرفة ..حبستُ أنفاسي في قفص خوفي وانتظرتُ دقائقَ ...لكني لم أجد شيئاً , ولم أعدْ أصغي لأيِّ شيء.. ضحكت ْ نفسي مني هازئةً ً ..وأمرتني بالخلود الى النوم ...أطفأتُ المصباح ...أشعلتُ لفافة تبغٍ استأنستُ بوميضها الخافت وسط ظلام الغرفة الدامس وتحاورتُ معها بصمتٍ قادني للامتثال إلى نومٍ توسدَ زند القلق والخوف معاً ....
ربما عَبَرَت لحظات أو دقائق كانت تفصلني من عالم الوعي ...إلى اللاوعي ...وإذ بالفحيح ينبثق بشكل جليّ وقويٍّ تمخضَ عن أفعى تسللت بصعوبة من الفتحة التي افترشتها ..وراحت تتلوى أمامي ..لكنها لم تقترب مني ..كتمَ الرعبُ أنفاسي وبتُ أصغي لوجيبِ قلبي الذي تبعثر إيقاعهُ بين السرعة والهدوء...قلتُ في قرارة نفسي انها نهايتي لامحالة ...تأملتْ عيونَ رعبي الافعى وهي تتسلق على الكرسي ...فتكورتْ رافعةً رأسها باتجاهي ثم بدأت تميد بشكل دائريّ كأنها ترسمُ خارطةَ الغرفة بريشةِ سمّها التي تشير بها إلى كل الاتجاهات بألوانٍ تشبهُ لونَ جلدها الأصفر المنقط بدوائرَ بنية, بَدَتْ منسجمةً مع جذع الضوء الذي تهيكلَ أمامها متسللاً من ثغر النافذة المكسور ...استنجدت ُ بالنبي سليمان مدركةً أنهُ الوحيدُ الذي سيترجم لي ما تفحُّ به الأفعى ....
بين حركة وأخرى ...تسللتْ عن شفاه رعبي كلمات هي أشبهُ بالهمس وأنا تحولتُ كصخرة لا حراك بي .. تشهدُ الحوارَ وتنتظرُ المصيرَ الحتميّ ...قلت ُقبحك الله ..أنت عدوتي اللدودة وأقسم لو كنتُ أؤمنُ بالقتل لقتلتكِ حيث وجدتك ِ...جفلتُ إذ ردتْ عليَّ ..لا تخافي أنا لن أؤذيك أبداً ...تأملتُ السقف حيث كان مصدر الصوت ينبثق عنه وليس عنها فأدركتُ أن روح سليمان استجابت لندائي وها هي تقوم بالترجمة الفورية وتنقل ما أضمرهُ وما تفحُ به الأفعى في آنٍ معاً... اقشعرَ جسدي فنهضتُ ثم وقعتُ تكبّلُ جسدي حبال الدهشة ..شعرتُ أن نبرة صوتي ارتفعتْ قليلا ً حين أدركتُ وجودَ صوتٍ ثالثٍ في الغرفة فبادرتها :
ـ وهل جئتِ لمؤانستي ؟ ...فجفلتُ عن صدى الصوت وهو يردد: نعم ...نعم...
ـ يا الهي ...ماهذه البلوى ؟
ـ لالا لستُ بلوى ...جاءني الرد الفوري..
التزمتُ الصمتَ ..وعيناي مغروستان بها ..ورغم هول الموقف وَمَضَتْ ذاكرتي بانهيارات أعادتني إلى الزمن الطفليِّ الجميل حيث كنتُ وأطفال الحي نقفز كالرئام من حيّنا باتجاه نهر الفرات حيث نمارس طقوس طفولتنا هناك ..نتمرغ ُعلى كثبان الرمل ثم نقترب من الضفة لنغسل وجوهنا ونشرب ثم نهرول على الرمال ثانية وهناك اكتشفنا وجود الأفاعي التي أدخلت الرعب إلى قلوبنا فنهرع فزعين إلى بيوتنا ..مذّاك الوقت أصبحتِ الأفعى العدو اللدود الذي لا يبرحني طيفه أبداً...ولطالما طاردتني في أحلامي على مدى سني عمري حتى هذه اللحظة ..
تحاورتُ مع روح صمتي كي لا يفشي الهمسُ لها أو لمترجمها حين أدركتُ أنها تلتقط كل همسة .. وقلتُ لماذا لا أسلك معها طريقــة ديبلوماسية في الحوار تجنبني الموت منها في أيِّ لدغة ...وأنا لا أملك بسالة خالد بن الوليد لأجندلها بضربة سيفٍ ...أو وثبة رمح ..إذا هاجمتني ...؟
ثم جهرتُ بصوتي متذرعةً بحكمة لا علاقة لي بها إذا باغتني احتجاجها وهي عن لسان ( ابن المقفع حين قال: ..ثلاثة لا تؤتمن صحبتهم ..الحاكم والأفعى وشرب السم للتجربة)...
وجاءني الرد: جارَ عليه ظلم الحاكم ..وشملني ليشبع المعنى بالمعنى رغم أني بعيدة عنه وعن قومه كل البعد...
ـ أصبح َالحوارُ يأخذ منحىً منطقياً ..فدبّتْ الروحُ في يديّ لتتقدا بالجرأة فأشعلتُ سيجارة ورحتُ أنفثُ بها لتؤكدَ لي أنني ما زلتُ على قيد الحوار ...
وتذكرتُ مقولةَ جدتي ( الكلام الحلو ..يطلّع الحيّة من الغار ) فاتقدَ الحوارُ بيني وبين جدتي متناسية الغرفة بمن فيها ..فقلت لها : رحمكِ اللهُ جدتي ...تلك مقولة ربما كانت تصــــــلح
لأزمنتكم ..وربما أفاعيكم تختلف عن أفاعي هذا العصر الذي لن يصلح إلا بقتلها حيـــــــــث وُجِدَت ْ...فجفلتُ على فحيح أجفل جرأتي التي تلبستني قبل قليل وأبصرت ُ الأفعى تتــــــحرك وتلتف على أرجل الكرسي حتى طوقته فشعرت ُ أنها تتدرب على تطويقي أو على إرهابي عن بُعد...بدأتْ ارتعاشاتي تحطم كل حواجز الصمت ..فارتعدتْ أوصالي ..شأني شأن سجين يهذي باعترافاتٍ بين يدي جلاده عن جرائم لم يقترفها ...إنه الخوف ..والرعب ..والتعلق بقشـــــة الحياة يدفع بالمرء إلى قول ما يذهل قاموس الكذب برُمّتهِ ....استنجدتُ بالمترجم ليدرأ عني رعبها أو ليترجم لي ما تضمرهُ ...ولكن اتضحَ لي أن دورَ الوسيط تلاشى لأتفردَ بمواجهة خصمي وجهاً لوجــــه ..فعدتُ أسلك نهج الديبلوماسية من جديد ..فانطلق صوتي بغناء حزين يقترب من النواح.. وكأنني أحاول تبديد رعبي من جهة ..وإشغال الأفعى بنبرة جديدة تجنبني الحوار معها من جهة ثانية ...كأننــي أفلحت ُ في مسعاي ؟...حين أبصرتُ الأفعى ..تزحف على بطنها وترفع برأسها وتميد به يمنة ويسرى ...وكأن نوحي أطربها ؟...فتسللتْ بهدوء وعادت إلى جحرها ..فتلاشتْ عني وبقيــتُ أرقبها فعادتْ ذاكرتي بهدوءٍ إلى صفحات الموروث التراثي الذي دونتهُ ذاتَ براءةٍ عن قصة الراعي والأفعى الذي كان يعتلي تلة ً ويبث أنفاسه الشجية لمزماره ..فتخرج الأفعى من جحرها ترقص وتتلوى طربا ً وحين تنتهي تقذف الراعي بليرة ذهبية ثم تلوذ بجحرها .....لكــن أفعايَ اختفتْ دون أن تمنحني سوى الرعب والهلع ففتحتُ حقيبة يدي وأفرغت فوق الفتحة التي انبثقـــــت عنها وتلاشت فيها كل ما أملكهُ من نقــــود تركيــــة وسورية لأغويها باللاعودة ...
فتحتُ عينيّ وأذنــــاي يشنفهما صوت أذان الفجر.. فنهضــــتُ.. ونهلتُ من ريقِ الصباح وضوئيَ ..وركعتُ للمولــى بصلاةٍ بددتْ الرعبَ والهلعَ وأضغاثَ الأحلامِ عني... فغردتُ بصوتٍ تماهى مع هديل اليمامات الذي انبثقَ مع تراتيلِ المآذن فأطربَ الأفقَ , الذي تثاءبَ عن فجرٍ نديٍّ لا يشبهُ أيّ فجــرٍ شهدته ُمنذ نشأتي ...ورددّتُ بقلب مفعمٍ بإيمانٍ مطلقٍ :
خير اللهم اجعله خير ....!

اورفا ـ 25..5..2014
________________
كاتبة وشاعرة سورية



#فوزية_المرعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تهجدات في بيت الرقة - الأورفلي
- قيثارة الحروف
- أنا و الليل و العصفور
- هديل على مقام النوى
- تهجدات في محراب الألم


المزيد.....




- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...
- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوزية المرعي - أنا والأفعى في بيت الرقة الأورفلي