أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فراس جركس - من ثورة الكرامة إلى حروب خط الصدع















المزيد.....

من ثورة الكرامة إلى حروب خط الصدع


فراس جركس

الحوار المتمدن-العدد: 4467 - 2014 / 5 / 29 - 19:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم تعد الثورة السورية مجرد حركة احتجاجية شعبية أو انتفاضة مسلحة ضد نظام سياسي سفّاح، إنما فرضت المعطيات الثقافية المذهبية، والتجييش الطائفي الذي نجح به الأسد وخصومه، والأطماع الإقليمية والمصالح الدولية, لتحويلها إلى صراع طائفي و تأجيجه، وحشد كل طرف أقصى ما يمكن حشده من كوادر بشرية وتقنية وتكنولوجية و عسكرية لمواجهة الطرف الآخر. وكأننا نمضي باتجاه إحدى أكبر حروب "خط الصدع" التي بشّر بها "صموئيل هنتنغتون" قبل حوالي عشرين عاماً. تلك الحروب التي يغذيها اختلاف الثقافات الدينية والإثنية للشعوب. وتصبح ذات ثقافة متحركة في حال تفاقمها، و لا يكون لها حدوداً في القتل والتشفي والتهجير والتطهير من منطلق تلبية النداء المقدس. و يمكن التميز بين نوعين لهذه الحروب: فمنها ما يحدث بين جماعات داخل الدولة الواحدة، ومنها ما يحدث بين دولاً وجماعات لا تنتمي لأي حكومة. وفي المشهد السوري أصبح كلا النوعين في واجهة المشهد، فهل هناك خارطة ديموغرافية ستفرض نفسها ؟ أم أنه مازال بالإمكان ردؤ الصدع ؟
ما إن حطم السوريون جدران الخوف، حتى تجلت سياسة الأسد بالسعي لتغيير طبيعة المجريات وتحويلها من أكثرية شعبية تطالب بالإصلاح سلمياً، إلى نزاع بين الأغلبية السنية والأقلية العلوية، لأن ذلك سينمّي و يستقطب الجهادين التكفيريين الموشومين بالإرهاب. وبذلك ربما يكسب الأسد تعاطف الغرب الذي سيمنحه الشرعية لمحاربه الإرهاب الذي بحجته يستأصل الحراك الشعبي. كما بدأت ترتفع من بين صفوف المحتجين بعض الأصوات المخضبة بإرث الثقافة الدينية، وعلت أكثر مع عسكرة الثورة، خصوصاً أننا في مرحلة تشهد ارتداداً دينياً بسبب الهزائم الكبرى للإيديولوجيات الوضعية، وتطفو الهوية الدينية كإحدى أبرز أشكال التعبير عن الذات. و نظراً لما أورثه الأسد الأب من غبن واستياء في ذاكرة السوريين، و لفضائح الابن المنشورة على حبل الممانعة التي ليس لها من هدف إلا تحويل سوريا إلى منطقة نفوذ تتحكم بها طهران من خلال الولي الفقيه، وللسياسة التي انتهجها في التعامل مع الحراك الشعبي؛ تعمقت الهوة أكثر وبرزت ملامحها على أنها صراع سني / شيعي علوي. سرعان ما اتضحت تلك الملامح بالخطوط العريضة والتفاصيل المملة. فلقد تم تجاوز المتظاهرين الذين تصدوا بصدورهم العارية لرصاص الأسد، من أجل نيل حريتهم وكرامتهم، الهاتفين بوحدة الشعب السوري وترابه، وكذلك رموز الجيش الحر الذين تجري بعروقهم الدماء الوطنية، بل وتصفية العديد منهم. ولم يعد الشأن السوري مسألة داخلية، خصوصاً في ظل تخلي المجتمع الدولي عن التزاماته الأخلاقية المنصوص عليها في شرعة الأمم المتحدة، وانصراف أصحاب القرار للجلوس على طاولة الدم السوري بحثاً عن مصالحهم والتشبث بها، وكأن ما يجري في الساحة السورية هو المعركة الأخيرة من معارك الحرب الباردة، فلها أهميتها وخصوصيتها وحساباتها الدقيقة. لذلك ظلت الثورة يتيمة يتاجر بها أعداؤها والنافذين ممن يسمون مجازاً أصدقاؤها. وأصبحت موطئ قدم لتصفية حسابات طائفية و سياسية على الصعيد الداخلي والإقليمي والدولي.

ربما لم يبالغ السيد "روبرت فيسك" حين قال عن الانقسام السني ــ الشيعي: "إن هذه الخلافات تترك أثرها على العالم". فحين نطّلع على ثمن الصراع الذي يجري على الأرض السورية وكلفته وتداعياته وارتباطاته وامتداداته، نلمس حقيقة تلك المقولة. فسوريا بموقعها وتحالفها مع إيران، خصوصاً بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، الذي أخل بالتوازن الإقليمي، كانت عثرة بوجه الخليج وسياساته تجاه طهران، وضياعها من يد إيران إنما هزيمة مشروعها برمته الساعي للسيطرة على المنطقة. لذلك الصراع على سوريا أصبح مسألة حياة أو موت، وليس هناك ما يستجيب لكبار اللاعبين السياسيين سنّة وشيعة وعلويين في هذا الصراع، ليستطيعوا المضي إلى النهاية، أكثر من العزف على الوتر الطائفي، خصوصاً حين تكون هناك أرض خصبة، أو كحد أدنى أرض يهيؤونها بكل ما يملكون من وسائل لتصبح خصبة، لأن الضرب على الوتر الديني أو الطائفي في بلدان العالم الثالث إنما ضرب على الاختلاف الأعمق في ثقافات المجتمعات، وأنه بمثابة جرس إنذار في حالة سبات، ما إن تتهدد مصالح طائفة أو تشعر طائفة بأنها قادرة على تغيير واقع وتحقيق مكاسب، حتى يتم قرع ذلك الجرس، مهيئاً المؤمنين نفسياً و روحياً على المضي في مسيرة جهادية مقدسة، تهدف لتكريس الذات ومحو الآخر. و لقد قرعوا ذلك الجرس بلونيه السني والشيعي؛ و ليس السوريون وحدهم من رقصوا رقصة الموت على صوته وحسب، بل تخطى الحدود الوطنية، باصطفاف طائفي صريح. فبينما آثرت حماس أن تنأى بنفسها عن أي تأييد لنظام الأسد منذ البداية، أوغل حزب الله في القتال إلى جانبه، وكذلك الميليشيات الشيعية العراقية, وحوثيو اليمن، و ملتحو طهران ذات الدعم اللامحدود لابنها البار على كافة الأصعدة، في حرب لم تعد شعاراتها الطائفية خجولة: "يا لثارات الحسين"، و" لن تسبى زينب مرتين" و أصبح التشفي بالقتل و التمثيل بالجثث و التفنن بتعذيب المعتقلين سمة تميز جنود الأسد ومن يقاتل إلى جانبهم, بدافع الحقد الطائفي الصريح، لا بدافع الاختلاف السياسي.
على الجانب الآخر، لعب المال السياسي الخليجي والإعلام دوراً بارزاً في الضغط على الأصوات الوطنية وتهميشها، والتحريض عليها وتخوينها، والتحريض على رموزها, مركزين على دعم السنة المتشددين واخوان المسلمين وتأجيج العداء الطائفي. إذ لو انتصرت الثورة دون هذه الدماء وهذا الدمار والتشرد، ما كانت لتتوقف ثورات الربيع العربي عند الحدود السورية و ما كانت لتبق عروشهم في مأمن. ففي الوقت الذي اشارت فيه بعض الدول المسماة مجازاً "أصدقاء الشعب السوري" بأصابع الاتهام لنظام الأسد بخصوص إطلاق سجناء القاعدة من السجون ليعيثوا فسادا في سوريا, سهّلت تلك الدول عبور الأعراب والأجانب المتهافتين إلى سوريا من حيث نحتسب ولا نحتسب، الملبيين دعوات الجهاد المقدس دفاعاً عن عاصمة الأمويين، بكل ما تملك من رمزية، وعن مسجدها العريق، وعن أبناء ملّتهم المذهبية، تحت شعارات أفعالها أكثر وضوحاً من أقوالها، فليس أقلها سبي النساء وليس أشدها التلذذ بالذبح. وهذا ترجمة صاخبة لحروب خط الصدع، حيث يسعى كل طرف لتطهير الأرض من الطرف الآخر من منطلق تلبية النداء الإلهي. وما يفاقم من حدة هذه الأنواع من الحروب وجود أماكن مقدسة بالنسبة لطرفي الصراع. وما بين الفعل ورد الفعل أصبح العنف والقتل والتمثيل سمة بارزة, فلم تكن مذبحة "الحولا" وأخواتها غريبة عن تلبية النداء المقدس الهادف لتطهير الأرض من سكانها، و تطهير بعض أحياء حمص و ريفها من السنّة، أو رفع راية "يا حسين" على مسجد مدينة القصير إثر احتلالها من قبل حزب الله. كذلك تطهير القرى في المناطق التي سيطرت عليها المعارضة من السكان العلويين والشيعة واستباحة ممتلكاتهم، وانتهاك مقدساتهم. حيث استفاقت وتعممت مصطلحات لدى الطرفين، تنفي صفة الإيمان عن الآخر و وتجرده من الصفات الإنسانية، فالسنة استعملوا لوصف مؤيدي الأسد و داعميه مصطلحات: النصيريين، الرافضة، المجوس، بينما استعمل العلويون والشيعة مصطلحات: تكفيريين، نواصب، سلفيين. وفي كلا الحالتين يمثل الطرف الآخر عدواً كافراً وقتله واجب ديني مقدس, لذلك شهدنا هروب العلويين والشيعة من المناطق التي تسقط بأيدي المعارضة إلى الساحل، بينما هرب سنة الساحل المعارضون إلى المناطق المحررة أو نزحوا خارج سوريا. وفي كلا الحالتين، إنما يمثل الهروب هروباً من القتل بسبب الخلاف العقائدي الديني بعد انهيار أي مرتكز للثقة والتعايش بين الجانبين . وهذا يجعلنا في أعنف حروب خط الصدع وأكثرها خطورة, و ما كانت لتبلغ تلك الشراسة و التكفير والعنف والتشفّي والتطهير، دون اعتقادات دينية راسخة والإيمان المطلق بها؛ وما كانت لتمتد أذرعها وتتجاوز الحدود لتطال بطرق مختلفة الدول المجاورة، لو لم تكن شعوب تلك الدول ذات ثقافة مماثلة. فكأن ملبيي الندائين الجهاديين اختصروا الكتاب بآية: "واقتلوهم حيث ثقفتموهم".
بعد ثلاث سنوات ونيف، كل المعطيات تشير إلى أن الأسد سيقاتل حتى آخر علوي و آخر شيعي ميليشياوي و آخر مقاتل مأجور معتمداً على "أصدقائه", و الثوار سيكملون طريقهم معتمدين على "أصدقائهم" وعلى ما يغنمون وعلى خزان بشري لا ينضب من أشقاء الطائفة, ورغم التفوق العسكري والتنظيمي لقوات الأسد, يبقى العنصر البشري هو الأكثر أهمية في الحروب. ومع طول الفترة الزمنية للثورة وتعمق العداء, واستمرارية سياسات الثالوث الإقليمي المتمثل بالصفوية الجديدة والعثمانية الجديدة والوهابية الجديدة، واضمحلال القرار الثوري المستقل، ومع غياب أي مؤشر للحسم القريب أو لنجاح أي مؤتمر يهدف لتشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات ما لم تأذن الولايات المتحدة، الراضية تماماً عن استنزاف طرفي الصراع، و التي لها تجربة سابقة وناجحة باستنزاف وتفكيك الاتحاد السوفيتي دون أن تطلق رصاصة واحدة، فإن الخلل الديموغرافي وخارطته الجديدة قد تكون نقطة عبور لخلل سياسي فخارطة سياسية تشكل حدودها خطوط الصدع.
فهل أدرك الذين دفعوا باتجاه التصعيد الطائفي والقتل الطائفي، والذين حملوا على عاتقهم تلك المهمة، أن نظام الأسد هو المستفيد الأوحد منها ؟ وأنه بحروب الإلغاء لا منتصر إلا الموت ولا خاسر إلا الوطن ؟ وأن الأغراب الذين تورطوا بدمائنا ــ بشقّيهم ــ منهم من سيقتل ومنهم من سيرحل وسنبقى كسوريين وحيدين نلملم جراحنا ونعيد بناء وطننا ؟ فالثورة ليست مجرد اسقاط نظام وتحطيم أصنام، إنما الثورة فكر نيّر، ورفع للظلم، وبناء الإنسان في دولة القانون والمواطنة.



#فراس_جركس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فراس جركس - من ثورة الكرامة إلى حروب خط الصدع