أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - .سامي فريدي - -هَذَا هُوَ حَمَلُ الْفدَاء!-















المزيد.....

-هَذَا هُوَ حَمَلُ الْفدَاء!-


.سامي فريدي

الحوار المتمدن-العدد: 4464 - 2014 / 5 / 26 - 22:17
المحور: حقوق الانسان
    


سامي فريدي
"هَذَا هُوَ حَمَلُ الْفدَاء!"
"أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ فَادِيَّ حَيٌّ، وَالآخِرَ عَلَى الأَرْضِ فِي النَّهَايَةِ يَقُومُ!."- (أيّوب19: 25)
" إِنَّ هذَا قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، وَلِعَلاَمَةٍ تُقَاوَمُ. وَأَنْتِ أَيْضًا (يا مَرْيَمُ!) يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ!، لِتُعْلَنَ أَفْكَارٌ مِنْ قُلُوبٍ كَثِيرَةٍ!."- (لوقا2: 34- 35)
يوحنا1: 29 "وَفِي الْغَدِ نَظَرَ يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ، فَقَالَ: هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!. 30 هذَا هُوَ الَّذِي قُلْتُ عَنْهُ: يَأْتِي بَعْدِي، رَجُلٌ صَارَ قُدَّامِي، لأَنَّهُ كَانَ قَبْلِي. 31 وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ. لكِنْ لِيُظْهَرَ لإِسْرَائِيلَ لِذلِكَ جِئْتُ أُعَمِّدُ بِالْمَاءِ!. 32 وَشَهِدَ يُوحَنَّا قَائلاً: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ الرُّوحَ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ مِنَ السَّمَاءِ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ. 33 وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ، لكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي لأُعَمِّدَ بِالْمَاءِ، ذَاكَ قَالَ لِي: الَّذِي تَرَى الرُّوحَ نَازِلاً وَمُسْتَقِرًّا عَلَيْهِ، فَهذَا هُوَ الَّذِي يُعَمِّدُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ. 34 وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هذَا هُوَ ابْنُ اللهِ"!.
أشعياء53: 1 "مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا، وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ؟ 2 نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْق مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ، لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيَهُ. 3 مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحَزَنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ. 4 لكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ اللهِ وَمَذْلُولاً. 5 وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. 6 كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. 7 ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. 8 مِنَ الضُّغْطَةِ وَمِنَ الدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ، أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟. 9 وَجُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ، وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ. عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْمًا، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ. 10 أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلاً تَطُولُ أَيَّامُهُ، وَمَسَرَّةُ الرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ. 11 مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ، وَعَبْدِي الْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا. 12 لِذلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ الأَعِزَّاءِ وَمَعَ الْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ"!.
"من كان منكم بلا خطيئة، فليرمها بحجر!". الانسان كائن مغرور، مرائي، يعيش في الواقع وينكره. فالصراحة والشفافية -بلغة اليوم- من أصعب ما يكون عليه، لأنهما من الصدق.والطفل البشري بعد الثالثة او الخامسة تسأله: مَن رمى هذا الكوب على الأرض؟.. فيقول لك: لستُ أنا!. وفي الحجرة لا يوجد أحد غيره!. تقول له: لماذا بكى اخوك؟ فيقول: لستُ أنا. لا أدري!. هل الطفل يعرف الكذب والصدق؟.. كيف تعلم ذلك؟.. أم أنها طبيعة كامنة فيه.
أمام هذا السؤال توقف الفكر الانساني على مدى الزمن، وحاول أن يجد طريقة تساعد البشر للارتقاء إلى طراز من حياة لائقة راقية وجديرة بالانسان. والهدف الكامن وراء نشأة الامبراطوريات القديمة ليس انتاج دكتاتوريات عسكرية وانما انتاج مجتمع حضاري يتمتع فيه البشر بحياةلائقة. اليأس من اصلاح البشر كان مفاده اقرار الفلاسفةوالمفكرين بأن الانسان شرّير بالفطرة، وان لا صلاح فيه، إلا بالتهذيب والتقويم المبكر وتعليمه الرياضيات والموسيقى والعلوم منذ حداثته(الالمدرسة الاغريقية القديمة). وإلى هؤلاء انضم علماء المسلمين لاحقا بعد أن تمّ استبدال حصة الموسيقى والفنون بالدين(الغزالي). وفي العصر الحديث استغرق سيجوند فرويد جهوده في دراسة الشرّ في البشر، هل هو طبيعي من داخله أم مكتسب من البيئة؟.. هل هو ولادي أم يظهر مع النضج الجنسي؟.. وفي البدء ربطه بالمرحلة الإستية السابقة للغريزة/ الطاقة الجنسية، ثم عاد وربطها بالثانية، ورأى أريك فروم أنه لو قال أنها مرحلة بينهما لأصاب الهدف!. وما زال العلم/ العقل البشري لم يتجاوز هذه النقطة.
هل الانسان بارّ وصالح؟.. لوكان الأمر كذلك لكان الفردوس على الأرض وفي هذه الحياة، بدون تأجيله للحياةالثانية ونفيه إلى ما وراء الأرض!. الانسان ليس بارّا ولا صالحا، الانسان فاسد ومفسد، ويده لا تعمل صلاحا. كلّ ما يعمله البشر هو مثل الأدوية، أعراضه الجانبية السيّئة أكثر من فائدته العلاجية!.
في هذا الجدل العقيم أدلت الديانات بدلوها الطويل.فالتوراة ميّزت بين عمل الله وعمل الانسان. وكل عمل الله صالح وكامل. وعمل البشر ينقصه الصلاح (في الغاية) والكمال (في النتيجة). والانسان من بعد خلقه تمكن منه ابليس الحسود وجعله أسيرا له. الزرادشتية والعقائد الهندية عموما رأت ان العالم المادي تتحكم به قوتان: الخير والشرّ!، وعلى نتائج صراعهما تتوقف حالة الشخص أو العالم. وللانسان دور في التأثير على النتيجة من خلال عمله وانحيازه لأحدهما. فعمل الخير يدعم كفة الخير، والبعد عن الخير يخدم القوّة الشرّيرة. ميزانية الخير والشرّ تنعكس كذلك على مصير الشخص بعد موته. وعدم تبرره الكامل يجعله يعود إلى الحياة (ولادات متكررة) بصورة أو بهيئة أخرى، بشرية أو حيوانية. والذي يتحكم في الأمر هو رصيده من الحسنات أو السيّئات!. وقد أخذ الاسلام من التوراة ان الانسان يولد صالحا، وأن الشرّ مسألة نسبيّة، يكتسبها بالتطبع وليس الطبع. كما استعار من العقائد الزرادشتية والهندية اصطراع المملاك والشيطان في النفس البشرية، وأهمية عمل الشخص (الحسنات والسيّئات)- كلّ حسنة تمحو عشر سيّئات!- لتقرير مصير الشخص بعد الموت وفوزه بجنة الخلد والحور.
المنظور المسيحي لموضوع الشرّ والخطيئة يختلف عما سبق جوهريا وشكليا، ويأخذ علاجه بعدا روحيا يتجاوز البعد المادي الشكلي. ينظلق المنظور المسيحي من نقطة جوهرية هي أن الله محبّة!. وأن خلق الانسان كان جزء من عمل المحبّة. خلقه ليكون معه في ملكوته،قريبا منه، وتحت نظره- في رعايته- يسكن. المحبة الكاملة تشمل الحرّيّة. لذلك خلق الله الانسان حرّا. ومانح الحرية يكون مسؤولا عن تبعاتها. فعندما أخطأ الانسان، لم يتركه الله ويهمله. ثمة مرحلتان أو نوعان من التصرف في علاج الخطأ: أولهما بشري، والثالني إلهي!. في المرحلة الأولى، حاول الانسان معالجة خطأه بنفسه بدون العودة لله، فأخذ أوراق التين (تك3: 7) وحاول تغطية عريه!. لكن أوراق التين، -دالة التفكير والتصرف البشري- لم تنجح في تغطية العري. فتدخل الله وصنع قمصانا من جلد(تك3: 21). قمصان الجلد -المنتشرة هذه الأيام كثيرا!- هي رمز الفداء بالدم الذي يغطي الخطيّة. لكن هذا العلاج لم يكن علاجا جذريا، ولم يحرر نفس الانسان من الشرّ. لأن الجيل الثاني من البشر (قابيل وهابيل) قتلا بعضهما، أي أن الخطية/ الشرّ استفحلت في الانسان، واستمرت كذلك حتى الجيل العاشر، وامتلأت الأرض بالشرور.."ورأى الربّ أنّ شرّ الانسان قد كثر في الأرض. وأن كلّ تصوّر قلبه يتسم دائما بالاثم. فملأ قلبه الأسف والحزن أنه خلق الانسان. وقال الربّ" أمحو الانسان الذي خلقته عن وجه الأرض!"- (تك6: 5- 7). لقد حصل الانسان عبر تاريخه على فرص متعاقبة لمراجعة نفسه واستحياءضميره والعودة عن طريق الشرّ. ولكنه بعد كلّ مرّة يعود كما سابقه. ويقدّم الكتاب المقدّس عرضا متسلسلا لحركة تطور الانسان ونموّ الشرّ في نفسه، إلى جانب معاملات الله وانتظارات رحمته، لعودة المخلوق لخالقه، وعودة الابن إلى ملكوت السماء.
قد يسأل البعض، لماذا لم يجعل الله حلا جذرا حاسما منذ البدء؟.. أليس هو الخالق الكامل المطلق المعرفة، فلماذا جاءت خليقته وأعماله تعاني من نقص وقصور؟.. أنه من الجيّد أن الانسان يفكر ويحاجج إلهه، كذلك فعل أيّوب في سفره الجدلي الشهير في وسط الكتاب المقدّس، لكن معرفة الانسان تبقى محكومة بقدراته المحدودة، وأسئلته الأخلاقية تبقى بحكم ضميره البشري الذي لا يوازي الضمير السماوي. فمن الجيّد أيضا أن يكون الانسان مستعدّا للانصات والتعلّم، لتنمية مداركه وفهم طرق الله.
ان الاه الذي هو محبة، هو الذي جعل الحريّة للانسان. وهو يبقى يحترم هذه الحريّة. فهو ليس إله عبيد، ولا إله أموات!. وبحكم حريته كانت للانسان على مدى تاريخ العهد القديم الحريّة في قرارات حياته وأموره، حتى عندما تكون تلك القرارات بعيدة عن الربّ أو ضدّ صفاته.
وعبر التاريخ البشري تم زهق نفوس ملايين الحيوانات والبشرية ومهرجانات الحرائق والأبخرة، التي اعتقد الناس أنها تقرّبهم من السّماء، بينما هي ترضي شهواتهم ومعتقداتهم المنحرفة.."مَاذَا تُجْديني كَثْرَةُ ذَبَائِحِكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. اتَّخَمْتُ مِنْ مُحْرَقَاتِ كِبَاشٍ وَشَحْمِ مُسَمَّنَاتٍ، وَبِدَمِ عُجُول وَخِرْفَانٍ وَتُيُوسٍ مَا أُسَرُّ. حِينَمَا تَأْتُونَ لِتَظْهَرُوا أَمَامِي، مَنْ طَلَبَ هذَا مِنْ أَيْدِيكُمْ أَنْ تَدُوسُوا دُورِي؟ لاَ تَعُودُوا تَأْتُونَ بِتَقْدِمَةٍ بَاطِلَةٍ. الْبَخُورُ هُوَ مَكْرَهَةٌ لِي. رَأْسُ الشَّهْرِ وَالسَّبْتُ وَنِدَاءُ الْمَحْفَلِ. لَسْتُ أُطِيقُ الإِثْمَ وَالاعْتِكَافَ. رُؤُوسُ شُهُورِكُمْ وَأَعْيَادُكُمْ بَغَضَتْهَا نَفْسِي. صَارَتْ عَلَيَّ ثِقْلاً. مَلِلْتُ حَمْلَهَا. فَحِينَ تَبْسُطُونَ أَيْدِيَكُمْ أَسْتُرُ عَيْنَيَّ عَنْكُمْ، وَإِنْ كَثَّرْتُمُ الصَّلاَةَ لاَ أَسْمَعُ. أَيْدِيكُمْ مَلآنَةٌ دَمًا!. اِغْتَسِلُوا. تَنَقَّوْا. اعْزِلُوا شَرَّ أَفْعَالِكُمْ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيَّ. كُفُّوا عَنْ فِعْلِ الشَّرِّ. تَعَلَّمُوا فَعْلَ الْخَيْرِ. اطْلُبُوا الْحَقَّ. انْصِفُوا الْمَظْلُومَ. اقْضُوا لِلْيَتِيمِ. حَامُوا عَنِ الأَرْمَلَة!ِ."- (أشعياء1: 11- 17). فهناك تعليم خاطئ في هذا المجال، وسوء فهم لطبيعة الربّ وطرقه، تراكمت عبر آلاف السنين. والانسان وحده المسؤول عن تنقية أفكاره وتصحيح مواقفه والتعرّف إلى الطريق الحقّ الذي ينقذه من الألم والندم.
لكن عجز الانسان عن خلاص نفسه، "مَاذا يُقدّمُ الانْسَانُ فدَاءَ نَفْسه!"، جَعَلَ " اَلله، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاء َبِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ، الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي"- (عب1: 1- 3).
يختلف عمل الفداء اليسوعي عن معاملات الله السابقة على الأرض في هذا المجال. ففي كلّ المعاملات السابقة، جعل الله للانسان دورا يكمل به العمل، وكان الانسان مادة العمل وضحيّته أحيانا. لكن الله في عمل الصليب، جسّد محبته الكاملة لبني البشر. فقد قام هو بنفسه بعمل الفداء، وقدّم نفسه -- في صورة الابن/ الكلمة المتجسّد- فداء عن خطيّة الانسان. ان أسمى وأنبل تضحية يمكن أن تكون، هي أن يقوم القاضي بنفسه بدفع غرامة الجرم عن المتهم، عندما تكون الغرامة أكبر من طاقة المتهم، ويكون الأخير عاجزا عن مساعدة نفسه. ان الأب الحقيقي يقدّم نفسه فداء عن أولاده، ويبذل نفسه من أجلهم.هنا يتجسّد المعنى الأسمى للأبوّة والمحبّة الأبويّة، عبر بذل الذات من أجل المحبوب.
تاريخيا.. ألف الفكر الديني على رسم صورة الأله العظيم الحاكم المستبدّ الذي يقدمّ له الناس فروض الطاعة والقرابين وبذل أنفسهم وممتكلتهم. لكن المسيحيّة جاءت لتصحيح هذه الصورة غير الدقيقة لله، إلى صورة الله المحبّ لعمل يده، الذي يريد لهم كلّ خير وصلاح بمشيئته لهم. ان ما حصل قبل ألفي عام في صورة السيّد يسوع المسيح هو تدخّل الله المباشر لأستعادة الانسان من ضلال الخطيئة. والخطيئة بكلمة واحدة هي غياب الله الحقّ من حياة الانسان. هذا التدخل الذي بدأ بالتجسّد الالهي، ما كان له أن يحقق غايته بدون العمل الكفّاري والموت على الصليب للقيام ثانية من الموت.
فالذي جرى ظاهرا على الصليب هي ثلاثة أعمال: كفارة الخطيّة، هزيمة ابليس وعالم الموت، الولادة الجديدة عربون الحياة الأبدية. واتباع يسوع المسيح امتياز الشمول بالفداء والحصول على سلطان الكلمة ضدّ ابليس وأعماله. والمسيحيّة هي الانتقال من الولادة الجسدية - بواسطة الأبوين- إلى الولادة الجديدة الروحيّة. ويشكل التغطيس تحت الماء صورة للنزول في القبر والقيامة من الموت للحياة الأبدية.
أما الذي جرى بفعل عمل الصّليب الكفّاري، على الصعيد الروحي والذي يشمل عودة العلاقة الأصلية بين الخالق والمخلوق فهو كما ّمذكور..
1- غفران الخطايا.. وهو من الغراض المبكرة التي أعلن عنها يسوع أثناء كرازته للرجل المفلوج والمرأة النازفة والخاطئة، بدلالة قوله "جعل لابن الانسان سلطان غفران الخطايا"..
"قَالَ يَسُوعُ: يَاأَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ!."- (لو23: 34)

2- ان لحظة المُصالَحة بدم الحمل الإلهي مثّلت حدّا فاصلا بين زمنين، ما قبل (الزمن/ العهد القديم- الوسطاء والانبياء)، وما بعدُ (الزمن/ العهد الجديد والصلة المباشرة بين الانسان وربّه).. ويتمثل هذا عمليا بالتقويم الميلادي المؤرخ لزمن التعامل والعلاقة المباشرة الجديدة باسم يسوع المسيح..
"وَمِنَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ إِلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ."- [متى27: 45؛ مر15: 33؛ لو23: 44]

3- الغاء الوسطاء بين الأرض والسماء، يوجد وسيط واحد هو يسوع المسيح الذي افتدانا بدمه. حجاب الهيكل هو ذلك الذي يقسم هيكل العبادة إلى قسمين: قسم يدخله المتعبّدون، وقسم لا يدخله غير كبير الكهنة ويدعى قدس الأقداس، وهو يرمز لمحضر الله القدوس. وكان اتصال المؤمنين بالله لابدّ أن يتمّ عن طريق الكاهن/ رئيس الكهنة وبوساطة دم قرابين. الحجاب قطعة واحدة وسميك ومادته قويّة، وانشقاقه طوليا من أعلى للأسفل، يرمز لوقوع المُصالَحة بين الله والانسان، وامكانية الاتصال المباشر والصلاة المباشرة لله مباشرة بدون وساطة كاهن أو نبي. وما كان هذا ليتحقق لولا غفران الخطايا التي وقفت عائقا بين الانسان ومحضر القدّوس..
"وَإِذَا حِجَابُ الْهَيْكَلِ قَدِ انْشَقَّ إِلَى اثْنَيْنِ، مِنْ فَوْقُ إِلَى أَسْفَلُ."- [متى27:51؛ مر15: 38؛ لو23: 45]

4- حقيقة القيامة والولادة الجديدة..وهي تؤرخ للمؤمنين في الزمنة القديمة الذين أشار إليهم المعلّم قائلا ان كثيرين انتظروا ان يروا يومي هذا (مثل أيّوب وابراهيم وداود)، وهو أيضا قال لتوما بعد قيامته: طوبى لمن آمن ولم يرَ!. في إشارة مسبقة لأبناء الزمن الجديد..
"وَالْقُبُورُ تَفَتَّحَتْ، وَقَامَ كَثِيرٌ مِنْ أَجْسَادِ الْقِدِّيسِينَ الرَّاقِدِينَ، وَخَرَجُوا مِنَ الْقُبُورِ بَعْدَ قِيَامَتِهِ، وَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ، وَظَهَرُوا لِكَثِيرِينَ."- (متى27: 52- 53)
بركات الصليب كثيرة جدا من حيث العدد، وغنية جدا من ناحية النعمة، وعميقة جدا من جهة المعرفة، وبصيرة جدا من باب إدراك الأسرار. وهناك كتب عديدة في هذا المجال. والرّوح القدُس بركة أساسية من بركات الصّليب التي وعد بها السيّد المسيح المؤمنين به والتي تفصيل خبرها في (أع2)، وبها كرز التلاميذ والرّسل على نهج السيّد المعلّم، وما زال تلاميذه وأتباعه يعيشون ويكرزون بها. الروح القدس هو وسيلة اتصال المؤمن بربّه ومصدر كلّ قوة ونعمة ومعرفة وسلطان، إلى أبد الآبدين. آمين



#.سامي_فريدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيّها السّودانيّون.. انتصروا لأنفسكم وقيمكم الانسانية!.. انت ...


المزيد.....




- البرلمان العربي يستنكر عجز مجلس الأمن عن تمكين فلسطين من الح ...
- الكويت: موقف مجلس الأمن بشأن عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ي ...
- قائمة الدول التي صوتت مع أو ضد قبول الطلب الفلسطيني كدولة كا ...
- لافروف يعلق على اعتقال شخصين في ألمانيا بشبهة -التجسس- لصالح ...
- اعتقال عشرات الطلاب الداعمين لفلسطين من جامعة كولومبيا الأمي ...
- استياء عربي من رفض أميركا عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- فيديو يوثق استخدام كلب بوليسي أثناء اعتقال شاب في الضفة الغر ...
- فيتو أميركي يفشل مشروع قرار منح فلسطين العضوية في الأمم المت ...
- مساعد وزير الخارجية الأسبق: عرقلة منح فلسطين عضوية بالأمم ال ...
- اعتقال أكثر من 100 شخص خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين في جامعة كو ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - .سامي فريدي - -هَذَا هُوَ حَمَلُ الْفدَاء!-