|
بوح ٌ في جدليات - 2 - عين ٌ على مستحيل ٍ مُمكن ٍ مستتر
نضال الربضي
الحوار المتمدن-العدد: 4461 - 2014 / 5 / 23 - 07:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بوح ٌ في جدليات - 2 - عين ٌ على مستحيل ٍ مُمكن ٍ مستتر
أضاءت الساحة ُ المحاطة ُ بأعمدة ِ البلور لونا ً أزرق َ خافتا ً، كان إيذانا ً بدخول ِ المُراقب الأرضي إلى حضرة ِ كبير ِ المُديرين.
"التحية ُ للمدير ِ الأعظم" ، قال المُراقب و هو يخطو نحو المدير "أهلا بعودتك، ماذا لدينا اليوم؟"
"يبدو أن الحرب في سوريا قد حصدت أكثر من ثمانية آلاف طفل ٍ حتى الآن، و هناك سبعة َ عشر ألفا ً ماتوا في إفريقيا من الجوع، بالإضافة ِ إلى رصيد الأطفال ِ الآخرين في قارات..."
"كفى" قاطعه المدير الأعظم، "مثل كل يوم ٍ إذا ً! لا حاجة َ لتكمل" "سيدي يبدو أن هناك موجة ً جديدةً من المتذمرين، من يتحدثون َ ضدك َ كثروا، و أعتقد أننا يجب أن نتدخل"
رفع المدير الأعظم رأسه إلى الأعلى لينظر إلى مُراقبه النشيط، و الذي لم يكف منذ أربع مليارات عام ٍ عن نقل أخبار ِ هذا الكوكب البائس إليه، تأمله، ما زال شابا ً ، كما صدر َ من النجم ِ الأقدس ِ أول مرة، لم يتغير فيه شئ، هكذا هم المراقبون، لكنه بدأ يأخذ الأمور شخصية ً في الفترة ِ الأخيرة، منذ أن ظهر جنس البشر ِ على الكوكب، و يبدو أيضا ً أنه بدأ يتعلق بهم.
"قل لي أيها المراقب"، قالها بنظرة ٍ نافذة ٍ إلى جوهره النوراني، "هل تطوعت َ مجددا ً للمساعدة؟"
برقت طاقة المراقب بوميض ٍ خفيف ٍ من امتزاجات ٍ مختلفة لألوان الطيف و ادرك أنه لن يستطيع الكذب فأجاب:
"سيدي، أنت تعلم أنهم ضعفاء، و يحتاجون المساعدة، و لا بأس َ من يد ٍ تمتدُّ أحياناً"
تنهد المدير ثم صمت، كان منطق المراقب ِ قويا ً لكنه بلا شك غير نوراني، أشبه ما يكون بهؤلاء الكائنات العضوية، و لطالما أثارت بساطتها شفقته، لكن الكون َ لم يكن يحتمل ُ تلاعبات ٍ في سير الطاقة ِ و تغيرا ً قسريا ً لمساربها، حتى لو كان معنى هذا أن تستمر هذه الكائنات ُ في مصارعة الحياة ِ بشقائها اليومي، لذلك بدا له خطأ المراقب ِ مُستدعيا ً هذه المرة َ لفعل.
"كم يخيب أملي فيك أحيانا ً، أجد نفسي مضطرا ً لتكليفك َ بمجرة ٍ أخرى، أخرج إلى خازن ِ الخرائط الكونية و اختر لك نجما ً على طرف الكون الآخر، أي نجم ٍ تريد، و ارسل لي من يليك َ في الرتبة فورا ً"، قال المدير و هو يرمق ُ مراقبه ُ بنظرة ٍ تُعلن انتهاء الحديث.
"ولكن سيدي، أنا أدرى بهذا الكوكب، فقد راقبتُه منذ أن تشكلت....."
"أعلم هذا، و هو بالضبط لم أريدك أن تتنحى، لا يحتمل ُ هذا الكون خللا ً في توجيه الطاقة، و أنت تعلم هذا جيدا ً، و لا استطيع ُ أن أجازف مجددا ً"
"و لكن البشر سيدي...."
"ليس البشر ُ من شأنك"
"من شأن من إذا ً؟ و كيف نتركهم هكذا، و كل هذا الألم ألا يشفع ُ لحل ٍّ أو حلول؟ ألا يستجلب ُ قليلا ً من الرحمة؟ بعض الحب، التغير، ربما السلام؟"
"السلام ُ و الحب ليسا جزءا ً من مهمتك، أنت مراقب، و هناك َ عملاء ُ ميدانيون، و أنت تعلم هذا جيدا ً"
"لكنهم لا يتدخلون، هم أشبهُ بمراقبين فقط"
"يفعلون بهدوء"
"لا يفعلون شيئا ً ، أنا المراقب و أعلم"
خرج المراقب ُ إلى خازن الخرائط الكونية و اختار نجما ً بعيدا ً كما طُلب منه، بينما تسلَّم َ الذي يليه في الرتبة مهمَّة المراقبة، و شرع في أول يوم ٍ له، يسجِّل أعداد القتلى و الموتى، و يرقب طاقات ِ الحياة ِ التي تغادر أجساد أصحابها نحو النجوم ِ البعيدة، و بدت له المهمةُ سهلة ً لكن شيئا ً فيها لم يكن مريحا ً، كان ضجيجُها مزيجا ً من العبث ِ و القسوة ِ و التلقائية ِ التي لا يمكن تفسيرُها، لكنه أقنع نفسه أنه سيعتادُها.
و بينما كان المدير ُ الأعظم ُ بين أعمدتِه ِ البلورية، و المراقب ُ يمسح ُ الكوكب َ لاستقبال ِ إشارات ِ طاقات ِ الحياة ِ الخارجة، بدا طفل ٌ صغير ٌ على صدر أمِّه ِ كتلة ً من لحم ٍ ملتصق ٍ بعظمه ِ ضعيفا ً، حاول أن يلقم َ ثديها فلم تسعفه قوته، بينما انحنت عليه فسقطت من عينها دمعة ٌ في فمه، جرعها بنهم، فهي الماء ُ الوحيد ُ الذي شربه منذ يومين، بينما ارتفع َ صوت ُ عواء ٍ في الخارج فيما بدى أنه عراك ٌ بين كلبين على شئ ٍ غير ِ مُحدَّد.
تُرى كيف تحتمل ُ كل هذا الضجيج في داخلك؟ أخبرني. * --------------------------------------------------------------------------- *(هذه العبارة الأخيرة بتصرف من المفكر الراحل عبدالله القصيمي).
#نضال_الربضي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل سنبقى ندور ُ في حلقة؟
-
بوح ٌ في جدليات
-
قراءة من سفر التطور – 3 – بين الجين و البيئة و السلوك بحسب ا
...
-
قراءة في الإنسان – 3 – في الهوية الدينية و الدفاع العصبي الم
...
-
في نفي دونية المرأة – 3 – وراثة معامل الطاقة في الخلية البشر
...
-
قراءة في الإنسان – 2 - وجها الوجود و الألوهة الناقضة لفعلها
-
قراءة في الشر – 6 – الرجاء ُ في الألوهة، عتابُها و الدفاع ُ
...
-
عندما ينتحب ُ هاتور
-
قراءة في الشر - 5 - سفر أيوب نموذجا ً ثانيا ً.
-
قراءة في الشر – 4 – سفر رؤيا أخنوخ نموذجا ً.
-
على هامش إفلاس المحتوى – إضحك مع المناخ الروماني
-
قراءة في الشر – 3 – الحكم البشري على أخلاقيات الألوهة
-
قراءة في الشر – 2 - احتجاب الألوهة
-
وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ
-
عندما تجلس لتتعلم
-
رسالة إلى رواد الموقع الكرام.
-
قراءة في واقع المسلمين العرب – الكشف ُ عن جذر ِ التخلف.
-
إلى الأستاذ غسان صابور – و إلى الحوار المتمدن من خلاله
-
خاطرة قصيرة – من وحي الحب من فم القديس أنطونيوس
-
من سفر الإنسان – قراءة في الموت.
المزيد.....
-
“خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم
...
-
فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
-
“ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة
...
-
بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا
...
-
ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
-
بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي
...
-
مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي
...
-
مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة
...
-
بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري
...
-
أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل
...
المزيد.....
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
المزيد.....
|