أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (47)



منزلنا الريفي (47)


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 4458 - 2014 / 5 / 20 - 16:23
المحور: الادب والفن
    


همس الطفولة (4)

وحشة ما بعدها وحشة، فراغ ما بعده فراغ، لا خيط يشدك نحو المستقبل، نعم لقد أصبحت مشدودا نحو الماضي، أما الحاضر فتفرس كتلك الأشواك الحادة التي تعتمرها الأرض خلال الصيف، كنت تسمع في ذلك الصيف القاحل أصوات الزرزور تأتي من بعيد، كانت بعيدة كبعدك عن ذاتك، أحسست أنك دون ذات، دون قارب يقودك نحو بر الأمان، كانت الأمواج عاتية كالحرارة المميتة التي سكنت قريتك ذات يوم، كانت الذات تتلوى كالدجاجة المسعورة، تبدت الأحجار صفراء كالموت، بينما الجدران تترنح وهي على مشارف الانهيار .
في الوقت الذي كانت فيه حنان تهم بالرحيل، كنت تنظر إلى جدائلها المصففة، كنت تفعل ذلك وكأنك تنظر إليها لأول مرة وآخرها . حنان جدائلك جميلة ؛ هكذا كنت تقول لها، بينما هي تشعر بالخجل، وتتورد وجنتاها كنور ساطع تحت الظلال الوارفة، لم تحلم حنان بالرحيل نحو المدينة، كانت تتمنى أن تدرس معي في نفس المدرسة، ولطالما قالت لي أمها : إنها نبيهة مثلك "، على عكس المهدي الذي كان بليدا، ولا يستطيع القراءة والحساب، أما حنان فكانت لديها ذاكرة قوية، لما كانت صغيرة كانت تندس بين النساء، وتصغي السمع جيدا، وتستطيع التقاط كل كبيرة وصغيرة، وكم من مرة أنبتها أمها، فهي لا تمرر أخبار الغرباء فقط، بل تمرر أخبار أسرتها، فكانوا يلقبونها بالعويويدة ، أما أنا فكنت ألقبها ببوينة زوينة ، حقا لقد كانت جميلة، وتخلب الناظرين، وذات يوم كنت متوجها رفقة أخي جمال نحو السقاية على متن الحمار الأشهب، فقال لي : لا ينبغي أن تضيع حنان، فهي لك، ولا تنسى أن تقول فس فس، إن كل الفتيات يعجبهن هذا الرمز، إنه يهيجهن، ويجعلهن ينجذبن نخو الفتيان ، كانت هذه أول مرة أتعلم فيها كيفية التحرش، أو ما يسمى " بالتلواط محليا، لكنني لم أتحرش بها، لأنني أعلم أنها تحبني، لم تدرس حنان في قريتنا، بل درست في المدينة، غير أن هذا لم يمنعني من تتبع أخبارها، كم كنت أتمنى أن تنتقل إلى مدرستنا، لكن هذا لم يحصل، بل الذي حصل هو أنها في سنتها الأولى كانت كثيرة الغياب والهروب من المدرسة، لا أعلم سر ذلك، لكن المهم هو أنها فاجأت الجميع، فالكل كان يتوقع منها بداية موفقة، لقد حاولت جاهدا أن أخمن سر ذلك الهروب، فوجدت أنه التعلق بالأرض، كانت رغبة حنان هي الدراسة بالريف، لكن الهجرة المفاجئة اقتلعتها اقتلاعا، لم تتكيف مع مجال غريب تحفه جدران سميكة، إن المجال يسكننا بقدر ما نسكنه، وحينما لا يحصل هذا، نتشرد في المجال، وننعزل، ونأبى الفعل فيه، فنعيش على أطرافه .
هذا ما حصل مع حنان، فعلى مشارف نهاية السنة الدراسية، كانت تزورني بالريف، وحينما أكون غائبا مختليا مع كتبي في الغابة، كنت أجدها قد سألت عني، كنت أرتاح بقدومها، وكان ذلك اليوم عظيما بالنسبة لي، كنت أجتمع معها في منزلنا الريفي، وكان الذي يضفي جمالية على اجتماعنا، هو نور تلك الشمعة الخافتة، كنا نمارس الحب، وكان يمضي بنا بعيدا، لكنني لم أعلم أن الحب هو عمر تلك الشمعة التي كانت تنقضي ببطء، وفي لحظة من اللحظات عم الظلام .
آخر يوم في المدرسة هو ذلك اليوم الذي نحصل فيه على النتائج، ترافقني حنان، كانت تمسك بي من ذراعي، لم تكن تأبه لأحد، وهل في الحب ما يدعو للخجل ؟ كانت تقول لي : أعلم أنك مجد، وهذا حافز قوي يدفعني للتعلق بك ، كنت أنظر للحب في عينيها، كان يشدني إليها شدا، تدخل معي إلى القسم، يسلم المعلم النتائج للتلاميذ واحدا واحدا، في حين يترك نتيجتي هي الأخيرة، عندها يقول : المدعو ع ع يحصل على الرتبة الأولى بنتيجة مفادها 8.67"، أحس بنشوة كبيرة، تدفعني هذه النقطة لمواصلة العمل، نغادر القسم دون أية جوائز، وعند الخروج تصفعنا نسمات الصيف، عندها أقول لها :
- حنان أنظري
تقول لي :
- إنه التيرس
ننطلق نحو التيرس، هناك تتبدى الحصادات، وهي تتغذى على الزرع، وفي الجهة المقابلة فلاحون يمسكون بمناجلهم، في طريقنا رأيت نسوة يمتطين الحمير، وهن ذاهبات ليزودن رجالهن بالفطور، كان الحب يسكن قريتنا، رأيته يرتدي اللون الأحمر على بشرة الشمس، بينما يرتدي اللون الأخضر على الحقول، قضمنا من أول حقل صادفناه رزمة من الحمص، وضعته حنان بين ذراعيها، وانتظرنا الوصول إلى الوادي، وهناك اغتسلناه، بعدها اقتحمنا لجة الشعيبات ، وهناك صادفنا الأشواك والأحجار، وذات يوم كنت أقرأ رواية الحي اللاتيني قرب نفس الأشواك، فانتابتني فكرة مؤداها : أن الحب طاقة تتفتت كما تتفتت حبة سكر، ومنذ ذلك اليوم الذي رأيت فيه حنان، مازلت معلقا بتلك الأشواك والأحجار .

ع ع / 19 ماي 2014/ المغرب



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سخرية في صحراء الحمى
- منزلنا الريفي (46)
- منزلنا الريفي (46)
- منزلنا الريفي (45)
- منزلنا الريفي (44)
- هواجس ساخرة
- غدا سأولد من جديد
- الوداع
- مشاهد من المستشفى
- أريدها
- تمرد
- منزلنا الريفي (43)
- كلمات من دماء
- خوالجي الباكية
- شاعرة الافتراضي
- النافذة المغلقة
- منزلنا الريفي (42)
- منزلنا الريفي (41)
- منزلنا الريفي (40)
- منزلنا الريفي (39)


المزيد.....






- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (47)