|
دراسة في ” أرواح هائمة ” للكاتب التونسي كمال العيادي
أحمد سليمان
الحوار المتمدن-العدد: 4457 - 2014 / 5 / 19 - 20:22
المحور:
الادب والفن
لعل من اهم المفارقات التاريخية لدي كمشرقي ، التعرف على كاتب تونسي ترك الغرب بعد ربع قرن من المغامرات والترحال والاشتباك مع المزاج الحاد والطقوس الادبية ، ليعود الى بلد مثل مصر ( وهو التونسي القيراواني العتيق ) التي مازالت محط اختبار للحرية والعدالة الاجتماعية والسياسية . كاتب موغل برصيد ثقافي حيث نشأ بأكناف الفرنكفونية والواقعية الاشتراكية وصوﻻ-;- الى الفلسفة اﻻ-;-لمانية ، بمعنى ما اننا نقرأ لرحالة يجوب بين تعدد الثقافات . ما يوحي لنا انه مشغول بنمط يخصه تاركا للنقد يقرر مصير هكذا نوع أدبي .
الحديث هنا عن الشاعر والكاتب التونسي كمال العيادي ومجموعته ( أرواح هائمة) الصادرة حديثا عن “المجلس الأعلى للثقافة” بمصر . تقع المجموعة ب 160 صفحة من الحجم المتوسط بغلاف للفنانة ريم يسوف .
مع جديد العيادي (( المعروف من نشطاء الشبكات الاجتماعية الهادفة تحت مسمى ” كيمو الكينغ ” . )) نكون نحن امام فكاهة متحررة من القيود الجنسانية التي توقفت عن تقديم شكلا مغايرا ، الى جانب ما يبدو لي بأغلب النصوص سردا اغترابيا بإمتياز ..
المرأة عنده حاضرة وبقوة يقسو عليها وتقسو عليه بأغلب نصوصه . يبدأ بقصة فكاهية ” آنيتا ” يتشاجران على الدوام فهي تعرف كل احابيل افكاره وما يخطط ( انا اخاف ببساطة من لسان آنيتا زوجتي . آنيتا الصفراء القاسية ؛ ولذلك اضرب رأسي يوميا . ص 9 ) .
في مكان آخر يشير الى “مارتينا ” التي كشفت لزوجته ( اعتقد بأنها فطنت إلى أنني لن أقدم على الانتحار …. ﻻ-;- احبها . وﻻ-;- احتمل رائحة الدجاج المسلوق والزيوت الغريبة التي تنبعث منها . ص 11 ) .
في توصيفه لعلاقة بطل القصة بمديرة سكن الطلاب “باريسا ألكسندروفنا ” التي بدأت ايضا بشجار ومن ثم الى ( كانت باريسا ألكسندروفنا رقيقة النفس ، وكانت الكلمة مفتاحا الى عالمها وقلبها ، وقد فتحت لي كل المغاليق . ص 22 ) .
سبق وقرأت نصوصا لكمال العيادي في بداية هذا العام تلك النصوص اعتقد انها تمهد لمجموعته التي اتصفحها اﻵ-;-ن ، لنقل ان النص نفسه لكنه امتد الى كتاب آخر ، او ان ما سوف يصدره في وقت ﻻ-;-حق هو المتن اﻷ-;-ساس ، بل ربما كلاهما يمثلان مناخات لتجربة تشكل عنده اﻷ-;-نا الحكائية عن كامل حياته ، بالتالي يضع القارئ امام مجموعة خيارات موطنها العالم السردي .
( عليك ان تلبس هذا القناع وتلعب دور فرايدي السفاح الذي يتسلل في اﻻ-;-حلام ليقطع اﻻ-;-وصال ويمزق اﻷ-;-عضاء بوحشية . ص 31 )
من ناحية موازية يصح القول إذا كان ثمة من يحتاج لسيناريو بدون رتوش او اضافات ، عليه بقصص من هذا النوع على تخوم متعددة ..سيرة او حكاية او حتى اقاصيد بدون إسراف لغوي .
( اتقزز من كلبه الحقير اﻷ-;-سود الذي يناديه بتخنث ، وهو يشقشق سوار معصمه الذهبي .
المالك شاذ ، والكلب شاذ ، والنادلة عاهرة ترتدي ملابس داخلية داكنة … ثم الزبائن كانوا بمنتهى التفاهة والجهل والكآبة والضياع . ص 41 )
كما اسلفت قبلا نلاحظ تأثر الكاتب بدراسته للسينما في شبابه جعله يتقافز بين سطور سيناريوهات تخص عالمه ومزاجه كمختبر لفيلم طويل لم يكتمل .
( انتبهت للمرة اﻷ-;-ولى ، الى ان النادلة جميلة جدا . بل هي في غاية الجمال والروعة . بل هي معجزة في الجمال ص 46 )
سأحكي له قصة حبي ل ” هيام يونس ” العسل المعطر في شفتيها وهي تتهجأ حروف اغانيها ص 50 . )
تتداخل السيرة مع شخوص المؤلف بدون ان يكون لذلك اي اثر للإلتباس لدى القارئ ، بالطبع ان الاساس لهذه القصص التماهي مع الإغتراب عامة . منطلقا من الذات ، متجولا بما يدور في محيط جاء اليه اصلا ليكمل مغامرات على تخوم بلاد الفلسفة بلاد ماركس وغوتيه .
( كنت ألبس معطفا بقبعة مشدودة عند حواف الرقبة ، واحفظ الكثير من القصائد الروسية والعربية . ص 59 )
( قال : ” ميتشكو ” . دكتور ” ميتشكو ” . صديق تونسي طيب ، يسكن عند الشارع الخلفي . إنه طباخ ، درس بإسبانيا .ص 60 )
لا يغفل الكاتب مشاركته في المظاهرات المطالبة بإصلاحات اقتصادية في البلاد وهنا يجيب ( لقد سشاركت مثل الناس بمظاهرة الخبز .ص 74 )
( التفتت يسارا فرأيت ”سالم ” ولد ” منوبية ” وكورا بين كرسي خشبي … ﻻ-;-حظت بأن وجهه مليء بالكدمات وعينيه متورمة 74 )
مدرسة المغايرة :
المكان بالنسبة له حيث تكون الحرية ، لذا نجده يتكلم بمفاخرة عن كل شيئ غير معني بمحظور كتابي او سياسي او ثقافي ، ربما لهذا السبب او لسواه اختار مصر ليكمل فيه ما بدأه من شغف كتابي أرعن . 1-20140513_
كذلك نلاحظ تعمدا واضحا لتداخل السرد يتجلى ذلك عبر مونولوغ مع اغلب ابطال القصص . حيث يتماهى الموضوعي مع الذاتي ، خاصة بقصة ” رحلة الرسامين الثلاثة ” الى جانب شخوص واماكن وعواصم وشوارع واسماء رسامين وكتاب وشعراء فلاسفة : أوجين يونسكو ، آينشتاين ، بوشكين ، روزا لوكسمبورغ ،آﻻ-;-ن بارك ، كلاوس ، دالي ، بيكاسو ، مرسيليا ، القيروان .
فيما اقرأ لكمال العيادي قصصا متماسكة ، مرنة من حيث الخطاب اللغوي ، والتي تذكرني بإرهاصات كتابية في افتتاحية مجلة ثقافية ( كراس – تعنى بالإبداع والفن المغاير ) كنت اصدرها اثناء اقامتي ببيروت صحبة مع شعراء وكتاب قبل عقد ونيف . ثم اصدرت اغلب نصوصي في كنب ابرزها ( خدر السهو ) و ( قبعة المنام ) و ( أتشكل ) وأيضا اصدرتها إلكترونيا .
شخصيا ، اجد نصوص بديعة كالتي أصدرها كمال العيادي في العام 2013 هي نصوص تنتمي لجيلنا المعني بالانتقاد الثقافي والشعري والفكري والسياسي ، جيل تعرض لابشع انواع الالغاء والمحاربة من قبل المؤسسات الرسمية . لم ﻻ-;- ؟ نحن ابناء الهوامش الثقافية الجالسون بأروقة الاختبار والتحديث ومخالفة السائد ، حيث اغلقت امامنا ابواب النشر في الجرائد داخل البلاد . حينها اصبحنا كفئران الحقول نبحث عن امكنة ومنتديات ، او نصدر مجلات تختلف مع سائد ، بل تقاطعه وتنتقده بقوة ، في وقت كانت الكلمة قد تخفي كاتبا ، او تفصله من عمله او تحاصره وتمنعه من السفر . كان ثمن ذلك من اعمارنا وقوتنا وحياتنا ، حيث تعرض قسما منا للملاحقة من ثم الى تجربة اعتقال بفضل ” كتاب التقارير اﻷ-;-منية ” الذين كنا نلاحظ مواضيعهم تتصدر وسائل النشر التي تدار بعقلية اجهزة البوليس السياسي ، هذه العقلية التي حرضت شعوب بلدان عربية عدة لانتفاضات وثورات مازالت مكان اختبار لمشروع الحرية .
أحمد سليمان www.opl-now.org
#أحمد_سليمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوريا : جوازات سفر مُغَمّسة بالدم ، في خطوة من اجل انتخاب رئ
...
-
معمودية الدم السوري ... مفترقات الثورة والعدالة الفالتة
-
كفى تلاعبا بطوائفكم .. أمراء الإرهاب صناعة المخابرات
-
مسودات من جنّة - باير - عن بنت -السنكري - و ” قوّاد الحتة ”
-
نبيّك مكسور يا وقت
-
أربعة اعوام على سجنها… طل الملوحي كاتبة وأسيرة حرب
-
الحق إن الثورة أنثى بلباس مذكر ( femen.man ) فيمن رجل
-
إلى الحب أوﻻ-;- … بالعدالة يا أربابكم
-
مايا ... دفتر أبيض و خبز مذبوح
-
أحمد سليمان : الكاهن إبراهيم سروج و” محرقة ” مكتبته
-
حلب صندوق دنيا يحترق
-
كيماوي “بشار” نووي إيران وفخ أمريكي
-
تعليق علي ما حدث بسيناء
-
الحركة الإحتجاجية في سوريا وآفاق العصيان المدني
-
بعد ثورتين ... يسيل لُعابنا وتذبل عيوننا كُلما قرأنا عن مظاه
...
-
ملف مفتوح : النظام يتبع الهوى وليس القانون، و يتجاوز القواني
...
-
إلى ” طل الملوحي ” أصغر أم و كاتبة وعبرها لنساء سوريا … لن ت
...
-
أحمد سليمان : لن أكتب … اعدوا لنا ” مناشيت ” يخص المرأة وآخر
...
-
سوريا : قضاء- اللا - نزاهة وتشريع الإستبداد ... نفي معلمون ا
...
-
من أحمد سليمان و ندى عبود : إلى أهلنا في ” الحاكمية السورية
...
المزيد.....
-
أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال
...
-
-كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟
...
-
مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان
...
-
الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل
...
-
فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل
...
-
-سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال
...
-
مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م
...
-
NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
-
لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
-
فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر
...
المزيد.....
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
-
الهجرة إلى الجحيم. رواية
/ محمود شاهين
المزيد.....
|