أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 2















المزيد.....

تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4457 - 2014 / 5 / 18 - 00:24
المحور: الادب والفن
    



" جانكو "، لم يكن قد أكملَ بعدُ عقداً من أعوام عمره، حينما تزوّج والده مجدداً.
وربما مضى أسبوعٌ على الواقعة، قبل أن يتسنى للصبيّ الصغير فرصة لقاء امرأة أبيه. إذ كان الأبّ، المراوحُ آنذاك على عتبة سنّ الأربعين، قد أسكن العروسَ في الدور الثاني من المنزل، تاركاً ولدَهُ الوحيدَ في رعاية الخادم المسنّ، المقيم في حجرة بالدور الأرضيّ. هذا الأخير، انتهز فترة غياب سيّده في المسجد لصلاة الجمعة، كي يُمسك بيَد الولد ويصعد معه إلى سطح الدار؛ ثمّة، أين كان يتعهّد تربية سربٍ من الحمام. ويتذكّر " جانكو " جيداً، كيفَ تسمّرَ مُباغتاً هناك بمَرأى " الخالة "، وكانت عندئذٍ تهمّ بجمع الملابس، التي جففتها شمسُ الصيف. لبث مُتردداً هنيهة، قبل أن تتقدّم إليه المرأة الشابّة وعلى شفتيها ابتسامة مضيئة: " عليك أن تعتادَ على وجودي، وأن تناديني ماما إذا شئتَ.. "، خاطبته وهيَ تمرر بنعومة يَدَها الجميلة خِلَل خصلات شعر رأسه. وحسبما انطبعت صورة امرأة الأبّ في ذهنه مذ تلك اللحظات، كان كلّ ما فيها ناعماً وجميلاً.
إلا أنّ صبيّنا، في المقابل، لم يشأ أن يُنادي هذه المرأة بلقب الأمومة مثلما رغبت هيَ، بل دأبَ على مخاطبتها بصفة " الخالة " سواءً في حضور والده أو الخادم العجوز. لاحقاً، عرَفَ منها اسمَها، وأجاز لنفسه أن يَدعوها به خلال المرات القليلة، التي كانا يلتقيان فيها على انفراد. ذلك، لأنه كان يقضي جلّ النهار مع أبيه، ثمّة في مَشغل الأثاث، الكائن في المدينة القديمة غير ببعيدٍ عن مسجدها الكبير. قبل ذلك، علِمَ الولدُ من خادم منزلهم أنّ " زمرّد " كانت زوجة ذلك العطار العجوز، المغربيّ الأصل؛ الذي كان له الفضل في بقائه حياً على إثر وفاة والدته. في هذه الحالة، فمما لا شكّ فيه أنّ صداقة وثيقة كانت قد نشأت بين العطار وأبي الصبيّ اليتيم. ليسَ موضوع المرأة هوَ الدلالة هنا حَسْب، بل أيضاً ما علق جيّداً من رواسب تلك العلاقة في ذاكرة الصبيّ. وكان الغريبُ في الأمر، حقاً، ألا يلتقي " جانكو " قط مع امرأة العطار خلال حياته، خصوصاً وأنّ والده قد اصطحبه إلى منزلهم مرات عديدة. آنذاك، كان العطارُ يعيش في حارة المغاربة؛ ثمّة، في حيّ الصالحين، أين يقيم صديقه معلّم الأثاث.
منذ البدء، بدا أنّ الوفاق لم يكن من نصيب الزوجَيْن، الجديدين.
إنّ " جانكو "، وعلى الرغم من حداثة سنّه وقتئذٍ، بيْدَ أنه كان يكتنِهُ نذيرَ النّحس، المُتنبأ بتصدّع تجربة الزواج. صرخاتُ المرأة، المَشفوعة دوماً بزمجرة رجلها، والمتناهية من حجرة نومهما في عمق الليل، كانت توحي للصبيّ الصغير بأمرٍ غير مُستعصٍ على إدراكه، بما فيه من غموض وإلغاز وغرابة. صباحاً، على سماط الفطور، كانت تظهرُ آثارُ الخصام على كلا القرينَيْن؛ في وجه الرجل، المُتجهِّم، مثلما في سحنة المرأة، الكئيبة. إلا أنّ الكدَرَ كان يُفارق تلك السحنة، الآسرة القسمات، ما أن تلتقي عيناها الواسعتان، الكحيلتان، بعينيّ الصبيّ البهيّ، المُعبِّرتين عن الود. ذلك الشعور الودود، عليه كان أن يُضافرَ أصرته حينما مدّ صبيّنا، ذات مرّة، يدَهُ الدقيقة إلى الخالة: " إنه عقدٌ من الحَجَر الملوّن، اشتريته لك من السوق "، قالها في غير قليلٍ من الحَرَج. وكم أدهشه، وأخجله أيضاً، ما كان من ردّ فعل المرأة، عندما بادرت إلى اعتناقه وتقبيله في خدّه. عندما حلَّ الظلام، كانت فكرةٌ حائرة ما تفتأ تدوّمُ فوق رأس الصبيّ: " لِمَ يتعامل أبي بفظاظة مع امرأة كهذه، لطيفة ورقيقة، وما سرّ قبولها به بعلاً بعد وفاة زوجها؟ ".
كان على الزمن أن يَمضي في دورته المعتادة، المَكتوبة أزلاً باللوح الإلهيّ، قبل أن يقدّر لسرّ الخالة أن يتكشّفَ جلياً. إذ ذاك، وكان صبيّنا قد أضحى رجلاً، سنحت له المصادفة أن يلتقي مع من كان خليلَ " زمرّد "، الأول. صفة ذلك الشخص، كانت مُحالة ولا مَراء لما علِمَهُ " جانكو " من تفاصيل السرّ نفسه. ولنقُلْ منذ البدء، أنّ اللقاءَ مع الشخص الرفيع المقام، المَدعو بالعطار النقشبندي الدمشقي، قد جدَّ هناك في جزيرة الأروام، المنفيّ فيها حاكم الإمارة الكرديّة السابق. " بهزاد "، ابن عمّ ناجرنا، كان قد سبقَ وألحّ عليه في مرافقته إلى تلك الجزيرة، بعدما عَرَفَ عَرَضاً أن سفينته سترسو ثمّة لبعض الوقت: " أنتَ ستبحرُ في مهمّة تخصّ تجارتك، فدَعني أكون لك عوناً خلال الرحلة "، قالها ابن العمّ. وهكذا كان. ولكن، ما لم يكن يخطر ببال تاجرنا، أنّ المهمّة التجاريّة ستغدو في منحىً آخرٍ، خطرٍ للغاية. لقد تبيّن أنّ " بهزاد " كان يودّ الاجتماع مع ذلك الأمير الكرديّ، المنفيّ، بل وأن يبقى في خدمته لو أمكن له ذلك. هذا الأمير، ما لبثَ أن استقبلهما كلاهما في داره الكبيرة، المُتمددة على بقعة فسيحة من الأرض، مرتفعة ومُشجّرة بالغابات والأحراج، تكادُ أن تلامِسَ مياهَ البحر.
" هوَ ذا رجلٌ آخر من قومكم، قادمٌ من الشام الشريف، ينضمّ اليومَ إلى صحبتنا "
قال الأميرُ في احتفاء، فيما كان يومأ بعينيه إلى ناحية الحاشية، المُحتشدة في ديوان داره. " جانكو "، لاحق تلك الإيماءة حتى مُستقرها هناك؛ على أعتاب رجلٍ، جليل الهيئة، توحي ملامحُهُ الحَسَنة أنه يُقارب الحلقة الخامسة من عمره. هذا الأخير، سرعان ما بادلَ مواطنَهُ نظرة الفضول، المَتبوعة من ثمّ بانحناءة الرأس، المُعبّرة عن الاحترام. على الأثر، قدّمَ الحاكم المنفيّ أفرادَ حاشيته لضيفيه. وكان " بهزاد "، من ناحيته، يعرف أكثر أولئك الحضور، والذين ما عتموا أن راحوا يحيطون به ويحيونه بحرارة. هكذا شعورٌ، أليف، انتقل إلى العطار النقشبندي، الدمشقيّ الأصل: " أأنتَ من الشام، إذاً..؟ "، خاطبَ تاجرَنا وقد اختلجت جوارحُهُ بلمسات الحنين والاهتمام سواءً بسواء. أحنى التاجرُ رأسَهُ مُجدداً، قبل أن ينطق في ارتياح " أجل، إنني من حيّ الصالحين وكنتُ مُقيماً في جوار المدرسة الركنية "
" آه، لكم لي ذكريات في ذلك الحيّ.. "
" أحقاً..؟ "
" نعم. كنتُ أملكُ بستاناً في ربض حيّكم، وكان يدرّ عليّ مبلغاً جيداً كلّ عام "، قالها العطار وقد شعّت ابتسامته. ثمّ أردفَ مُتسائلاً وقد تغيّرت نوعاً نبرته " كنتُ أعرفُ أيضاً جارَكم وزعيمَ حيّكم، شمدين آغا؛ أما يزالُ حيّاً؟ ". هزّ التاجرُ رأسَهُ، مومئاً بالإيجاب: " يُقال أنّ شمدين آغا، الطاعنُ في السنّ، قد بدأت تلوح عليه علامات الخرَف. غيرَ أنه خلّفَ أولاداً، كلهم الآن وجهاء أو قادة عسكريين ". ثمّ أتبعَ " جانكو " ذلك بمساءلةٍ تهدفُ إلى إرضاء فضوله: " أعذرني لو استفهمتُ منك عن طبيعة عملك السابق، هناك في الشام؟ ". فأجابَ الرجلُ ببساطة " كنتُ عطاراً.. "، ثمّ أضافَ في ابتسامة مُتكلّفة: " أما لقبي، النقشبندي، فلكون والدي كان من مشايخ الطريقة "
" يا له من اتفاق؛ إنّ جدّي أيضاً كان من مَشايخ الطريقة النقشبندية. كما أنني مدينٌ بحياتي لمهارة عطار مغربيّ الأصل، كان لديه محل في البزوريّة ". فما أن نطق " جانكو " جملته الأخيرة، حتى بان الاهتمامُ في عينيّ الآخر: " كان لديّ محلّ أيضاً في ذلك السوق، وكان العديدُ من جيراني مغاربة ". هنا، لم يَدرِ تاجرُنا كيف ارتجلَ كلامَهُ وفي نيّته التوضيحَ " مَنْ أقصِدُهُ كان شيخاً كبيراً في العمر، ولكن كانت امرأته شابّة ومن جنسه "
" وتلك المرأة، أعني..؟ "، تساءلَ العطارُ بشيءٍ من الحَرَج. عند ذلك، تراءت لخيال " جانكو " صورة الخالة، التي كانت قد غابت عنه مذ أن كان طفلاً: " اسمُها زمرّد، لو كنتَ تعرف رجلها نفسه.. ". عندئذٍ، بدا من تضرّج وجه العطار أنّ الأمرَ لم يَعُد يتعلّق برفيق مهنته، الراحل. فما عتمَ أن تمتمَ في شرود " أأنتَ واثقٌ.. بأنّ اسمَها هوَ زمرّد؟ "
" كلّ الثقة. فقد اقترن بها المرحومُ والدي لفترة قصيرة، وكان ذلك إثرَ وفاة رجلها الأول "
" لقد كنتُ أنا؛ رجلها الأول.. "، قالها العطارُ وهوَ ما يَني مُحتفظاً بملامح تجمَعُ معاً بين الحيرة والذهول. هذا الرجلُ، الجليلُ المَكانة، بدا من ثمّ أنه قد بدأ ينأى بنفسه أكثرَ عن سبيل التحفّظ، حتى لقد راحَ يهوّمُ: " هيَ زمرّدُ السمراءُ، ذات الوشم البربريّ في طابع ذقنها، والتي فقدتها أثناءَ أشهر العامّية، الأولى، حينما وقعتْ في أسر الغوغاء ". ثمّ استطردَ دونما أن يغيّرَ من نبرته " وإذاً، فإنني افترضُ أنّ ذلك العطار، العجوز، قد أنقذها من عقوبة الموت غرقاً في بردى، حالما عرَفَ من ملامحها أنها بالأصل من جنسه. ففي العُرْف، كما تعلم، أنّ المتّهمة بذنب بنات الهوى، يمكن أن تحظى بفرصة النجاة ما لو تقدّم أحدهم للقاضي ليطلب الزواج منها، مُتعهّداً أمامه بتأديبها وتحسين مسلكها ".
أجل، كان " جانكو " يستعيدُ في ذهنه سيرة امرأة أبيه السابقة، ثمّة في صالة الضيافة بمنزل صديقه الرابي. وقد أجاز لنفسه مُقارنة صورَة تلك، القديمة بما تبدّى من ملامح هذه الفتاة، الفاتنة؛ التي كانت، هيَ الأخرى، في سبيلها للبيع في سوق الجواري.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاجرُ موغادور: مستهل الفصل الثالث
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 6
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 5
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 4
- تاجرُ موغادور: بقية الفصل الثاني
- تاجرُ موغادور: تتمة الفصل الثاني
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني
- تاجرُ موغادور: تكملة الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: متابعة الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: بقية الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: تتمّة الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: الفصل الأول
- تاجرُ موغادور: المدخل
- تاجرُ موغادور: المقدمة
- سيرَة حارَة 16
- سيرَة حارَة 15
- سيرَة حارَة 14
- سيرَة حارَة 13
- سيرَة حارَة 12
- سيرَة حارَة 11


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 2